تفصيل

  • الصفحات : 83 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2023،
  • الغلاف : غلاف مقوى ،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-704-5.

تعرف القاعدة القانونية بأنها قاعدة اجتماعية تنشأ من المجتمع ثم توجه إليه لخدمة الفرد والجماعة ولإرساء الأمن وحفظ النظام ومنع الفوضى والاضطراب، لذلك فالقاعدة القانونية متنوعة تنوع المجالات التي وجدت لأجلها، وقد تدخل القانون في كل مجالات الحياة كأداة الدولة الإلزامية التي تحمي بها الحقوق بل وتنشؤها، وقد أطلق على كل قانون تسمية المجال الذي ينظمه، إلا أن القانون الوحيد الذي حمل تسمية القانون الاجتماعي هو ذلك المتعلق بكل ما يخص العامل في كل القطاعات من حقوق وواجبات، وكذلك حمايته من كل ما يمكن أن يعترض مسيرته المهنية من مرض أو حادث أو عجز، أو غير ذلك من الظروف المرتبطة بكونه إنسانا، لذلك فتسميته تنبع من مضمونه هذا الذي يخدم العامل أو الموظف العام في جانبه الاجتماعي، فيخرجه من المعادلة القائمة على ربط الأجر بالعمل وربط العمل بالأداء وربط الأداء بالوقت، فالعامل ليس آلة، والموظف ليس مجرد تجسيد للدولة وسياستها، فكلاهما إنسان وله متطلباته وظروفه الناتجة عن هذه الصفة.

تاريخيا كان الأجر هو مقابل العمل في القطاع الخاص، فلا أجر دون عمل ولا أجر إلا بالقدر المساوي للعمل المؤدى، أما في قطاع الوظيفة العمومية الذي يمثل قطاع الدولة الأصيل، فإن الأجر الذي يسمى فيها بالراتب لتمييزه عن هذا الأخير، فإنه يعد نفقة تدفع للموظف العام لمنحه المكانة الاجتماعية اللائقة بكونه موظفا لدى الدولة، لذلك فصورته هي صورتها، ولذلك كانت تمنح لهذا الموظف وزيادة على راتبه ذا الطابع الاجتماعي العديد من المزايا الاجتماعية الأخرى من تأمينات وآداءات وبدلات وتعويضات وعلاوات مختلفة باختلاف أسباب منحها، هذا بالإضافة إلى المعاش التقاعدي الذي يعد أهم المزايا على الإطلاق، إذ أنه يعني استمرار الدخل مع توقف العمل، لذلك كان أهم مطالب نقابات العمال وأهم موضوعات مفاوضاتهم مع أرباب العمل، وكذلك أهم أسباب إضراباتهم التي كانت سلاحهم لتحقيق مطالبهم الاجتماعية بالدرجة الأولى.

تدريجيا انتقلت المزايا الاجتماعية من القطاع العام إلى القطاع الاقتصادي العام ثم الخاص الذي استلهم العديد من مبادئ الوظيفة العمومية فيما يخص التعامل مع موظفيها، فحدث التقارب بين قانون الوظيفة العمومية وقانون العمل، وحدثت في النهاية الوحدة الكاملة التي كانت مرجوة فيما يخص الجانب الاجتماعي، إلا أن هذا المكسب للقطاع الاقتصادي وباقي القطاعات، هو نفسه يمثل الخسارة لقطاع الوظيفة العمومية التي كانت تبرر ضعف الرواتب الممنوحة للمنتمين إليها بالمزايا الاجتماعية الأخرى المفتقدة في القطاعات الأخرى. لم يعد لهذا المبرر أي وجود قانوني أو واقعي، لقد وحدت الدولة نظام الحماية الاجتماعية بين القطاعات، بل هي تكاد تجعله نظاما لصيقا بالمواطنة، إذ أصبح يشمل حتى العاطلين عن العمل.

إن هذا التحول في سياسة الدولة الاجتماعية تماشى مع التحولات الاقتصادية التي تبعها تحول في نهج الدولة الاقتصادي من الاشتراكية إلى اقتصاد السوق، فتوقف تدخلها وفتحت المجال للمبادرة وازدهر القطاع الاقتصادي وارتفعت أجور عماله وتحسنت ظروف عملهم وشملهم بالتالي نظام الحماية الاجتماعية، في مقابل ذلك تراجع قطاع الوظيفة العمومية، وفقدت بشكل تقريبي كل مزاياها، مما يوجب تدارك هذه الأزمة حتى تجد من يخدمها مستقبلا، ولا نقصد بالخدمة مجرد أداء المهام المرتبطة بمنصب العمل، بل نقصد حس الانتماء وإتقان الأداء، وإخلاص العمل، وكلها مرتبطة بعدالة الدفع وإشباع الحاجات والقدرة على التفرغ للوظيفة، لذلك نشأ مصطلح الأجر الاجتماعي.

لقد ظهر الأجر الاجتماعي في صورة مدفوعات بجانب الأجر المباشر كنتيجة لتغير طبيعة هذا الأخير من كونه تكلفة إلى كونه دخل الإنسان الذي له متطلباته الشخصية والعائلية، والتي يجب على الأجر أن يشبعها بغض النظر عن العمل المقدم، فالهدف منها المحافظة على كسب العامل وأمنه الاجتماعي، ولذلك سميت بالأجر الاجتماعي الذي يطرح العديد من التساؤلات حول الجهة الممولة له ومدى أحقية العامل به[1]، والإجابة عن هذه التساؤلات وجدناها في تعريف “موريس كليكليه” للأجر الاجتماعي بأنه: “جزء من الأجر المباشر يستقطع مباشرة من الإنتاج بواسطة السلطات العامة أو الهيئات المهنية لكي يمكن توزيعه في ظروف وأحوال معينة على العاملين وذويهم”[2]. فالأجر لم يعد إلا جزءا من كسب العامل الذي لم يعد يتكون فقط من المبالغ المدفوعة مقابل العمل ولكن أيضا من المبالغ المدفوعة بمناسبة العمل[3]، وبذلك يكون للعامل الحق في الحصول على أجر مباشر يضمن له حياة كريمة، وعلى أجر غير مباشر يعاد توزيعه ليتيح له استرداد ما سبق أن قدمه[4]. كما ويمكن النظر إلى الأجر الاجتماعي من الزاوية العملية فنقول أنه يستحيل على العاملين تأدية أعمالهم بتفان إذا لم تعالج أمورهم الاجتماعية[5]، وزاوية أخرى لا تقل أهمية وهي ضمان استمرار الدخل عند انقطاع العمل وهذا الضمان يمثل النتيجة القيمة للجهد الذي بذله القانون الاجتماعي المعاصر[6]، حتى أننا نستطيع التمعن في تسمية قانون العمل بالقانون الاجتماعي  لنستنتج إلمامه بكل ما يمس الحياة الاجتماعية للعامل وليس فقط العمل، ولذلك يعتبر بعض الفقه أن تسمية القانون الاجتماعي هو التعبير الأكثر دقة وشمولا[7]، وهذا يقودنا إلى نقطة غاية في الأهمية، فالدولة ولوقت طويل كانت تبحث لتصبح رب عمل نموذجي بوضعها سياسة اجتماعية لموظفيها تعطي بها القدوة لكل أرباب العمل، ولكنها عممت هذه الحماية الاجتماعية على كل العمال أيا كان قطاع نشاطهم، وأحيانا بمزايا أفضل من تلك المطبقة في الوظيفة العامة، وبذلك فقدت الأخيرة بريقها بفقدانها لما كان يميزها عن القطاع الاقتصادي[8]. وحاليا يمتاز الأجر الاجتماعي بوحدة النظام القانوني المطبق على القطاعات وهو ما يمنح ميزة إضافية للقطاع الاقتصادي العام والخاص، ذلك أن إضافة نفس العدد إلى المعادلة لا يغير شيئا منها.

و سنتناول نظام الحماية الاجتماعية الموحد من خلال عناصره الثلاثة المكونة له، والمتمثلة في أداءات التأمينات الاجتماعية، تعويضات حوادث العمل والأمراض المهنية، معاش التقاعد، ولكل عنصر منها العديد من المزايا الاجتماعية التي يتضمنها النقدية منها والعينية، المادية منها والمعنوية.

 

1حماد محمد الشطا، النظرية العامة للأجور والمرتبات (دراسة مقارنة بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي)، ديوان المطبوعات الجامعية، بن عكنون، الجزائر، 1982، ص 96.

2 المرجع نفسه، ص 96.

3 المرجع نفسه، ص 45.

4 المرجع نفسه، ص 100.

5 أوردواي تيد، ترجمة علي كامل بدران، الإدارة هدفها وإنجازها، مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر، القاهرة، مصر، نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية، ص 92.

[6] Jean Pélissier , Alian Supitot, Antoine Jeammand, Droit du travail, 20eme édition, Edition Dalloz, Paris, France, 2001 , p 1003.

1 علي عوض حسن، الوجيز في شرح قانون العمل الجزائري الجديد، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة، مصر، 1975، ص 10.

[8] Laurent Blanc, La fonction publique, 1er édition, Presses universitaires de France, Paris, France, p 99.