تفصيل

  • الصفحات : 193 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2022،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-295-8.

اهتمت الدراسات اللغوية منذ القديم بالنظام التركيبي للغة؛ وسعت إلى الإحاطة بجوانبه المختلفة من خلال ما قدمه النحاة من أبحاث متنوعة؛ وفي العصر الحديث كشفت الدراسات اللسانية عن إدراك حقيقة ما لهذا الجانب من نظام اللغة من أهمية في الكشف عن براعة المخاطب، وعبقريته في هندسة الجملة، وبناء العبارة وتشكيل الخطاب، وكيف تتجسد من خلاله الصورة الفعلية لعمليات التخاطب والتواصل؛ الوظيفة الأولى لكل لغات الإنسانية.

ثم ألا ترى أن التعالق بين عناصر التركيب اللغوي هو الذي يعطي للوحدات اللغوية قيمتها، ويكسبها بهاءها وجودتها، ومن ثمة القدرة على الإبلاغ والتأثير أثناء التواصل.  والنظر في هذا القوانين والأصول التي يبنى عليها التركيب اللغوي هي مدار البحث في اللغة، وهي التي تفتح المجال الواسع للتفاعل الحاصل بين البنية التركيبية وتداخلها وبقية المستويات اللغوية، وقد تأسس في التراث اللغوي العربي نمط من التفكير اللغوي الوظيفي سعى إلى إرساء رؤى نحوية شاملة لفهم البنى التركيبية كشفت عن الوجه البهي للدرس النحوي العربي في التراث اللغوي الإنساني.

وقد ظهرت في الدرس اللساني الحديث عديد النظريات النحوية التي قدمت نماذجها التحليلية في فهم النظام التركيبي للغة، بل إن كثيرا من هذه النظريات حملت مقاصد أشمل وغايات أوسع في تفسير الظاهرة اللغوية ككل؛ ومن ذلك السعي إلى تأسيس “نحو كلي” تحلل من خلاله كل اللغات الإنسانية؛ وتعد نظرية النحو الوظيفي “The Theory of Functional Grammar” واحدة من أبرز النظريات اللغوية المعاصرة اشتغالا بالبنى التركيبية للغة تنظيرا وتطبيقا، وانفتاحا على الأنساق المعرفية الأخرى (التعليمية، والإعلامية، والحوسبة…)، وكان ميلادها في العقد السابع من القرن الماضي بحلقات البحث اللساني في الجامعات الهولندية؛ ثم توسع نطاق الاشتغال بهذه النظرية اللغوية إلى مختلف بقاع العالم. هذه النظرية اللسانية التي جاءت لتقدم تفسيرا شاملا للظاهرة اللغوية بشكل عام، وتسعى إلى وضع كليات لغوية تتعلق بكل اللغات الطبيعية.  وقد أصبح للنظرية انتشارا في حلقات البحث والدرس في العالم العربي بفضل جهود مجموعة من الباحثين المغاربة؛ يأتي في طليعتهم اللساني العربي” أحمد المتوكل” الذي قدم منذ مطلع الثمنينيات من القرن الماضي بحوثا متميزة -تتجاوز اليوم أكثر من عشرين (20) مؤلفا شكل بعضها  المرتكز الأساس لهذه الدراسة -مر فيها بمراحل متنوعة؛ فمن مرحلة التعريف بهذه النظرية، إلى مرحلة التنظير والانجاز، إلى مرحلة قراءة التراث اللغوي العربي انطلاقا من التصور اللساني الوظيفي؛ إلى جانب تقديم تطبيقات متنوعة لها في اللغة العربية.

وهذه الدراسة التي أقدمها اليوم تعود أصولها  -في جانب كبير منها – إلى محاضرات قدمتها خلال سنوات ماضية أثناء إشرافي على تدريس مقياس” النحو الوظيفي” لطلبة الشعبة اللغوية في قسم اللغة العربية وآدابها. وقد أتاح لي ذلك فرصة الاهتمام بهذه النظرية عن قرب، ومحاولة الإلمام بجهازها المفاهيمي، والتعرف إلى بعض قواعدها وأسسها المعرفية والمنهجية. ولم أجد من التأليف المبسط في هذه النظرية اللغوية إلا بحوثا قليلة؛ وهذا ما شجعني على نشر هذه الدراسة حتى يتسنى للمتخصصين من الدارسين إيجاد دليل سهل ومبسط لمفاهيم هذه النظرية وأسسها، هذا إلى جانب الأخذ بيدي الطلبة في الاستفادة منها، ثم إن إتاحتها للقراء عموما هو تعميم للمعرفة اللسانية المعاصرة التي تشكل الزاد المنهجي في فهم تراثنا اللغوي وواقعنا اللساني المعاصر. وقد تضمنت هذه الدراسة عددا من البحوث التي تحمل مقصد التيسير في توضيح المعلومة، والتسهيل في وصفها وتوضيحها؛ ولذلك فقد حاولت الإلمام بجوانب تاريخية لنظرية النحو الوظيفي، والتبسيط لمفاهيمها وتقريبها من المتلقين ما تيسر السبيل إلى ذلك؛  وعلى هذا فقد جاءت محاور هذه الدراسة في ثلاثة فصول يتصدرها مقدمة ويعقبها خاتمة وقائمة للمصادر والمراجع وفهرس للموضوعات .على النحو الآتي:

في الفصل الأول؛ عرضت لنشأة نظرية النحو الوظيفي وتطورها؛ فبينت التحول المعرفي في اللسانيات من البنية إلى الوظيفة، ثم تطور الاتجاه الوظيفي في الفكر اللساني الحديث؛ مبرزا جهود حلقتين لغويتين هما؛ حلقة براغ، وحلقة لندن، ثم كشفت عما قدمه عديد اللسانين الاجتماعيين والاثنوغرافيين للنظرية الوظيفية من إسهامات علمية، وأعقبته بالحديث عن ميلاد  نظرية النحو الوظيفي في الدرس اللساني الغربي المعاصر  وامتدادها في الدرس اللساني العربي المعاصر.

وفي الفصل الثاني؛ تحدثت عن بعض قضايا النحو الوظيفي المهمة ومن ذلك: قضية المصطلح النحوي الوظيفي، وقضية وظيفة اللغة (الأداتية والكليات اللغوية، الأداتية واكتساب اللغة)، وقضية القدرة اللغوية والقدرة التواصلية، وقضية الفروق بين الاتجاه البنوي والوظيفي.

وفي الفصل الثالث؛ رمت فيه بيان بعض المبادئ الأساس لنظرية  النحو الوظيفي؛  ومن ذلك؛ البنية في النحو الوظيفي ( البنية الحملية، الوظيفية )، بنية الجمل وأنماطها في النحو الوظيفي، الوظائف في نظرية النحو الوظيفي.

وفي الخاتمة :  قدمت أهم ما توصلت إليه الدراسة من نتائج .

في الأخير لا يسعني  إلا أن أحمد الله العلي القدير الذي وفقني إلى إتمام هذا العمل، كما لا يفوتني أن أتوجه بالشكر والعرفان إلى كل من شجعني على نشر هذه الدراسة، وإني لآمل أن أكون قد وفقت في ما رمته من إفادة المهتمين بالمنحى الوظيفي في الدرس اللساني المعاصر.

والله المستعان

د. إبراهيم براهمي