تفصيل

  • الصفحات : 202 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2019،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الاولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-728-10-8.

تعرضت الجزائر عام 1830 إلى انهيار تام أمام القوة الفرنسية التي انطلقت من ميناء تولون، تحت قيادة ديبورمون، واستطاعت أن تنزل بسيدي فرج في منتصف شهر جوان، وبعد عشرين يوما – تخللتها معارك هامة – سلم نظام الداي الحسين مدينة الجزائر بشروط أقل ما يقال عنها إنها كانت مخزية للغاية.

وكان سقوط مدينة الجزائر قد أحدث زلزالا عنيفا مست آثاره المجتمع الجزائري من زوايا عديدة. فبعد تعطيل مؤسسات الدولة الجزائرية (الجيش – القضاء – الديوان..) وإنهاء مهام الموظفين أقدم الفرنسيون على إهانة المؤسسات الدينية التي لها مكانة خاصة في نفوس الجزائريين، ثم مدوا أيديهم إلى الممتلكات فسيطروا عليها واشتروا أغلاها – في أحسن الأحوال – بأبخس الأثمان. أما أموال الأوقاف فاعتبروها ملكا للدولة الفرنسية. وأما الدماء فلم يراعوا لها حرمة.

واختلف الجزائريون حول ما ينبغي أن يكون، فرأت الأغلبية أن الجهاد واجب ديني لا ينبغي تركه، ورأى بعضهم أن البلاد انتقلت من دار إسلام إلى دار كفر يجب أن تُهجر، وراحت أقلية تافهة تدعم الوجود الفرنسي على أمل “تخليص” البلد من الحكم العثماني، أو طمعا في بعض المكافآت المادية.

ولعل الدارس لتاريخ الجزائر ابتداء من هذه السنة المحورية تشد انتباهَه المقاومةُ بمعانيها الواسعة. فالسياسة حاضرة من خلال المطالب التي رفعها حمدان خوجة والذين معه، والإفتاء صامد من خلال شخصيات لها وزن في مجال الفتوى كابن العنابي، وللسلاح أيضا كلمته في الشرق مع أحمد باي وفي الغرب مع الشيخ محي الدين بن مصطفى ثم مع ولده عبد القادر.

ولم تكن جهة لتهدأ، فالمقاومة تتسع مع الأيام، سواء في المناطق القريبة من مدينة الجزائر أو البعيدة عنها. ذلك أن الفرنسيين حاولوا منذ الأيام الأولى أن يتوسعوا خارج حدود العاصمة، ولم يتوقفوا عن ذلك رغم تلقيهم لضربات موجعة، منها فَقْدُ ديبورمون لابنه أميدي الذي أصيب في معركة سيدي خلف.

وكرد فعل على هذا التوسع جاءت مقاومة المناطق القريبة من مدينة الجزائر، وظهرت أسماء لامعة كالحاج السعدي وابن زعمون. وحين عجز نظام الباي حسن بن موسى الباهي عن الدفاع عن وهران لم يجد سندا لدى قبائل الغرب التي اعتبرت النظام مسؤولا عما حل بالبلاد. وخرجت المقاومة من رحم الأمة، دون أن تكون في حاجة إلى نظام يؤطرها. فالمغرب الأقصى حاول أن يضع بصمة على جبين المقاومة لكنه فشل. وكان النظام التونسي قد تواطأ مع الفرنسيين من خلال اتفاق كلوزال مع البيت الحسيني.

ورأى الناس أن التعويل على الآخر ضرب من الانتحار، فجاء التحدي من الداخل من خلال تنظيم المقاومة، واقترح الشيخ محي الدين لقيادتها فظل على رأسها ما يزيد عن عام كامل، ثم خلفه ولده عبد القادر. أما في الشرق فكان الباي أحمد يعتبر نفسه الخليفة الشرعي للنظام السابق، والممثل الأول للسلطان العثماني، لذلك رفض عروض الفرنسيين القاضية بتعيينه على رأس الإقليم الشرقي مقابل ضريبة يدفعها.

وتخللت هذه المقاومات الكبرى مقاومات أخرى لا تقل أهمية، بل هي امتداد للأولى ودعم لها واستمرار لحركيتها رغم ما وقع من احتكاك سلبي بينها في بعض الأحيان. ونذكر هنا على سبيل المثال الشيخ بومعزة، سي زغدود، محمد بن عبد الله، الشيخ موسى الأغواطي، الشيخ بوعود… وحتى حين انطفأت شعلة المقاومتين الكبيرتين على مستوى الشرق والغرب اندلعت مقاومات في بلاد القبائل والزيبان لم يخضعها المستعمر إلا بعد أن جهز لها جيوشا جرارة.

ومما ينبغي تسجيله هنا ضخامة التضحيات التي قدمها الجزائريون وهم يرفضون الذوبان، ولا أدل على ذلك من المحارق التي تعرضوا لها، والسلب الرهيب الذي طالهم على يد الفرنسيين، والهجرة المستمرة وقله الاستقرار، ضف إلى ذلك حالة الخوف المتواصل الناتج عن سياسة الترهيب التي انتهجها المستعمر دون مراعاة للجوانب الإنسانية ولا الأخلاقية التي تحكم عادة صراعات البشر.

لهذه الاعتبارات الهامة، ونظرا لحساسية هذه المرحلة أعددنا للقارئ الكريم في ثنايا هذا الكتاب ترجمة لشخصيات ساهمت في صناعة تاريخ الجزائر خلال عشرين سنة كاملة ابتداء من 1830م، وأدت إلى تداعيات عرفتها البلاد في الفترة اللاحقة. كما يجد القارئ جملة من الأحداث التاريخية التي صاحبت المقاومة الجزائرية للاستعمار الفرنسي، ومعطيات عن بعض الأماكن التي ارتبط اسمها بالمعارك المشهورة، والمدن التي كان لها شأن في المقاومة، وكذا أهم الشخصيات الفرنسية الفاعلة التي ساهمت بقوة في خدمة المشروع الاستعماري الفرنسي.

وتجدر الإشارة هنا إلى صعوبة إنجاز الترجمة من نواحٍ ثلاث؛تتمثل الأولى في استحالة القدرة على الإحاطة بكل الأسماء التي كان لها حضور خلال الفترة المدروسة، وتتمثل الثانية في الاختلافات المتعلقة بكثير من الأسماء الواردة في الكتاب، وهو ما حتم الرجوع إلى أكثر من مصدر ومرجع كمحاولة لضبط المعلومة. أما الثالثة فتكمن في صمت المصادر والمراجع حين يتعلق الأمر ببعض الشخصيات الوطنية، مع ملاحظة هامة هي قلة الكتابة المحلية مقارنة مع ما ترك الفرنسيون، وهو ما يجعلنا نقف أمام إشكالية كبرى ترتبط بالاعتماد على هذه المادة مع ضرورة أخذ الحيطة والحذر عند التعامل معها. فهي “إما جزئية وإما متحيزة” على حد تعبير بيار بوايي.

يبقى علينا أن نشير إلى أننا رتبنا مادة هذا الكتاب ترتيبا أبجديا دون الالتفات إلى نوع المادة، واعتمدنا طريقة التهميش الآلية (APA)والتي يُدرج المصدر أو المرجع طبقا لها مباشرة ضمن المتن، وهو ما يجعل القارئ قادرا على معرفة مصدر المعلومة دون حاجة إلى تغيير موضع النظر، سواء أسفل الورقة أو في نهاية الفصل كما هو معمول به في بعض طرق التهميش.وللقارئ أن يعود إلى قائمة البيبليوغرافيا للاطلاع على كامل المعلومات المتعلقة بالمصدر أو المرجع.

وفي الأخير نرجو أن تكون مادة هذا الكتاب– الذي أخذ منا قرابة سنة كاملة – سندا للباحثين الشباب تسهّل عليهم الاطلاع على تاريخ بلادهم والأحداث المرتبطة به، والتعرف على الشخصيات التي كان لها دور فيه. كما نأمل أن يكون هذا المؤلَّف لبنة في صرح الكتابة التاريخية الجزائرية. والله الموفق لما فيه الخير.

جامعة ابن خلدون – تيارت

04 أفريل 2019