تفصيل

  • الصفحات : 254 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2019،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الاولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-691-55-6.

يتفق اللسانيون على أن الحجاج اكتسح تدريجيا في الآونة الأخيرة مجالات كثيرة وهامة، كالدعاية، والإشهار، والتعليم والسياسة، والقضاء، والسينما، والتلفزيون والبيداغوجيا، والإيديولوجيا وغيرها، وأصبح آلية يتوسل بها كلٌ في اختصاصه، بل تعدى ذلك إلى أن يهيمن على كل محالات التواصل الإنساني؛ ذلك أن الحجاج ينتمي إلى “مجموعة الأفعال الإنسانية التي تسعى إلى الإقناع. فعديد من مقامات التواصل تسعى في الواقع إلى حمل الفرد أو المتلقي أو الجمهور على تبني سلوك ما أو مشاطرة رأي معين”.

والحجاج عند أهله هو”تقديم الحجج والأدلة المؤدية إلى نتيجة معينة، وهو يتمثل في إنجاز تسلسلات استنتاجية داخل الخطاب، وبعبارة أخرى، يتمثل في إنجاز متوالية من الأقوال بعضها هو بمثابة الحجج اللغوية وبعضها الآخر هو بمثابة النتائج التي تستنتج منها”.

وانطلاقا من هذا التحديد لموضوع الحجاج يمكن أن نقف على طبيعة الحجاج وغاياته؛ فالحجاج عبارة عن آليات لغوية وغير لغوية، تستنجد بها الخطابات على اختلاف أجناسها وأشكالها لتسويق حمولتها الفكرية لدى الملتقي، وتتخذها عونا وسندا في حمله على الاستجابة والإذعان للدعاوى التي تطرحها وتنافح عنها.

والحجاج بآلياته المختلفة يستهدف العقل والفؤاد؛ إذ إن بعضه يعمل على تأجيج عاطفة المتلقي واستمالتها نحو التسليم بطروحات الخطاب الذي يستضيفها ويوظفها، فيتحقق الإقناع، وهذا النهج يسمى بالحجاج العاطفي. ويشتغل بعضه الآخر على الذهن، فيفسّر ويعلل ويستدل حتى تنفذ تلك الدعاوى إليه ويذعن لها، فيتحقق الاقتناع، وهذا السبيل يطلق عليه الحجاج العقلي.

إذن، فالحجاج بآلياته المختلفة يسعى إلى تعديل القناعات أو تغييرها، ومن ثم فهو يتعدى بالخطاب من وظيفته الإخبارية أو الإمتاعية إلى وظيفتي الإقناع والاقتناع.

ويشترط أهل الحجاج في فاعلية الأقوال الحجاجية أن تسند إلى ضوابط تحدد الطرائق التي يجب اتباعها لتحصيل مطلوب ما؛ ذلك أن وصف قول ما بأنه حجاجي يقتضي احتواءه على ملفوظين اثنين على الأقل، يقوم أحدهما بتبرير الآخر؛ فيسمى الأول حجة، والثاني نتيجة.

ومن هنا، نستجيز القول إن الحجاج بعدته اللغوية وغير اللغوية، وبعتاده العاطفي والعقلي أضحى قِبلة الخطابات بمختلف أنواعها، وسبيلها في تسويق حمولتها إلى المتلقي، وعدتها في حمله على الإذعان والتسليم.

وفي ضياء ما سبق، جاء هذا المؤلف؛ ليسهم في إثراء هذا الحقل المعرفي من خلال ما قدمه السادة الباحثون من دراسات جادة جمعت بين التنظير والتطبيق.

وفي الأخير نشكر كل السادة الذين ساهموا في ميلاد هذا المنجز العلمي تنسيقا، وتحكيما، ومراجعة، وتصفيفا، وإخراجا، وإشرافا. ونسأل الله عزّ وجلّ أن يكون هذا العمل من مصاديق العلم الذي ينتفع به.