تفصيل

  • الصفحات : 332 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2024،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى ،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-845-5.

مقدمة

تعد الجريمة مظهرا من مظاهر سلوك الإنسان التي تظهر إلى الخارج متى توافق في ذهنيته مبررات الإقدام عليها، أو عندما تتدخل عوامل أخرى في ذاتها، تدفعه إلى المزيد من الإجرام، فيتولد عن ذلك نوع من الخوف والرعب الذي يهدد النظام العام والأمن والسكينة، حيث يزداد الأمر سوءا كلما اتخذت الجريمة صورا وأبعادا جديدة من العنف والترويع، وذلك بحسب الأشكال التي طبعتها في السنوات الأخيرة من جرائم إرهاب، أوتخريب لممتلكات، فهذه الظاهرة الاجتماعية والإنسانية ما هي إلا صور للجريمة التقليدية بأبعاد معاصرة، تطورت بحسب التطور الذي تشهده الإنسانية، وتستدعيه الحياة المعاصرة، إلى أن صارت ظاهرة تهدد البشرية.

إن الإرهـاب ظاهــرة، استفحلت في السنـوات الأخيرة، وانعكست على فاعلية أساليبـها ووسائلــها المختلفـــة، وبذلك توسعت مجالاتها الجغرافيــة من الصفة المحليــة أو الإقليمية إلى العالمية، حيث لم يعد مرتبطا بحضارة أو ثقافة أو بدولة ما، بل أصبحت هذه الظاهرة تتجاوز كل الأوطـان والديانات والهويات، وباتت تمثل تهديدا إستراتيجيا، لأمن جميع الأمم، كما أنها تمثل انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، ووفقا لذلك تعالت أصوات الدول ومجتمعاتها المدنية، والمنظمات الأممية وغيرها، في محاولة لوضع آليات تحد من تنامي هذه الظاهرة، واتخاذ آليات جديدة موحدة لمواجهة مسبباتها والتقليص من حدة نتائجها السلبية.

والجزائر في تاريخها لم تعرف هذه الظاهرة في صورتها الحديثة إلا مع مطلع التسعينات، وباعتمادها لنهج جديد في سياستها الداخلية، كالتعددية الحزبية، والخيار الديمقراطي، هذا المنحى عده البعض سببا في بعث الإرهاب. أضف إلى ذلك تفشي ظاهرة الفقر والأمية في المجتمع الجزائري كمظاهر اجتماعية صاحبت تلك الفترة من الأزمة الوطنية التي انعكست على شتى المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا ما جعلها بحاجة إلى مواجهة هذه الأزمات ومعالجة آثارها على كل المستويات بانتهاج الآليات المناسبة من خلال تبني إستراتيجية طويلة المدى، كانت بدايتها بالحوار السياسي، وكان الهدف من كل هذا تحقيق الاستقرار، وإحلال السلام وإنهاء الاقتتال تحقيقا لحماية حقوق الإنسان، والعيش المشترك بين مختلف أطياف المجتمع في الجزائر.

وعلى الرغم من معاناة الجزائر من هاته الأزمة إلا أنها لم تعرف صدى لتداولها إلا بعد أحداث11/09/2001، عاد الإرهاب ليحتل مركز الصدارة بين القضايا العالمية المعاصرة، فقد ذكرت هذه الاعتداءات بالمآسي التي تتسبب بأعمال الإرهاب إضافة إلى أنها كشفت عقم الجهود الدولية المبذولة منذ عقود لمكافحة هذه الآفة، ورسخت تداعياتها الاقتناع بهشاشة بنية النظام الدولي وعدم جدوى آلياته، كل هذا أدى إلى مضاعفة الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب، وقد اقتضت تلك المواجهة سواء على المستوى المحلي أو الدولي محاولات لوضع تعريف للإرهاب، يمكن في ضوئه الانطلاق إلى تحديد الوسائل القانونية للوقوف بحزم في مواجهته، فضلا عن تحديد أساليبه ومصادر تمويله، إضافة إلى السياسات الأمنية والتنموية التي تقوم بها الدول لمواجهته.

تسعى هذه الدراسة إلى التطرق إلى مختلف الآليات الأمنية والتنموية المنتهجة من طرف الدول لمكافحة الإرهاب الذي أصبح، يهدد أمن واستقرار الدول التي تعاني من ضعف سياسات التنمية مما جعل الخلايا الإرهابية تنشط بأقاليمها لهذا توجب على دول العالم بصفة عامة والجزائر خاصة بلورة مجموعة من الآليات الأمنية والتنموية قصد مجابهة ظاهرة الإرهاب فيها.

أصبح الإرهاب الشغل الشاغل للشعوب والأمم على اختلاف مستوياتها، فخلال السنوات الأخيرة تم نشر العديد من الكتب والمقالات والبحوث حول الإرهاب، كذلك تم تأسيس العديد من المعاهد التابعة للجامعات أو الحكومات لدراسة الإرهاب، واقتراح الإستراتيجيات المضادة له، فاليوم نحن نعيش عصرا نسميه بــ: “عصر الإرهاب”؛ لذا أصبح لزاما علينا أن نكشف الأسباب التي دفعتنا إلى اختيار هذا الموضوع، المتمثلة في جانبين:

الجانب العلمي الموضوعي المتمثل، أولا في الخطورة المتنامية للظاهرة الإرهابية على دول العالم، الأمر الذي حتم عليها وضع آليات جديدة في شتى مجالات الحياة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والعسكرية. وثانيا من أجل محاولة إجراء تقييم شامل لمعرفة مواقف السياسات الجنائية المقررة لمواجهة الإرهاب على المستويين المحلي والدولي، وأخيرا الإسهام في اقتراح سياسة وقائية وعلاجية لمكافحة الجرائم الإرهابية بأبعادها الجديدة.

أما الجانب الذاتي فكان بدافع الفضول الكبير لمعرفة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى ظهور الظاهرة الإرهابية في دول العالم بصفة عامة، والجزائر بصفة خاصة، وذلك لوضع مقاربات أمنية وتنموية لمعالجة الظاهرة.

يمكن إبراز أهمية موضوع المقاربة الأمنية والتنموية المعالجة لظاهرة الإرهاب في العالم من خلال ظاهرة الإرهاب التي أصبحت مصدر تهديد أساسي لحياة البشرية، لذا فإن جميع أنظار المجتمع الدولي موجهة إلى وضع أسس وقواعد قانونية متفق عليها لمحاربة هذه الظاهرة، إضافة إلى بعض التجارب الدولية التي قامت بها العديد من الدول لمواجهة التحديات التي تواجه أمنها واستقرارها، وفي تخصيص الجزائر بالدراسة فإنها من بين الدول التي عانت من الإرهاب، ولازال خطره يتربص بها في ظل ما تشهده المنطقة العربية من حراك من جهة، والتوتر الأمني والسياسي التي تعيشه المنطقة الجنوبية المحاذية للبلاد في منطقة الساحل الإفريقي من جهة أخرى، ما أجبر الجزائر على ضرورة العمل جاهدة من أجل توظيف إستراتيجية حازمة لحماية أمنها من تسرب، وعودة الجماعات الإرهابية.

تسعى هذه الدراسة إلى توضيح أهم النظريات والمقاربات المستخدمة لنجاح الآليات الأمنية والتنموية لمعالجة الظاهرة الإرهابية في مختلف دول العالم بصفة عامة، والجزائر خاصة، إضافة إلى توضيح مختلف الخطوات والشروط الواجب توفرها لإنجاح أية مقاربة سواء كانت على المستوى الإقليمي أو الدولي.

كما تهدف الدراسة إلى تحقيق بعض الغايات العلمية، التي تتمثل في عدم حصر السياسات الأمنية والتنموية في المستوى المحلي فقط، ولكن من الضروري نقلها إلى الفضاء الإقليمي، كون التكتل الإقليمي، يحقق إنجازات مهمة في المجال التنموي من خلال السياسات المشتركة بين الدول في مختلف مجالات التنمية، هذا إلى جانب الاستفادة من خبرات الدول في مواجهة الإرهاب والتصدي له.

وقد عرفت الجزائر موجات من العنف والاضطرابات -خاصة بعد إلغاء المسار الانتخابي- خلفت وضعا أمنيا متوترا، كانت تأثيراته مختلفة الأبعاد، دفعت بصانعي القرار إلى وضع إستراتيجيات للحد من التجاوزات الأمنية التي هددت البلاد، وعصفت بأمنها واستقرارها، وعليه فإن الدراسة التي بين أيدينا تنطلق من طرح الإشكالية الرئيسية الآتية:

– ما مدى نجاعة الآليات الأمنية والتنموية في مكافحة ظاهرة الإرهاب في الجزائر؟

وللإجابة عن الإشكالية الرئيسية تم طرح التساؤلات الفرعية الآتية:

– ما مفهوم الأمن، التنمية والإرهاب؟ وما أهم المداخل النظرية المفسرة لهم؟

-فيم تتمثل جهود الجزائر محليا، إقليميا ودوليا في مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن المجتمعي؟

كما اعتمدنا في هذه الدراسة على الفرضية المركزية الآتية:

-كلما سعت الجزائر إلى تطبيق سياسات أمنية وتنموية ناجعة في مختلف المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، فإن ذلك يساهم في تحقيق الأمن والتنمية والتصدي للظاهرة الإرهابية.

بناء على ذلك، يمكن حصر الفرضيات الفرعية في ما يلي:

-كلما تبنت الدول مفهوم موحد للإرهاب، مع تغليب للمصالح الإنسانية على المصالح السياسية للدول، فإن ذلك يؤدي إلى نجاعة الإستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب.

– كلما تم سن تشريعات صارمة وقاسية لمعاقبة مرتكبي الجرائم الإرهابية، فإن ذلك يحول دون ارتكاب أعمال إرهابية.

– كلما تم مراعاة أبعاد التنمية في دولة ما، أو أي تكتل إقليمي، فإن ذلك يساهم في تحقيق مستويات عالية من التنمية.

_ كلما اهتمت الجزائر بتنمية المناطق الحدودية، فإن ذلك يساهم في محاربة الإرهاب وتحقيق الأمن المجتمعي.

تبلور موضوع الدراسة انطلاقا من مجموعة من الأدبيات السابقة التي تعد منطلقا مهما في خوض هذه التجربة البحثية، وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى مجموعة منها، التي شكلت تقاطعا كبيرا مع أجزاء الدراسة في جوانب، واختلفت في جوانب أخرى، حيث تم تناول موضوع الدراسة بالتركيز على المقاربة الأمنية والتنموية في مواجهة الإرهاب، ونشير إليها فيما يأتي:

-دراسة المفكر “باري بوزان” الموسومة بــ:”الإنسان، الدولة والخوف”، الذي تطرق فيه إلى إثنى عشر تعريفا متضاربا حول مفهوم مصطلح الأمن[1].

-دراسة للباحثين: الأستاذ الدكتور “بوحنية قوي” والأستاذ الدكتور “عبد القادر عبد العالي” الموسومة بــ: “جيوبوليتيكا القارة الإفريقية جدل السياسة –الجغرافيا والأمن-“التي تطرق فيها الباحثان بالأساس إلى الخارطة الإفريقية منذ نصف قرن، وإلى ما أنجزه الأفارقة لتغيير واقعهم المرير منذ حصولهم على الاستقلال، كما حاولت الدراسة تقديم تقييم إستراتيجي لواقع السياسة والجيوبوليتيكا الإفريقية، التي لم تتخلص من نفوذ وسيطرة القوى الكبرى عليها[2].

-دراسة للباحث الأستاذ الدكتور”عامر مصباح” الموسومة بــــ: “المتطورات الإستراتيجية في بناء الأمن، التي اتخذت من موضوع الأمن ميدانا لها، الذي يشغل اهتمام كل صناع القرار خاصة في دول الجنوب التي تشهد عدم استقرار أمني ونزاعات أهلية وحروبا دولية”[3].

-دراسة المفكر “إبراهيم العيسوي” الموسومة بــ: “التنمية في عالم متغير” التي تحدث فيها عن تطور مفهوم التنمية وعناصرها الأساسية والمتمثلة أساسا في التحرر الإنساني والقضاء على التبعية، كما تطرق في دراسته هذه إلى المتغيرات الجديدة لمفهوم التنمية[4].

-دراسة المفكر “أندرو وبستر” “Andrew Webster” الموسومة بــ: ” مدخل لسوسيولوجية التنمية” 2 التي تناول فيها الباحث بشكل أخص نظريات التنمية، بحيث ركز على نظرية التحديث وأصولها النظرية التي تعود إلى”إميل دور كايم” “Emile Durkeim” الذي تحدث عن تطور المجتمع الحديث المعقد، و”ماكس فيبر” “Max Weber” الذي اهتم بتوضيح أسباب سيطرة التصنيع الرأسمالي في الأنظمة الاقتصادية لدول أوروبا الغربية[5].

-دراسة للدكتورة “هناء إسماعيل إبراهيم الأسدي” الموسومة بـــــ: “الإرهاب وغسيل الأموال كأحد مصادر تمويله -دراسة مقارنة-” التي ركزت فيها على ماهية الظاهرة الإرهابية وأهم الجهود المبذولة لمواجهتها، سواء كانت دولية أو إقليمية، وذلك لا يكون إلا بالتعاون بين الدول، في المجال القانوني أو الأمني[6].

-.دراسة للباحثين: الأستاذ “عمر فرحاتي” والأستاذة “مريم براهيمي” الموسومة بــــ: الأزمة في الساحل الإفريقي الخلفيات والأبعاد[7]، وتضمنت الدراسة منطقة الساحل الإفريقي والتحولات والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي عرفتها، انعكست بدورها على النظام الدولي والعلاقات الدولية ككل منتجة تحولات جيو إستراتيجية تمثلت في الإرهاب والجريمة المنظمة والمتاجرة بالأسلحة، وهذا ما قاد إلى الأزمة في المنطقة، مما أدى إلى تدخل الدول في منطقة الساحل الإفريقي.

-دراسة للباحث “بوسكين سليم” الموسومة بــــ:”العقيدة الأمنية الجزائرية والتهديدات الإقليمية الجديدة”، التي قام فيها بتحليل التهديدات الأمنية المتصاعدة في البيئة الإقليمية للجزائر خاصة تداعيات الربيع العربي” في دول الجوار الشرقي ليبيا وتونس، والإشكالات الأمنية في منطقة الساحل الإفريقي خاصة أزمة شمال مالي والتدخل الفرنسي في المنطقة، وبعض التهديدات اللا تماثلية كالإرهاب والتهريب وتجارة السلاح والمخدرات والجريمة المنظمة العابرة للحدود، ويبين تعاطي العقيدة الأمنية الجزائرية انطلاقا من مبادئها ومحدداتها مع هذه التحديات من أجل حماية أمنها الوطني وتعزيزه[8].

-دراسة الباحث “رشيد زرواتي” الموسومة بــــ:”التنمية بين الميادين النظريات والنماذج”.[9] التي خصصها لعنصر التخلف والتنمية وميادينها المتنوعة (الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية، الدينية، الثقافية، الأخلاقية، النفسية…) وتحدث فيها أيضا عن نظريات التنمية وأهم مفكريها.

-دراسة للباحث “أحمد بوجليطة بوعلي” الموسومة بــــ:”سياسات مكافحة الإرهاب في الوطن العربي-دراسة مقارنة بين الجزائر ومصر-” [10]، وتضمنت أهم الآليات التي اتخذتها دول الوطن العربي في مكافحة الظاهرة الإرهابية.

-دراسة للباحثين: الأستاذ الدكتور “نسيم بلهول” الموسومة بــــ:”الحوارات الإقليمية والعالمية في منطقة الساحل والصحراء”.[11] التي تحدث فيها عن أهم القضايا والأزمات والمشكلات التي تواجه دول القارة الإفريقية على مستوى مناطقها وأقاليمها المختلفة، التي تؤثر على حاضرها ومستقبلها وواقعها السياسي الملموس الذي تعيشه هذه الدول وخصوصا في منطقة التماس بين شمال القارة وجنوبها سواء من ناحية الدول والأطراف المتأثرة بالنزاعات وبالصراعات، أو من ناحية الدول والأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة فيها، وما ينجم عن ذلك من نتائج وتداعيات على الأنظمة السياسية لتلك الدول.

-دراسة للباحث الأستاذ الدكتور” ولد الصديق ميلود وآخرون” الموسومة بــــ:”مكافحة الإرهاب بين مشكلة المفهوم واختلاف المعايير عند التطبيق (الجزء الأول)[12]، الذين قدموا أعمالا بحثية في إطار الندوة العلمية الموسومة: “الحرب على الإرهاب: بين إشكالية إيتمولوجيا المفهوم وازدواجية المعايير عند التطبيق”، حيث تناولوا الأطر الإيتومولوجية لظاهرة الإرهاب بمعرفة أسبابها ودوافعها من خلال دراسات ومقاربات علمية متخصصة وعميقة في مختلف الميادين لمعرفة الإستراتيجية الأمنية والسياسية والإعلامية والاتصالية والنفسية والتربوية والاجتماعية والتاريخية والفلسفية، وقسمت الدراسة إلى محورين رئيسيين : تناول الأول جملة النقاشات النظرية المعالجة لإيتمولوجية ظاهرة الإرهاب، فيما يتناول الثاني الأسباب والدوافع السياسية والاجتماعية والنفسية والأمنية المفسرة لانتشار الظاهرة.

-أما الدراسة الثانية للباحث الأستاذ الدكتور “ولد الصديق ميلود وآخرون الموسومة” بـــ: “مكافحة الإرهاب بين مشكلة المفهوم واختلاف المعايير عند التطبيق –الجزء الثاني-[13]، تمحورت حول مجمل الآليات القانونية والأمنية والدينية والتربوية المعالجة لظاهرة الإرهاب من جهة، ومن جهة ثانية، يثير مسألة اختلاف معايير توصيف مصطلح الإرهاب وتوظيفه ضمن السياقات المختلفة والمتباينة.

أما عن موضع الدراسة من الأدبيات، فنذكر بعض الدراسات، نوجزها فيما يأتي:

-دراسة الباحث الدكتور “بن زايد أمحمد” الموسومة بــ:”سياسات التنمية في الاتحاد الأوروبي ودورها في تعميق الوحدة الأوروبية”[14] وهي رسالة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، تخصص علاقات دولية، تناولت السياسات التنموية التي عرفها الاتحاد الأوروبي، بوصفها ظاهرة متعددة الأبعاد للوصول إلى الأهداف المرجوة كما هو شأن دول الاتحاد الأوروبي، وتجربته الناجحة في مجال التعاون والشراكة، وكذلك الباحثين الذين اهتموا بالتنمية وتفسيرها، كما أعطى نماذج عن التنمية، كنموذج التنمية بماليزيا والقفزة النوعية التي حققتها.

-دراسة للباحث “إسماعيل شعباني” الموسومة بـــ:”مقدمة في اقتصاد التنمية، نظريات التنمية والنمو، إستراتيجيات التنمية”[15]، الذي تطرق فيه إلى نظريات التخلف وما تحمله من تفسيرات لهذه الظاهرة، والأسباب التي أدت إليها، كما تناول نظريات التنمية والنمو، محاولا معالجة ظاهرة التخلف، وتقديم الحلول المقترحة لمواجهته.

-دراسة للباحث “طارق قندوز وآخرون”، الموسومة بــ:”المخططات الخماسية التنموية في الجزائر (2001-2014) في مواجهة الفقر، البطالة، التضخم[16]، وهو عبارة عن مقال علمي، يتناول البرامج التنموية التي تعرّف بسياسة الإنعاش الاقتصادي، لتدارك التأخر في التنمية الاقتصادية التي نتجت عن الأزمة السياسية والمالية التي عاشتها الجزائر في العشرية السوداء.

انطلاقا مما سبق، وحسب الدراسة التي قمنا بها؛ فإننا لم نصادف دراسات كثيرة في موضوع البحث المعالج لظاهرة الإرهاب في الجزائر، فما ورد من دراسات، فإنها تناولت إستراتيجيات الدول في مواجهة الإرهاب، التي تمثلت في المقاربة الأمنية واهتمامها بالبعد العسكري والقانوني والتنموي، بوصفها عوامل أساسية في تحقيق أهداف معينة، والجزائر عانت من ويلات الإرهاب فاتخذت بعض الإجراءات على المستوى السياسي والأمني، في معالجة الظاهرة دون إحداث سياسات تنموية سواء داخلية أو إقليمية بالتعاون والشراكة مع الدول المجاورة للتخفيف من حدة الظاهرة الإرهابية.

تختلف دراستي عن الدراسات السابقة في تبني مقاربات جديدة تعالج التهديدات الأمنية العابرة للحدود الوطنية والمتمثلة في انتشار العمليات الإرهابية في الجزائر وطرائق مكافحتها سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي التي تتطلب وضع إستراتيجيات هادفة لاحتواء هذه الظاهرة بتعزيز التعاون على المستوى العسكري والأمني والدبلوماسي، إضافة إلى ذلك وضع مشاريع تنموية في المناطق الحدودية وتنمية مناطق الظل التي أصبحت تشكل خطرا على الأمن الوطني الجزائري.

وبالنسبة لحدود الدراسة، فإننا تناولناها من جانبين، زماني ومكاني، هما كالآتي:

حصرنا موضوع الدراسة زمانيا بين فترة 1989 إلى غاية 2022، التي تشكل محطة متميزة في التاريخ الجزائري، حيث عرفت هذه السنوات عمليات إرهابية، اختلفت من حيث الأشكال والأساليب، مما أدى بالسلطات الجزائرية إلى وضع آليات لمعالجتها.

أما مكانيا، فترتكز الدراسة على ظاهرة الإرهاب وتداعياته على سيادة الدول، وخاصة الجزائر التي عرفت أزمة أمنية.

ومن أجل مقاربة الموضوع اعتمدنا على مجموعة من النظريات ساعدتنا على توصيف وتحليل القضايا البحثية، ومعالجة الإشكالات التي تطرحها الدراسة، وهي كالآتي:

من أهم هذه النظريات، تأتي النظرية الواقعية التي تعمل على تفسير السلوك الدولي، والصراعات الدولية بصفة خاصة، ومن بين أبرز اتجاهاتها:

الواقعية التقليدية، التي هيمنت على دراسات الأمن والعلاقات الدولية؛ حيث تسعى إلى تفسير آلية عمل النظام الدولي، وسبب حدوث الصراع ما بين الدول. وتنشق الأصول الفكرية للواقعية التقليدية من أعمال كتاب من أمثال “إدوارد كار” “dwardE.Car” و”هانز مورجنتاو” “Hans Morgenthau”، وارتبط بروز نظرية العلاقات الدولية بالمنظور الواقعي، وظهرت بعد الحرب العالمية الأولى وما عرفته من صراعات وجدالات، طرحتها في حد ذاتها الواقعية[17]، وقد اتضح ذلك في إطار المقاربة الأساسية التي ركزت على مصادر ونتائج استخدام القوة لتحقيق المصالح[18]، كما أسهمت أفكار المفكر السياسي “هانز مورجانتو” (Hanz (Morganto-الذي يعد أحد أبرز مفكري التيار الواقعي-في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية- في محاولة فهم الأسس الفكرية لما يسمى بالليبرالية العقلانية وتكذيب نتائجها وافتراضاتها[19]، ولقد ساعد المنظور الواقعي للدراسة من خلال تركيزه على عاملي القوة والمصلحة، فنجد كل السياسات الدولية في النظام الدولي المعاصر مبنية على أساس القوة والمصلحة، وحتى تجربة الاتحاد المغاربي، كان هدفها البحث عن المكانة الدولية، وتعزيز قوتها، والحفاظ على مصالحها، ومن هذا المنطلق تم الاستعانة بالنظرية الواقعية بشقيها التقليدي والحديث.

وتندرج الواقعية الجديدة كاتجاه ثان ضمن الاتجاه الواقعي في العلاقات الدولية، وهي نظرية منظومية تركز على الدور الحاسم لبيئة السياسة الدولية، وطبيعة النظام الدولي في تفسير العلاقات الدولية، وتنطلق هذه النظرية من عدة مقولات أساسية أهمها أن السياسة الدولية هي عملية صراعية أساسها الصراع بين القوى الكبرى من أجل الحصول على مصادر القوة، وأن النظام الدولي هو نظام فوضوي يفتقر إلى نقطة توازن نتيجة عدم وجود سلطة عليا تنظم حركته[20]، واستبعاد التحليل الأخلاقي، كما سبقت الإشارة على القوة والمبادئ الميكيافلية (البراغماتية) التي تؤكد على استعمال القوة والخداع لتحقيق المصالح الوطنية[21] .

وتركز الواقعية الجديدة على دور المؤسسات الدولية وأطر العلاقات الدولية في جوانبها الاقتصادية، ومن بين أبرز مفكريها “كينيت والتز” “Keneth Wltz” الذي قام بدراسة للبيئة النظامية على المستوى الدولي وخاصة فترة الحرب الباردة في إطار الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي[22]، وعليه تهتم الواقعية الجديدة بالبنيان الدولي الذي يحدد هيكل توزيع القوى داخل النسق العالمي وترتيب الوحدات المكونة له.

وتم الاعتماد -كذلك- على نظرية التكامل الدولي لتفسير أي ظاهرة اندماجية لقياس مدى نجاعة التجارب من خلال الالتزام بالخطوات التي جاءت بها نظريات التكامل الدولي التي انبثقت منها نظريتان.

تمثلت الأولى في النظرية الوظيفية التقليدية التي اهتم بها العديد من الباحثين والمتخصصين خلال السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية[23]، ويَعُد عالم الاجتماع الأمريكي ” تالكوت بارسونز” (Talkott Parsons) الوظيفية منهجا لتفسير وتحليل وصياغة المفاهيم حول الظواهر المختلفة: الاجتماعية، السياسية، الثقافية والاقتصادية، حيث تقوم الوظيفية على جملة من التصورات، يأتي في مقدمتها، التعامل مع الشيء سواء كان كائنا حيا أم اجتماعيا أم جماعة أم تنظيما أم مؤسسة على أنه نظام يتألف من عدة أجزاء مترابطة، وهناك تصور آخر يتعلق بأجزاء النسق التي قد تكون وظيفية، تساهم في توازن النسق[24].

ويعد الباحث “دافيد ميترانيي (David Mitirany)” من أبرز المفكرين الذين أضافوا التحليل الوظيفي في حقل العلوم السياسية الذي أكد فيه على ضرورة منح السلطة للفنيين للقيام بنشاطات محددة.

وتمثلت النظرية الثانية في الوظيفية الجديدة من أبرز مفكريها: “هانس فيليب شميتر Hans Philippe Shmiter”، “ليون ليندبرغ Leon Lindberg”، “ستيوارت شينغولد Stuart Sheingold”، “دونالد بيشالا Donald Puchala”، و”جوزيف ناي Joseph Nye”[25]، بحيث أبرز هؤلاء المفكرون دور الاعتبارات السياسية للتكامل، فهناك جماعات الضغط، وتأثير الأطراف الخارجية الذين ليسوا أطرافا فاعلة في العملية التكاملية، وكذلك النشأة السياسية للأطراف في اتجاه التكامل[26]، وعليه كل هذه العوامل، تؤثر على مسار العملية التكاملية، مما يستدعي أخذها بعين الاعتبار.

وتأتي نظرية مركب الأمن الإقليمي، كثالث نظرية، تم الاعتماد عليها، ويتزعمها المفكران” باري بوزان” وزميله ” أولي ويفر” اللذان قدما عددا من التعاريف لمفهوم مركب الأمن الإقليمي Regional Security Complexe، منها: ” مجموعة الدول التي اهتماماتها الأمنية الأولية مرتبطة مع بعضها البعض بشكل وثيق وكاف بحيث إن الأمن القومي للواحدة لا يمكن أن يكون معتبرا بشكل معقول بعيدا عن الأخرى”[27]، وهذا أول تعريف صاغه في تحديد المضمون الإستراتيجي للمفهوم.

وفي مناسبة أخرى يقدمان تعريفا آخر أكثر حداثة عرفاه بأنه: “مجموعة الوحدات التي تكون بينها العمليات الكبرى للأمننة Securitisation أو Desecuritisation أو كلاهما هي جد مترابطة بحيث إن مشكلات الأمن لا يمكن أن تكون محلة، بشكل معقول بعيدة الواحدة عن الأخرى”[28].

المنظر الأول الذي طرح هذا المصطلح هو “باري بوزان” في كتابه الشعب، الدولة والخوف: مشكلة الأمن القومي في العلاقات الدولية وكان إشارة منه إلى بداية التحول في مضمون المفاهيم التقليدية لقضية الأمن في تحليل العلاقات الدولية لتنتقل من المستوى الوطني إلى المستوى الإقليمي الذي يعد جوهر ومركز التحليل الأمني وفهم قضايا العلاقات الدولية الأمنية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة[29]، كما يعتقد “باري بوزان” و”أولي ويفر” أن أهمية نظرية مركب الأمن الإقليمي تكمن في أنها توفر إطارا نظريا لفهم العلاقات الأمنية، بشكل يساعد الباحث على التغيير والتنبؤ بالتطورات اللاحقة داخل أي منطقة من العالم.

يعد “باري بوزان” من دعاة توسيع الأمن إلى قضايا أخرى غير العسكرية، فطرح أنموذجا يختلف في الخصائص بالنسبة لحقل التهديدات الأمنية التي تتكون حسبه من خمسة قطاعات أمنية كلها تعود على الدولة وسيادتها كمرجعية للتحليل، وإلى جانب البعد العسكري يمكن إضافة أبعاد أخرى متمثلة في الأمن السياسي، الاقتصادي، والاجتماعي[30].

ويرى “بوزان” أن غياب الأمن المجتمعي ظهر بصورة أساسية كنتيجة لتحولات النظام العالمي، وأن أهم مصدرين من مصادر تهديده هما: الهجرة أو الصراع بين الإثنيات والعرقيات المختلفة، أما ما يطلق عليه الهويات المتصارعة، ومن ثم يؤثر على الأمن المجتمعي لكنه مع ذلك ما يزال يؤكد أن أمن الدولة أو الدولة بوجه عام مازالت هي الهدف الأساسي لأي سياسة أمنية، وعليه فقد ساعد منظور نظرية المركب الأمني الإقليمي الدراسة في تحديد مستوى التحليل المناسب (الإقليمي) في دراسة وفهم القضايا الأمنية ورسم سيناريوهات مستقبل الأمن، وذلك لأنها تمتلك قدرات تنبؤية كبيرة في معرفة السلوكات المستقبلية للأطراف وآثارها المحتملة عبر التركيز على تحليل ديناميكيات مركبات الأمن الإقليمية.

استعانت الدراسة بجملة من المناهج بهدف التوصل إلى نتائج نهائية مقبولة، وقد تمثلت في المنهج التاريخي الذي يستخدم للحصول على أنواع مختلفة من المعلومات والبيانات ذات الطابع المعرفي، وذلك لتحديد تأثير تلك الأحداث الماضية على المشكلات أو القضايا التي يعاني منها أفراد المجتمعات في الأوقات الراهنة[31]، وقد ساعدنا هذا المنهج في التطرق إلى مختلف تطورات مراحل الظاهرة الإرهابية عبر العصور ومعرفة خصائص وظروف كل مرحلة عبر التاريخ، وهذا ما يسهل علينا تتبع المسار التاريخي للظاهرة.

وفي المنهج الوصفي الذي يساعد على عرض المعلومات وفق التسلسل التاريخي والمراحل التي مرت بها ظاهرة الإرهاب، وتحديد طبيعة التحديات والتهديدات التي تواجهها الجزائر، كما يهدف أيضا المنهج الوصفي إلى رصد ظاهرة أو موضوع محدد بهدف فهم مضمونها، وقد يكون الهدف الأساسي تقويم وضع معين لأغراض عملية[32] . ومن أمثلة ذلك التعرف على مختلف العمليات الإرهابية في الجزائر، وكذلك الحصول على إحصائيات ونسب فيما يخص السياسات التنموية المنتهجة من قبل دول المغرب العربي، وهذا لفحص وتتبع الظاهرة التنموية من خلال السياسات المشتركة مغاربيا في الكثير من المجالات[33].

والمنهج المقارن الذي يعد من المناهج الأساسية في دراسة العلوم السياسية، حيث تم استخدامه في إبراز أوجه التشابه والاختلاف بين سياسات مكافحة الإرهاب بين مختلف الدول من خلال دراسة وتحليل إستراتيجيات محاربة الظاهرة الإرهابية، ومعرفة دورها في مواجهتها، وساعد هذا المنهج في البحث عن الدوافع التي فرضت على دول العالم انتهاج سياسات مشتركة معينة فيما يخص الأمن والتنمية للتصدي للظاهرة الإرهابية[34].

ثم منهج دراسة حالة وهو أحد المناهج الأكثر استخداما وانتشارا في الدراسات المتعلقة بالعلوم السياسية، وهذا راجع إلى أن هذا النوع من الدراسة، يشكل مسألة مهمة في الوصف والتحليل الشامل والدقيق للظاهرة، وهذا ما جعله منهجا خاضعا إلى طبيعة العمل، والبحث فيه، كما نجد أيضا هذا المنهج يتماشى مع موضوع الدراسة، وهو “دراسة حالة الجزائر”.

وفي هذا السياق اعتمدنا على مجموعة من الاقترابات منها، الاقتراب المؤسسي الذي يستعمل في الدراسات السياسية من خلال وصفه لمؤسسات الدولة، وللعملية الانتخابية وشروطها وكيفية إجرائها وتأثيرها على العملية السياسية، واستقرار النظام السياسي، وقد استخدمت الدراسة هذا الاقتراب من خلال محاولة معرفة المؤسسات التي أنشأت في الدول المغاربية، واكتشاف آليات الانتخاب فيها، ومدى تأثيرها على عملية المشاركة السياسية. ومنها كذلك الاقتراب القانوني، الذي يشير إلى إجراء مقارنات لأداء المؤسسات من خلال الالتزام بالقواعد القانونية، وبمعنى آخر، هو دراسة أثر عدم الالتزام بالقواعد القانونية على أداء المؤسسات واستقرار المجتمع، وبما أن ظاهرة الإرهاب عرفت العديد من المعاهدات والاتفاقيات التي عرفتها وحددت العقوبات المنجرة عنها، التي سنتطرق إليها لاحقا، وعليه حاولت الدراسة معرفة تلك المعاهدات الدولية والإقليمية المشتركة والتعديلات التي طرأت عليها وأثرها على محاربة الإرهاب والأهداف التي حققها. ومنها أيضا، اقتراب علاقة الدولة بالمجتمع، الذي تأسس من طرف المفكر “جويل مجدال” “Joel Migdal” مؤكدا فيه على العلاقات التي تتم بين الدولة والمجتمع مع التركيز على التفاعلات التي تتم بينهما، وهناك من عرفه بأنه نظام لتمثيل المصالح تنتظم فيه وحدات تنظيمية في عدد من الفئات المتمايزة وظيفيا، يرخص لها النظام السياسي بإنشاء مؤسسات حسب مجالات اهتماماتها للمشاركة في عملية اتخاذ القرار، حتى لا تحتكر السلطة الحاكمة القرارات لوحدها فقط، وإنما تلعب دور الوساطة بين المجتمع والدولة لتجسيد مبادئ الديمقراطية بصورها الحديثة، وقد استخدمت الدراسة هذا الاقتراب لمعرفة مختلف المؤسسات التي تعد عاملا أساسيا في اتخاذ آليات جديدة للتصدي للظاهرة الإرهابية[35].

وأما عن مفاهيم الدراسة، فقد اعتمدنا مجموعة من المفاهيم المهمة التي تدخل في صلبها، وتساعد على الإحاطة بمختلف جوانبها، كمفهوم الأمن، الذي يعد اصطلاحا مفاهيميا غامضا وملتبسا في مقاربات خبراء هذا التخصص الحديث النشأة من الناحية العلمية والأكاديمية، ويرجع غموضه بصفة رئيسية إلى كون الدراسات الأمنية مازالت جزءا من تخصص علم العلاقات الدولية الذي تتقاسمه العديد من المقاربات والنماذج الأكاديمية المتنافسة على تناوله، وأدق تعريف للأمن هو ما ورد في القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ والصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف﴾[36] .

ويعرفه الأستاذ “عمر سعد الله” بأنه: “حالة ترى فيها الدولة أنه ليس ثمة أي خطر في هجوم عسكري أو ضغط سياسي أو إجبار اقتصادي حيث تتمكن من المضي بحرية ي العمل على تنميتها الذاتية وتقدمها”[37].

وأما المفكر السياسي “باري بوزان” فيرى من جهته بأن الأمن يعني: “العمل على التحرر من التهديد”[38].

ومن مفاهيم الدراسة كذلك مفهوم التنمية، الذي تزايد الاهتمام به، بعد الحرب العالمية الثانية من قبل المفكرين والباحثين وذلك بسبب التغيرات التي عرفتها أوروبا بعد أن دمرتها الحرب خاصة مشكلة إعادة البناء،[39]ويدل هذا على أن الاهتمام بالتنمية من قبل الدول جعلها تسهم في وضع سياسات تنموية لمعالجة الظاهرة الإرهابية والتصدي لها، وهذا ما يُهمنا في موضوع بحثنا هذا، وتعرف التنمية على أنها: “الجهود المنظمة التي تبذل وفق تخطيط مرسوم للتنسيق بين الإمكانيات البشرية والمادية المتاحة في وسط اجتماعي معين، بقصد تحقيق مستويات أعلى للدخل القومي والدخول الفردية ومستويات أعلى للمعيشة والحياة الاجتماعية في نواحيها المختلفة كالتعليم، الصحة، الأسرة والشباب ومن ثم الوصول إلى تحقيق أعلى مستوى ممكن من الرفاهية الاجتماعية”[40].

ومن أهم المفاهيم المحورية التي وظفتها الدراسة، واستعملتها على نطاق واسع، مفهوم الإرهاب، بوصفه ظاهرة من الظواهر البارزة في العصر الحالي، لأنها ترتبط بالقتل والترهيب فقط، وإنما تمتد إلى الإرهاب الاقتصادي والاجتماعي والنفسي، وإلى كل ما يجعل الإنسان يعيش حالة من الفزع والخوف واللاأمن.

وقد عرفه الدكتور “إسماعيل الغزال” قائلا: “هو إيديولوجية، هو مبدأ، هو فكر، هو مؤسسة، هو ميثاق يسوغ العنف أو إستراتيجية تعطي الأفضلية لتلك الأعمال”[41].

في حين يرى الدكتور “صلاح الدين عامر” بأنه: “الاستخدام المنظم للعنف لتحقيق هدف سياسي”.[42]

وقد اعترض سبيل هذه الدراسة بعض الصعوبات، والإشكالات؛ إذ لا تخلو أي دراسة من صعوبات تواجهها أو تعيق مسارها، فبالنسبة لهذه الدراسة فأهم صعوبة واجهتها هي جدة الموضوع، وندرة الدراسات التي تناولته في شموليته، وأحاطت بكل جوانبه ومختلف أبعاده، وكل ما تراكم من أبحاث ودراسات حوله، عالجت بعض الجزئيات منه، وهو أمر طبيعي بالنظر لتشعب الموضوع، واختلاف وجوهات النظر والمقاربات المعالجة له. ولعل أهم عائق وقف حجر عثرة أمام هذه الرسالة هو جائحة كورونا، التي عطلت عجلة هذا البحث، وحالت دون العثور على الكثير من المصادر والمراجع التي كانت ستخدم البحث في حينها، وما ترتب عنها من آثار سلبية، كصعوبة التنقل، وانعدام فرص التواصل مع الباحثين المتخصصين، وغلق المعارض والمكتبات.

وأخيرا، جاءت خطة الدراسة في فصلين (02) تناولنا في الفصل الأول الإطار المفاهيمي لدراسة الأمن، التنمية والإرهاب، تم تقسيمه إلى ثلاثة مباحث يتضمن كل مبحث ثلاثة مطالب،حيث خصصنا المبحث الأول لمفهوم الأمن من مناظير العلاقات الدولية، وتم التطرق فيه إلى تعريف الأمن وأهم النظريات التي اهتمت به بالإضافة إلى أبعاده ومستوياته، ومن جهة أخرى في المبحث الثاني تم التطرق إلى التنمية من خلال تعريفها وتحديد عناصرها الأساسية، وتطور مفهومها وأهم المداخل النظرية المفسرة لها بالإضافة إلى رصد أهم خصائصها وأهدافها.

أما الفصل الثاني فقد خصصناه لدراسة حالة الجزائر في معالجة ظاهرة الإرهاب من خلال مدخلي: الأمن والتنمية، فقد تم تقسيمه إلى أربعة مباحث، فالمبحث الأول تناولنا فيه التجربة الجزائرية في مجال مكافحة الإرهاب، وتم التطرق إلى أسباب الأزمة فيها، وإلى أهم الآليات والأطر القانونية لمواجهة الظاهرة على المستوى الداخلي، وبعدها المبحث الثاني الذي حاولنا فيه حصر أهم مصادر التهديدات الأمنية الجديدة التي تواجه أمن واستقرار الجزائر كظاهرتي الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية، بالإضافة إلى أزمات دول الجوار منها تونس، ليبيا، دول الساحل الإفريقي وتداعياتها على الأمن الوطني الجزائري. أما المبحث الثالث فعالجنا فيه مختلف الجهود الدولية والإقليمية للجزائر من أجل تسوية الأزمات التي تشهدها هذه الدول كونها مصادر تهديد لأمنها واستقرارها. وأخيرا المبحث الرابع عرضنا من خلاله للمشاريع التنموية الاقتصادية ودورها في تعزيز الأمن المجتمعي، فتبنت الجزائر مخططات الإنعاش الاقتصادي التي قام بها الرئيس الراحل “عبد العزيز بوتفليقة”، تمثلت في برامج الإنعاش الاقتصادي (2001-2004)، البرنامج التكميلي لدعم النمو الاقتصادي (2005-2009)، وبرنامج توطيد النمو الاقتصادي (2014-2020)، وبعدها تم إدراج إستراتيجية الجزائر في تنمية المناطق الحدودية لمواجهة التحديات، ويظهر ذلك من خلال تدني مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتطور الأوضاع لقاطني هذه المناطق، وبالتالي استوجب على الجزائر وضع مقاربة جديدة لمحاربة التهديدات الأمنية اللينة والخشنة، وخير دليل على ذلك التجارب الدولية في إحداث التنمية المستدامة بالمناطق الحدودية كتجربة رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) التي عرفت قفزة نوعية فيما يخص التنمية الاقتصادية. وانتهينا إلى تناول واقع التنمية المستدامة بمناطق الظل في إطار برنامج الإنعاش الاقتصادي (2020-2024) الذي أقره رئيس الجمهورية “عبد المجيد تبون” بغية الاهتمام بمناطق الظل.

 

[1]) Barry Buzan, People, States , and Fear: An Agenda for international security studies in the post-cold warEra, bouldei, 1991.

[2]) بوحنية قوي، الإستراتيجية الجزائرية اتجاه التطورات الأمنية في منطقة الساحل الإفريقي، قطر: مركز الجزيرة. للدراسات، 2012

[3])عامر مصباح، المنظورات الإستراتيجية في بناء الأمن، د.ط، :دار الكتاب الحديث، 2013.

[4])إبراهيم العيسوي، التنمية في عالم متغير، دراسة في مفهوم التنمية ومؤشراتها، ط2، القاهرة: دار الشروق، 2002.

[5])أندرو وبستر، مدخل لسوسيولوجية التنمية، تر: حمدي حميد يوسف، ط1، بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة، 1986.

[6]) هناء إسماعيل إبراهيم الأسدي، الإرهاب وغسيل الأموال كأحد مصادر تمويله-دراسة مقارنة- مكتبة زين الحقوقية والأدبية، ط1، بيروت: 2015، ص 38

[7]) عمر فرحاتي،مريم براهيمي، الأزمة في الساحل الإفريقي الخلفيات والأبعاد، ط، 1الجزائر: الدار الجزائرية للنشر والتوزيع، 2017.

[8]) بوسكين سليم، تحولات البيئة الإقليمية وانعكاساتها على الأمن الوطني الجزائري (2010-2014)، مذكرة لنيل شهادة ماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، تخصص علاقات دولية وإستراتيجية، جامعة محمد خيضر بسكرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية (2014-2015).

[9])رشيد زرواتي، التنمية بين الميادين النظريات والنماذج، ط1، الجزائر:جسور للنشر والتوزيع، 2017.

[10]) أحميدي بوجليطة بوعلي، سياسات مكافحة الإرهاب في الوطن العربي، دراسة مقارنة بين الجزائر ومصر، مذكرة تخرج لنيل شهادة ماجستير، قسم العلوم السياسية، جامعة دالي إبراهيم، (2009-2010).

[11]) بلهول نسيم، المبادرة العسكرية الأمريكية في إفريقيا: مقاربة استراتيجية جديدة، مجلة السياسة والقانون، المجلد 05، العدد 09، جوان 2013.

[12])ولد الصديق ميلود وآخرون، مكافحة الإرهاب بين مشكلة المفهوم واختلاف المعايير عند التطبيق (الجزء الأول)، ط، 1عمان،مركز الكتاب الأكاديمي، 2017.

[13]) ولد الصديق ميلود وآخرون، مكافحة الإرهاب بين مشكلة المفهوم واختلاف المعايير عند التطبيق، الجزء الثاني،ط1، عمان : مركز الكتاب الأكاديمي،2016.

[14])بن زايد أمحمد، سياسات التنمية في الإتحاد الأوروبي ودورها في تعميق الوحدة الأوروبية، رسالة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، تخصص علاقات دولية، كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية، قسم الدراسات الدولية، جامعة الجزائر 3، (2017-2018).

[15]) إسماعيل شعباني، مقدمة في اقتصاد التنمية، نظريات النمو والتنمية واستراتيجيات التنمية، ط 2، الجزائر :دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع،د.س.ن.

[16]) طارق قندوز وآخرون، المخططات الخماسية التنموية في الجزائر 2001-2014 في مواجهة الفقر، البطالة والتضخم، دراسات إنسانية واجتماعية، المجلد 6، العدد 7، الجزائر، جانفي 2017.

[17]) Jack Donnely, Realism and International relations, London: Cambridge University press , 2000, P 01.

[18]) Oliver Jutersonke, Morgenthan, Law and Realism, London: Cambridge University press , 2010, P 05.

[19]) Martin Griffiths, Realisms , Idealism and international Politics, first puplished, London: Taylor and Francis Library, 1992, P 36.

[20])محمد السيد سليم، تطور السياسة الدولية في القرنين التاسع عشر والعشرين، ط1، القاهرة: دار الفجر للنشر والتوزيع، 2002، ص 09.

[21]) Michael C, Williams, Realism Recocidered the Legacy of hans Morgenthau international relations London: Oxford University press, 2007, P 01.

[22])جهاد عودة، النظام الدولي : نظريات وأشكال، ط1، مصر: دار الهدى للنشر والتوزيع، 2005، ص 43.

[23])عمر إبراهيم العفاس، نظريات التكامل الدولي الإقليمي، ط1، ليبيا: جامعة قاريونس، 2008، ص 105.

[24])عبد الطيف بوروبي، تحول النظريات والأفكار في العلاقات الدولية بعد الحرب الباردة، رسالة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في شعبة العلوم السياسية، فرع العلاقات الدولية، الجزائر: جامعة منتوري “قسنطينة” (2008-2009).، ص ص 144-145.

[25]) Walter Mattli, The logic of Regional Integration Europe and Beyond , London: Cambridge Universitypress, 1999, p07.

[26])جيمس دورتي وروبرت بلستغراف، النظريات المتضاربة في العلاقات الدولية، تر: وليد عبد الحي، ط1، الكويت: دار كاظمة للنشر والترجمة والتوزيع، 1985، ص 345.

[27]) Barry Buzan and Oliver Waever, Regions and powers: The Structure of International Security (Cambridge, New york , Melbourne, Madrid, Cape Town, Singapore, Sào PauloM Cambridge University Press , 2003), P 21.

[28] ) Ipid, p22.

[29] ) –Barry Buzan , People States, and Fear: The National Security Problem in International Relations (London: Wheatsheaf Books , 1982) , p p 73-75.

[30] ) عبد النور بن عنتر، البعد المتوسطي للأمن الجزائري: الجزائر، أوروبا، والحلف الأطلسي، المكتبة العصرية للطباعة والنشر والتوزيع، 2005، ص 16.

[31]) محمد عبيدات وآخرون، منهجية البحث العلمي القواعد، المراحل والتطبيقات، ط2، الأردن: دار وائل للطباعة والنشر، 1999، ص 36.

[32])المرجع نفسه، ص 46.

[33]) محمد شلبي، المنهجية في التحليل السياسي، المفاهيم، المناهج، الاقترابات والأدوات، الجزائر، ب.د.ن، 1997، ص 87.

[34]) محمد شلبي، الأمن في التحولات الدولة الراهنة، أعمال الملتقى الدولي الأول بكلية العلوم السياسية والإعلام، منشورات الكلية، الجزائر: دار الهومة،2004ص ص 70-71.

[35]) محمد شلبي، المرجع نفسه،ص 215-216.

[36]) القرآن الكريم، سورة قريش، الآية 04.

[37])عمر سعد الله، معجم في القانون الدولي المعاصر، ط2، الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية، 2007، ص 240.

[38]) Barry Buzan, people, states, and fear: An Agenda for International security studies in the post-cold warEra, Epid , p p 18-19.

[39])محمد شفيق طنيب وآخرون، أبعاد التنمية في الوطن العربي، د ط، الأردن: دار المستقبل للنشر والتوزيع، د.ت.ن، ص 123.

[40])المرجع نفسه، ص 124.

[41])إسماعيل الغزال، الإرهاب والقانون الدولي، د.ط، لبنان: المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع، 1990، ص 16.

[42])صلاح الدين عامر، مقدمة لدراسة قانونية للنزاعات المسلحة، د.ط، مصر:دار الفكر العربي، 1976، ص 86.