تفصيل

  • الصفحات : 195 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2023،
  • الغلاف : غلاف مقوى ،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-476-1.

أ.د عبد الغاني بوالسكك.[1]

يأتي هذا الكتاب للباحثة المتميزة “عفاف جدراوي” بعنوان “من الإنسان الصلب إلى الإنسان السائل: قراءة في مسار تحولات الإنسان من الحداثة الصلبة إلى الحداثة السائلة عند زيجمونت باومان. ليضيف للمكتبة العربية دراسة جادة متميزة عن مفكر وفيلسوف وعالم اجتماع أحدث ثورة فكرية بسلسلة السيولة التي كتبها، وقام حجاج أبو جبر بترجمة معظمها لصالح دار النشر الشبكة العربية للأبحاث والنشر.

فبعد أن خرجت أوروبا من عصر الظلمات إلى عصر الأنوار بدأ الفكر الأوروبي يعرف نهضة فكرية وعلمية أدت إلى ظهور الحضارة الغربية، ومما زادها تطورا نتائج الثورة الصناعية، حيث شهدت أوروبا تراجعا كبيرا للفكر الخرافي والأسطوري واستقلالية عن الكنيسة، منذ ثورة غالي غاليلي (1564-1642) وكوبرنيكوس  (1473-1543) وهذا قادها إلى التفكير في التحرر من الفكر الظلامي والرجعي، والذي سادها طيلة عصور وسطى مظلمة وذلك بإعطاء أولوية للفكر الحر والفكر العلمي والذي بفضله خرجت أوروبا من عصر الظلمات، وأعلن دخولها في العصور الحديثة، ومن هنا بدأت في التفكير في التحكم في الطبيعة وتسخيرها لصالح الإنسان، فكانت الحداثة بكل مظاهرها ودخل الإنسان الغربي في مرحلة الحداثة والتحديث، فأبدع كل الوسائل التي تمكنه من الحياة برفاهية، وشهدنا في هذه الفترة تراجعا للقيم والدين والأخلاق، ولم يعد يؤمن إنسان الحداثة إلا بمغرياتها، ونسي ذاته، بل وحتى جانبه الروحي، وظهرت أفكار علمانية تنادي بضرورة فصل الدين عن الدنيا بصورة نهائية، لأن العلم أعلن انتصاره، ومما زاد هذا الطرح قوة محاولة الغرب عولمة نموذجه الحضاري في العولمة على كل الدول والأمم والحضارات، على اعتبار أن الحداثة لا مفر منها، والعولمة تفرض ذاتها يوما بعد يوم وبقوة، فظهر الإنسان العالمي والقيم العالمية وأعلن نهاية التاريخ وسيطرة الرأسمالية والليبرالية، وذابت الفوارق بين الشعوب عن طريق وسائل الاتصال والإعلام وظهرت الثقافة الغربية كنموذج تحاول أن تعمم على باقي الأمم على اعتبارها النموذج الحداثي الذي أبدع الحداثة، ومن ثمة فرض الحضارة الغربية بكل مقوماتها على باقي الحضارات، وجعل العالم قرية واحدة، إلا أن ذلك أدى إلى ما عرف بصدام الحضارات والثقافات.

ومن نتائج العولمة والحداثة السباق نحو التسلح وظهور المجتمع الاستهلاكي، مما أثر على الإنسان والبيئة، وظهر من ينادي بما بعد الحداثة، لأن الحداثة خلقت لدى الإنسان نوع من القلق والخوف واللاأمن والمراقبة السائلة، وهذا بدوره غيَر كثير من العلاقات والمفاهيم بين المجتمعات والشعوب، ومن هذه المفاهيم مفهوم الثقافة والحداثة والعنف والإنسان والقيم والحب والأخلاق والحياة، وحتى الشر حيث لا حظ الفيلسوف البولندي زيجمونت باومان أن هذه المفاهيم التي تدخل في أساس الفهم الإنساني لا بد أن تتغير وفقا لمعطيات الحداثة، ولاحظ أن مفهومها الكلاسيكي صلب ثابت لا يتغير، وبما أنه انتقلنا من زمن التحديث إلى الحداثة لا بد لهذه المفاهيم أن تتغير، ووضع ما أسماه بمصطلح السيولة.

لقد جاءت أفكار باومان لتبين تحولات الحداثة التي أدت إلى الإنتقال من الصلابة إلى السيولة في المفاهيم والعلاقات والقيم، وهذا لتبيان ما أنتجته الحداثة من متغيرات وتأثيرات على الإنسان وذاته وأفكاره وقيمه وأخلاقه وعلاقاته الإجتماعية، وحتى علاقته مع البيئة، ومع الله، ونقد كل منتجاتها، كما طرحت هذه الأفكار ضرورة الإنتقال من زمن الحداثة إلى زمن ما بعد الحداثة، لأن منتجات الحداثة قد بينت تصاعد ظاهرة الخوف بمعناه السائل، والذي أدى إلى الشعور كذلك باللاأمن، مما يعني أن الحداثة أخلفت بوعودها للإنسان الذي كان يطمح إلى التقدم والرفاهية والعالمية والكونية والسعادة.

وباعتبار زيجمونت باومان فيلسوف وعالم اجتماع بولندي اهتم بالظواهر السائلة، بل هو من نحت هذا المصطلح، وباعتباره من رواد ما بعد الحداثة، وعلى اعتبار أن الدراسات حوله وحول فكره تكاد تكون منعدمة جاءت هذه الدراسة المتميزة التي شرفتني صاحبتها بالتقديم لها.

وعليه أتقدم بالشكر للباحثة المتميزة “عفاف جدراوي” صاحبة هذا الكتاب بالشكر والعرفان متمنيا لها مزيدا من الدراسات والأبحاث الجادة التي تضاف للمكتبة العربية.

1- أستاذ محاضر صنف أ يدرس في كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية قسم الفلسفة جامعة الحاج لخضر باتنة 01 –الجزائر-