تفصيل

  • الصفحات : 189 صفحة،
  • سنة الطباعة : 632،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى ،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-905-6.

المــــــقدمــــــــــة:

لايخامرني شك في أن العديد من المواضيع لاتزال قيد البحث والدراسة مثل تلك التي تعنى بالتاريخ الإقتصادي للعالم الإسلامي في العصر الوسيط،فقد شكل الإقتصاد أهم مقومات الحضارة في الدولة منذ العصر الإسلامي الأول حتى أواخر العصر الوسيط،ومن هنا بدأ توجه الدراسات إلى معالجة جزئيات من مواضيع التاريخ الإقتصادي في العالم الإسلامي عامة والمغرب الإسلامي على وجه الخصوص.

تتوجه الدراسات الأكاديمية الحديثة إلى الإهتمام بالمواضيع التي تتعلق بالمجتمع والنشاط الإقتصادي في الفترة الوسيطية لما فيها من أهمية معرفية بالغة ورغم أن البعض منها قتل بحثًا وإن وجدت فهي تعالج بعض المواضيع المتفرقة،التي سدت بعض النقص في هذا المجال إلا أن هنالك جزئيات لاتزال محل البحث بل هي منسية بسبب قلة الرصيد الوثائقي والصعوبات المنهجية التي تصادف الباحثين في هكذا مواضيع .من هذا المنطلق جاءت فكرة الخوض في غمار الموضوع المنتقي والموسوم بـ:

الاسواق والنظم التجارية في المغرب الأوسط مابين القرنين(69هـ/1215م)

فالموضوع بهذا الطرح جديد لم يسبق طرقه من قبل،وتكمن أهميته العلمية في تسليط الضوء على مجتمع المغرب الأوسط خلال فترة حاسمة من تاريخه من جهة،ومن جهة ثانية الإرتقاء بمستوى الدراسات الأكاديمية بخصوص هذا الموضوع من مستوى الوصف الانطباعي العرضي،الذي يستوحى من الإستنباطات والتصورات الشكلية التي تتصف بها بعض المصادر؛هذه الاخيرة التي يغلب عليها صناعة اللفظ وإمتاع القارئ وطرافة الحديث المسجوع أكثر من الإعتناء بالحقيقة التاريخية ؛لاسيما وأن الإتجاه العام لهذه الدراسات ينعطف حول المسح الإجتماعي والإقتصادي .

إن الدراسات التاريخية المغاربية في هذا المقام لم تعد بحاجة ماسة إلى إعادة قراءة مصادرها التقليدية من كتب التاريخ والأدب والفقه ،وإنما تعداه  إلى  إستحداث أدوات جديدة للبحث وتطوير مناهجه وتقنياته المتعددة وفوق كل ذلك لزم توظيف مصادر جديدة في هذا المجال من أجل توظيف المعلومات التاريخية الخصبة وتحقيب أحسن للنصوص الفقهية من نوازل والحسبة ؛الأمر الذي يسهل على الباحث التوصل إلى فهم عميق للتحولات الاقتصادية الطارئة على بنية مجتمع المغرب الأوسط.

الدراسات القبلية:

يكتسي التاريخ الوسيط مكانة هامة في المنظومة البحثية الجامعية بالجزائر.فقد عرفت الدراسات الوسيطة منحى تصاعدياَ منذ الإستقلال ومما يلفت الإنتباه هو إتساع حقل البحث الجامعي في التاريخ الإجتماعي والإقتصادي للمغرب الأوسط على الرغم من قلة المادة الأرشيفية والخبرية حول المغرب الأوسط مقارنة بإفريقية والمغرب الأقصى،وهذا مايدل بوضوح على التوجه العام في كتابة التاريخ الوطني[1] ،ويبقى المأمول متمثلاَ في أفاق الخوض في الدراسات الحضارية الملمة بتاريخ وحضارة المغرب الأوسط.

من ناحية أخرى نلاحظ وجود العديد من الدراسات في التاريخ الإقتصادي للمغرب الأوسط إلا أن جلها لا تفرد للتجارة والاسواق والنظم التجارية  بدراسة مستقلة،بل إنها تركز على عناصر جانبية لاتتعدى الفصل الواحد وهو ما يفهمنا تقلص مساحة البحث في هذا النوع من الدراسات ويزيد من متطلبات إختياره ،كما نعثر في بعض الجامعات على دراسة في التجارة تتناول تجربة دولة سياسية كالدولة الموحدية والدولة الزيانية أو على نطاق واسع كالتجارة بالمغرب الإسلامي ؛الأمر الذي يستدعي ضرورة دراسة تطور الظاهرة تاريخياَ أوتصيبها في تأثرها وتأثيراتها على البنية المجتمعية والتوجه السياسي وفق مقاربة إقتصادية فقهية وإجتماعية عرفية والتي غالباَ ما إتسم بها المجتمع البدوي في مجالا المغرب الأوسط.

أثناء عملية التنقيب والبحث في خزائن الكتب الجامعية ومخابر البحث تمكنت-حسب إطلاعي- من الحصول على كم معتبر من الرسائل وعناوين الأطروحات التي عنيت بالموضوع حيث عملت على جرد مجموعة من الأعمال التي تتم لموضوع الأسواق والمعاملات في المغرب الأوسط وذلك رغبة مني الوصول إلى موضوع خصب يستحق الدراسة والحفر في بطون المصادر،نذكر منها:

مؤلف”النشاط الإقتصادي في المغرب الإسلامي خلال القرن السادس الهجري”لصاحبه عز الدين موسى.أصل هذا الكتاب هو رسالة دكتوراه تقدم بها صاحبه لدائرة التاريخ بالجامعة الأمريكية اللبنانية سنة1975م.تطرق فيها الباحث  إلى موقف دول المغرب من التجاري والعاملون في المجال التجاري وطرق التعامل ومحور التجارة الداخلية والخارجية،كما الحق مؤلفه بملاحق وإجتهادات مفيدة تتمم لموضوع الأسواق والمعاملات ،أفادني الكتاب في التعرض  إلى مسألة التبايع بالدين والتقسيط وأنواع أخرى من المعاملات الفاسدة التي ظهرت في المغرب الإسلامي على العموم لكنه إقتصر على العهد الموحدي في القرن 6ه/12م.

كما وقفت على أطروحة الماجيستير بعنوان”النوازل الفقهية المالية من خلال كتاب المعيار المعرب للإمام الونشريسي (ت914هـ) “دراسة نظرية وتطبيقية “مقدمة لنيل درجة الماجيستير في الفقه لدى قسم الشريعة بجامعة أم القرى بالمملكة العربية السعودية سنة2011م،عرض فيها صاحبها إلى إستقراء نوازل الأسواق في فصلها الرابع (185-236ص)لكن الباحث ركز على الجانب الفقهي أكثر من الجانب التاريخي للموضوع والتي سهلت علينا رصد نوازل المعيار المعرب المتعلقة بالأسواق.كما وقفت على رسالتين في قسم أصول الفقه بجامعة تلمسان الأولى خاصة بجمع وتحقيق لنوازل الأسواق من خلال كتاب الدرر المكنونة للمازوني المغيلي(ت833هـ)والثانية بعنوان:الدرر المكنونة في نوازل مازونة:مسائل من المعاملات المالية والتبرعات والإجارات والصدقات والهبات،دراسة وتحقيق(محقق منها بتاريخ21/02/2009م) ،والتي تعتبر مصادر مباشرة تخدم الموضوع في استعراض قضايا التعامل التجاري التي ضمنتها نوزل فقهاء المغرب الأوسط ، ودراسات شاملة للنشاط الإقتصادي مثل مؤلف لحركات إبراهيم الموسوم ب” النشاط الإقتصادي الإسلامي في العصر الوسيط،منشورات أفريقية الشرق،والتي ركز فيها المؤلف على مسائل التجارة بالمغرب الأقصى وأهمل فيها المغربين الأدنى والأوسط.

ومن أهم الدراسات التي إهتمت بموضوع الاسواق والنظم التجارية بالمغرب الأوسط أذكر الدراسة التي أعدّتها الباحثة لطيفة بشاري حول العلاقات التجارية للمغرب الأوسط في العهد الزياني التي ساعدتنا في تقصي واقع المبادلات التجارية بين دولة بني زيان ودول حوض المتوسط موظفة أهم الأدوات والتقنيات المستعملة بالمغرب الأوسط من نقد وآلات التقييس و نظم تجارية متنوعة، وقبلها دراسة الباحثة نجاة باشا،الموسومة بـ: التجارة في المغرب الإسلامي من القرن الرابع  إلى  القرن الثامن للهجرة وهي دراسة شاملة وجهت الباحث  إلى  دور الإنسان في مجال التجارة وكذا التعرف على بنية العلاقات التجارية بين دول أوربا ودول المغرب الإسلامي والباحث محمد البلتاجي حول النظم المالية بالمغرب عصر الموحدين التي أفادتني كثيراَ في الدراسة من خلال التعرض إلى أنواع الأسواق والمعاملات الشائعة بالمغرب الإسلامي على الرغم أن أغلب مصادر الكتاب ذات طبيعة فقهية.

إطلعت كذلك على دراسة أعدها الباحث التونسي الحبيب الجنحاني الحياة الإقتصادية في المغرب الإسلامي خلال القرنين الثالث والرابع الهجريين والتي قدمت للباحث منهجية هامة في دراسة الأسواق وتنظيماتها بالإضافة إلى العراقيل التي تواجه النشاط التجاري ،وأطروحة جودت عبد الكريم يوسف عن الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية بالمغرب الأوسط خلال القرنين الثالث والرابع الهجريين9-10م.الذي إستفدت من فصلها الثالث حيث تضمن التجارة الداخلية وقضاياها الأسواق الأسعار نظام الأوزان والمكاييل وكذلك إستفدت من فصلها الرابع حيث ساهمت في التعرف على نظم السفتجة والصيارف والأكرية والفنادق.

*إشكالية  الموضوع: 

رغم أهمية الدراسات المذكورة إلا أنها لم تلم ببعض الإشكاليات التي تكتنف موضوع النشاط التجاري بالمغرب الأوسط،وعليه تكمن الإشكالية المحورية لموضوع هذا البحث حول مدى تجاوب نظم الأسواق بواقع التعاملات التجارية  بالمغرب الأوسط ضمن الممارسات العرفية والأطر الشرعية والسلطة الزمنية المؤطرة له.هذا بالإضافة إلى الكشف عن أنواع  الممارسات التجارية غير المشروعة وما قد تسببه من آثار المادية تمس بفئات المجتمع من طبقة الملاك والتجار والعامة وموقف دور النخب السياسية والعلمية في تنظيم الاسواق والنظم التجارية    ومعالجة التجاوزات المنعكسة على المجتمع.

تتفرع عن الإشكالية المدونة سالفاً جملة من التساؤلات التي تهم بالموضوع حيث سنعاين مختلف المصادر للوصول عن إجابات وآفاق بحثية لواقع التعامل التجاري والتداول النقدي في الفترة الممتدة من القرن السادس إلى التاسع الهجري (ق12-15م)،وعن ذلك نذكر:

-ما طبيعة المجالات والتنظيمات التي شغلتها الأسواق والعمليات التجارية بالمغرب الأوسط؟وماعلاقة ذلك بتوسع عمارة المدن؟.

-ماهي طبيعة نظم الأسواق والتعامل التجاري الحاصل بحواضر وبوادي المغرب الأوسط ؟وهل كانت متفاوتة أم متطابقة؟.

-كيف أثرت العوامل المختلفة سلباَ أو إيجاباَ على عقود البيع والمعاملات التجارية بالمغرب الأوسط؟.

-إلى  أي مدى إستطاعت منظومة الفقه المالكي ضبط وتدبير المعاملات التجارية بالمغرب الأوسط؟.

-ما مدى تأثير الأسواق والمعاملات والممارسات السلبية بالخصوص على مجتمع المغرب الأوسط عامة؟.

دواعي اختيار الموضوع:

يكتسي هذا الموضوع أهمية تاريخية مهمة،ذلك أنه يشتمل على الربط بين النشاط الإقتصادي والتغيرات الطارئة على مجتمع الأوسط.لاسيما الفترة التاريخية الممتدة من أواخر العهد المرابطي إلى مستهل العهد الموحدي إلى عصر دويلات السلطنة المؤسسة بعد سقوط الدولة الموحدية في المغرب الأدنى والأوسط والأقصى(الدولة الحفصية والزيانية والمرينية) ،حيث تمكنني هذه الدراسة من الكشف عن جوانب خفية من التاريخ الإقتصادي والإجتماعي لبلاد المغرب الأوسط.

تتضاعف أهمية الموضوع في محاولة الباحث كشف جوانب خفية عن واقع قضايا المعاملات المالية والتجارية في المغرب الأوسط والمتمثلة أساساَ في القضايا المالية التي إستحدثها الناس في أواخر العصر الوسيط،أوالقضايا التي نزلت بالمنطقة نتيجة التطور وتغير الظروف السياسية خلال فترة الدراسة.

 

ومما لا شك فيه أن الأسواق والمعاملات تأثرت بعوامل مرتبطة بتغيرات سياسية وإجتماعية لاسيما مع بداية القرن السادس الهجري إلى أواخر العصر الوسيط كغيرها من الأنشطة الاقتصادية من زراعة وصنائع وحرف الأمر الذي أدى الى تحول في انماط التعامل التجاري خاصة،ومن هذا المنطلق يكون لنا مساحة للبحث والحفر في بطون الكتب والمصادر على إختلاف حقولها المعرفية للتعرف على واقع الاسواق والنظم التجارية    الحاصلة بالمغرب الأوسط في الفترة الممتدة من القرن السادس إلى التاسع الهجري(12-15م).

ترجع أسباب إختياري للموضوع إلى كون الأسواق والمعاملات المتداولة في المغرب الأوسط لم تحظ بدراسة وافية رغم تأثيرها المباشر على إستتباب الأمن الإقتصادي وإستقرار الدولة ومن بين الدوافع التي جعلتنا نقع على إختيار هذا الموضوع والإبتعاد عن المواضيع الكلاسيكية التي أضحت متعلقة بالجوانب السياسية والعسكرية والثقافية،هذه الأخيرة التي أفاضت كتب التاريخ الإخبارية بذكرها وكفاها الباحثون دراسة ومن الواضح أن هناك أسباب تبرر هذا القصور في المواضيع الخاصة بالتاريخ الإجتماعي والإقتصادي للمغرب الأوسط والذي مرده إلى إعتبارين:أولهما جرأة الباحثين الخوض في دراسة تاريخ المغرب الأوسط دون أن نغفل ما كتبه الأوربيون الذين أقدموا على ذلك ؛ثانيهما ندرة الوثائق التاريخية التي تعتبر الحجر الأساس مما يستلزم عدم تقديم معطيات إحصائية ثابتة خاصة بالنشاط التجاري بالمنطقة.

لاتعوزني القرائن الدالة على قيمة الكتب والدراسات التي تناولت موضوع التاريخ الإقتصادي للمغرب الأوسط   ،لكن-حسب إطلاعي–على الرسائل والأطاريح في الجامعة الجزائرية وبعد المعاينة الآلية على موقع cirist[2] (البوابة الوطنية للإشعار عن الأطروحات)والتأكد من تسجيل الموضوع من عدمه في الجامعات العربية والأجنبية وإستشارة أساتذة التخصص،خلصنا إلى حتمية تسجيل الموضوع في إطار بحث مقدم لنيل شهادة الدكتوراه في تخصص تاريخ المغرب الإسلامي.

إن دوافع إختيار هذا الموضوع المتشعب،والتي بدت لأول وهلة متعددة إلا أنه يمكن إختزالها في دافعين رئيسيين :أولهما دافع ذاتي مفاده أن الإهتمام بدراسة بعض الجوانب الحضارية للمغرب الأوسط إبان القرنين (6-9ه/12-15م)سواء تعلق بمجال البحث الفردي أوفي إطار التعليم العالي بين لصاحبه المفارقة القائمة بين الرواية التاريخية الممجدة للدولة المركزية وتفخيمها وشح البقايا الأثرية التي تعكس حقيقة الرواية الخبرية.والرغبة في إتمام التخصص منذ مرحلة الماجيستير(تاريخ وحضارة المغرب الأوسط) كمساهمة متواضعة في كتابة التاريخ الوطني في العصر الوسيط.

أما الدافع الموضوعي تتلخص فيما يلي:ضرورة إستكمال النقص الحاصل حول الدراسات التاريخية المهتمة بالجانب الإقتصادي للمغرب الإسلامي عامة،والاسواق والنظم التجارية    خاصة ومحاولة تحديد العلاقة بين تطور النشاط الإقتصادي والتقلبات السياسية التي شهدنها منطقة الغرب الإسلامي؛المساهمة في إحياء التراث الإقتصادي الإسلامي المتعلق بهذا الجانب،ففي دعوى الغرب وبعض مؤرخيهم على أن الاقتصاد والنظام المالي تطور على يد علمائهم،دافع لي على تصحيح مثل هذه الآراء والمغالطات،والبرهنة على قدم السبق لعلمائنا المسلمين،لأنهم هم الذين كتبوا في مثل هذه المواضيع،في الوقت الذي لم تكن لدول الغرب أي إسهامات تذكر في النظم الإقتصادية.الدراسة وسيلة لتقريب مادة الكتاب لكل من يريد الاستفادة منها،سواء في الدراسات الأكاديمية أو النصوص التاريخية المحققة حديثاَ.

 

[1] – عن هذا التطور راجع:علاوة عمارة، خمسون سنة من البحث في التاريخ الوسيط بالجامعة الجزائرية(1962م-2012م)، مجلة المواقف للبحوث والدراسات في المجتمع والتاريخ(ص109-141)،تصدر عن مخبر العلوم الاجتماعية والإنسانية،جامعة معسكر، العدد:07، ديسمبر 2012م.ص13-20.

 

[2] – البوابة الوطنية للإشعار عن الأطروحات – Portail National de Signalement des theses.على الرابط: https://www.pnst.cerist.dz.