تفصيل

  • الصفحات : 205 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2023،
  • الغلاف : غلاف مقوى ،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-487-7.

من المعروف أنّ الفرد سواءً كان موظفًا عامًا أو شخص طبيعي لا يعاقب جنائيًّا إلاّ إذا إرتكب سلوكًا محدد وقع في ومن محدد، أي بمعنى أن تقع جريمة معينة ومحددة الأركان لكي تستطيع المحكمة التأكد منها، أمّا محاسبة ذلك الشخص على أساس أنه ظالم فهذا لا يجوز جزائيًّا، كونه لا بد وجود واقعة محددة تثبت هذا السوك الظالم وتبيّن أركانه المتعارف عليها ودلائله، أمّا إطلاق العبارات العامة فهو إهدار لمبدأ شرعية التجريم والعقاب.

كما أنّ للقانون الجنائي أهداف ذات خصوصية أكبر من أهداف القانون بوجه عام، ولعلّ أهمها يبقى في هدفه في حماية الجديرة بالحماية من بين مجموعة المصالح الجوهرية، أو بمعى آخر حماية الأهداف الحيوية، مون أنّ القانون الجنائي يضطلع بعبء المحافظة على الكيان الإجتماعي والسياسي والإقتصادي للدولة ودفعها للتقدم والتطور، وهذا من منطلق أنّ الإنسان والمجتمع هما غاية أي حماية جنائية.

وإن كانت تلك الحقوق لم يشملها قانون العقوبات بالحماية بل نصت عليها تشريعات أخرى فهي تخضع أيضًا لمضمون قانون العقوبات والذي لا يقتصر مدلوله على التقنين تحت إسم قانون العقوبات وإنما يمتد إلى كافة التشريعات الجنائية الخاصة ةالمكملة له، فالمشرع قد يعالج الجرائم في تشريعات مكملة لقانون العقوبات، بالنظر إلى أنها تقع على مصالح متغيرة وطارئة، كما أنه من المستحسن أن يضمن المشرع لقانون العقوبات قدرًا من الإستقرار والثبات من خلال إبعاد أحكامه على التعديلات المتكررة والتغيير إلاّ لضرورة ملحة. كما أنه من حيث المبدأ تخضع التشريعات الجزائية الخاصة إلى المبادئ العامة التي تحكم قانون العقوبات مالم يتضمن التشريع الخاص عكس ذلك.[1]

وبالعودة للمسؤولية الجنائية فالملاحظ أنه لا يوجد تعريف جامع لهذه المسؤولية، فيقصد بها من الناحية القانونية أنها “المسؤولية التي تقوم عند مخالفة الفرد قاعدة قانونية آمرة وناهية، يقرر القانون عقوبة جراء مخالفتها، وهذا ما يعني إرتكابه لجريمة هي أصلاً منصوص عليها في القانون تعريفًا وعقوبة”.[2]

أمّا المسؤولية الجنائية شرعًا فيقصد بها “تحمل الفرد تبعة ما قد يقترفه من عمل، أو إمتناع يمس مصلحة المجتمع عامةً”.[3]

ويظهر معنى المسؤولية الجنائية من التعريفات السابقة على أنها التعبير الكامل عن ثبوت نسبة الوضع الإجرامي للواقعة المادية التي ينسبها القانون في جريمة لشخص معين متهم بها، حيث ينسب هذا الفعل المجرم في شخصه ولحسابه فيتحمل بذلك النتائج المترتبة عنه ويصبح شخصًا مستحقًا للمؤاخذة عنه بالعقاب. ومن أهم المبادئ المقررة في التشريعات الجزائية الحديثة أنه لا سبيل إلى تحميل شخص بعينه تبعة إجرامية بعينها، مالم ترتبط هذه الواقعة بنشاط ذلك الشخص برباط السببية، كون مساءلة الشخص عن واقعة إجرامية بغير قيام هذه الرابطة المادية بينها وبين نشاطه، يعني مؤاخذته عنها رغم عدم تدخل نشاطه في إحداثها، وهذا مالايجوز عن ترتب المسؤولية الجزائية، ومن هذا الطرح يمكن تحديد ركنين في ترتب المسؤولية الجزائية:

الركن الأول: يتمثل في الإسناد المادي، أي تلك الرابطة المادية بين نشاط الجاني وبين الجريمة المعاقب عليه.

أمّا الركن الثاني: فيتمثل في الإسناد المعنوي، أي ضرورة ثبوت إرتكاب الواقعة من طرف الجاني، وليس فقط إلى نشاطه المادي، حيث يتطلب الإسناد المعنوي أن يكون الجاني قد أخطأ بإقترافه للجريمة في صورة من صور الخطأ وهو ما يعرف بالركن المعنوي للجريمة،[4] والذي سنبرزه لاحقًا في هذا الكتاب.

وبالرجوع لموقف المشرع سواءً في الجزائر أو في التشريعات الجنائية الأخرى فنجده قد أخذ بفكرة المذهب التقليدي في تحديد الأشخاص المسؤولون جزائيًا، والذي يسلط عليه العقاب في حالة إرتكابه جريمة من جرائم الفساد الإداري، حيث أن العقاب لا يطبق فقط على كل شخص عادي فحسب والمتمثل في الشخص الطبيعي وإنما قد يمتد إلى الشخص المعنوي.

وبالعودة لموضعنا الرئيسي في كتابنا هذا والمعنون بنطاق المسؤولية الجنائية للموظف العام –دراسة مقارنة-، فإذا كان من المسلم به أنه يلزم في الجاني أن تكون لديه الأهلية الجنائية حتى يتسنى مساءلته، فإنه بالنظر إلى الطبيعة الخاصة لدور الموظف العام في تمثيل الدولة وضرورة إختلاف شروط إنعقاد المسؤولية بالنسبة له، توجب البحث في تلك الشروط، ومن هنا تظهر أهمية دراستنا هذه، إذ يبقى الهدف من ورائها تبيّين مختلف السلوكات التي قد ترتب المسؤولية الجزائية للموظف العام وتعجل في مساءلته، وإستنادًا لذلك تظهر إشكالية دراستنا والمتمثلة أساسًا في مامدى إمكانية مساءلة الموظف العام عن السلوكات المخالفة للتشريعات الجنائية في حالة ما إذا إرتكبها؟

وللإجابة عن هذه الإشكالية قمنا بالإعتماد على المنهج الوصفي وذلك من خلال سردنا للأفكار المتعلقة بالموظف العام ومختلف الصور أو السلوكات التي ترتب مسؤوليته الجنائية، وكذلك على المنهج التحليلي والذي يعتبر منهجًا رئيسيًا يسهل علينا مناقشة الأفكار وتحليلها لمعرفة مدى نجاعتها، ناهيك على المنهج المقارن والذي مككنا من إجراء المقارنة بين مختلف التشريعات التي كانت محل دراستنا هذه وبالتالي معرفة الوضع في كل بلد على حدى خاصةً في العقوبات المقرر في حق الموظف المرتكب لمختلف الجرائم التي رأيناها في دراستنا هذه.

وبهذا تم تقسيم موضوع دراستنا إلى ثلاثة نقاط رئيسية والتي جاءت على النحو الآتي ذكره:

أولاً: في مفهوم الموظف العام.

ثانيًا: في أهم الجرائم المرتبة للمسؤولية الجزائية للموظف العام.

ثالثًا: في ظروف التشديد والتخفيف الخاصة بالجرائم المرتبة للمسؤولية الجنائية للموظف العام.

[1] عبير فؤاد إبراهيم الغوباري، المواجهة الجنائية للفساد في إطار إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد  –دراسة مقارنة-، رسالة دكتوراه في الحقوق، كلية الحقوق، جامعة المنصورة، مصر، 2015، ص. 112.

[2] منصور عمر المعايطة، المسؤولية المدنية الجنائية في الأخطاء الطبية، ط. 1، جامعة نايف للعلوم الأمنية، الرياض، المملكة العربية السعودية، 2004،  ص. 39.

[3] جمعة قادر صالح، الفساد الإداري وأثره على الوظيفة العامة -دراسة مقارنة بين الشريعة والقانون-، ط. 1، مكتبة زين الحقوقية والأدبية منشورات زين الحقوقية، بيروت، لبنان، 2016، ص. 173.

[4] محمد هاشم محمد عزمي، دور السياسة الجنائية في مواجهة الفساد الإداري والسياسي والمالي-دراسة مقارنة-، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2019، ص. 616.