تفصيل

  • سنة الطباعة : 2019،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الاولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-691-52-5.

إنّ الفكرة المركزيّة الّتي يحاول هذا الكتاب الاقتراب منها منبثقة من صميم العلاقة النّظريّة النّقديّة بالتّجريب في الكتابة الصّوفيّة؛ لأنّها تروم البحث في القواعد والأسس المتحكّمة في البعدين المعرفي والجمالي لهذا النّوع من الإبداع، والبحث عن مكامن الاختلاف والتّميّز فيه.تتعزز القيمة المعرفيّة للتّصوف انطلاقا من مبادئ الحبّ وعشق الجمال، ومن قوانين المغايرة والتّشكيل الّتي يسم بها التّصوف آثاره شعرا ونثرا، إنّها طاقة أدائيّة مرتبطة بصميم الوجود الإنساني وما يكتنفه من هواجس واغتراب وديناميّة لاتعرف السّكون، فحين تطغى بياضاته عليه؛ تتعدّد أشكال التّعبير وتتباين مستوياته، فتغمض وتتّضح حسب درجة الذّوق والسّفر في المعنى، فالتّلمذة على أصول الكتابة الصّوفيّة تُغيّب بفعل جيشان التّجربة الذّوقيّة الّتي تُعدّ برزخا بين المعقول واللّامعقول، وإثر هذا يصعب عليها الخضوع إلى قوانين ثابتة تضبط أعرافها، أوتصور يعقلنها، فهي تستعير اللّغة لتربك أصول الكتابة الفنيّة، ولتكثّف من أضرب الرّمز والإشارة، لتخلق بالتّالي مجالا ممتدّا لممارسة تأويليّة تكشف الخبء من المعاني وتعرج في مراقي المعرفة الذّوقيّة وتتعالى عن المألوف، فتنتج عن الكتابة كتابة موازية تراهن على المقصديّة وقارئ نموذجي موكَلٌ بفكّ طلسم الجانب النّقدي، وعارف ذاق الأحوال وعرفها، فلاينفكّ فضاء تلقّي الإبداع الصّوفي يطرح قراءات تتصارع على أديمه وتعمل على إثراء دلالاته.

يمثل النّصّ الصّوفي معطى حضاريّا، ونسيجا موغلا في أعماق الممارسة الأدبيّة، وأثرا بانيا بسبب البنية المفارقة له شكلا ومضمونا، فهي الّتي تجعله مستقلاّ عن باقي أنماط الكتابة بسبب الأنساق الضمنيّة المشكّلة له، فهومؤطّر بالفقه في أخذه بأحكام الشّريعة، ويتجاوزه في السّعي إلى بلوغ التّزكية وتحقيق مقام الإحسان، بينما يقف مع الفلسفة عند حدود الحكمة دون أن يتجرّد من أسر التّجربة الذّوقيّة، ومن جمالية الإشارة والرّمز اللّذين يشكلان إحدى أهمّ الإحداثيّاث المؤسّسة لأصوله الفنيّة، والمعزّزة لثنائيّة الظّاهر والباطن، إنّ إقامة تجديل بين العناصر المشكّلة للكتابة الصّوفية يحقّق الانسجام والتّكامل في العناصر المُؤسّسة لها، فتغدوبذلك حقلا مترامي الأطراف تتمظهر في إيوانه أنواع الممارسات الأدبية مثل الشّعر، والنّثر، والحكاية، ممتزجة بالطّابع الأخلاقي والرّوحي، إنّ الصّوفيّ إذ يجنح إلى المزج بين فنّ أدبيّ إبداعي والتصوف ذي الطّابع الرّوحي؛ فإنّه يسعى لخلق كيمياء فنيّة تختلط فيها أواصر التّجربة الذّاتيّة الرّوحيّة السّلوكيّة مع اللّمسة الفنيّة التّصوريّة، فتنبجس إثرها أشكال من التّعبير في سماء الإبداع تمثّل سلسبيلا من الأخيلة، محقّقة الاتّصال حينا والانفصال حينا آخر في بنية الخطاب.

لقد اتّكأت الكتابة الصّوفيّة على فلسفة عميقة في الدّين والكون، والإنسان، والرّمز واللّغة والخيال، وأنشأت صرحها الثّقافي والجمالي على تكوثر المعرفي بالتّخييلي، وفي ضوء هذه المرجعيّات، وفي تمظهراتها الفلسفيّة والجماليّة خلقت الأدبيّة الصّوفيّة لنفسها نوعا من الفرادة والتّميّز، ورسمت حدودا أسّست أرضية جديدة لأدبية النص ونقده سواء على مستوى المقاربة، أوالتّاصيل العلمي وذلك لمغازلة النص وفتح مغاليقه، إنّها كتابة تتجاوز الدّيني لتصطبغ بالأدبي، فتستعيض إثر هذا بمجموعة مناهج وإجراءات، وكلّ مامن شأنه أن يضع تفسيرا لشساعة الامتداد الدّلالي دون إهدار لسياقه، فهي كثافة مهيأة للتّجدّد عبر مسالك متشعّبة تحفّزها الأسئلة المتوارية خلف كلّ عبارة أوإشارة صوفيّة.ومثل هذا الكلام هومقدّمة للكلام عن الأدبيّة وما يمكن أن تمثّله كصورة جامعة لمعالم الأدب الصوفي إذ تزجّ به في عوالم ائتلافه مع متلقّيه، فتتحقّق هاهنا شرعيّة العلاقة بين الأدب والتّصوف، تلك العلاقة الّتي باتت لعهد من الزّمن تئنّ تحت طقوس ممارسة طرقيّة اتّخذت لنفسها مكانا قصيّا.

صنّف معظم الدّراسين أنواع الكتابة الصّوفيّة إلى قسمين رئيسين؛ يهتمّ القسم الأول بالجانب التّأليفي الّذي يأخذ على عاتقه تدوين الامتداد التاريخي للتّصوف وممّا خلّفه أنصاره من حكم ووصايا وتعاليم التّربية الرّوحيّة، بينما يقف القسم الثاني المتمثّل في الكتابة الفنيّة على تخوم الأثر الأدبي ومايراود المعنى عن نفسه مثل الشّعر، وحكايات الرّحلة والكرامة والرّؤى، وعليه فإنّ هذا الكتاب الّذي نضعه بين يدي القارئ هومحاولة جادّة لزمرة من الأقلام النّوعيّة لباحثين من مختلف الأقطار العربيّة، يمثّلون جامعات ومراكز بحث مختلفة، يجمعهم البحث في الحقل الصّوفي، إذ يستجلون أشواقه الرّوحيّة، ونبضاته الوجدانيّة، وسبحاته التّخييليّة، ويكتشفون فيه أوجه الجماليّة في النّص العرفاني، الحديث منه والتّراثي، كما يقف هذا الموضوع على حدّين متشعّبين، الأول هوبحث في ماهية التّصوف باعتباره نتاجا لتجربة روحيّة وسلوكيّة وما يمكن أن ينماز به من خصائص أدبيّة مشكّلة لأضرب تجلّيه في فضاء الإبداع، أمّا الشقّ الثّاني فهوبحث في فاعليّة الرّمز باعتباره آلية تغازل اللّغة الصّوفيّة صعودا ونزولا مقتفية أثر المعنى الّذي يلعب على أوتار الحضور والغياب، فتتجلّى أثر الدّلالة الرّمزيّة، وتنفتح  مغاليق النّص الصّوفي وتتّضح لطائف إشاراته.

-?د.زهرة بن يمينة / جامعة عبد الحميد بن باديس(مستغانم)/الجزائر.