تفصيل

  • الصفحات : 181 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2024،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى ،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-880-6.

القسم الأول : مدخل عام

1. الخطاب :

يعد الخطاب من الممارسات اللغوية الفاعلة داخل المجتمعات الحديثة لما له من تأثير على مختلف جوانب الحياة الاجتماعية، حيث ترتبط أهمية وتطور وتأثير الخطاب بأهمية وتطور الممارسات الاجتماعية على اعتبار أنه ممارسة متشعبة الدلالات للفاعلين داخل المجتمعات على الأصعدة الثقافية، الاجتماعية، السياسية.

ورغم أن الخطاب بمفهومه الحديث في الثقافتين العربية والغربية لا يمكن فصله عن السياقات الإجتماعية، إلا أن الكثير من الباحثين في تحليلهم يرونه غير منفصل عن أنواع الخطابات في التخصصات العلمية الأخرى،  فهو يتعدى المنظومة المنطوقية التي تعبر عنها اللغة في شكلها الصريح، وهوما عملت على إبرازه مدارس تحليل الخطاب المختلفة، ومن بينها الخطاب السياسي  والخطاب الإعلامي اللذان لم يعد اقتصارهما على عملية إنتاج المحتوى فحسب، وإنما أصبحا يقومان على إبراز جدلية العلاقة بين منتج هذا الخطاب والطرف الموجه إليه ومختلف السياقات المرتبطة بإنتاجه، فمثلا تتنوع أشكال الخطاب الإعلامي في حد ذاته وفقا لتنوع مضمون وسائل الإعلام بين المكتوب والمسموع والبصري، وهذا ينعكس على مختلف المضامين التي يتخذها محورا للتحليل، هدفه ما يصبو إليه منتجه من جهة، وتبعا لسياسة المؤسسة الإعلامية وتوجهها، بالإضافة إلى عوامل أخرى فكرية واقتصادية وسياسية وإعلامية متشابكة.

وبما أن الإعلام الجزائري جزء من المنظومة الإعلامية العالمية التي أصبح الحديث فيها عن ضرورة الخطاب أمرا لابد منه بأنواعه المكتوب والمسموع والمرئي، خاصة بعد الانفتاح الإعلامي الذي رافقته التعددية السياسية بعد أحداث أكتوبر 1988م، التي نتج عنها سن دستور 1989م، ونتائجه ظهور أول قانون للإعلام سنة 1990م، يتيج المجال لإنشاء مؤسسات إعلامية ذات توجهات فكرية مختلفة، ومنه ظهور القطاع الخاص في الصحافة المكتوبة  دون السمعية البصرية،  لتصبح موازية لصحف القطاع العمومي التي شغلت الساحة الإعلامية الجزائرية طيلة فترة الاستقلال إلى غاية 1988م، إضافة إلى قانون الاعلام لسنة 2012 م الذي أفسح المجال نوعا ما للقطاع الخاص في الإعلام السمعي البصري.

وبالحديث عن الانفتاح السياسي في الجزائر الذي رافق أحداث أكتوبر  1988م  فاسحا المجال لظهور مؤسسات ديمقراطية تمثلت في الأحزاب السياسية في شكلها الحديث، وبما أن ظهور ونشأة هذه الأخيرة في الجزائر لا يمكن فصله عن سياقه التاريخي الذي كان في شكل نوادي وجمعيات ببعدها السياسي في التوجيه والتثقيف وتبني القضايا الوطنية أثناء الفترة الاستعمارية، لا يمكن فصله أيضا عن نشأة وظهور الصحافة في الجزائر، وهذا يعكس العلاقة المتبادلة في الأخذ والعطاء بين الأحزاب السياسية الجزائرية من خلال تبني خطاباتها بمختلف توجهاتها الفكرية والايديولوجية، ومحاولة كسب التأييد من وراء الخطابات المنشورة عبر النصوص الصحفية وجعل لها ثقل داخل النظام السياسي، ومنه نشر الصحافة الجزائرية لهذه النصوص الخطابية بتوجهاتها المختلفة، وبالتالي يصبح كل طرف منهما فاعلا أساسيا في أي تحول في المجتمع، سواء كان تحولا سياسيا، اجتماعيا، أو ثقافيا وذلك وفق أهداف كل طرف.

الدارسون يلاحظون الفرق في تحليل الخطابات  المنشورة في الصحافة من خلال النصوص الإعلامية ذات السياقات المشتركة، هذا الاختلاف يرجعه الكثير منهم إلى الممارسة الإعلامية بكل مكوناتها وجملة السياقات التاريخية والاجتماعية التي قيل فيها الخطاب ومختلف الظروف التي ساهمت في بلورة الإعلام الجزائري.

في هذا المؤلف العلمي البحثي لتحليل مختلف جوانب خطاب الأحزاب السياسية في الصحافة الجزائرية في صحيفة الشعب الجزائرية أنموذجا.

1.1-الأصول الفكرية والفلسفية للخطاب

أصبح مصطلح الخطاب من المصطلحات الشائعة في الكثير من التخصصات المعرفية خاصة ما يعنى بالنظرية النقدية وعلم الاجتماع وعلم اللغة والفلسفة وعلم النفس الاجتماعي، حتى أنه أصبح يعتبر من المصطلحات  ذات المفاهيم المسلم بها نظرا لتداوله بكثرة في تحليل النصوص الأدبية وغير الأدبية،  وربما كان له نطاق أوسع من الدلالات الممكنة بين مصطلحات النظرية الأدبية والثقافية، ومع ذلك هو المصطلح الأقل تحديدا فيها.[1]

ويعتبر تميز المعنى الحقيقي للخطاب عن المعاني المعجمية والمعاني النظامية للكلمة في حد ذاتها  مرتبطا بالسياق الموقفي الذي يستخلصه المخاطب، ويظهر في المقصد الاتصالي من خلال الدلالات التي تبرز في القدرات اللغوية للقائم بالخطاب ومن ثم التأثير في انتقاء الألفاظ التي تشكل النظام اللغوي الخاص.[2]

ويعتبر الخطاب في اللغة العربية من حقول علم الأصول، وذلك امتدادا لعلاقته بكثير من القضايا الثقافة العربية الإسلامية خاصة علوم القرآن وعلم الحديث واللغة وعلم الكلام، حيث شهد بروز إجراءات منهجية كثيرة تعلقت بالوصف والاستقراء أو الاستنتاج وأخرى ذات علاقة بالتحليل الدلالي والتأويل.[3]

ويحدد الكفوي (ت 1094 ه) الخطاب لفظا ودلالة بقوله الخطاب ” اللفظ المتواضع عليه المقصود به الإفهام من هو متهيئ لفهمه احترز باللفظ عن الحركات والإشارات المفهمة بالمواضعة وبالمتواضع عليه عن الألفاظ المهملة، والمقصود به الإفهام عن كلام لم يفهم  به إفهام المستمع فانه لا يسمى خطابا وقوله لمن هو متهئ لفهمه عن الكلام لمن لا يفهم كالنائم”.[4]

ويمكن أن نستخلص من هذا أن “الكفوي” قد وضع من خلال مفهومه للخطاب شروطا للتحقق وهي القصد في الإفهام، إيصال الرسالة للمخاطب ، والاستجابة للفهم عند المخاطب أما شرط الرسالة فهو ما تعارف عليه من ألفاظ عند الناس.[5]

ويعرف “التهانوي”( ق 12 ه / 18 / م)  في كتابه كشاف اصطلاحات الفنون بأنه ” اللفظ المتواضع عليه المقصود به إفهام من هو متهيئ لفهمه”.[6]

وهو لا يزيد على ما وضعه الكفوي”  في تحديد المصطلح وتفصيل عناصره ويشير” التهاوني ” إلى  قضية غاية في الأهمية حين يشير في كتابه إلى استقرار المصطلح كما ورد عندهما إلى القرن التاسع الهجري وهو ما أورده السيد الشريف الذي توفي 617 ه الذي أكد على استقرار المصطلح وأحوال استخدامه عند الأصوليين واللغويين .

و يعتبر الخطاب مصطلحا فلسفيا ذا دلالات واضحة ولكنه يواجه إشكاليات عند إخراجه عن حقله الأصلي أي بشحنه بدلالات غريبة، حيث اعتبر المفهوم عند العرب قديما محصورا في إطاره المتعارف عليه دون تطوير لكن حداثة المفهوم في النقد العربي الحديث لم يتم تطويره امتدادا للمفهوم الأصلي عند العرب وإنما تم استبداله بالمفهوم الغربي إذ أثر اتكاء النقد العربي على النقد الغربي في أصل المفهوم الذي اعتبر وثيق الصلة بالصول الفلسفية.[7]

2.1. في المفاهيم…

ورد في معجم النفائس كلمة خطاب من خطب الشيء وخطابة وخاطبه مخاطبة وخطابا، كالمه وراجعه الكلام ووجه إليه كلاما، واختطب على المنبر أي خطب والخطيب هو الخاطب ومن يقرأ الخطبة والخطبة ما يخطب به من الكلام في قوم لإقناعهم والتأثير فيهم جمع خطب.[8]

وفي لسان العرب لابن منظور الخطبة مصدر الخطيب، وخطب الخاطب على المنبر واختطب يخطب خطابة، قال أبو منصور إن الخطبة مصدر الخطيب لا يجوز إلا على وجه واحد وهو أن الخطبة اسم للكلام الذي يتكلم به الخطيب فيوضع موضع المصدر، وذهب أبو إسحاق إلى أن الخطبة عند العرب الكلام المنثور المشجع ونحوه التهذيب والخطبة مثل الرسالة التي لها أول وآخر.[9]

أما في القران الكريم فوردت كلمة الخطاب في خمس سور قرآنية وخمس مواضع أما الفعل خاطب فورد في موضعين من صورتين قرآنيتين

وهو يعني الشأن والغرض في المقصد القرآني فهو كلام حامل للشأن أو الغرض وفعله خاطب ويقصد الكلام وجاء ذلك في قوله تعالى : “واصنع الفلك بأعيننا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون”.[10]

كما وردت الكلمة في صورة “ص” مع إدراج معاني النفوذ والسلطة في قوله تعالى: “وشددنا ملكه واتيناه الحكمة وفصل الخطاب.[11]

 

وفي سورة يوسف “ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه.[12]

وفي سورة القصص “ما خطبكن”.[13]

وردت كلمة خطاب في معجم الدعوة والإعلام الإسلامي بمعنى توجيه الكلام إلى الآخرين للإفهام سواء أكان الإفهام في الحال أو في المستقبل، والخطابة كلمة مكتوبة أو مرتجلة يغلب عليها طابع الحماس والانفعال يوجهها الشخص الخطيب إلى مجموعة أشخاص مواجهة أو عبر وسيلة مسموعة مرئية.[14]

اصطلاحا..

عند المفكرين العرب يعد لفظ الخطاب على الرغم من جذوره العربية اصطلاحا جديدا عند الكثير من الباحثين في شؤون اللغة والفكر تمت استعارته ليقابل مفردة discourse  وتنبع حداثته من مقابلات معجمية كثيرة  مثل الكلام، السرد، الأطروحة، المقال، الخطبة، المحاضرة، معالجة الموضوعات، النص.

يعرفه نايف خرما بأنه الكلام المتصل الذي يشمل أجزاء من جمل أو عدة جمل معا.[15]

وعرفه سيار الجميل بأنه مقول القول يطلقه صاحبه بلغته القومية ضمن الأفق الفكري الذي يتعامل معه، وعرفه عبد العليم محمد بأنه نظام فكري يتضمن منظومة من المفاهيم والمقولات النظرية حول جانب معين من الواقع الاجتماعي[16].

 

ويعرفه عبد الهادي بن ظافر الشهري على أنه كل منطوق به موجه إلى الغير بهدف إفهامه مقصودا مخصوصا مع تحقيق أهداف معينة.[17]

3.1. الخطاب في الأدبيات الغربية

حظي مفهوم الخطاب في قديم الفلسفات الغربية وحديثها باهتمام خاص سواء في التحديدات الأولى للمفهوم عند أفلاطون أو في كتاب ديكارت * خطاب في المنهج*.[18] يعرف لالاند  الخطاب  بأنه “تعبير الفكر وتطوره بواسطة متوالية من الكلمات والقضايا المتسلسلة المترابطة”.[19]

  • ويعرف بنفنست Benveniste الخطاب بأنه “دور الفاعل المتكلم في العملية المنطوقية وهو النظام الشكلي القائم على العلامة والوحدة في التواصل بينهما وهما معا شكلا نظام الدلالة في اللغة”.[20]
  • ويعرف منفرد فرانك Menfreed Frank الخطاب بأنه “مستوى ثالث بين اللغة والكلمة وهو بنية لسانية تتكون من وحدات هي الجمل”.[21]
  • ويعرف فوكو الخطاب بأنه “الميدان العام لمجموع المنطوقات المتميزة وهو ممارسة لها قواعدها تنتمي إلى ذات التشكيلة الخطابية”.[22]
  • ويعرفه على أنه “النصوص والأقوال كما تعطي بمجموع كلماتها ونظام بنائها وبنيتها المنطقية أو تنظيمها البياني أو نظام تعبير مقنن أو مضبوط”.[23]

ولكي تعد مجموعة العبارات خطابا عند فوكو لابد أن تتسم بما يلي :

  • أن تحيل جميعها على موضوعات تقع في مجال واحد
  • أو تكون طريقة صياغة العبارات واحدة بحيث تشترك معا في شبكة متشابهة للمفاهيم والتمييزات
  • أن تتم نسبة الخطاب لمنتجه دون آخرين قد يشاركونه ذات التصورات عبر الاختيارات ووسائل البرهنة التي يستخدمها المنتج.
  • العبارات لا تكتسب قيمتها كخطاب إلا بتمتع منتجها بوضعية مؤسسة متعارف عليها.

4.1. خصائص الخطاب..

يعتبر الخطاب وحدة مركبة لاهي بالجملة حيث تتجاوز حدودها التركيبية أما في حالات الأمثال في التراث الشعبي أو الصيغ الإشهارية فيتقلص فيها حجم الخطاب، ويقوم هنا المجتمع وثقافته السائدة بدور كبير في بلورة الخطاب حيث لا يمكن فصله عن الظروف الزمانية والمكانية ومختلف القواعد المتصلة بالفاعلين في الخطاب ومعانيه المتضمنة ومدى استغراقه وكيفية تركيب وحداته التي تجعله يتطور زمنيا ومكانيا وفقا للغايات التي ينصرف إليها.[24]

ومن خصائص الخطاب أن له متلفظ واحد، لكن من يقوم بإنتاجه فهي أطراف متعددة وهو يؤثر بذلك على استمراريته ويبرز في مظاهر انقطاعه وتعطله على نحو ما يلاحظ في المجالس الخطابة أو النقاشات وغيرها.[25]

واعتبر الخطاب سابقا شكلا لغويا يقف على وصف الأشياء أو نقل الأخبار في حين عملت النظرية اللغوية على إبراز قوة العملية الخطابية بإبراز طاقته الانجازية بحيث يسعى لتحقيق غايات أساسية أهمها التأثير في المخاطب.

تبرز خاصية التفاعلية كإحدى أهم الخصائص التي تميز الخطاب  في التفاعل المواجهي الشفهي بين المخاطب والمخاطب.

  • تأويل الخطاب لا يكون إلا من خلال سياقه يتجاوز بذلك الفهم البسيط متخذا من عنصري الزمان والمكان إطارا يمكن استخلاص دلالاته من خلاله فيعتبر ضروريا التفاعل بين الخطاب وسياقه.
  • اكتشاف دلالات ومعاني الخطاب لا يمكن إلا من خلال ربطه بسياقه وبخطابات سابقة أو لاحقة فيعقد صلات ضمنية أو صريحة تكون من جنسه أو من أجناس أخرى كما يمكن أن يعقد علاقات مع أنواع أخرى من الخطابات فينفتح عليها.[26]

وفق هذه الخصائص اعتبر علماء اللغة أن الخطاب أنزل اللغة إلى ساحة الاستعمال اعتمادا على النظر في السياقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ومختلف التحولات التي يعرفها العالم، وهو ما وفر أدوت متاحة للتوظيف فيما يخدم مصالح الإنسان الخاصة في الفترات التي عرفت فيها الإنسانية طريقها نحو الديمقراطية.[27]

الأمر الذي جعل القوى  السياسية  تخوض في برامج انتخابية معتمدة فيها على خصائص اللغة في الخطابات المقدمة واللقاءات والاجتماعات من أجل تقديم مشاريعها السياسية من تقاسم للسلطة أو التداول عليها أو انتقاد مشاريع الدولة وعلى رأسها الأحزاب السياسية.[28]

ومنه تكون اللغة سلاحا لكسب أصواب الناخبين وتصبح وسائل الإعلام والفضاءات العامة منابر للحديث والإدلاء بالتصريحات والنقاشات المذهبية والسياسية.

ومن ثم أصبح للكلمة سلطة وللخطابات الأكثر إقناعا حظا في إيصال صاحبها إلى السلطة وذلك راجع إلى التركيز على أهمية اللغة في الخطاب وانتعاش الأخير في جذب المستهلك في مختلف الميادين، فضلا عن الميادين الاقتصادية والتصنيع التي لا يضمن رواج سلعها عند المستهلكين إلا إذا رافق ذلك خطابات يعطف قلب المستهلك عليها بإيهامه بضروريتها وإن كانت من الكماليات.

تعتبر الخطابات مستقلة عن بعضها وليست منغلقة على بعضها وإنما هي مستقلة في سياقات ثقافية وحضارية معينة، ويمكن أن يحضر خطاب في بنية خطاب آخر وأن يتميز خطاب بمعارضته للآخر، إلا أن إمكانية تتبعه قائمة ضمن البنية النصية والسردية بينهما، كما أن الخطابات التي تنطلق من سياق ثقافي واحد تشترك في طبيعة بنيتها التي تعكسها إشكالياتها التي يتناولها هذا الخطاب في حد ذاته.[29]

 

 

 

  • ديبور شيفران وضع ثلاث تعاريف للخطاب:

الاتجاه الوظيفي أو الشكلي :[30]

أولا : يعتبر هذا الاتجاه أن استعمال اللغة في الخطابات يتجاوز الاستخدام الشكلي لها وإنما يتطلب الوقوف على طبيعة العلاقة بين وحدات الخطاب ببعضها البعض من حيث الاتساق والانسجام وأداء الدلالات التي تحقق القصد من جهة والاعتناء بأهمية السياق الذي ينتج فيه الخطاب والعلاقة بين طرفي الخطاب من جهة أخرى، وتبرز طبيعة العلاقة هنا من خلال الدرجات الاجتماعية لطرفي الخطاب والطرق المعتمدة في إنتاج الخطاب وفقا للواقع الاجتماعي الذي يربط بين الطرفين.

ثانيا : التركيز على اقتناص المرسل لفرصة استثمار كافة المستويات اللغوية مثل المستوى الفيزيولوجي أي بتوظيف القيم والنظم التركيبية وانجاز الأفعال اللغوية وأن هذا التعريف يركز على البنية.

ثالثا : اعتبار الخطاب لفظا أو ملفوظ يعتبر تقاطعا بين البنية والوظيفة وهو بهذا المعنى يؤدي المعنى في التعاريف السابقة التي تجمعه كونه بنية ووظيفة.

ويعرف “فيركلاو” الخطاب بأنه ” اللغة المستخدمة لتمثيل ممارسة اجتماعية محددة من وجهة نظر معينة”[31] ، ويصل “فيركلا ” إلى أن ” الخطاب هو أحد أشكال الممارسة الاجتماعية ” بينما اعتبر احد الباحثين المتخصصين في الخطاب “فان ديل “أن الخطاب هو” سؤال بسيط في شكله معقد في تكوينه” [32] وأنه بعبارة أوضح ” الإجابة التفصيلية عن سؤال” ، ويقول أن  الخطاب يختلف عن اللغة ويفرق ما بينه وبين النص من ناحية ” ومن ناحية أخرى يؤكد ” ديك ” أن “الخطاب والنص يلتقيان في بحث البناء والوظيفة لوحدات اللغة الكبرى”.[33] ، كما تطور في نفس الوقت تقريبا لذلك نجد من يعتبرها متماثلين، والأصل أنه يوجد إشكالات كبيرة بينهما على مستوى المفاهيم والمناهج والوظائف.

أما الباحث ” تانكرد ” فاك دان”  يرى أن الخطاب يركز على اللغة والمجتمع بالإضافة إلى أن  الخطاب متحرك و متغير وله جمهور وهدف وقصد معين من النصوص والممارسات الاجتماعية.[34]

ومن ثم يمكن لنا القول وفقا لهذا التعقيبات لمفاهيم الخطاب التي ارتبط بعضها بالشكل والبنية بعضها الآخر بالوظيفة أنه لا يوجد خطاب واحد وإنما تعاريف عديدة للخطاب بعضها غير مكتمل والآخر متناقض وخطابات أخرى مكتسبة وغيرها متعارضة حيث يبدو لنا أنه توجد صراعات بين هذا الخطابات وعبرها يتشكل الواقع الاجتماعي.[35]

5.1. أنواع الخطاب:

يرتبط تنوع  الخطاب  بتنويع الطرق التي يتخذها المتكلمون أو الخطباء أو الكتاب حين إنتاجهم للخطابات وهذا بدوره يرتبط بالسياقات الاجتماعية  والثقافية والتاريخية التي ينتج فيها الخطاب، وأيضا بين العلاقة التي تحكم طرفي الخطاب أي بين الخطيب والمخاطب فتنتج بذلك أنواع من الخطابات مثل الخطب الدينية والعلمية والسياسية والإيديولوجية وغيرها …ورغم توظيفه للغة كغاية إلا أنه في النهاية ينتهي إلى مقصد غير لغوي وإنما جملة من النوايا التي تتحقق بواسطة اللغة التي أولاها “جاكوبسون” أولوية في تحقيق القصد من التواصل بين الإنسان وغيره من بني جنسه.[36].

ومن بين أنواع الخطاب الخطاب العلمي الذي يخلو من الدلالات والمعاني والإيحاءات نظرا لطبيعة الحقل العلمي المستمد منه، حيث تهيمن طاقة الإخبار عليه فتزول بذلك القدرة على الاشتراك والترادف وتكرار التراكيب فهو يجنح إلى الدقة واعتماد المنطق والموضوعية والمنهجية في وصف الظواهر التي يتناولها.[37]

رغم وجود بنية واحدة للخطاب إلا أنه من وجهة نظر بحثية تندرج أشكال وأنواع الخطاب من الأكثر إلى الأقل تعقيدا ومن الأعمق إلى الأقل عمقا ومن الأشمل إلى الأقل شمولا وعلى هذا النحور تندرج أبرز أشكال الخطاب عبر التاريخ القديم والمعاصر.[38]

  • الخطاب الديني: هو أكثر أنواع الخطابات عمقا بكل أشكاله ومدارسه سواء كان مقدسا أم وضعيا، يمتاز باعتماده على إثارة الخيال والحياة المستقبلية والوعد بالخلاص سلطوي يطالب بالإيمان بالقضايا العقدية ومن مميزاته: [39]
  • خطاب عقائدي كما هو في علم الكلام أو باطني كما هو في التصرف أو تشريعي كما هو في الفقه وأصوله .
  • خطاب يقدسه الناس حتى يصبح بديلا عن المقدس ذاته.
  • له أصول وفروع.
  • له قلب وأطراف يعتمد على سلطة النص أكثر من اعتماده على سلطة العقل.
  • يعتبر متميزا بل وحكما على باقي الخطابات.
  • يتوحد به الحكام بحيث يصبح الخطاب الديني والسياسي واحد.
  • أكثر الخطابات تاريخيا .لا يحتاج إلى مقاييس للصدق إلا من صدق القائل .
  • الخطاب الفلسفي: تطور عن الخطاب الديني بعد خروجه عنه، فخرج عن الخطاب الديني

من الجانب السلطوي العقدي إلى الخطاب البرهاني يمتاز بمايلي:[40]

  • الحوار والرأي والرأي الآخر.
  • يشتمل على مقاييس صدقية أهمها الاتساق التطابق أي النتائج مع المقدمات خاصة إذا كان استنباطا ومع الواقع إذا كان استقرائيا ومع التجربة الإنسانية إذا كان الخطاب في العلوم الإنسانية.[41]
  • قادر على التجريد والتعميم والصياغات النظرية للقوانين إنساني النزعة.
  • يخاطب جمهور العقلاء بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية والسياسية.
  • يخاصمه الخطاب الديني لأنه يعتبره منافسا له على المعرفة والسلطة.

– تزدهر به الحضارات وتعرفه مثل الحضارة اليونانية والإسلامية والأوروبية الحديثة.

  • الخطاب القانوني: وهو نوع من الاختزال للنوعين الأولين في جملة من القوانين التشريعية الوضعية والأوامر والنواهي كما يلي:[42]

الدين شريعة الفلسفة مواعظ ولذلك ازدهر الخطاب القانوني داخل الخطابين الديني والفلسفي مثل القياس في الشريعة والحلقة في اليهودية والقانون الكنسي في المسيحية، بل توحدت الشريعة مع الدين وأصبحت أهم من العقائد والفلسفات النظرية مثل الشريعة اليهودية والشريعة الإسلامية.[43]

مميزات الخطاب القانوني :

  • خطاب عام للناس جميعا يضع قواعد السلوك وعقوبات في حالة خرق القانون.
  • يعتمد على العقاب أكثر من الجزاء وقد يصل العقاب إلى الموت.
  • عادة ما تحدث خروقات بين القاعدة والتطبيق وبين الصورة القانون وماديته وشدته ولينته بين
  • حسن النية وسوءها وبين المصلحة العامة والخاصة.
  • الخطاب التاريخي:

يعتمد على استعادة الأمجاد التاريخية من نماذج البطولات التاريخية كالمدينة الفاضلة وعصر النبوة والخلفاء الراشدين، ومن ثم يعتبر أهم عناصر المعرفة في هذا النوع من الخطابات هو الخبر وفيه يتم التحقق من صدق الأحداث التاريخية كالتحقق من صدق الروايات من خلال علم الحديث الذي وضع أساسا لهذا الغرض أو النقد الخارجي للنص وتحليل متن النقد الداخلي وغيرها من المناهج المتبعة في ذلك.[44]

  • الخطاب السياسي والاجتماعي: وهو نوع خرج عن الخطاب الديني بعد اختزاله إلى خطاب إنساني يقوم به زعماء السياسة وقادة الأحزاب السياسية ورؤساء وملوك الدول والوزراء ورجال الأعمال، أهم مظاهره التأثير في الناس وتوجهاتهم حيث يتم فيه الكشف عن صراع الأهواء والمصالح والقوى السياسية والاجتماعية في الحراك الاجتماعي، ويجري كل هذا وفقا لقوانين تاريخ المجتمع.[45]

ومنه يسعى الخطاب السياسي لتحقيق الوظائف التالية :[46]

  • القمع والقهر من خلال إطلاق الأحكام والعقوبات والأوامر والتهديد بشن الحروب .
  • إضفاء الشرعية أو تجريد الآخرين منها من الاعتماد على عناصر تجميل الخطاب أو تقبيحه أو قبول وضع أو رفضه.
  • المقاومة والمواجهة وينطبق هذا أكثر على الأنظمة الشمولية التي تقاوم الرفض الشعبي لها.
  • التضليل : غرضه إظهار ما يناسب وضع المتكلم ضمن سياق ما فيظهر ما أريد إظهاره فيما يخدم غرضه من الخطاب ويخفي مالا ينفعه في قصده .
  • الخطاب الإعلامي والمعلوماتي:

هدفه الإخبار حول البيئة المحيطة و التأثير في اتجاهات القراء والمستمعين والمشاهدين وتوجهاتهم .

ويعتبر الخطاب الإعلامي من أكثر وأشهر أشكال الخطابات لأنه الطريق الذي يؤدي القوة في السياسية والاقتصاد وقد تعرض هذا الاقتصاد إلى عدة تحولات رئيسية فبدءا بثورة الطباعة ثم ثورة وكالات الأنباء ثم الثورة التكنولوجية في التلفزيون والحاسوب.[47]

6.1. أبعاد الخطاب:

ونقصد بأبعاد الخطاب هنا مكوناته أو مستوياته ومعالمه وتنقسم إلى محاور :[48]

  • المحور الأول اللغة: أول مستوى من مستويات الخطاب هو اللغة وهي مجموعة من الوحدات التركيبية تظهر في شكل أصوات إلى أن تدون بالكتابة، ووراء عالم اللغة لا توجد عوالم أخرى ولا معاني ولا أفعال.

تجاوزت اللغة وفق هذا المحور لغة الدين والميثافيزيقا حيث أنزلتها للاستعمال العملي ضمن مستويات الخطاب بما تحويه من معاني الأشياء والإيماءات والإيحاء والمجاز الجمالي التأثيري، حيث تعتبر اللغة هنا منظومة محمكة من الألفاظ  ذات التركيب المنطقي وهو ما يظهر في الدراسات اللغوية المعاصرة في تحليل الخطاب التي ركزت على تحليل الخطاب كما عبر عنه الدكتور ” حسن خلفي ” بالطابع التطبيقي العملي التعميمي الشفهي”.[49]

  • المحور الثاني: عالم المعاني المستقل عن الألفاظ الذي يميل نحو الوصفية والنزعة الروحية ويوجد غالبا في أفكار الفلاسفة والمفكرين ويعتبر تركيزه على المعاني أساسياته الأولى  بتركيزه على الغاية أما الباحثون فقد وجهوا له نقدا باعتباره ينحو للتراسل الروحي بدل الاعتماد على وسائل الاتصال كاللغة.[50]
  • المحور الثالث: عالم الأشياء أي العالم الخارجي المستقل عن الألفاظ والمعاني وهو عالم يتطلب التحقق من المصداقية قبل إصدار الأحكام على مختلف القضايا، ومنه اعتمد العلم مبدأ التحقق والصدقية واللغة وفق هذا المحور غاية وليست وسلة ويشير المحور إلى أن تحليل الخطاب هنا يعتمد على مرجعيات خارج اللغة ذاتها في التحليل.
  • المحور الرابع: عالم الأفعال والأمر والنواهي هذا المحور يركز على النزوح للبعد الإنساني من حيث اهتمامه بتحليل الخطاب فلم يعد هنا مجرد صياغة لغوية وإنما تغلب التراث الغربي إلى منطق الأفعال بظهور نظرية الخطاب كخطاب البروتوكولات أو خطاب التنفيذ، وناقش الفلاسفة هذا البعد بحيث اعتبره  ” ايكير ”  أن مصير النص وغاياته هو ” الفعل ” فيما اعتبر “هابرماس ”  أن المعرفة هي فعل اتصالي والعقل أداة اتصال.[51]

انطلاقا من هذا أقرت الدراسات المعاصرة في تحليل الخطاب أن الأخير عبارة عن سلوك، فإيديولوجية اللغة وقوتها تنهي إلى الخطاب وهو بدوره ينتهي إلى التغيير الاجتماعي والثقافي، والخطاب ببعده الإنساني يهدف إلى التكوين والتغيير ويبتعد عن الخطاب النظري المجرد المنغلق.

7.1. عناصر الخطاب: [52]

 المرسل:

يعتبر منتجا للخطاب ومحورا أساسيا فيه، يقوم بالتلفظ بالخطاب المنتج للتعبير عن القصد من الرسالة غرضه تحقيق هدف ما تتجسد ذات المخاطب أو الخطيب عبر بناءه للخطاب وترتكز في ذلك على إستراتيجية بنائية للخطاب نفسه تنطلق من الإلمام بسياق الخطاب والاستعداد له، ومن دون القائم بالخطاب لا يمكن تحقيق العملية الخطابية ككل ولا يمكن للفكرة أن تتجسد وبالتالي المرسل هنا هو الذي يوظف اللغة بمستوياتها في نسجه لخطابه.

 

 

 المرسل إليه:

اعتبر البلاغيون أن المرسل إليه هو جزء مهم من الخطاب وتداوله مرهون إلى حد كبير بمعرفة حالة أو افتراض ذلك الحال أو افتراض المسبق الركن في النظام البلاغي إذ أن الاهتمام مركز إلى المرسل إليه.

يعتبر المرسل إليه الحلقة الثانية الهامة  في عناصر العملي الخطابية إذ لا يمكن توجيه الخطاب إلا لمستقبل له، ويقتضي ذلك من المرسل معرفة حال المستقبل وظروفه ومستوياته الثقافية والاجتماعية حتى يتم تداول الخطاب بشكل ناجح من خلال حسن انتقاء النظام البلاغي الذي يوظفه لتبليغ خطابه.

العناصر المشتركة:

يقصد بها العلاقة بين منتج الخطاب وبين مستقبل الخطاب وتحكمها التشاركية بين الطرفين، وتعتبر من أهم السياقات التي تحكم عملية بناء وإنتاج الخطاب انطلاقا من تحديد الاستراتيجيات الخطابية المناسبة لإنجاح العملية التواصلية وتحقيق الهدف من الخطاب.[53]

2- في الصحافة الجزائرية

إن الدراسات التي أجريت حتى اليوم تثبت أن الصحافة كوسيلة إعلامية عصرية لم تكن موجودة في الجزائر قبل سنة 1830 وهي السنة التي هجم فيها الفرنسيون على مدينة الجزائر واستولوا عليها،  كما أن هذه الصحافة كذلك لم تكن موجودة في الوطن العربي إذا استثنينا صحيفة الوقائع المصرية التي أصدرها في القاهرة محمد علي سنة 1828 باللغة العربية والتركية.[54]

كما أن الجزائر هي أول بلد في المغرب العربي عرف الإعلام المكتوب ،حيث عمل الاحتلال الفرنسي على حمل مطبعة  وهيئة تحرير على غرار ما فعله نابوليون في مصر تمكناه من إصدار جريدة تعمل على رفع معنويات جيشه ودعم احتلاله للجزائر، فأصدر جريدة بريد الجزائر L’estafette D’alger  في شاطئ سيدس فرج فاتحا بذلك عهد الصحافة في الجزائر تلتها إصدارات حكومية وخاصة .[55]

أما عن بدايات الصحافة في الجزائر المستقلة فلم يكن بالأمر الهين حيث بقيت البلاد بدون صحافة وطنية خلال شهري جويلية وأوت 1962  أي مدة شهرين كاملين، وأول جريدة وطنية يومية صدرت كانت بتاريخ 19سبمبر 1962 .

وسميت الشعب وكانت باللغة الفرنسية وجاء قرار إصدارها من قبل المكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني وكلف بعض المناضلين بهذه المهمة.[56]

كما أرادت السلطة الجزائرية في هذه الأثناء إصدار يومية وطنية أخرى باللغة العربية ولكنها واجهت صعوبات كثيرة تمثلت في نقص الوسائل المادية والكوادر البشرية وعلى رأس المشاكل قلة الصحفيين الذين يتقنون اللغة العربية ،الأمر الذي استدعى طلب المساعدة من مصر ولبنان ،وهذه الأوضاع تفسر نوعا ما تأخر صدور صحف وطنية باللغة العربية إلى غاية 11 ديسمبر 1962 .[57]

لم يختلف الباحثون كثيرا في تقسيماتهم للمراحل التي مرت بها الصحافة المكتوبة في الجزائر،

فتصنفها الدكتورة دليلة غروبة  إلى أربعة مراحل متلاحقة  بعد الاستقلال بداية من عام 1962 بينما يكتفي الدكتور زهير احدادن بذكره لثلاث مراحل مع إبراز وضعية الصحافة الجزائرية المكتوبة بعد أحداث أكتوبر 1988، ويكتفي الأستاذ فاتح لعقاب بتصنيفين وهما قبل التعددية السياسية وبعدها ،في حين يذكر الدكتور فضيل دليو عدة مراحل لتطور الصحافة المكتوبة في الجزائر من الاستقلال والى غاية سنة 2014 مضيفا بذلك فترة تصنيفية ملفتة تخص المرحلة الانتقالية من 1997 والى غاية 2004 .

أ المرحلة الأولى : من 1962 إلى 1965  هيمنة الحزب والحكومة على الصحافة

وهي فترة قصيرة نسبيا امتدت من جويلية 1962 تاريخ استلام الرئيس بن بلة أحمد السلطة إلى جوان 1965 تاريخ الانقلاب عليه ، وتميزت بانتشار الأمية  وغياب نصوص تشريعية جزائرية تنظم قطاع الإعلام وتمديد العمل رسميا بالتشريعات الفرنسية السابقة بما فيها قانون حرية الإعلام الفرنسي لسنة 1881 ما لم تتعارض مع السيادة الوطنية ، الصراع الخفي بين الحزب والإدارة  مع تواجد مناضلي التيار الشيوعي كطرف في هذا الصراع على معظم أجهزة وسائل الإعلام المكتوب ( الشعب ، المجاهد ، الثورة والعمل …)، مع هيمنة لغة المحتل. [58]كما ويشير بعض الباحثين إلى أن هذه المرحلة سعت إلى سد الفراغ الذي تركه الاستعمار الفرنسي .[59].

بالمرحلة الثانية: من 1965 إلى 1978     

تبدأ هذه المرحلة بتغيير كبير في الميدان السياسي والإعلامي بدءا من الأحداث المفاجئة ل 19 جوان 1965 ، وتميز بشكل عام بإقامة نظام اشتراكي للإعلام وإلغاء الملكية الخاص وتوجيه الصحافة المكتوبة ، كما تميزت المرحلة بتعريب الصحافة المكتوبة حيث ظهرت جريدة الشعب في الأشهر الأولى للاستقلال باللغة العربية لعدة سنوات ثم عربت يومية النصر على مدار ستة أشهر  إلى غاية سنة 1972 وبعدها جريدة الجمهورية بوهران سنة 1976 وتعريب الإشهار كذلك سنة 1974.[60]

جالمرحلة الثالثة :من 1979 إلى غاية 1989 (مرحلة تقنين الإعلام )

تميزت هذه المرحلة  باتخاذ عدد من القرارات كلائحة الإعلام الصادرة عن مؤتمر حزب جبهة التحرير الوطني لسنة 1979 ،وقانون الإعلام لسنة 1982  ويتكون من 128 مادة تدور في فلك النشر والتوزيع، وممارسة المهنة الصحفية وتوزيع النشريات والدوريات والمسؤولية وحق الرد والأحكام الجزائية وإعادة هيكلة المؤسسات الإعلامية .[61] ،وعلى الرغم من الانفتاح النسبي  في هذه الفترة بصدور قانون الإعلام لسنة 1981 إلى أن هذه الفترة لم تسلم من التمييز في التعامل الإعلامي الرسمي بين الصحف العربية والصحف الصادرة باللغة الفرنسية[62].

دالمرحلة الرابعة: من 1989 إلى 1991 (مرحلة مابعد التعديية ) أو مرحلة الانفتاح الإعلامي

وهذه المرحلة اعتبرت تتويجا للمرحلة السابقة ووجودها ارتبط بأحداث أكتوبر 1988 التي تعتبر منعطفا في تاريخ الجزائر السياسي  وبالتالي الإعلام المكتوب كباقي الميادين الأخرى التي انعكست عليها الأحداث  التي تعددت عناوينه  لتشمل العمومية والخاصة والحزبية ، العامة والمتخصصة ، ( سياسية ، اقتصادية ، ثقافية، رياضية ، دينية  ،)الجادة والهزلية  ، الوطنية والجهوية  ، الصباحية والمسائية ،اليومية و الأسبوعية .[63] ميز هذه المرحلة تصويت شعبي على دستور جديد تمت المصادقة عليه في 23 فيفري 1989 ومن خصائصه انه يحدد في مادته 40 التعددية الحزبية كما انه يضمن في عدة مواد أخرى حقوق المواطنين في الحريات الشخصية والعامة مثل حرية التفكير والرأي والإبداع والتعبير. [64]ومنه صادق المجلس الوطني الشعبي على قانون جديد للإعلام في أفريل 1990 يختلف كليا عن قانون 1982 الملغى ، حيث ينص في مجمل مواده على حرية إصدار الصحف وتعددها وعلى إنشاء مجلس أعلى  للإعلام الذي تتلخص صلاحياته في الحرص على الممارسة الفعلية لحرية الإعلام .[65].

إقرار دستور 1989 السماح بتشكيل جمعيات ذات طابع سياسي وسماحه للأحزاب بامتلاك صحف خاصة بها قبل ذلك كان النظام هو المشرف على الصحافة عن طريق الحكومة ( النصر ، الشعب ، الجمهورية )والحزب ( المجاهد الأسبوعي باللغة العربية ، الثورة الإفريقية الأسبوعية باللغة الفرنسية وكانت لسان حال جبهة التحرير الوطني ، ومجلة  أول نوفمبر لسان حال منظمة المجاهدين .[66]

في حين يلخص الدكتور نور الدين تواتي  هذا الانفتاح النشري والصحفي في ظهور ثلاث أنواع من الدوريات متمثلة في الصحافة العمومية ، والصحافة المستقلة ، والصحافة الحزبية .[67]

 

 

ه المرحلة الخامسة: من 1992 إلى 1997

وهي تشمل مرحلة إلغاء أول انتخابات تشريعية تعددية في الجزائر نهاية 1991 التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ وإقرار حالة الطوارئ سنة في 09/02/1992 مع تمديدها في 06/02/1993  ،والأزمتين السياسية والأمنية والتي عانى من أثارها المجتمع الجزائري بما فيه قطاع الإعلام المكتوب  الذي أصبح تحت قبضة المضايقات القضائية بالإضافة إلى التهديدات والاغتيالات التي طالت بعض الصحافيين.[68]

ويطلق الدكتور فاتح لعقاب على هذه المرحلة اسم مرحلة الاضطرابات والمواجهات خاصة الصحافة المستقلة أو كما يطلق عليها البعض الخاصة كما شهدت الساحة الإعلامية إصدار عدة عناوين في الصحافة المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية  بلغت نهاية 1999 250 نشرية تمثل اليوميات منها حصة الأسد ب 35 يومية .

والمرحلة الموالية  :من 2005 إلى 2013

قبل هذه المرحلة صنف الدكتور فضيل دليو الفترة من 1997 إلى 2004 كمرحلة انتقالية تميزت بصدور التعليمة الرئاسية لليامين زروال (13/11/1997) التي ركزت على الحق في الإعلام وحرية الرأي والتعبير من جهة ،ومبدأ الخدمة العمومية من جهة أخرى ، والتخفيف من قبضة السلطة على الإعلام من جهة ثالثة،[69] أما المرحلة التي تلي الفترة الانتقالية فشكل حدها الأول الاستفتاء على مشروع المصالحة الوطنية 29/9/2005 والذي رافق اتجاه الخريطة السياسية والإعلامية نحو الاستقرار والتوازن حسب الباحثين لكفة معاملة السلطات الإدارية والسياسية والأمنية للصحافة العربية والجهوية غير الاستئصالية والمؤيدة للمصالحة الوطنية ، واستعاد هنا الوضع الإعلامي بعضا من توازنه الإيديولوجي واللغوي نوعا وكما، وأصبحت اليوميات الصادرة باللغة العربية تفوق بكثير تلك الصادرة باللغة الفرنسية بثلاث أضعاف تقريبا ،وذلك بقيادة يوميتي الشروق اليومي ذات التوجه العربي الإسلامي بحوالي 700 ألف نسخة والخبر ب 500 ألف نسخة ،بالإضافة إلى النهار الجديد المستحدثة عن أقلام سابقة في الشروق اليومي والهداف الرياضي.[70]

كانت أحداث أكتوبر بمثابة الانطلاقة الجديدة لعهدة جديدة للصحافة في الجزائر بعد أن اقتصر دورها لقرابة قرن على الدعاية دون الإعلام .حيث عرف عن الفترة السابقة للتعددية أن الصحفي اقتصر على طرح المناسب من الأسئلة ومنح الفرصة للمستجوبين بإعادة قراءة وتصحيح النص النهائي قبل نشره. [71]

ومن المؤكد أن وجود صحافة مستقلة أو خاصة يعني وجود حرية التعبير والحق في إخبار المواطنين بالمعلومات غير تلك التي تقدمها له السلطة عن طريق وسائلها الإعلامية ، وعلى ذلك فظهور أو وجود صحافة خاصة بالجزائر كانت بدايتها نتاج نزعة مفاجأة بعد أكتوبر 1988 وبالتحديد بعد صدور دستور 1989 .فبعد صدور المنشور رقم 04 عن رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش بتاريخ 19مارس 1990 ونصه على ترك الأمر للصحفيين العاملين بالمؤسسات العمومية للاختيار إما البقاء في القطاع العمومي أو تأسيس مؤسسات صحفية ، بعدها تسارعت الأحداث في هذا الإطار بظهور أكثر من 54 عنوان تعدت بذلك عناوين القطاع العمومي .[72] حيث شكل الصحفيين الراغبين في ذلك مجموعات لتشكيل شركات مساهمة ذات مسؤولية محدودة SARLE والتي حددت قيمة رأس مالها كحد أدنى 30.000.00 دينار جزائري مع القيام بدراسة تقنية مفصلة لتكاليف ومستلزمات المشروع وبالفعل كانت صحيفة LE SOIR D4ALGERIE أول يومية مستقلة ظهرت في مايو 1990 .لمعمر فراح الذي كان مديرا ليومية لوريزون العمومية، وأول صحيفة باللغة العربية الخبر سنة 1990 في 01نوفمبر بقيادة صحفيين شباب أتوا من جريدتي الشعب والمساء العموميتين . [73]

 

[1] سارة  ميلز، عبد الوهاب علوب،مترجم، الخطاب( القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2016)، 13. ط1

[2]  محمد العبد، النص والخطاب والاتصال ( مصر: الأكاديمية الحديثة للكتاب العربي، 2014 )، 38. جامعة عين شمس

[3] سولاف مصحب مهدي أحمد، مصطلح الخطاب مفهومه أصوله الفكرية والفلسفية، جامعة النهرين، 220.

[4] المرجع السابق،222.

[5] سولاف مصحب مهدي أحمد، مصطلح الخطاب مفهومه أصوله الفكرية والفلسفية، جامعة النهرين، 222.

[6] المرجع السابق، 221

[7] المرجع السابق.

[8] أحمد أبو حاقة، معجم النفائس الوسيط ( بيروت: دار النفائس، 2007)، 333. ط1

[9]  جمال الدين ابن المنظور، لسان العرب ( دار المعارف، 2007)، 362.

[10]  سورة هود الآية 37

[11]  سورة *ص* ا 20 

[12]   يوسف ا 51

[13] القصص آ 23.

[14] طه أحمد الزيدي، معجم مصطلحات الدعوة والإعلام الإسلامي ( عمان :دار النفائس،2010)، 116.

[15] المرجع السابق، ص29

[16] جليل وادي، الخطاب الإعلامي وإدارة الأزمات السياسية والدولية (الإمارات العربية المتحدة + الجمهورية اللبنانية: (   دار الكتاب الجامعي،2017)،31 ط1

[17]  عبد الهادي بن ظافر الشهري، استراتيجيات الخطاب مقاربة  لغوية تداولية ( الدولة: دار الكتاب الجديد المتحدة، السنة)،39.

[18]  وادي، الخطاب الإعلامي وإدارة الأزمات السياسية والدولية،31.

[19] عبد السلام حيمر، في سوسيولوجيا الخطاب من سوسيولوجيا التمثلات إلى سوسيولوجيا العقل ( لبنان: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2008)،13.

[20]  الزواوي بغورة، مفهوم الخطاب في فلسفة مشال فوكو ( الجزائر: المجلس الأعلى للثقافة، 1999-0200)، 90.

[21] المرجع السابق،91.

[22]  المرجع السابق.

[23]  وادي، الخطاب الإعلامي وإدارة الأزمات السياسية الدولية، 32 .

[24] حاتم عبيد، البلاغة و تحليل الخطاب (الأردن: دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع، 2013 )، 19.ط1.

[25] حاتم عبيد، البلاغة و تحليل الخطاب، 22.

[26] المرجع السابق،21-21.

[27]  المرجع السابق، 22.

[28]  حاتم عبيد، البلاغة و تحليل الخطاب، 22.

[29] نصر حامد أبو زيد، الخطاب والتأويل ( الدار البيضاء، بيروت: المركز الثقافي العربي، 2008)، 25. ط3

[30] بسام عبد الرحمن المشاقبة، مناهج البحث الإعلامي و تحليل الخطاب ( عمان: دار أسامة للنشر والتوزيع،2014)، 101.

[31]  المشاقبة، مناهج البحث الإعلامي و تحليل الخطاب، 102 .

[32] المرجع السابق.

[33] المرجع السابق.

[34] المرجع السابق، 120.

[35]  المرجع السابق.

[36] المشاقبة، مناهج البحث الإعلامي وتحليل الخطاب، 15. .

[37] نعمان بوقرة، المصطلحات الأساسية في لسانيات النص وتحليل الخطاب دراسة معجمية( الأردن: علم الكتب الحديث، جدار للكتاب العالمي، 2009 )، 16.

[38] المشاقبة، مناهج البحث الإعلامي وتحليل الخطاب، 113.

[39] المرجع السابق.

[40] المرجع السابق،114.

[41]  المرجع السابق، 114.

[42] المشاقبة، مناهج البحث الإعلامي و تحليل الخطاب، 115.

[43] المرجع السابق، 115.

[44]المرجع السابق، 116.

[45] المشاقبة، مناهج البحث الإعلامي وتحليل الخطاب، 117.

[46] بهاء الدين محمد مزيد، من أفعال اللغة إلى بلاغة الخطاب السياسي تبسيط التداولية ( القاهرة: دار شمس للنشر والتوزيع، 2010)، 121. ط1

[47] المشاقبة، مناهج البحث الإعلامي وتحليل الخطاب، 118 .

[48] المرجع السابق، 124.

[49] المرجع السابق.

[50] المرجع السابق،124-125.

[51] المشاقبة، مناهج البحث الإعلامي و تحليل الخطاب، 125.

[52] المرجع السابق، 125.

[53] المشاقبة، مناهج البحث الإعلامي و تحليل الخطاب، 137.

زهير احد ادن ، الصحافة المكتوب في الجزائر،ديوان المطبوعات الجامعية ،ص25[54]

فضيل دليو ، تاريخ الصحافة المكتوبة  في الجزائرية 1830-2013، دار هومة ، 2014،ص133[55]

[56] نور الدين تواتي ،  الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية في الجزائر دار الخلدونية للنشر، 2008،ص11

[57]  نور الدين تواتي، مراحل تطور الصحافة المكتوبة في الجزائر بعد الاستقلال بين القطاع العمومي والخاص، ص 11 .

 

  1 كتاب فضيل دليو، مرجع سابق، ص140-141

 2 فاتح لعقاب ، صحافة القطاع الخاص في الجزائر ، 1990 -2009 النشاة والتطور ،مجلة الدراسات الاجتماعية ،العدد 7، ص 118.

1 زهير احدادن الصحافة المكتوبة في الجزائر،ص129-130

 [61]  دليلة غروبة ، ص90-91

فضيل دليو، مرجع سابق، ص 156[62]

فضيل دليو، المرجع نفسه، ص 157[63]

1 كتاب زهير احد ادن ،مرجع سابق ،ص 157

[65] زهير احد ادن ، المرجع نفسه،ص 158

[66] كتاب دليلة غروبة ، الصحافة المستقلة في الجزائر ودورها في تكريس الديمقراطية دراسة وصفية تحليلية،مؤسسة كنوز الحكمة ، 2014 ،ص 98.

4 نور الدين تواتي ، الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية في الجزائر دار الخلدونية للنشر، 2008، ص 38-39

[68] فضيل دليو ، مرجع سابق ،ص 173-174

[69]  فضيل دليو .تاريخ الصحافة الجزائرية المكتوبة من 1983-2013 ،ص179

[70] فضيل دليو ، المرجع سابق ،ص 183-184 .

[71] دليلة غروبة ،الصحافة المستقلة في الجزائر ودورها في تكريس الديمقراطية دراسة وصفية تحليلية،مؤسسة كنوز الحكمة ، 2014،ص103.

[72]  فاتح لعقاب ، مجلة الدراسات ، مركز البصيرة ، العدد7، دار الخلدونية ، الجزائر ،ص212

[73] كتاب نور الدين تواتي ،الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية في الجزائر دار الخلدونية للنشر 2008،ص39-40