تفصيل

  • الصفحات : 386 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2023،
  • الغلاف : غلاف مقوى ،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-468-6.

تقديم الكتاب

ارتبط تاريخ البشرية – في شتى بقاع الأرض – بالإنسان الفاعل؛ الصانع للتاريخ، المؤثر في الطبيعة، والذي أحدث في بيئته ومكانه الذي انتمى إليه، مظاهر ملموسة.  ومن خلالها خلد المآثر، ورسخ القيم، وأرسى صروح المجد والسؤدد.

وإذا تصفحنا تراث أي إقليم تاريخي، والذي تدخل مواده ضمن التاريخ المحلي، نجده جديرا بالدراسة والبحث، لأنه لا يختلف عن غيره من المناطق المنتشرة في المعمورة، لأن الانسان له مساهماته الدائبة في حركة التاريخ، ولا يهم بساطتها، ومستوى الساكنة التي تفاعلت مع أحداثها التاريخية، وهي في  نهاية المطاف، قطعة من التاريخ يَجمُل رصدها وكتابتها، واستخلاص العبر منها.

وتميزت منطقة وادي سوف في الجنوب الشرقي الجزائري، بثراء تاريخها، ومعالمها الأثرية، ومآثرها الشعبية، وأعلامها، وعلمائها، وأعيانها، ومجاهديها، ورجال الصلاح والتقوى فيها. ولكن الكثير منهم غابت سيرهم في طي النسيان، وقلما تتوفر الفرص للكتابة حول هذا التاريخ الخفي. ومن هذا المنطلق، أخذ قسم العلوم الإنسانية بجامعة الوادي، ومن ورائه شعبة التاريخ، على عاتقهم فتح الفرصة للكتابة في هذا المجال الهام، وتشجيع البحث العلمي، وأخذ زمام المبادرة، بمختلف النشاطات العلمية، وأبرزها هذا الكتاب الجماعي الذي يصبو به القسم إلى تحقيق الأهداف التالية:

-إبراز التراث السوفي الأصيل عبر العصور التاريخية، وكتابته وفق الكتابة الاكاديمية، وتحت رعاية الهيئات العلمية بالجامعة.

-تحفيز المهتمين بالتاريخ المحلي، لدراسة مواضيع جديدة، أو بطريقة متجددة عما سبقها، للكشف عن الكنوز التاريخية للمنطقة، والإنجازات الحضارية للإنسان منذ تعمير هذا الإقليم وإلى غاية  التاريخ المعاصر.

– توفير الفرصة للباحثين، والطلبة الجادين، لتقديم دراسات موثقة، وبحوث مدللة، ومواضيع هادفة، وكلها تساهم في كتابة التاريخ الوطني للجزائر.

ولتحقيق هذه الأهداف، أعلن القسم  عن هذا الكتاب الجماعي على نطاق واسع، ودعا الباحثين للكتابة، وحدد شروط الكتابة، وفق الأصول المنهجية، والقواعد العلمية المعتمدة، والقائمة على أساسيات البحث التاريخي. وقسم ذلك إلى محاور، استوعبت مختلف الجوانب، جغرافيا، وعمرانيا، ومعالم مختلفة، وأعلام من خلال سيرهم وتراجمهم. وتلقت اللجنة العلمية، عددا هاما من البحوث والدراسات، وخضعت للتقييم العلمي، واعتمدت المواد والمواضيع التي جمعها هذا الكتاب التاريخي العلمي.

وعندما نتصفح الكتاب، نجد تسلسلا في مواضيعه، التي غطت ناحية هامة من محاوره المقترحة، ويمكن تقديم قراءة أولية لعناصره:

– إن البداية تقتضي التعريف  بمنطقة وادي سوف التاريخية، وموقعها ومظاهرها الجغرافية وأهميتها التاريخية المعتبرة، وهذا ما تم في الاستهلال الاول.

– يعتبر الوجود الإباضي بمنطقتي  وادي سوف ووادي ريغ، البداية الظاهرة تاريخيا، ومعلما بارزا وجديرا بالدراسة في تاريخ المنطقة، في الفترة الممتدة ما بين  القرن 4ه /10م إلى القرن 7ه/13م، والذي فيه  إشارات من خلال المصادر الإباضية.

– ولما كانت وادي  سوف  – بعد العهد الاباضي – واقعة  على طريق القوافل التجارية خلال العهد العثماني، والبحث أبرز مكانتها في تمتين الأواصر بين المناطق الداخلية، وأكد التواصل مع البلدان الخارجية .

-كما سلط الكتاب الضوء على حياة المتصوّفة بوادي سوف وحياتهم النُّسكيّة وعلاقتهم بالمجتمع، وأثرهم في الناس، مع إبراز المكانة الرُّوحيَّة والعلميَّة لهم ولاسيما في زاوية سيدي سالم العزوزيَّة، ودور أعلامها في المنطقة خلال القرنين 19-20.

– وكان للنخبة دورها الريادي في  مقاومة سياسة التغريب خلال الاحتلال الفرنسي، بداية من  البعد الإصلاحي والذي مثله الشيخ محمد الطاهر التليلي خير تمثيل، في فكره الناضج ونشاطه الدؤوب، واعداده لجيل كان وقود الثورة التحريرية، وبرزت  إسهاماتهم النضالية  في الحركة الوطنية الجزائرية، مما جعل العلماء والاعيان  ترتقي أنفسهم في مراتب المعالي، واختارهم الله شهداء خلال  مجازر  رمضان في أفريل  1957.

وكان للعمران، والمعالم التاريخية والاثرية وجود متميز في المنطقة، وتجلى في عدة ورقات بحثية في هذا الكتاب، ويمكن تتبع خصائها العمرانية التالية:

– المساهمة في كتابة تاريخ المعالم البارزة من خلال العمران الذي عرفته وادي سوف، والطّابع المعماري لقاعدته  الإدارية والاقتصادية مدينة الوادي ولاسيما في الفترة ما بين  1416م – 2011م،  والجمالية التي اكتستها، وفي مقدمتها المسجد العتيق سيدي المسعود الشابي بالمدينة، فضلا عن القصة التاريخية المعاصرة  للمعهد الإسلامي بالوادي   1964 – 1978، والذي يستنجد التاريخ،  ويريد البقاء صامدا يحكي للأجيال مآثر آبائهم الذين بنو صرح العلم والثقافة  للجزائر المستقلة.

– عرض أثنوغرافيا العمران في منطقة وادي سوف العريقة والتي جسدتها زاوية قْمارْ التجانية  كأشهر نموذج ومعلم  مازال يقاوم الظروف الطبيعية والبشرية، ويحفظ التراث الصوفي والمعماري العريق.

– أبرزت السكة الحديدية بوادي سوف 1946- 1958، مكانة المنطقة الاقتصادية، وأهمية السكة في حفظ وجه من التاريخ، مازالت آثاره باقية في الصومعة التاريخية لمحطة السكة، وبجانبها مدرستي المحطة ذكور واناث في أطرافها، والتي تصارع الزمن، وتعاني من الإهمال، وتستصرخ الوصاية لترميمها، والحفاظ عليها، لأنها تحمي على هذا التاريخ الوطني من الزوال.

ولا شك أن التاريخ السابق، والعمران الخالد، والمعالم التاريخية المذكورة، كانت ثمارا يانعة  في سجل رجال صنعوا هذا المجد، ورسم هذا الكتاب صورا مكتوبة لحياتهم ومآثرهم :

– يتبوأ أعلام الإباضية  ورجالها في  وادي سوف قائمة الأعلام في تاريخها، وتخللت كتب سير  الائمة والاعلام الاباضية قطعا متناثرة، استطاعت الدراسة أن تجمع شتاتها في لوحة  تاريخية جميلة،  وتفتح  نوافذ تهب على الباحثين لمواصلة الدراسة وتعميقها ولفت الانتباه لقيمتها المعرفية.

– صارت حياة الشيخ خليفة بن حسن القماري السوفي، معلما في  التاريخ الثقافي لوادي سوف الحديث، لما  عرف به من اسهاماته في التأليف الديني خلال الفترة العثمانية، في الفترة ما بين (1123ه – 1711م/ 1207ه/ 1792م). وحذا طريقه علماء مدينة قمار في التاريخ المعاصر، ومنهم الشيخ الحاج علي بن القيم الذي عرف بأعماله وآثاره العلمية. ورافقهم أعلام الصوفية في نشر قيم السلم والتعايش مع الآخر، وأبرزهم الشيخ امحمد التجاني بزاوية بالبياضة – الوادي، أحد  الوجوه الصوفية  الساطعة في الزمن الراهن.

-أما رجال العلم الذين ترقوا في مراحل التدريس في تاريخ الجزائر المعاصرة من جيل الثورة والاستقلال، فكان حضورهم من خلال  مقتطفات  احتوتها مذكرات  الشيخ البشير الشابي 1934-1994، والسيرة الاجتماعية والعلمية للأستاذ المؤرخ إبراهيم مياسي السوفي، الذي ترك بصمات خالدة في التاريخ الوطني والمحلي لوادي سوف.

وننوه في مسك الختام، بكل الذين ساهموا في إنجاز هذا العمل المتميز، بداية من رئيس القسم الدكتور حمزة قدة الذي أشرف على الكتاب واقترحه، ومدير الكتاب الاستاذ  عبد القادر عزام عوادي الذي حمل عبء المتابعة والكتابة والتصفيف، واللجنة العلمية ورئيسها الاستاذ الدكتور علي غنابزية الذي تابع العمل وسهر على تقييمه وأبدى ملاحظاته، وكل الأساتذة الذين قدموا للجنة دعما من قريب أو بعيد. والشكر موصول لكل الباحثين الذين ساهموا بدراساتهم القيمة، والتي يعتذر رئيس اللجنة عن كل نقص قد يبدو فيها، ونتمنى أن يكون الكتاب نافعا. والله تعالى نسأله العفو والغفران، والتوفيق إلى طريق الصواب، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

الوادي في يوم الاحد 18 شوال 1442هـ

30 ماي 2021م

رئيس اللجنة العلمية الأستاذ الدكتور علي غنابزية