تفصيل

  • الصفحات : 340 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2022،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،

يعتبر التعليم العالي أهم مرتكزات التنمية الشاملة، وذلك من خلال مساهمته في إعداد الكوادر الفنية والأكاديمية والمهنية لمؤسسات المجتمع المختلفة، إضافة إلى دوره في تطوير المعرفة واستخدامها ونشرها من خلال البحث العلمي، وإعداد المتخصصين في مجالاته وتطوير أساليب خدمة المجتمع والبيئة.

لذلك حظيت عملية تطوير التعليم باهتمام كبير في معظم دول العالم، وكان من أهم أدوات تطويره تطبيق معايير الجودة التي أصبحت سمة من سمات هذا العصر، مما جعل المفكرين يطلقون على هذا العصر عصر الجودة باعتبارها إحدى الركائز الأساسية لنموذج الإدارة الناجحة التي ظهرت لمسايرة المتغيرات الدولية والمحلية ومحاولة التكيف معها، وبناءًا على ذلك فإن تحديد المرتكزات الأساسية للجودة يحتل أهمية كبيرة في إطار التطبيق العملي لها في مختلف المؤسسات العاملة، ومنها المؤسسات التعليم العالي.

وتهدف عملية الجودة إلى تطبيق أساليب متقدمة للتحسين والتطوير المستمر لمدخلات العملية التعليمية وتحقيق أعلى المستويات الممكنة في الممارسات أو العمليات، وبالتالي تجويد مخرجات مؤسسات التعليم العالي، وتتضمن هذه العملية تطبيق مجموعة من المعايير التي يهدف تنفيذها إلى التحسين المستمر في المنتج التعليمي. هذا الأخير الذي يعتبر منتج غير ملموس وبالتالي تترتب عن قياس جودة الخدمة التعليمية تحديات خاصة تتمثل في خصائص الخدمة كمنتج غير مادي وغير نمطي، يتأثر بالعامل البشري من جهة مقدم الخدمة ومن جهة المستفيد منها.

وعلى هذا الاساس ظهرت نسبة كبيرة من الدراسات في مجال القياس جودة الخدمة انطلقت من كتابات الثلاثي (Bery, Parasuraman and Zeithaml) سنة 1985 الذين انتهى عملهم إلى نموذجهم الشهير سيرفكوال (Servqual)، يعتمد الذي يعتمد عند تعريف جودة الخدمة على مفهوم الفجوة، حيث يطرح خمس فجوات أبرزها الفجوة بين توقعات وإدراكات العميل لما يقدم له. لقياس هذه الفجوة اعتمد أصحاب هذا النموذج على بنية من خمسة أبعاد: الملموسية،  الاعتمادية، الاستجابة، الامان، والتعاطف، ويؤكد الكتاب الثلاثة أن هذه البنية الخماسية صالحة مع تعديلات محدودة لتلائم كل القطاعات الخدمية ومختلف البيئات الاقتصادية؛ وطوروا مقياسا مبنيا على هذه الأبعاد اعتبروه بمثابة”عمود فقري” يبنى عليه لتكوين مقاييس الجودة المدركة في أي صناعة خدمية تقريبا، النموذج البديل الأكثر شهرة Service Performance والذي يعرف اختصارا سيرفبارف (Servperf) والذي حظي بقبول واسع لدى العديد من الباحثين، حيث أثبت الثلاثي (1994(PZB, أن نسبة التباين التي يفسرها نموذج أداء الخدمة أعلى من نسبة التباين التي يفسرها نموذج جودة الخدمة، ويعتمد هذا النموذج على ذات الأبعاد فالاختلاف بينه وبين سابقه لم يتعد اعتماد مفهوم للجودة المدركة يستغني عن التوقعات ويكتفي بالأداء.

ولقد اكتسبت الحاجة إلى الجودة في الخدمة التعليمية أبعادًا جديدة وباتت أكثر إلحاحًا، فهي تعتبر فلسفة إدارية موجهة لقيادات الجامعة ترتكز على إشباع حاجات العملاء لتحقيق نمو الجامعة والوصول إلى أهدافها، وهي تضمن الفعالية العظمى والكفاءة المرتفعة، في الحقل العلمي التي تؤدي في النهاية إلى التفوق والتميز، لأن إرضاء احتياجات المجتمع وتوقعاته من التعليم العالي يتوقف في نهاية المطاف على جودة مستوى العاملين فيه وبرامجه وطلبته وكذلك على هياكله الأساسية وبيئته الأكاديمية.

فلم تعد وظيفة الجامعة مقتصرة على التعليم أو التدريس فقط، بل أصبحت ووظيفتها في الوقت الراهن في ثلاث وظائف هي التدريس والبحث العلمي والمجتمع، ويعتبر ارتباط الجامعة بالمجتمع والبيئة التي توجد فيها ضرورة ملحة، حيث أن الجامعة لا توجد في فراغ فلكل جامعة إقليم خاص بها، وتحيط بها ظروف جغرافية وبيئة معينة تؤثر بطريق مباشرة في طبيعتها وفي نوعية الانشطة التي تقوم بها سواء أكانت انشطة تعليمية أم بحثية أم إرشادية، فغاية الجامعة ومبرر وجودها هو خدمة المجتمع وتنمية البيئة المحيطة بها ومحاولة تقديم الاسس العلمية للتصدي لما يوجد من مشكلات. حيث لكل أن لكل مجتمع متطلباته ومقوماته وتحدياته النابعة من ظروفه الزمانية والمكانية، فينبغي أن تلتزم الجامعة بروح العصر ومقوماته، وأن يتم ذلك في ضوء متطلبات المجتمع الذي تخدمه والتحديات التي يواجهها فهي ليست منفصلة عن حركة المجتمع المحلي والعالمي كله. بل إنها نظام متكامل متفاعل ديناميكي لها مدخلاتها ومخرجاتها، تأخذ من المجتمع وتعطيه وهكذا تصبح العلاقة بين الجامعة والمجتمع علاقة أحد وعطاء.

كما أنه يمكن للجامعة خدمة المجتمع عن طريق الاسهام في ربط البحث العلمي باحتياجات قطاعات الانتاج والخدمات، وربما كان من إحدى الوسائل لتحقيق ذلك تخصيص أماكن في مؤسسات التعليم العالي لعدد من الشركات والمؤسسات الصناعية لتتخذ منها مقر تتفاعل فيها من خلالها مع الهيئات التدريسية والطلبة والمختبرات وتتعاون على دراسة المشكلات التي تواجهها قطاعات الانتاج المختلفة وتعوق تطورها، ومن تم تعمل على تقديم حلول لها.

فالبحث العلمي يعتبر إحدى المهام الاساسية التي تميز الجامعات في الوقت الحاضر، فقد تحول محور اهتمام الجامعة من التدريس إلى البحث العلمي منذ منتصف القرن التاسع عشر عندما برز نموذج التعليم العالي الالماني المتمثل في جامعة برلين على يد وزير التعليم بولاية بروسيا Homboldt Von Wil Helm والذي ركز على البحث والتدريب.

ولا يمكن أن تكون جامعة بمعنى الحقيقي إذا أهملت البحث العلمي أو لم تعطه الاهتمام الذي يستحقه، بل يجب أن تعتبر ذلك جزءا لا يتجزأ من أنشطتها العلمية إن أرادت أن تتفاعل مع معطيات وتحديات العصر في ظل المتغيرات والتطورات المذهلة التي يحملها القرن الجديد.

فالجامعة اليوم تواجه تحديات تربوية عديدة تعوق انطلاقها نحو أفق من التحرر العلمي والمعرفي. وتلك التحديات متداخلة ومتشابكة منها ما يتصل بالأهداف والسياسات، ومنها ما يتصل بالتمويل والإمكانات، ومنها ما يتصل بالبرامج الدراسية وطرائق التدريس وتقنياته. ويأتي في مقدمة تلك التحديات المفارقة بين التكاليف المتزايدة والموارد المالية المتاحة من جهة، وبين المدخلات الكبيرة والمخرجات المحدودة من ناحية أخر، وهذا ما يعبر عنه بالإهدار المادي والبشري، مما يستدعي الحد من هذا الهدر واستثمار الموارد المتاحة لديها بالشكل الأمثل، وبالتالي تجد الجامعات نفسها بحاجة إلى التركيز على قياس الكفاءة التي تحكم استخدامها للموارد والعوائد التي تحصل عليها نتيجة تلك الاستخدامات. ويرتبط مفهوم الكفاءة بالعلاقة بين المدخلات والمخرجات، فأكثر النظم التعليمية كفاءة هي التي تحقق أكبر قدر من المخرجات باستخدام أدنى قدر من المدخلات في أقصر وقت وبأكبر قدر من الرضا والارتياح.

كل المتغيرات المذكورة سابقا من جودة الخدمات التعليمية، وخدمة المجتمع، والبحث العلمي، والكفاءة التعليمية، وغيرها..، فرضت على العديد من الدول أن تراجع سياساتها وتوجهاتها التنموية وتعمل على إدراك الاختلالات لاستدراك ما سبقها من تحولات حتى تستطيع أن تواكب التغيرات الحديثة، وبالتالي السير قدما نحو أكبر قدر ممكن من التطور والتنمية.

والجزائر واحدة من هذه الدول التي أدركت أن تحسين من جودة الخدمات قطاع التعليم العالي والبحث العلمي في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة النظر في مختلف سياساته ومراجعة توجهاته، وبالتالي العمل نحو جعل المنظومة التعليمية تتلاءم والتغيرات الحاصلة في المجتمع على الصعيد الداخلي من ناحية، والتطورات التي يشهدها العالم على الصعيد الدولي من ناحية أخرى.

إن سلسلة الإصلاحات في منظومة التعليم العالي والبحث العلمي بالجزائر قضت شوطا كبيرا في مسارها التكويني والعلمي، وفي الوقت نفسه أفرزت العديد من المشكلات والاختلالات أثارت جدل المهتمين بهذا المجال ورأوا أن السياسات المنتهجة كانت تفتقد إلى الرؤية الاستراتيجية، وذلك منذ بداية الإصلاحات سنة 1791، إلى بداية تطبيق النظام الجديد ل.م.د سنة 2004 الذي مر لحد الآن عن تطبيقه حوالى عشر سنوات، والذي كان الهدف منه محاولة تكييف التعليم العالي مع التطورات العالمية للعلوم، وكذلك خدمة المجتمع عن طريق الاهتمام بالتخصصات التي تخدم هذا الأخير ؛ الأمر الذي استدعى استحداث برامج جديدة للتكوين واستحداث فروع علمية فرضها واقع الاقتصادي.

تقسم موضوعات الكتاب إلى أربع فصول وفق الآتي:

الفصل الاول: الاسس النظرية والتطبيقية لإدارة الجودة الشاملة.

الفصل الثاني: الجودة الشاملة كمدخل لتحسين الخدمة التعليمية في مؤسسات التعليم العالي.

الفصل الثالث: جودة الخدمة التعليمية، خدمة المجتمع، البحث العلمي، الكفاء التعليمية، كأهم المتغيرات لتحسين منظومة التعليم العالي.

الفصل الرابع: منظومة التعليم العالي في الجزائر في ظل نظام ل.م.د.