تفصيل

  • الصفحات : 180 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2022،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،

لقد غذى القرآن الكريم الحركة اللغوية في حواضرها العلمية من فيضه المتدفّق المتصدّر في استكشاف عمق لغته، وصور إعجازه في جدّية لاستيعاب جزئياته تكوينا وأصالة. وكان ما قدمه القراء من جهود يبلغ بهم إلى ذروة صاعدة من بين الجهود العلمية المبدعة. فقد رسّخوا النواة الصحيحة التي انبثقت منها المسائل الصرفية منها الأبنية، فاسترسلوا في بيان ميزانها الصرفي، وملاحظة النسق اللغوي في تشكيلها، وأظهروا قيمتها الدلالية، وتحدثوا عن مراعاة السياق وترتيب الأنساق، وعرضوا لجملة من أصناف الأبنية، وترشّحت من نباهتهم مباحث صرفية أملتها عليهم طبيعة البحث اللغوي. وهم في ذلك لم يخرجوا عن المنهج اللغوي المتأصّل للقرآن الكريم .

أكسبها القرآن الكريم موقعها الحصين في لغته، فجذب إليها الملكات النقيّة للعيش معها في أمن، فكشفت عن أصالتها في الفهم والقدرة على الابتكار، ولم تلبث حتى تمخّض عنها ازدياد في النشاط الصرفي للدراسات القرآنية واللغوية خدمة للقرآن الكريم لفهم ما يصعب من دقائق الأبنية، وتوضيح دلالتها. فاستقرار الأبنية صرفيا شكّل أهم مقوماتها لأنّه وجد الأرضية خصبة في النص القرآني للاستعانة به في التحليل والتقعيد له،  ووجود الحاجة العلمية عند المتعلّم في إتقان فهم علوم العربية ومنها علم الصرف.

أما في الحديث النبوي الشريف فهي تمثّل جانبا متميّزا من علم الصرف في إبانة الكلام على صورة توضّح اللفظ وتكشف عن المعنى. إنّه يشكّل جوهر الجودة للنصّ يرد لدوافع سياقية وللتنويع في الأبنية، زاخرة بالمعاني النفسية تحمل أسرارا لغوية، وتتضمن مقاصد محددة متعاضدة مع لوازم فكرية ظاهرة أو خفية. فهي عنصر اتّسع مداه في أعماق لغة الحديث الشريف، ووجه من وجوه الإعجاز جيء به لتهذيب السريرة، والخروج من أوهام الغريزة وما يقتضيه المقام مع الحضور الذهني. فالأبنية الصرفية من المظاهر البارزة في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، له خصائصه وسماته التعبيرية والدلالية مما جعله موضع اهتمام لدى القدامى، كونه من معالم لغة الحديث لما له من صور جمالية. ولأهميته انكبّ اللغويون على الاقتراب منه لإظهار قدراتهم الإبداعية التي تنسجم مع طريقة قراءاتهم، فرسموا دورها، وشخّصوا طابعها فاستثمروا قيمته الصرفية والدلالية فلمسوها بصورة واضحة في الفصاحة النبوية.

وفي الشعر العربي الفصيح نلمس توافقا بين الأبنية والدلالة، فحسن إفهام المعاني يتحقّق عن طريق القراءة المحتكمة للأبنية المناسبة. إنّها حقيقة منتشرة في الشعر العربي، فيه إثبات لوحدة النسيج اللغوي،  يحتوي لذّات معينة ترتبط بتكوين الإحساس، ويكوّن صور التعبير الذي يرتكز عليه إدراكنا. وهكذا يضفي التعبير جمالا على الموضوعات التي تثير الاهتمام، إنّه مجسّد بين أساليب التعبير وقيمة المضامين. ففي هذه الحالة يظهر جليّا ما يحسّ به المتلقّي من انفعالات تكون استجابة للمزاج الفطري. فهو مصدر الجاذبية التي تحدثها الأبنية الصرفية .

كما تلعب دورا كبيرا في تسهيل عملية الحفظ، فالمتلقي يميل إلى النصوص الإيقاعية، والشعر جاء متميّزا به فالعامل النفسي هو أساس العلاقة بين القارئ المتذوق والنص، فالقيمة الجمالية تستحوذ على الشعور عن طريق الأبنية المشحونة بالمعاني التي يجد فيها راحة  يدرك من خلالها التدقيق اللغوي، وتجعله يتجاوب مع مشاهد النص .