تفصيل

  • الصفحات : 451 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2022،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-301-6.

كان التّشوّف والتّوق، عند نخبة من الباحثين، وثلّة من المهتمّين، إلى وضع موسوعة للتّفسير والمفسّرين في الجزائر العامرة، مطمحا نبيلا، وغاية جُلّى، تنوءُ بحملها العُصبة أولواْ القوّة، حتّى انبرى لذلك باحثون متخصّصون من مركز الأنثروبولوجيا الثّقافية بوهران، وبالتّعاون مع المجلس العلميّ لمركز البحث في العلوم الاسلاميّة والحضارة بالأغواط، ومع باحثيه المتخصّصين، ومع هيئات شتّى في الوطن وخارجه، ومع شخصيّات أكاديميّة لامعة، لها بهذا المجال البحثيّ إلمامٌ واهتمامٌ، لتحقيق هذا المطمح العلميّ السّامق.

لقد بدأت المبادرة فكرة، ثمّ ﭐنقدحت أملا، ثمّ أضحت وسيلة لكلّ غاية نبيلة، لتستوي على سوقها، وتُؤتي أُكلها ضعفين بإذن ربّها، فانهمرت على اللّجنة العلميّة عشرات البحوث الرّزينة، والمقالات القيّمة المفيدة، لتبادر إلى تحكيمها لدى الثّقات من علماء الدّراسات القرآنيّة، والمتخصّصين في هذا الفنّ العلميّ الدّقيق، فأثمرت زبدتها هذا العمل البديع، في صورته النّهائية من التّصفيف والتّصنيف، وفي ملمحه الأرقى من التّنقيح والتّقويم، وكأنّ شكله ومضمونه، يُذكرّنا بقول بلقيس لقومها، حين جاءها كتاب سليمان: “إِنِّيَ أُلْقِيَ إِليَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ” [ النّمل/ 27].

ولا ريب أنّ التّفسير القرآنيّ، من أهمّ ما يجب أن تعتني به الأمّة، وأنْ تركّز عليه جهودها العلميّة، وأن تتيح المجال فسيحا للباحثين المهتمّين بهذا المجال، لكي ينفضواْ الغبار عن تراث خصبٍ ثمين.

ولقد كان علم التّفسير من الظّواهر التّي ميّزت الأمّة الاسلاميّة عن سواها من الأمم، وكانت قرائح العلماء الثّقات، والمفسّرين الأثبات، متّجهة بعزيمة غير وانية، وبإرادة غير واهية، إلى تتبُّع النّص القرآنيّ في حكمته وعمقه، لاستجلاء أسراره، والتّنقيب عن بدائعه ولآلئه، وقد ﭐضطلع بذلك علماء الأمّة منذ فجر تاريخها، لأنّهم الأعلم بمراد الله في قرآنه، وقد خصّهم النّص الكريم بذلك، حين قال تعالى: “ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ “[الزّمر/31]، والّذين يخشون ربّهم على بصيرة، إنّما هم العلماء، لقوله تعالى: ” إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ” [فاطر/28].

والقرآن يؤكّد أنّ تأويل الآيات، أمرٌ يرجع إلى الله ﭐبتداء، وأنّ الله يفتح لأولي العلم ما به يستنبطون المعاني، ويستخرجون الأحكام، ويرجّحون الدّلالات القريبة من فحوى النّص القرآنيّ، والمتلائمة مع مقاصد الدّين، وأحكام الشّرع المتين، وقد قال الله تعالى: ” هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ  فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ  وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ” [آل عمران:07].

ولقد كان التّفسير منذ بدايته، يضمُّ ثلّة من الأوّلين، وثلّة من الآخرين، منهم من اشتهر، ومنهم من غمر، وطواه النّسيان فلم يذكر، فكان في المشهورين مجاهد (ت 104هـ)، والثّوري (ت 161 هـ)، ويحي بن سلّام (ت 200هـ)، وابن وهب (ت 308 هـ)، والطّبري (ت 310هـ)، وابن أبي حاتم (ت 327 هـ)، والسّمرقندي (ت 375 هـ)، وابن أبي زمنين (ت 399 هـ)، واشتهر في العصور اللّواحق: الماوردي (ت 450هـ)، والكرماني (ت 505 هـ)، والبغوي (ت 516 هـ)، والزّمخشري (ت 538هـ)، وابن عطيّة (ت 541 هـ)، والرّازي (ت 606 هـ)، والقرطبيّ (ت 671 هـ) والبيضاويّ ( ت 682 هـ)، وابن كثير (ت 774 هـ)، والفيروز آباديّ (ت 816 هـ)، والألوسيّ (ت 1270 هـ)، والقاسميّ (ت 1332 هـ)، والمراغيّ (ت 1371 هـ)، ومحمّد رشيد رضا(ت 1354 هـ)، والسّعدي (ت 1376 هـ)، وابن عاشور (ت 1393 هـ)، ومحمّد الأمين الشّنقيطيّ (ت 1393 هـ)، وغيرهم .

أمّا المغمورون فهم كثرٌ، لا يكاد يسعهم هذا الحيّز المخصّص للتّقديم، ويمكن الرّجوع في ذلك بتوسّع وتفصيل، إلى كتب الطّبقات والتّراجم، نحو (وفيات الأعيان) لابن خلّكان، و(معجم المفسّرين من صدر الاسلام وحتّى العصر الحديث) لعادل نويهض، و(طبقات المفسّرين) للإمام السّيوطي، وكتاب (الأعلام) لخير الدّين الزّركلي، وكتاب (التّفسير والمفسّرون في غرب إفريقيا) لمحمّد بن رزق طرهونيّ، و(تاريخ الجزائر الثّقافي) لأبي القاسم سعد الله السّوفي، وكذلك البحث المنشور على الشّابكة بعنوان: (المفسّرون في الجزائر)، لأبي إبراهيم عبد الرّحمن أمجد، وغير ذلك من المصادر الموثوقة في هذا المضمار.

ولئن كان المشرق قد ﭐزدهى وازدهر، بهذه الفلول المتعاقبة، من المفسّرين المشهورين والمغمورين، فإنّ المغرب الاسلاميّ والجزائر خاصّة، قد شهدت البذور الأولى لحركة التّفسير،في المحاولة الرّائدة للمفسّر الجزائريّ محكّم بن هود الهوّاري ( ت 250 هـ)، وهو عالمٌ فطحلٌ، من منطقة الونشريس  الشمّاء، وقد توالى من بعده مفسّرون كثرٌ،كأبي جعفر الدّاودي (ت 402 هـ)، وأبي يعقوب الورجلانيّ (ت 570 هـ)، وأبي زكرياء الزّواوي (ت 611 هـ)، ويحي بن علي الزّواوي (ت 743 هـ)، وأبي عبد الله الشّريف التّلمساني (ت 771 هـ)، وأحمد بن محمّد المسيليّ (ت 785 هـ)،وعبد الرّحمن بن مخلوف الثّعالبي (ت 874 هـ)، ومحمّد بن عبد الكريم المغيليّ (ت 909 هـ)، ومنصور بن أحمد البجائيّ المشدّالي (ت 864 هـ)، وأحمد بن علي الزّموري (ت 1001 هـ)، وابن خليفة الجزائريّ (ت 1094 هـ)،وأحمد بن محمّد المقريّ التّلمساني (ت 1041 هـ)، والرّاشدي القسنطينيّ (ت 1194 هـ)، وأحمد بن القاسم البونيّ ( ت 1139 هـ)، ومحمّد بن الحسن بن العنّابي (ت 1150 هـ)، وعثمان بن سعيد المستغانميّ المتوفّى في القرن 13 هـ، ومحمّد بن يوسف اطفيّش (ت 1385 هـ)، وعبد الحميد بن باديس الصّنهاجي (ت 1359 ه)، وفضيل اسكندر الحنفي (ت 1402 هـ)، وإبراهيم بيوض القراري ( ت 1401هـ)، ومحمّد الطّاهر العبيديّ ( ت 1387 ه)، والطيّب المهّاجيّ الوهرانيّ ( ت 1389 هـ)، ومرزوق بن الشّيخ الحسين (ت 1410هـ)، ومحمّد المكّي بن عزّوز الهامليّ ( ت 1334 هـ)، وأحمد بن الشّيخ العلويّ( ت 1353 هـ)، وأبو بكر الجزائريّ ( ت 1439هـ)، ومن الأحياء محمّد الصّالح الصّديق، والتّواتي بن التّواتي في تفسيره (الدّر الثّمين في تفسير الكتاب المبين)، وسعيد كعباش في تفسيره  (نفحات الرّحمن في رياض القرآن)، وهناك من لا يزال يزاول التّفسير باللّغة الأمازيغيّة كالسّعيد بويزري بتيزي وزّو، ومصطفى باجو بغرداية،  وكان للشّيخ الأخضر الدّهمة بمتليلي، باعٌ في تفسير سور القرآن،وقد نشر بعضه،  وغير هؤلاء كثر، ممّن زخرت بهم أنحاء الجزائر، على ﭐختلاف في المناهج والمذاهب، وتباين في المشارب والتوجّهات….

ونحن على يقين أنّه سوف لن يخلو الزّمان، من قائم لله بحجّة، ومن مفسّر بصير بصراط المحجّة، لتجسيد قوله تعالى: ” إِنَّا نَحْنُ نَـزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” [الحجر/09]، متجلّيا بصدق ويقين في عالمنا الّذي نحياه، وسوف يتجدّد على المدى، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

 

و نأمل أن يكون للجزائر ﭐحتفاءٌ دائمٌ بالقرآن الكريم وتفسيره،كما هو عهدها في كلّ العصور، حفظا وقراءة، وإسنادا ورواية، وتفسيرا وتأويلا، إلى جانب الدّراسات الأكاديميّة التّي تنجزها  قرائح أكثر الطّلبة نجابة وعبقريّة، وأكثرهم اهتماما بالإعجاز القرآنيّ في مناحيه المختلفة.

و إنّ هذه المبادرة الّتي أثمرت هذا النّتاج الطيّب، هي بحقّ لبنةٌ في هذا الصّرح الممرّد، من الدّراسات المتلاحقة في القديم والحديث، وستشدّ عضد ما صنّف قبلها من مصنّفات، وسيكون لها ما بعدها،  لأنّ العطاء القرآنيّ، والتّأريخ للدّراسات والتّفاسير، ومحاولات التّنظير والتّطبيق، في ميدان التّفسير القرآنيّ والإعجاز، ممّا يبقى على المدى نفعه، وينتقل إلى الأجيال مدده، لأنّه متعلّق بكتاب الله المجيد، الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لأنّه كما عبرّ القرآن: ” تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ“[فصّلت/42].

و نظرا لأهميّة الموضوع وجدّيته، وطرافة البحث وجدّته، فقد تهاطلت على اللّجنة العلميّة مشاركاتٌ كثيرةٌ، من شتّى الأصقاع، ومختلف البقاع، وهذا يدّل على الشّغف الكبير بالدّراسات القرآنيّة والتّراثّية، لأنّه ما من منهج يطبّق عليها، إلاّ وله مقامٌ معلوم، إذ يعطي أفكارا جادّة، وينفسح إلى رؤى عميقة، يتبنّاها الباحثون، ويجعلونها منطلقا للتّحليل والتّعليل، ومرتكزا للتّفكيك والترّكيب، ممّا تبدع فيه القرائح، وتنقشع سحائب ضبابه، عن فهوم شتّى، ومجالات عدّة، يتطلّبها التّأويل، ويقتضيها التّعليل، ويظهرها مسلك التّحليل .

ولقد ﭐطّلعت على مضامين هذه الإسهامات المفيدة، فوجدت منها ما يعالج مناهج التّفسير، ومنها ما يركّز على الجهود المبذولة عبر العصور، ومنها ما يتعلّق بالتّدريس والتّأليف، لدى عدد محترم من المفسّرين الجزائريين، كالمغيليّ، وطاهر الجزائريّ، والرّاشدي، وأبي راس النّاصري، والبهلول، والشّاوي، والعنّابي، وغيرهم، وهذا يدّل دلالة واضحة على كثافة التّفاسير، ومدى ﭐهتمام الأجيال المتعاقبة بها، ووجودها في الحواضر كتلمسان، ووهران، وبجاية، وعنّابة، ومستغانم،و الجزائر العاصمة، وقسنطينة، وبلاد ميزاب، وبلاد توات، ناهيك عن تنوّع المذاهب والاهتمامات في هذه المقالات، إذ منها المالكيّ والحنفيّ والإبّاضي، وهو دليل على ثراء التّراث ونفاسته، مع الاهتمام بالتّفسير بالأثر، والتّفسير التّأويليّ، والتّفسير بالإشارة، وكلّ ذلك يؤكدّ على خدمة علماء المغرب الأوسط ( الجزائر) لعلوم التّفسير، ومشاركتهم البنّاءة في إثراء هذا العلم، ونشره بين طلبة العلم، وبين العوامّ والخواصّ، لتحقيق مراد الله الّذي جعله كتابا مفصّلا، لا تنتهي عجائبه، ولا يخلق على كثرة الرّد، ولا يشبع منه العلماء.

إنّ هذه المبادرة الفاعلة والواعية، إسهامٌ مشكور، من القائمين على هذا الكتاب الموسوعة الذّي  تتنوّع فيه المباحث والمطالب، وتجلى فيه ذخائر من التّراث المخطوط والمطبوع، للجمع بين علم التّفسير، وعلم التّراجم،  وعلم المقاصد، والملمح العقائدي، والتّذوّق العرفانيّ، ونفض الغبار عن تأويلات مختلف المدارس والاتّجاهات  في التّفسير الّتي لم تكن الجزائر عنه غائبة، في كلّ العصور والظّروف، بل كانت مسهمة بعطاء وافر، وكان لها القدح المعلّى، الّذي لا ينكر أثره ودليله، إلاّ جاحدٌ كنود، أو معاندٌ لدود.

و إنّ التّعاون بين المراكز البحثيّة، التّابعة لوزارة التّعليم العالي والبحث العلميّ، على هذه الشّاكلة، سيثمر بحوثا جادّة ناجعة، ومبادرات مبدعة رائعة، لأنّ في ضمّ الجهود بعضها إلى بعض، نفع ٌكبيرٌ وعطاءٌ غزيرٌ، وتوقٌ إلى مستقبل قائم على التّكاتف والتّآزر، خدمة للثّقافة، وإبرازا لمناحي العلوم، ذات الأثر في العبقريّة الجزائريّة الّتي حُقّ لنا أن نذكرها بفخر واعتزاز …

و لا يسعنا في الأخير، إلاّ  أن نشّد على أيدي السّاهرين، على هذا العمل الجليل، والمسهمين فيه، وعلى رأسهم الأستاذ الدّكتور جيلالي مستاري، مدير مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعيّة والثّقافية بوهران، والدّكتور عبد الكريم حمّو، المسؤول عن هذه الموسوعة الرّائعة البديعة، ونشكر كلّ مسهم فيها ومدعمّ لها .

و نتمنّى أن يتواصل العمل في المستقبل، لإنجاز أكبر الأعمال، وتحقيق أشرف الآمال، ترقية للعلم، وترسية للبحث، وتواصلا مع الأجيال، للوصول إلى ما نطمح إليه ونرجوه، من مستقبل رائق، يدرك فيه الخلف ما انقدحت عنه قرائح السّلف، وما انبثقت عنه هممهم السّامية، من مفاخر عالية،  ومآثر راقية .

والله الموفّق  للسّداد، وعليه وحده الاتّكال والاعتماد.

د. مبروك زيد الخير

مدير مركز البحث في العلوم الإسلامية والحضارة – بالأغواط

وعضو المجلس الاسلامي الأعلى بالجزائر