تفصيل

  • الصفحات : 266 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2023،
  • الغلاف : غلاف مقوى ،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-653-6.

مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.

وبعد، هذا كتاب “مقدمة في الأدب الصوفي” تندرج فصوله في سياق الاهتمام بالحركة الصوفية في أبعادها الأدبية، دون إغفال الجوانب التاريخية والثقافية المرتبطة بها، فما أحوجنا اليوم إلى تعميق وعينا ومعرفتنا بهذا الفضاء الروحي، واستثماره في حياتنا الاجتماعية والأدبية والفنية.

لقد استطاع التصوف أن يتناغم مع إيقاع الحياة الإنسانية في مختلف الأعصار والأمصار، واستطاع أيضا أن يبلور لنفسه اتجاها فنيا له حضوره المتميز في الأدب، وأعلام الصوفية رسموا لهم مكانا عَلِيًّا بين أرباب الأدب وصناديده، وسطّروا لهم مسارا سلوكيا زكيا له كلمته في مناهج التربية وعلم النفس والاجتماع.

يضاف إلى الأهمية التي أصبح يحظى بها التصوف في بعده الأدبي، وبعديه الديني والسوسيوثقافي، الأهمية التي أضحى يحتلها في الجانب التعليمي (المقررات الجامعية الجزائرية)، فقد أصبح مقياس الأدب الصوفي لأول مرة مادة علمية مقررة على طلبة الليسانس في الأقسام الأدبية، في البرنامج الجديد الذي أقرته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في الجزائر (فيما عرف آنذاك بالتوحيد القاعدي للمقاييس العلمية لطلبة الليسانس على المستوى الوطني بداية من السنة الجامعية 2015/2016).

وهو لذلك خليق بأن يكون له في الجامعة الجزائرية شعبة خاصة، في مختلف تخصصات العلوم الإنسانية والاجتماعية والأدبية؛ فالتصوف يعتبر مدرسة في الأدب والفن (الإبداع بخلفية روحية) ومدرسة في الأخلاق (الانعتاق من رق النفوس وتحقيق التزكية)، ومدرسة في الاجتماع وعلم النفس  (الضبط والتعبئة، وتحقيق السلم الاجتماعي والتوازن النفسي)، كما أن كثيرا من البحوث المسجلة على طلبة الدكتوراه والماجستير (سواء تلك التي نوقشت أو التي لم تناقش بعد) في كثير من التخصصات الأدبية والاجتماعية والإنسانية شهدت في السنوات الأخيرة اقتحاما لافتا لموضوع التصوف بمختلف الآليات والأدوات الإجرائية التي تتيحها تلك العلوم.

ويذهب الكثيرون إلى عَدِّ التصوف من المرجعيات التراثية الروحية التي يجب العودة إليها، لأهميتها الملحة في عصرنا هذا؛ الموصوف عادة بأنه عصر الماديات والمتناقضات والقلوب الجامدة والمظاهر الفارهة الفارغة ..وبتهميشنا لهذا الإرث الروحي وعدم إحيائه والاستلهام من قيمه السامية المتسامحة، في أعمالنا الأدبية والفنية، وفي ممارساتنا العملية والاجتماعية،نكون لا محالة قد فقدنا بذلك الطاقة الحية التي نخوض بها معركة الحياة.

فالتصوف في جوهر حقيقته ما هو إلا غراس رياضة ومجاهدة ذاتية متواصلة، ثمراته مشاهدة ومعرفة ونشوة تتملك شغاف القلب ولبّه، قوامه تهذيب النفوس وترويض السلوك، لاجتثاث الحظوظ النفسية ورغباتها من القلب، وهو ما يعرف في فقه القلوب بـ “التخلية والتحلية”؛ أي تخلية القلب من الرذائل وتحليته بالفضائل.

وضعنا أمام القارئ في عملنا هذا نصوصا صوفية كثيرة ومتنوعة، مشفوعة بمقاربات وتحليلات مختلفة، اقتضاها السياق وخصوصية المتن، منها ما هو تنظيري، ومنها ما هو قصصي سردي، ومنها ما هو شعري ونظمي، ومنها ما هو حِكَمي وعظي، ومنها ما هو وِرْدِي مناجاتي.. وسيجد القارئ في مختلف صفحات الكتاب حشدا من النصوص الصوفية المتنوعة- الشعرية والنثرية- لأعلام التصوف الإسلامي على امتداد تاريخه الحافل، وكان للتراث الصوفي الجزائري حضورا متميزا متنا ونصوصا وأعلاما.

وقد عدنا إلى كثير من المصادر الصوفية، لنأخذ النصوص من مظانها، ونحب أن نسجل هاهنا أننا وجدنا ثراء في الكتب التي تنظر للتصوف السلوكي بخاصة، وتؤسس لاستراتيجية الخطاب الصوفي بعامة، لكن هذا الثراء قابله نقص يكاد يكون ظاهرا في الكتب التي تُنَظّر لأدبية النص الصوفي، أو تحدد تضاريسه الفنية، وهنا نوجه النظر إلى أننا عدنا إلى كتاب زكي مبارك الموسوم: “التصوف في الأدب والأخلاق” لنستنطق ما فيه من أفكار مركزة، تعتبر منطلقات أساسية مبكرة في مجال التفكير في التصوف من وجهة نظر أدبية، وهو بحق واحد من المصادر الحديثة المهمة في هذا المجال، استأنسنا به في رسم صورة عامة عن مفهوم الأدب الصوفي وأشكاله.

كما عدنا في هذا السياق أيضا إلى كتاب أحمد أمين الموسوم: “ظهر الإسلام”(ج4)، وإلى بعض الدراسات المعاصرة، مثل العمل المتميز الذي أنجزه وفيق سليطين، الموسوم: “الشعر الصوفي بين مفهومي الانفصال والتوحد”..

قسمت كتابي هذا إلى قسمين:

عرضت في القسم الأول منه التصوف من وجهة نظر تاريخية وإبستمولوجية، وجعلته في فصلين: عالجت في الفصل الأول التصوف من حيث المصطلح والمفهوم والنشأة والأطوار، بينما خصصت الفصل الثاني للحديث عن التصوف من الناحية الإبستمولوجية (موقع التصوف ومركزيته بالنسبة لبعض العلوم المجاورة).

أما القسم الثاني: فخصصته للحديث عن التصوف من وجهة نظر أدبية، أفردت له تمهيدا تناولت فيه مفهوم الأدب الصوفي وأطواره، ثم قسمته إلى ثلاثة فصول، تعرضت في الفصل الأول منه للنثر الصوفي، وجعلته في مبحثين تطرقت في المبحث الأول إلى نماذج من النصوص النثرية الصوفية التأصيلية التي أسست للخطاب الصوفي، ثم عرجت في المبحث الثاني على بعض الأغراض التي تردد صداها في النثر الصوفي.

وفي الفصل الثاني تدارست الشعر الصوفي، حيث افتتحته بتمهيد ضمنته أهمية النظم الشعري في تصوير التجربة الصوفية، وقسمته إلى ثلاثة مباحث، خصصت المبحث الأول منه للحديث عن بدايات الشعر الصوفي وتطوره وخصائصه، وفحصت في المبحث الثاني أهم الأغراض في الشعر الصوفي، أما المبحث الأخير منه فتعرضت فيه إلى بعض القضايا الفلسفية التي ترددت في الشعر الصوفي.

وتوجت دراستي بخاتمة، ثم قائمة للمصادر والمراجع التي كانت معتمدنا في هذا العمل، وفهرس عام لأهم الموضوعات.

ولا يسعني أخيرا إلا أن أزجي خالص التشكرات إلى الأستاذين الصديقين: د.مصطفى علي بن شريف وأ.د. رضا بابا أحمد على ما أتحفاني به من تشجيع وعون في سبيل إخراج هذا العمل.

في الأخير، أرجو أن يسهم هذا العمل في التعريف بالنص الصوفي، شعرا ونثرا، وفي التعرّف على بعض جوانبه اللغوية والفنية والإبداعية، وفي التواصل مع بعض أعلامه مشرقا ومغربا، ونتمنى أن يسهم أيضا في دفع الباحثين للاهتمام بتراثنا الصوفي في أعمالهم الأدبية واللغوية والفنية والنقدية المعاصرة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

أ.د. قويدر قيداري

تلمسان في 07 سبتمبر 2021