تفصيل

  • الصفحات : 177 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2024،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى ،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-762-5.

المقدمة:

إن تأمل المجتمع الصناعي الرأسمالي المعاصر وما حققه من مستويات مختلفة قد بلغت مراتب عليا، فإنجازات المجتمع ومستويات تطوره التقني المحققة وما رافقها من محاسن الوفرة والرفاه، حددت نمطا جديدا للحياة.

وهذه الإنجازات ينظر إليها عادة على أنها دليل سلامة التوجه الحضاري وعلى قدرة الإنسان على الارتقاء في حياته إلى مراتب من التقدم تجعل حياته أحسن وأفضل، كما يرافق هذه الإنجازات الترويج لقدرة العقل على تجاوز كل العوائق التي كانت في الماضي، لكن هناك تيارات فلسفية متعددة تعتقد أن هذه الإنجازات ليست بريئة فهي تحجب مجموع إخفاقات وانحرافات هذا المجتمع الصناعي كما تموه الحقيقة.

فالكثير من المفكرين لم يشيدوا بهذه الإنجازات بقدر ما وجهتهم إلى تأمل وضع الإنسان ضمن هذا الإطار الاجتماعي المتميز، ومن بين هؤلاء المفكرين أعلام مدرسة فرانكفورت وخاصة هربرت ماركوز، هذا الأخير الذي قام بنقد المجتمع الغربي ونظامه المتمثل خاصة في النظام الرأسمالي الليبرالي وما أوجده من قمع وبؤس وشقاء للإنسان، بل جعل إنسان هذا العصر ذا بعد واحد في ثقافته وحضارته لا يفكر إلا في ما تنتجه السلطة، والتي تسعى إلى دمج كل فئات المجتمع وتحقيق السيطرة والهيمنة خاصة وأنها تملك أنجع وسيلة وهي التقنية مما زاد التسلط والقمع مقارنة بالعصور السابقة.

فلقد حاول ماركوز من خلال تحليلاته النقدية أن يكشف حقيقة الوجود الإنساني ضمن المجتمع الصناعي وما رافقه من تكييف لوعيه وتنميط سلوكه، لأن النظام الرأسمالي يشتغل بآليات تنفي أي إمكانية للمعارضة أو التغيير.  كما تعمل هذه الآلية على خلق حاجات وهمية للإنسان وتوجيه الفرد نحو الفكر الاستهلاكي. وقد أدى هذا النزوع إلى عجز كبير في التفكير، فالعقل في نظر ماركوز أصبح أداة للسيطرة موجهة للحفاظ على الوضع القائم وتثبيته.

ولقد كانت هناك عدة عوامل وتأثيرات ساهمت في النضج الفكري لماركوز، ولقد رتبها الدكتور فؤاد زكريا كالتالي: كان تأثير هيجل هو الأسبق وهو الذي ظل ملازما له حتى النهاية، وتلاه تأثير كل من ماركس ونيتشه، وفي مرحلة تالية كان تأثير فرويد وهيدجر.

إن ماركيوز أراد إبراز حقيقة الإنسان في المجتمع المعاصر من خلال محاولة الجمع بين مذاهب وآراء مختلفة، فقد جمع بين تصور هيجل حيث إعتبر أن الإنسان لا يصنع التاريخ بقدر ما يصنع التاريخ الإنسان. وهذا ما يحاول ماركوز إثباته حين اعتبر أن المجتمع المعاصر يملك القدرة على تشكيل الإنسان وفقا للمتطلبات التي خلقها هذا المجتمع. وكذلك تصور ماركس الذي اعتبر أن العوامل الاقتصادية هي المتحكم والمسيطر في الإنسان، وفرويد من خلال الكشف عن صور قمع الحياة الجنسية. كل هذه التأثيرات رسمت لدى ماركيوز وضع الإنسان في المجتمع الصناعي.

لقد جاء هربرت ماركوز بنقده للمجتمع الصناعي كمرحلة أولى لإعداد مشروع للتحرر ويعتبر ماركوز الهيمنة التي يخضع لها الفرد داخل المجتمع المغلق ستكون دافعا للتغيير والتحرر.

وقد تم تقسيم الكتاب إلى مقدمة وأربعة فصول وخاتمة كما يلي:

حيث تناول الفصل الأول مفهوم الإنسان والحضارة الصناعية وسيتم من خلاله التطرق لمفهوم الإنسان عند كل من هيجل وماركس باعتبارهما البدايات الأولى للفكر الماركوزي، بالإضافة لمفهوم الإنسان عند هربرت ماركوز، يليها تعريف الحضارة الصناعية في كل من المجتمعين الرأسمالي والاشتراكي، أما الفصل الثاني فسيتم من خلاله عرض إستراتيجيات عقلانية السيطرة وذلك من خلال الكشف عن آليات القمع عند هربرت ماركوز فضلا عن التطرق للنزعة الوضعية باعتبارها إحدى آليات تثبيت النظام، كما سيعرض من خلاله كيفيات تنميط الإنسان، وسينفرد الفصل الثالث بالتطرق إلى الحرية الزائفة من خلال إبراز غياب الإرادة الإنسانية في مجتمع الاستهلاك وكذلك تحليل ظاهرة الاغتراب والكشف عن الوضع الذي آل إليه الإنسان في مجتمع السيطرة فضلا عن التعرض لغياب العقل، أما الفصل الرابع فقد تناول مظاهر المستقبل اللاقمعي وذلك من خلال البحث عن إمكانيات التحرر التي يرى فيها هربرت ماركوز الأمل لإحداث التغير وتحقيق الحرية، كما تطرق إلى حلول وآفاق لتجاوز أزمة الإنسان المعاصر وذلك من خلال بناء مجتمع جديد أساسه الحرية والسعادة.