مقدمة عامة

يعرف العالم مؤخرا جملة من التطورات والتغيرات على الصعيد الكلي للمجتمع، ولقد وجدت وسائل وتكنولوجيات الإعلام والاتصال فضاءً واسعا لتطوير أساليبها وتقنياتها، من أجل تحقيق أهدافها وأداء الدور المنوط بها بشكل لائق يروق ذوق الجمهور والمستخدمين، ولأن الانترنت يعتبر من بين وسائل الإعلام والاتصال الحديثة، فقد شهد هذا الأخير نشاطا عالميا على مستواه في كافة مجالات وتفاصيل الحياة، وفي أحد أجزاء الشبكة العنكبوتية نجد مواقع التواصل الاجتماعي، التي خُلقت لتوفير فضاء سهل وممتع للاتصال والتواصل، هذا الفضاء الذي يتميز بالعالمية واللاتزامنية استطاع أن يكسب شعبوية واسعة من ناحية الاستخدام، وخصوصا الفايسبوك إنه موقع التواصل الاجتماعي الذي خرج استخدامه من إطار التواصل التقليدي إلى سقف توجيه الرأي العام وتقرير مصير شعوب وأنظمة بأكملها.

إن الفايسبوك صار بمثابة الساحة التنافسية بين الصدق والموضوعية في نشر الأخبار وبين الكذب وذاتية التضليل في الأخبار وتزييفها.

بات العالم اليوم بحاجة ماسة إلى تكاتل وتلاحم مجالات الحياة ليكتمل الهدف ويتحقق المطلوب، أن وسائل الإعلام وتكنولوجيات الاتصال بشتى أنواعها أنشأت ووجدت لتزويد الناس بالمعلومات والأخبار، لكن سرعان ما احتكت بمجالات السياسة والتجارة وأصحاب المال، فاكتسبت جل هذه الوسائل صبغة الربح والديمومة.

فلم تعد خدمة الصالح العام دورا منوطا بها بقدر ما تحرص على خدمة جذب المال وتوليده، وفي مقابل ذلك تسعى بعض وسائل الإعلام وتكنولوجيات الاتصال الى خدمة جهات معينة والترويج لأفكارها وآرائها ومعتقداتها حتى ولو كان ذلك على حساب أخلاقيات المهنة كالدعاية، الإشاعة والأخبار الزائفة … بهدف توجيه الرأي العام والتشويش على المتلقي وجعله يتخبط في كومة من الأخبار لا يدري أين الصواب وأين الخطأ. والجدير بذكره في هذه المحطة هو الأخبار الزائفة، حيث تعد شيء غير موثوق فيه وغايته جعل غير الموجود موجودا وغير الحقيقي حقيقيا، وبالتالي يحدث تغييرا في طبيعة الرأي العام أو المجتمع المستهدف، وذلك بهدف خدمة مصالح شخصية لا أكثر ولا أقل.

ويعود ظهور الأخبار الزائفة إلى بداية البشرية حينما جاء إبليس إلى سيدنا آدم في الجنة وأخبره بتفاحة الخلد، ومع تزايد المجتمعات وتعقدها زاد معها وباء هذه الأخبار، وتعتبر مرحلة ظهور وسائل الإعلام كالطباعة والصحافة … مرحلة حساسة خصوصا وتزامنها مع الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث عملت الدول المستعمرة والمستنزفة للدول الضعيفة على جعل الأخبار الزائفة تلعب الدور الرئيسي في توجيه عقول الناس والسيطرة عليها، ومع التطور التكنولوجي الهائل المستمر للأنترنت أنتجت تجمعات افتراضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مصدرها جمهور واقعي جعلته يلتقي في فضاء قضى فيه على المسافات والزمن والتقييد والقمع حتى أن الجمهور العادي أصبح بإمكانه القيام بدور الصحافة ووسائل الإعلام، ونخص بالذكر هنا موقع الفايسبوك.

إن الفايسبوك كموقع تواصل اجتماعي أنشأ للاتصال والتواصل بمبادرة من “مارك زوكربيرغ” عندما كان طالبا بجامعة هارفرد، ومع تطور الفكرة والاهتمام بها استطاع مارك أن يخرج بنشاط الموقع من جامعته إلى العالم ككل ليصبح موقعا عالميا في التواصل الاجتماعي، ونشر المعلومات والأخبار. ويتميز الفايسبوك بعدة ميزات من بينها التواصل من دون حدود زمانية أو مكانية، بحيث يمكن للفرد أن يتصل مع العالم ككل في وقت واحد وبسرعة ضوئية، كما يتوفر الموقع على خدمات متنوعة ومتعددة أهمها المراسلة بالنص والفيديو والصوت، البيع والشراء الالكتروني، إنشاء صفحات للنشاط في مختلف المجالات، الترفيه والتسلية عن طريق برامج وألعاب، تقنية الفيديو المباشر. وكما يتميز الفايسبوك بمحاسن وميزات فإن له أضرار وعيوب من بينها الإدمان الذي يقع فيه الكثير من المستخدمين ويقضون الساعات الطوال بالتصفح عبره، إمكانية انتهاك الخصوصية عن طريق القرصنة الالكترونية. ولقد أصبح الفايسبوك اليوم يتنافس مع وسائل الاعلام التقليدية والحديثة في السبق المعلوماتي والآنية في نشر الأخبار حتى أصبح بمثابة صحافة المواطن، ففي السنوات العشر الأخيرة شهدت الدول العربية أحداثا لم يشهدها العالم من قبل، حيث لعبت فيه وسائل الإعلام التقليدية والحديثة الدور البارز في توجيهها وخلق مصطلح الربيع العربي لها، وكانت الجزائر في منأى عنها نظرا لما شهدته في العشرية السوداء، غير أن تاريخ 22 فيفري كان اليوم الذي خرج فيه الجزائريون للتظاهر في الشارع تحت مسمى الحراك الشعبي.

إن الحراك الشعبي بالجزائر هو الهبة الشعبية التي نزلت إلى شوارع الوطن كاملا يوم 22 فيفري 2019 بمطلب واحد وموحدا تمثل في “لا للعهدة الخامسة”، ورفض ترشح عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة بسبب عجزه عن أداء مهامه والفساد الذي لحق بالبلاد والعباد، وحدد يوم الجمعة من كل أسبوع كيوم لتجمع الشعب من كل ولايات الوطن ومن كل فئات المجتمع، كل فرد فيه يرفع أو يردد شعارات تعبر عن المطالب الأساسية للحراك، من أجل التغيير الجوهري في مختلف المجالات وبالأخص المجال السياسي. الشعب الجزائري وبحكم تجربته السابقة في التسعينيات وتجارب ثورات ما يسمى بالربيع العربي، استطاع أن يستفيد منها ويحافظ على سلمية التظاهرة وكسب الوحدة بين الجيش والشعب، وبعد مسيرات حاشدة في كامل ولايات الوطن تحقق مطلب الحراك في إسقاط العهدة الخامسة، وبدأ سقف المطالب يصعد شيئا فشيئا وازدادت مطالبه مع تطور الأحداث والمواقف الصادرة عن الجهة الحاكمة، حيث تم سجن كل من كانت له يد في الفساد الإداري والمالي والسياسي بالدولة. ومع استمرار الحراك تم تسيير مرحلة انتقالية وتنظيم انتخابات رئاسية في ديسمبر 2019، وفوز المترشح “عبد المجيد تبون” ليصبح رئيسا للدولة، وحتى بعد الانتخابات بقي الحراك مستمرا غير أنه وبسبب جائحة كوفيد19، تم منع كل التجمعات والتظاهرات إلى أجل غير مسمى.

ولأن الفايسبوك كان الوسيلة الأساسية في تسيير الحراك الشعبي من الفكرة إلى التطبيق في الواقع والتنظيم وتحديد المطالب، وجدت بعض الجهات المجال من خلاله أثناء فترة الحراك الشعبي في دس الأخبار المزيفة والكاذبة التي حاولت تضليله وإبعاده عن الحقائق وإدخاله مأزق الإبهام ويصبح كل شيء مبهم لديه ولا يدري أي الآراء يتبع ويتبنى.

لذلك جاء موضوعنا هذا ليتناول بالبحث في متغيرات “الأخبار الزائفة، الفايسبوك، الحراك الشعبي في الجزائر”.

وللإحاطة بهذا الموضوع قمنا بوضع المقدمة بشكلها العام والتعريف بالموضوع وأهميته كما تم أيضا تحديد أهم المفاهيم الآتية: (الأخبار الزائفة، الفايسبوك، الحراك الشعبي) ومفاهيم أخرى مشابهة للأخبار الزائفة. بعدها تناولنا الجانب المعرفي والنظري للموضوع من خلال ثلاث عناصر رئيسية وهي كالتالي:

– الحراك الشعبي: حيث تم الوقوف على محطات عديدة تمثلت في موقع الجزائر من ثورات الربيع العربي، حكم الجزائر في عهد “عبد العزيز بوتفليقة”، الاحتجاجات السابقة للحراك الشعبي بالجزائر، منظموا الحراك الشعبي بالجزائر، أول جمعة من الحراك الشعبي بالجزائر، الفئات القائمة بالحراك الشعبي، مسببات ساهمت في خلق الحراك، خصائص وسمات الحراك، مجريات الأحداث بين مطالب الحراك وقرارات الحكومة، عناصر دعمت وساهمت في نجاح الحراك الشعبي، بعض العوائق التي صادفت الحراك الشعبي.

– الأخبار الزائفة: من خلاله تم التعرف على العديد من العناصر تمثلت في الأخبار الزائفة بين واقع قديم ومفهوم مستجد، صيغ محتوى الأخبار الزائفة، الجهات المنتجة للأخبار الزائفة، وسائل الإعلام والأخبار الزائفة، أهداف وأغراض الأخبار الزائفة من نشرها، أسباب وعوامل تساهم في انتشار الأخبار الزائفة، أثر وخطورة استفحال الخبر الزائف، مبادرات على مستوى الفايسبوك في مواجهة الأخبار الزائفة، مواقف اتخذتها دول وشركات ضد الأخبار الزائفة، الموقف الإسلامي نحو الخبر المزيف أو الكاذب، آليات ووسائل التصدي للأخبار الزائفة لدى الصحفي، الفايسبوك منتجع للأخبار الزائفة، نصائح لاكتشاف الأخبار الكاذبة عبر الفايسبوك.

– الفايسبوك: حيث تطرقنا إلى تاريخ نشأة وتطور موقع الفايسبوك، ميزات وخاصية الفايسبوك، محاسن وفوائد الفايسبوك، مساوئ وأضرار الفايسبوك، التطبيقات التابعة للفايسبوك، إحصائيات حول استخدام الفايسبوك في الجزائر، موقع فايسبوك يتلقى العديد من الانتقادات والتهم، العوامل المؤثرة على مستقبل الفايسبوك، إرشادات في استخدام الفايسبوك.

1. أهمية الموضوع:

تكمن أهمية الموضوع في حداثته وخصوصيته، والتي تظهر في الحراك الشعبي الذي شهدته الجزائر كمحطة أساسية في التغيير على العديد من المستويات، وتتشكل أهمية الأخبار الزائفة كعامل تم تنشيطه بكثرة عبر الفايسبوك للتأثير في الرأي العام، خصوصا وأن مصطلح “الأخبار الزائفة” شاع استخدامه مع “دونالد ترامب” أثناء الحملة الانتخابية الأمريكية. كما ترجع أهمية الموضوع إلى الإهتمام البارز في الآونة الأخيرة لدراسة الأخبار الزائفة والكتابة فيها على مستوى عالمي وخصوصا في العالم العربي والجزائر، في مقابل ذلك توجد الكثير من الدراسات التي أجريت حول المفاهيم المشابهة له كالدعاية، الإشاعة…