تفصيل

  • الصفحات : 192 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2024،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى ،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-846-2.

المقدمة :

لقد حضي موضوع العولمة –ولا يزال يحظى لحد السّاعة- باهتمام ودراسة العديد من الباحثين والأكاديميين بمختلف مشاربهم وتياراتهم الفكرية وتوجّهاتهم العقدية والإيديولوجية، وبالرّغم من أنّه هناك شبه إجماع على أنّ العولمة لها عدّة مزايا وعيوب لا يمكن تجاهلها إلاّ أنّ آراء الباحثين والدارسين لهذا الموضوع قد تباينت وتضاربت حول كيفية الاستفادة من منافعها وطريقة التّخلص من شرورها، ولذلك فإنّ موضوع العولمة بالذّات كثرت فيه الدّراسات والآراء بخصوص مفهومها وأبعادها الحقيقية وتبعاتها المختلفة، فهناك من يرى أنّ العولمة لا تحمل في طياتها إلا الشّر ولا تخدم إلاّ مصالح الدول الإمبريالية فقط، ومن ثمّ فهي تقصي الدول الضّعيفة وتجعلها دائما في مؤخّرة الرّكب، وهناك من يبالغ ويقول إنّ العولمة لا تحمل أبدا شرورا كما يزعم البعض وحتّى إن حملت شرورا فهي حتمية لا بدُّ منها وكأنّه يريد أن يقول لابدّ من التّعايش معها وإن كان ضررها أكثر نفعها، وهناك طرفا آخر أكّد على ضرورة الاستفادة من مزايا العولمة بشرط ألاّ يضرّ ذلك بالقيم وسيادة الدّولة، أي استفادة تراعي الخصوصية المجتمعية والهوية الثقافية للشّعوب والمجتمعات، وتحافظ على قدرة الدّولة في اتّخاذ قرارتها الدّاخلية والخارجية دونما ضغط من الخارج.

ولا يخفى أنّ العولمة أو النّظام الدّولي الجديد ينتهج العديد من الطُرق والأساليب من أجل التّرويج لأهم أفكاره ونظرياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثّقافية والبيئية، ولا يكتفي بطريقة واحدة لفرض رؤيته على الآخرين، وهذا يدلُّ على أنّ العولمة نظام عام عالمي مدروس بدقّة متناهية، ولا مجال فيه للصّدفة أو الخيال، فالغرب عندما يريد أن ينفذّ مشروعا ما سواء كان مشروعا اقتصاديا أو سياسيا أو ثقافيا أو اجتماعيا فإنّه يدرسه من جميع الجوانب والزّوايا، ويختار الوقت المناسب لتنفيذه، ويعهد به للأكفاء والمتخصّصين الذين لهم خبرة وتجربة كبيرة في هذا المشروع، ثمّ يسخّر بعد ذلك جميع الإمكانات المادية والفنيّة التي تضمن التّنفيذ الفعّال لهذا المشروع، ولا يكتفي بذلك فحسب بل يتابع تنفيذ هذا المشروع من حيث درجة نجاحه أو فشله، وهذا بغية إصلاح الخلل الذي قد يظهر عند التنفيذ، ونفس الشّيء بالنسبة للعولمة فقد مرّت هي الأخرى بنفس هذه المراحل تقريبا وهذا سر نجاح العولمة وانتشارها في جميع أصقاع العالم،فهي إذن تحظى بعناية كبيرة من قبل الغرب، فهم يعلمون أنّ هيمنتهم على العالم مرتهنة بالتّرويج لثقافتهم وقيمهم على أوسع نطاق، ومرتهن كذلك بزيادة عدد المعجبين بالثقافة والقيم المنتشرة بينهم، وعندما يحقّقوا ذلك فبإمكانهم أن يبقوا مهيمنين على العالم لأطول فترة من الزّمن فالاحتلال الثقافي والقيمي هو الذي يضمن السّيطرة المطلقة للغرب وليس الاحتلال العسكري كما قد يظّنه البعض.

وعلى العموم فإنّ الحديث عن العولمة هو حديث ذو شجون وواسع جدا بحيث يصعب متابعة كل تفاصيله وتطوّراته وتبعاته وكذا أبعاده وخلفياته، ولذلك فقد حاولنا في هذا الكتاب أن نسلّط الضّوء على بعض من تلك التّبعات والتّطورات بشيء مقتضب لأنّه سبقنا الكثير من الباحثين والكتاب في التّطرق إلى تلك التّطورات والمستجدات والتّبعات ولا نريد تكرار ما سبق، ومن المعلوم كذلك أنّ هذا الموضوع بالذات قد أُشبع دراسة وبحثا وتحقيقا ونقدا من قبل ثلّة من العلماء والباحثين الأكفاء والموثوقين، إلاّ أنّه كما هو متعارف عليه أكاديميا فإنّ كل دراسة يشوبها النّقص مهما حاول صاحبها أن يلمّ بجميع جوانب الموضوع، ومن ثمّ فكل كاتب تختلف نظرته للعولمة مقارنة بكتّاب ومؤلفين آخرين، وبهذا تزيد الفائدة وتتنوّع المصادر أمام الباحثين والدّارسين لهذا الموضوع لعلّهم بذلك يظفروا على بغيتهم ويحصلوا من الفوائد المتفرّقة في بطون الكتب،وهذه ميزة الباحث العلمي المتمكّن فإنّه لا يكتفي بمورد واحد يستقي منه جميع المعلومات المتعلّقة ببحثه ؛بل يجب أن ينوّع في مصادر جمع المعلومات حتّى يكون البحث أكثر رصانة وموضوعية، وموضوع العولمة هو موضوع خصب وثري بالمعلومات لكونه نال قسطا واسعا من العناية والدّراسة بمختلف اللّغات وفي مختلف الجامعات العالمية والمنتديات الفكرية سواء في وقتنا المعاصر أو قبل ذلك، وهو أحقُّ بالدراسة لكونه يمس جميع جوانب ومناحي الحياة الخّاصة بالأفراد والمجتمعات والدول.

الغرض من تأليف هذا الكتاب :   

في البداية نقول إنّ اختيارنا لدراسة هذا الموضوع بالذّات لم يكن من قبيل الصّدفة، بل قد سبق ذلك نيّة مسبقة مدفوعة برغبة ذاتية تصبو إلى التّطرق لمثل هذه الموضوعات المتعدّدة الزوايا والرُؤى، القناعات، وفي الجملة فقد تمحورت أبرز أهداف تأليف هذا الكتاب فيما يلي:

أوّلا: تبيان مفهوم العولمة بأسلوب نقدي وأنطولوجي نوضّح من خلاله الأبعاد الحقيقية للعولمة وبخاصة الأبعاد الخفيّة التي لم يتم البّوح بها من قبل مهندسي النّظام العالمي الجديد .

ثانيا: التّحذير من عواقب العولمة الوخيمة على القيم والأخلاق والهويّة الإسلامية وثوابت الأمة كاللّغة والدّين والتاريخ التي تدخل ضمن التّكوين الأساسي للأمّة الإسلامية .

ثالثا: كشف أهم الأساليب والطرائق التي ينتهجها الغرب لنشر ثقافته وقيمه في المجتمعات المحافظة باسم الانفتاح الثّقافي العالمي أو عالمية الثقافة، والتّحذير من غوائل تلك الأساليب الماكرة التي يروّجون من خلاها لباطلهم وزيفهم الفكري والعقدي والقيمي والثقافي .

رابعا: التّطرّق لأهم التّحولات والتّطورات العالمية التي أعقبت العولمة وبخاصة بعد تفكّك الاتّحاد السّوفياتي، حيث ظهرت العديد من التّحولات التي مسّت جميع مناحي الحياة والتي كان لها صدى واسع على جميع المستويات والأصعدة .

خامسا: التّأكيد على أنّه إذا لم يتم التّعامل بحزم مع رواسب ومخلّفات العولمة في جانبها السلبي فإنّ استئصال جذور الفساد والجريمة بمختلف أنواعها لن يكون أمرا هيّنا، بل قد يفضي ذلك إلى عدّة مآلات وعواقب وخيمة منها فقدان الولاء للبلد الأم، ومنها كذلك تراجع وضعف مقوّمات الهوية الإسلامية كاللّغة والدّين والأخلاق والتّفكك الأسري وضعف وحدة وتماسك المجتمع، وهذه من أخطر إفرازات العولمة على الإطلاق.

ويجب التّنبيه هنا أنّه لم تطغ علينا النّظرة التشاؤمية في هذا الكتاب كما يظهر للقارئ في أوّل وهلة ؛ بل قد أعملنا أسلوب الوقاية والحذر، ونحن لا ننكر ما جاءت به العولمة وما قدّمته من خدمات جليلة لاسيّما في الجوانب التقنية والإدارية والصّناعية والزراعية وحتّى التّعليمية والصّحية، لكن كما نقول دائما يجب الحذر كل الحذر مما قد يرافق هذه الخدمات والتّطورات من الوقوع في الغفلة والذهول عن شرورها وغوائلها، والعاقل دائما يوازن بين ما ينفعه ويضره فيأخذ ما ينفعه ويترك ما يضرّه، هذا الذي أردت الوصول إليه من خلال هذا الكتاب المتواضع.

خطة الكتاب :

لقد قمنا بتقسيم هذا الكتاب إلى فصلين أساسين، الفصل الأوّل تطرّقنا فيه إلى العديد من المباحث المهمّة على غرار مفهوم العولمة ونشأتها، وكذلك أبعاد العولمة وأنواعها، وأساليب نشر العولمة وترويجها، هذا ولقد حاولنا في هذا الفصل توضيح العديد من الحقائق التي لها صلة مباشرة بهذا الموضوع، كما تطرّقنا بطريقة غير مباشرة إلى أهم تبعات وتداعيات العولمة على الفرد والمجتمع والدّولة، وفي الفصل الثاني تطرّقنا إلى أهم التّحولات التي أعقبت العولمة، حيث ركّزنا على التّحولات السياسية والتّحولات الاقتصادية والتّحولات البيئية والتّحولات الرّقمية وغيرها من التّحولات الأخرى  كالتّحولات الاجتماعية والتّحولات السلوكية، هذا وقد أردنا إضافة فصلا ثالثا لنتحدّث فيه عن أهم المقترحات والحلول التي يمكن من خلالها تفادي مخاطر العولمة وأضرارها لكنّنا تراجعنا عن ذلك لكوننا أنّنا قد سبق وأن تطرّقنا إلى ذلك في كتابنا الموسوم بالغزو الثقافي وسبل مواجهته فمن أراد أن يطّلع على تلك المقترحات والحلول فليرجع إلى الكتاب وقد تمّ طبع الكتاب والحمد لله .

ملاحظة: قد تحصل في الكتاب بعض الأخطاء النّحوية أو الصّرفية فلا أتفطّن لها فليعذرني القارئ عن تلك الأخطاء التي يصعب تعقبّها جميعا، وبخاصّة أنّنا ليس لدينا الوّقت الكافي لتصحيح جميع تلك الأخطاء ليخرج الكتاب خالِ من جميع الأخطاء والهفوات، فنحن بقدر ما نحرص على تفادي هذه الأخطاء تجدنا نغفل عن ذلك أحيانا بسبب تركيزنا على جوهر الموضوع وفكرته الأساسية.

والله الموّفق .