تفصيل

  • الصفحات : 261 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2023،
  • الغلاف : غلاف مقوى ،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-675-8.

بعد ظهورها في أوائل الستينيات بالولايات المتحدة الأمريكية تطورت شبكة الإنترنت حتى أصبحت تشكل التقنية الاتصالية الأكثر استخداما وفاعلية في مختلف الميادين والقطاعات الحيوية في كل المجتمعات، ثم توسع استخدامها في باقي دول العالم ليشمل عددا كبيرا منها في بداية التسعينات من القرن الماضي، كما تمكنت هذه الشبكة بكل ما تمتلكه من خصائص تقنية واتصالية دقيقة وسريعة وشاملة أن تقضي على حواجز الزمان والمكان لتدمج مستخدميها من مختلف أنحاء العالم في منظومة الكترونية موحدة، بحيث يختارون بحرية شبه تامة الخدمات الاتصالية التي تتلائم مع احتياجاتهم، ويبنون عالما افتراضيا ببياناتهم والمعلومات التي يدرجونها في مواقعهم المختلفة.

فعلى خلاف وسائل الاتصال الأخرى التي تعاني مشكلة نقص المقروئية وعزوف الجمهور وبطء الانتشار، فإن نسب مستخدمي الانترنت في تزايد مستمر ومتسارع في كل يوم وساعة، والسبب أن خدمات هذه الشبكة قد مهدت الطريق نحو ملايين الأفراد ليتحولوا إلى البيئة الاتصالية الإلكترونية للحصول على المعلومات من مصادرها بسهولة كبيرة بما فيها وسائل الاتصال التقليدية الأخرى، بسرعة أكبر  وبتكلفة أقل ودون مجهود يذكر في البحث والانتقال للوصول إلى المعلومة.

فقد أصبح بإمكان الأفراد الاطلاع على ما تنشره الصحف ومشاهدة البرامج التلفزيونية، وإجراء البحوث والاتصال بالآخرين، من خلال الخدمات الفائقة السرعة التي توفرها لهم الانترنت دون اللجوء إلى التعرض لكل وسيلة بشكل منفرد، فازداد التنافس بين هذه الوسائل الاتصالية ليشهد القرن الواحد والعشرون سيطرة كاملة للانترنت على بيئة الاتصالات في كل القطاعات والنظم الاجتماعية لدول العالم.

بذلك أصبحت الشبكة الدولية للاتصالات تحديا كبيرا لوسائل الإعلام التقليدية الأخرى التي أصبحت تبدو مرغوبة أكثر في شكلها المجاني كمواقع الكترونية، وبالأخص الصحف الورقية التي تأثرت بشكل كبير من تحول جمهورها تدريجيا إلى الشبكة، فكان عليها التفكير في حلول جديدة وتبني نماذج اقتصادية حديثة ترتبط بشبكات المعلومات، ومن شأنها أن تمكنها من استرجاع مكانتها وجمهورها أمام المنافسة الشديدة والانتشار الواسع للمواقع الإلكترونية الإخبارية، وما أصبح يعرف كذلك بصحافة المواطن.

فبدأت الصحف في الولايات المتحدة الأمريكية، مطلع التسعينات، انتقالها نحو الشبكة بإنشاء مواقع لعرض مضمونها اليومي، ثم أخذ مفهوم الصحافة الإلكترونية يتبلور تدريجيا بعد الانتشار الواسع الذي حققته في مختلف أنحاء العالم، وصاحب ذلك تطور في الشكل والمضمون والممارسة المهنية التي يقدمها هذا النوع من الصحف الذي يعتمد على نظم النشر الالكتروني.

لكن محدودية انتشار الانترنت في العالم العربي قد أدت تلقائيا إلى محدودية انتشار الصحف الإلكترونية، التي لم تتجاوز في بعض الدول العربية مجرد كونها مواقع لعرض المضمون الورقي، ولم تظهر مبادرات الصحف الإلكترونية الخالصة إلا مؤخرا. لكن تطور خدمات مواقع الواب، خاصة بعد ظهور الجيل الثاني للواب بما يتيحه من تفاعلية بين المواقع ومستخدميها، أدى إلى ازدياد أعدادها وتنوع مضامينها في السنوات الأخيرة.

لكن هذا النوع من الصحف المتزايد العدد والتأثير أصبح يواجه تحديات مختلفة، أهمها ما يتعلق بتطبيق المعايير المهنية للعمل الإعلامي على الانترنت، وهو ما خلق إشكالية كبيرة تتعلق بالمهنية وشروطها في العمل الصحفي الإلكتروني الذي تحول إلى نشاط فوضوي لا تحكمه قواعد ومعايير محددة، إلى الدرجة التي يتحول فيها ما ينشره المواطن العادي على صفحاته مصدرا للخبر المنشور على مواقع الصحف الإلكترونية كما هو صوتا وصورة، حيث يتم تداول هذه المعلومات مع الدراية التامة بأنها لا تملك أي صلة بالعمل الإعلامي وقواعده وفنونه.

فمن بين أهم المسائل التي طرحتها الدراسات في هذا المجال في العالم عموما والعالم العربي خصوصا، مسألة التراجع التدريجي لمكانة الصحيفة المطبوعة أمام النمو السريع لمكانة الصحيفة الإلكترونية وانعكاساتها على المؤسسات الإعلامية. إضافة إلى مسألة أخرى أكثر أهمية تتعلق بالتمويل وباقتصاديات الصحافة الإلكترونية، وفي السنوات الأخيرة بدأ الاهتمام بالبحث عن القوالب الصحفية وفنيات التحرير في الصحف الإلكترونية وبمميزات الخبر والتقرير الالكترونيين، ليبرز البحث عن حارس البوابة الإلكترونية وخصائصه وكيفية تعامله مع الوضع الإعلامي الإلكتروني الجديد.

كما كانت أغلب هذه الدراسات عبارة عن مجرد فحص لاتجاهات العاملين والمحررين في مواقع الصحف الإلكترونية وآرائهم في مستوى مراعاتهم للمعايير المهنية والفنية في العمل الصحافي الالكتروني. والأمر نفسه تقريبا بالنسبة للدراسات والأبحاث العلمية حول الصحافة الإلكترونية في الجزائر، والتي أجريت أغلبها حول البحث عن اتجاهات الصحفيين والطلبة والأساتذة جامعيين نحو مقروئية الصحف الإلكترونية، أو حول مصداقيتها لدى هؤلاء، دون الاهتمام بالبحث التطبيقي الملموس الذي يكشف فعلا عن مدى تواجد هذه المعايير بتحليل مضامين مواقع الصحف الإلكترونية الجزائرية التي بدأت تنتشر بشكل ملحوظ وتلقى إقبالا كبيرا في السنوات الأخيرة.

أما بالعودة إلى واقع الصحافة الإلكترونية في الجزائر، يلاحظ أنها –على غرار باقي الدول العربية والدولية- قد تبنت الصحف الجزائرية إستراتيجية إنشاء مواقع الكترونية على الشبكة منذ التسعينات، وجاءت في مجملها داعمة للمؤسسة الإعلامية الأم أي إنشاء مواقع تكميلية للمؤسسات الصحفية، فابتدءا من سنة 1996 خاضت العديد من الجرائد الخاصة تجربة الصحافة الإلكترونية بإنشاء مواقع لها على الشبكة فكان النضال الإلكتروني سبيل مهما للحصول على جزء من الحرية في تلك الفترة لتجنب التوقيف والحراسة الرقابية الحكومية، إضافة إلى الصعوبات المالية وقلة المورد الإعلاني، لتصبح الصحف الجزائرية جلها على الخط إضافة إلى ظهور أعداد متزايدة من الصحف الإلكترونية الخالصة.

ظهرت هذه المواقع الإلكترونية في فترات زمنية مختلفة، حيث أطلقت العديد من الصحف اليومية الخاصة مواقع الكترونية لنشر مضمونها على الانترنت، وظهرت مواقع شبكية تختلف عن الأصل الورقي، إلا أنها اعتمدت تقريبا نفس الأسلوب في مستوى تصميم الصفحات ونشر المضامين الإعلامية وتحديثها، لكن الملاحظ والمتتبع لهذه الصحف يكتشف تباينا في إمكانياتها وقدراتها، بين مواقع الصحف الإلكترونية للمؤسسات الصحفية الحكومية والخاصة والصحف الشبكية. وقد يعود ذلك إلى عدة عوامل تقف عائقا أمام تطور النشاط الصحفي المتعدد على الشبكة في الجزائر: اجتماعية، أخلاقية، قانونية- تشريعية وأخرى تقنية، حيث يبقى مستقبل الصحافة الإلكترونية مرتبطا بقدرات تدفق الانترنت في الجزائر، فضعف هذه الخدمة يؤدي إلى تقلص فرص انتشارها.

فقد شهدت السنوات الأخيرة تزايد الاهتمام بالصحافة الإلكترونية نتيجة لانتقال عدد كبير من قراء الصحف الجزائرية إلى الانترنت بعد توسع انتشارها في مختلف جهات الوطن، فازداد عدد المواقع الصحفية الإلكترونية الشبكية وذات النسخ الورقية، وأصبحت تشكل مرجعية إخبارية لنشرها المكثف للأخبار والتحليلات وإعطائها مساحات لتفاعل مع القارئ الجزائري الذي يبحث عن هذه المنافذ التي تمكنه من التعبير والتي كان يفتقدها في ظل وساءل الإعلام التقليدية، ورغم أن عديد من المهتمين يعتبرونها تجربة لا تزال في بدايتها وتغلب عليها الفوضى في النشر إلا أن الصحافة الإلكترونية أصبحت الوسيلة الأكثر انتشارا في ظل مواكبة المستخدم الجزائري للتطورات التكنولوجية.

كما أن هذه الوسيلة الجديدة تتطلب الاهتمام بها من حيث التدريب والتكوين المتخصص للعاملين بها من تقنيين وصحفيين، ومن حيث تنظيم تبادل المعلومات في الفضاء الالكتروني، وتتطلب استحداث قانون خاص ينظمها، قبل الحكم على مدى نجاح وفشل أو فوضوية هذه التجربة التي تحولت إلى مجال للدراسة قصد تطوير نشاطها شكلا ومضمونا.

لذلك نحاول في هذه الدراسة التي نستعرض جزءا منها في هذا المؤلف، طرح المشكلة المتعلقة بواقع  تصميم الصحافة الإلكترونية في الجزائر والتعريف به ومعالجته والخروج باقتراحات من شأنها تجاوز العقبات المختلفة في طريق تطوير النشاط الصحفي الإلكتروني والشبكي الجزائري، لتدعيم ديمقراطية المشاركة الإعلامية التي من شأنها تطوير المجتمع وتحديثه بفضل تعزيز قدرة أفراده على المشاركة الايجابية.

حيث نستعرض في هذا المؤلف الجانب التحليلي من أطروحة دكتوراه حول “واقع تصميم الصحافة الإلكترونية في الجزائر” والتي تناولنا فيها جودة تصميم عينة من الصحف الإلكترونية الجزائرية، وقد اعتمدت هذه الدراسة على منهجية خاصة ترتكز أساسا على تحليل بنية الموقع الإلكتروني للكشف عن مستوى التفاعلية في هذه المواقع، وعن مدى التزامها بالمعايير المهنية لتصميم المواقع الإلكترونية والمعايير الفنية لتصميم واجهة المستخدم، لغرض الكشف عن فاعلية واجهة المستخدم في توجيه المتصفح نحو الأخبار والمعلومات عبر الموقع الإلكتروني وطرق قراءتها وتأثير عناصر التصميم على استخداماتها وتفاعل المستخدم معها.

حيث قامت الدراسة على إجراء مقارنة بين مواقع تابعة لصحف ورقية وأخرى شبكية، ومقارنة أخرى حسب نمط الملكية بين مواقع الصحف ذات النسخ الورقية الحكومية والخاصة، لكشف تأثير نمط ملكية الأصل الورقي على التزامه بالمعايير المهنية والفنية للتصميم الالكتروني، وهو مجال نادرا ما تم الاهتمام به في الجزائر خاصة في الفترة التي أجريت فيها الدراسة من سنة 2014 إلى غاية سنة 2016.

عمدت هذه الدراسة حول “واقع تصميم الصحافة الإلكترونية الجزائرية” إلى التحليل والمقارنة بين مواقع الصحف الإلكترونية ذات النسخ الورقية ومواقع الصحف الشبكية الجزائرية، للإجابة على التساؤل الرئيس التالي:

ما طبيعة الفروق بين مواقع الصحف الجزائرية الإلكترونية على الإنترنت ذات النسخ الورقية (للنسخ الحكومية والخاصة) من جهة، والصحف الجزائرية الخالصة على الإنترنت من جهة أخرى، من حيث مستوى التفاعلية والالتزام بالمعايير المهنية والمعايير الفنية لتصميم واجهة المستخدم؟

هدفت هذه الدراسة إلى التعرف على مستوى التفاعلية ومدى توفر المعايير المهنية والفنية في تصميم واجهة المستخدم، بمقارنة مدى توفر هذه الخصائص في مواقع الصحف الإلكترونية الجزائرية بأنواعها. حيث تمت بلورت أهداف الدراسة في الأسئلة الفرعية التالية:

  1. هل تحقق مواقع الصحف الشبكية التفاعلية لمستخدميها بدرجة أكبر من مواقع الصحف ذات النسخ الورقية؟
  2. هل تحقق مواقع الصحف الإلكترونية ذات النسخ الورقية للصحف الخاصة التفاعلية لمستخدميها بدرجة أكبر من مواقع الصحف الحكومية؟
  3. هل تلتزم مواقع الصحف ذات النسخ الورقية بالمعايير المهنية المتطلبة بدرجة أكبر من مواقع الصحف الشبكية؟
  4. هل تلتزم مواقع الصحف الإلكترونية ذات النسخ الورقية للصحف الحكومية بالمعايير المهنية المتطلبة بدرجة أكبر من مواقع الصحف الخاصة؟
  5. هل توفر واجهة مستخدم الصحف الشبكية سهولة أكبر في الاستخدام مقارنة بمواقع الصحف ذات النسخ الورقية؟
  6. هل توفر واجهة مستخدم مواقع الصحف الإلكترونية الخاصة ذات النسخ الورقية سهولة أكبر في الاستخدام مقارنة بمواقع الصحف الحكومية؟
  • فروض الدراسة:

قامت الدراسة على اختبار الفرضيات العامة والجزئية التالية:

الفرضية الأولى: تحقق مواقع الصحف الشبكية التفاعلية لمستخدميها بدرجة أكبر من مواقع الصحف ذات النسخ الورقية.

الفرضية الجزئية الأولى: تحقق مواقع الصحف ذات النسخ الورقية للصحف الخاصة التفاعلية لمستخدميها بدرجة أكبر من مواقع الصحف الحكومية.

الفرضية الثانية: تلتزم مواقع الصحف ذات النسخ الورقية بالمعايير المهنية  بدرجة أكبر من مواقع الصحف الشبكية.

الفرضية الجزئية الثانية: تلتزم مواقع الصحف الإلكترونية ذات النسخ الورقية للصحف الحكومية بالمعايير المهنية المتطلبة بدرجة أكبر من مواقع الصحف الخاصة.

الفرضية الثالثة: توفر واجهة مستخدم مواقع الصحف الشبكية سهولة أكبر في الاستخدام مقارنة بمواقع الصحف ذات النسخ الورقية.

الفرضية الجزئية الثالثة: توفر واجهة مستخدم مواقع الصحف الإلكترونية ذات النسخ الورقية للصحف الخاصة سهولة أكبر في الاستخدام مقارنة بمواقع الصحف الحكومية.