تفصيل

  • الصفحات : 270 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2025،
  • الغلاف : مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • الأبعاد : 24*17،
  • ردمك : 978-9931-08-953-7.

مقدمة

اذا كان العالم في صورته المنظمة و المتجانسة شكل نقطة استفهام ، للباحثين و المتأملين ، والدارسين ، فإن الإنسان بحضوره الكوني ، وأبعاده الزمانية والمكانية ، شكل و لازال يشكل أحد الإشكالات الكبرى لكل العلوم والتخصصات ، واذا حاولنا في قراءة موضوعية لهذا  الكائن البشري ، الذي حير النفوس قبل العقول ، فإن الدراسات الاجتماعية و الإنسانية عبر أزمنة مختلفة حاولت أن تجد تفسيرات عقلية و تجريبية لأفعال و ردود أفعال الأفراد و الجماعات .

والمتتبع لمسيرة الحضارة الإنسانية منذ بزوغها وحتى الآن يجد أن الاهتمامات الأولى للإنسان، قد اتجهت نحو محاولة فهم ما يدور في عقله من مظاهر عجيبة وخارقة قبل التأمل في جسده، وقد تناولت فئات عديدة مثل هذه المحاولة بدءا برجال الدين وامتدادا للفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع والانتروبولوجيا وصولا إلى مختلف الاختصاصات الأخرى التي تناولته كضرب من العلم والمعرفة. ولعل أقدم ظاهرة عقلية ارتبطت بالإنسان على مر العصور هي ظاهرتي النوم والأحلام.

فالإنسان يقضي ثلث حياته في النوم والعقل أثناء النوم لا يعني انه معطل أو في حالة راحة تامة كما يتصور البعض وإنما يكون مشغولا بالكثير من العمليات التي يتم تخزينها خلال زمن اليقظة.

ويؤكد الباحثون أن هناك الكثير من التغيرات التي تحدث للإنسان أثناء النوم على الصعيدين الذهني والجسدي، وهذه التغيرات هي المسؤولة عن كل ما يحدث من أحلام.

وتفيد بعض الأبحاث الاختبارية على النائمين بأن الواحد منا يقضي ربع نومه وهو يحلم وهناك من البيانات التاريخية ما يثبت على أن الإنسان استحوذ على اهتمامه وتفكيره محاولة معرفة معنى هده الأحلام فانشغل بتفسيرها وتأويلها ، وكانت ذات اثر كبير في توجيه سلوكه وحياته النفسية ، ومسيرته الحياتية.

فالجميع يحلم حتى أولئك الدين يعتقدون أنهم لا يحلمون، والفرق بين من يحلم والذي يعتقد أنّه لا يحلم هو أن الأول يتذكر أحلامه بينما لا يستطيع الثاني أن يتذكر شيء منها.

وفي معظم الأحيان نتذكر أحلامنا لكن نعجز عن فهمها وتقديم أي تفسير لها ومع ذلك نتصرف وكأنما ليس ثمة ما يدعوا للعجب حيال ما يجري في أذهاننا أثناء النوم ، ولو أن أحلامنا كانت كناية عن تخيلات ورؤى طريفة وحسب، لكان بوسعنا أن نتعامل معها ببساطة، ولكن الأمر ليس كذلك ، إذ أن هناك الكثير من الأحلام التي تجعلنا نستغرق في الضيق والقلق ، وكثيرا ما تكون ليالينا حافلة بأنواع من الكوابيس بحيث نستيقظ وملؤنا الامتنان لهذه اليقظة التي خلصتنا من شرها ، فنخاطب أنفسنا قائلين عندئذ “ما هذا إلا حلم” ، أو يعيش المرء منا حلما فيه لذة أثناء اليقظة ويتمنى حينها لو لم يستيقظ من نومه لمتعة حلمه.

إن هذه الأحلام بأنواعها كانت موجودة عند الإنسان مند القديم ، ولم يقف موقفا سلبيا أو لا مباليا حيالها كما سبق الذكر، بل حاول فهمها وتأويلها حسب ما وفرته له بيئته الاجتماعية والطبيعية والثقافية ، وحسب الحقبة التاريخية التي يعيش فيها.

ولا يزال هدا الإنسان إلى يومنا هذا يهتم بالأحلام، حتى أصبحت تشكل مدار اهتمامه في الدراسات العلمية الحديثة ليغوص عن طريقها في أعماق النفس البشرية ، ويكتشف أكثر أسرارها وما يحيط به من غموض بل أكثر من ذلك حاول استثمارها في الاطلاع على أموره الغيبة.

وقد تعددت الاهتمامات حول هدا الموضوع، محاولة فهم هاته الظاهرة وما يحدث فيها، وما إذا كان لها وظيفة تخدمها، فتباينت مجالات الاهتمامات وتنوعت. فقد أولاها الأنبياء صلوات الله عليهم حقها وكان منهم المعبرون أمثال سيدنا إبراهيم وسيدنا يوسف وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، كما اهتم بها الفلاسفة أمثال” أفلاطون” و”أرسطو” و” أبوقراط “. وتوجهت اهتمامات السحرة والمنجمين إليها، واعتبروها مادة غنية وخصبة لأعمالهم التنجيمية والسحرية، ونجد طائفة أخرى من علماء الدين من اهتموا بها واعتبروها من الشريعة الإسلامية وصنفوها تحت اسم “عِلم التعبير” أمثال “محمد بن سيرين والنابلسي”.

أما العلم الحديث فقد تعددت اهتماماته بهده الظاهرة وتنوعت حسب الاختصاصات. فأضحت مادة غنية لعلم النفس خاصة عن طريق رواده، فقد أولاها “فرويد” بالغ اهتمامه في مجال التحليل النفسي، ومثله “يانغ” فقد أخصها بكثير من التحليل في المجال السيكولوجي وذهب في نفس الاتجاه “أدلر” الذي ركز على دورها في حياة الفرد الشخصية وعلاقاتها بالبيئة الاجتماعية.

ونحن في هدا الكتاب سوف نتجه اتجاها مغايرا تماما في شرح هده الظاهرة من خلال ربطها بالعالم الخفي للإنسان ، ألا وهو باطن الانسان اللاشعوري او عالم المكبوتات ، ذلك العالم الدي لا يطل عليه غير صاحبه ، واذا حدث وان ظهر فيظهر في شكل صور ورموز متنكرة ومشوهة ليعبر عن الحالة الحقيقية لصاحبها بما تحمله من افراح واقراح وامال وتطلعات .

هدا في حالة السواء ، أما في حالة المرض النفسي او الجسمي او حتى العقلي ، فهده الظاهرة العجيبة تتحول وتتغير بتغير الأحوال النفسية والعقلية وحتى الجسدية.

إن الإنسان هو أسمى المخلوقات وأكثرها تعقيدا ولا يعود هذا السمو والتعقيد إلى تركيبه الجسمي والبيولوجي ، الذي قد لا يختلف فيه كثيرا عن الحيوانات العليا ، وإنما يعود ذلك بالدرجة الأولى إلى ما خص به الإنسان من مظاهر فريدة في حياته العقلية.

ولعل أهم هذه المظاهر وأكثرها إعجازا هي مقدرة الإنسان على تأمل ذاته من ناحية وتأمل عالمه من ناحية أخرى والربط بين عالمه الداخلي والخارجي من جهة ثالثة عن طريق الاحلام.

ولعل قمة الاعجاز في هده الظاهرة هو تعبيرها عما يعانيه المرء من تغيرات في احواله الداخلية والخارجية.

وقد نشأ عن هده المقدرة الفذة أن جعلتنا نفكر في اعتماد الاحلام كوسيلة لمعرفة عقل الانسان الباطني وقواه الخفية، بل كيف يؤثر وعي الانسان في لاوعيه؟ وهل هده القوى الخفية التي تحرك المشاعر والاحاسيس الباطنية لتظهر في النوم على شكل أحلام لها علاقة مباشرة بما يشغل تفكيره في اليقظة – في حالة السواء – يمكنها ان تعمل بنفس الفعالية في حالة المرض النفسي؟

وهل ترقى الاحلام في ابداعاتها من خلال رموزها ومشاهدها المصورة الى إعطائنا مفاتيح في الطب النفسي لتسهيل عملية التشخيص النفسي والعلاج؟

بل أكثر من ذلك هل يمكن لهذه المادة العلمية ان تأخذنا للجذور الرئيسية للمرض من خلال بحثها في مستودع المكبوتات والعالم الخفي غير الظاهر للعيان؟

لن اتحدث في هدا الكتاب عن السواء بقدر اللاسواء لذلك، سوف أتجرأ علميا لدخول عالم الاضطرابات النفسية وحتى العقلية من باب الاحلام، هدا الطريق الملكي الذي يوصلنا لجذور المرض حتى يكون العلاج بها ومنها.

ولان عالم الاضطرابات واسع وكبير سوف اختار في هدا الجزء من هذا الكتاب البعض منها على سبيل العدوانية والمخاوف المرضية والاكتئاب وعالم الصدمة النفسية والقلق والاضطرابات الجنسية وكيف تعبر الاحلام من خلال مشاهدها الليلية على نوع الاضطراب، بل كيف يمكننا الاستثمار في تفكيك الرموز والاشارات للوصول الى العقد الأساسية المسببة للمرض .

قد يبذو الامر هين عند اول وهلة، لكن المتتبع لكتب الدين والفلاسفة والعلماء المحدثين يجد مسائل هامة لابد ان يدركها المحلل النفسي قبل دخول هذا العالم، ولعل أهمها هو طريقة تفسير شفرات الحلم، وكيف نقرأ الرموز والاشارات في عالم الاحلام عند المرضى؟ وماهي أهم المبادئ في ذلك؟

هده النقاط وغيرها الكثير سوف يكتشفها القارئ من خلال صفحات فصول هذا الكتاب المهدى لطلاب العلم والمعرفة، وكل من يريد اقتحام هدا المجال بعوالمه الخفية.

 

 

المؤلفة: الأستاذة الدكتورة ملوكي جميلة