تفصيل

  • الصفحات : 246 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2024،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى ،
  • ردمك : 978-9931-08-776-2.

المقدمة:

تعاني دول العالم من ظاهرة تهدد الكثير من اقتصاديات الدول النامية والمتقدمة، تتمثل في ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي، والحديث عن هذه الظاهرة ذو أهمية كبيرة خاصة في الآونة الأخيرة بعد التحولات والتغيرات التي عصفت بالدول من كافة النواحي السياسية، الاقتصادية والاجتماعية، إذ يعتبر هذا الاقتصاد اقتصادا طفيليا بحيث يكبّد الدولة خسائر متعلقة بمجموع مداخيل ناتجة عنه وغير مدرجة في الحسابات الوطنية والمتأتية من مختلف الأنشطة الاقتصادية المشروعة وغير المشروعة بكل ما تحتويه من غش جبائي، تهرب ضريبي غسيل أموال، تجارة السلع المهربة، وغيرها من مصادر الدخل التي تجعله في نظر الدارسين قطاع كابح ومعارض لعجلة التنمية الاقتصادية.

ومع أن مصطلح الاقتصاد غير الرسمي يبقى مجهول الهويّة لعدم جلائه ووضوحه ولكثرة اصطلاحاته المستخدمة كاقتصاد “السراديب”، “الظل”، أو حتى القطاع غير الشرعي، الاقتصاد السري، القطاع غير المهيكل، الاقتصاد الموازي…، إلا أنّه يبقى مفهوما مركزيا يتمفصل حول كثير من الدراسات  لتنصهر كل المصطلحات في مصطلح واحد هو “الاقتصاد غير الرسمي”[1] الذي أثار اهتمام الباحثين الاقتصاديين، وهذا المصطلح برز لأول مرة في تحليل “كيث هارتKeith HART” سنة 1971 في ندوة حول البطالة داخل مدن إفريقيا بمعهد دراسات التنمية بجامعة “Sussex” بالإضافة إلى مقالة أخرى كتبها سنة 1971 حول الدخل غير الرسمي في غانا ولكن لم تصدر إلا في سنة 1973. وأعطيت الصيغة الرسمية لاستعمال هذا المصطلح سنة 1972 من طرف المكتب الدولي للعمل في تقريره حول التشغيل بكينيا. ومن هذا المنطلق شكلت الظاهرة اتجاها هاما في الدراسات الحالية التي تقوم بها المنظمات العالمية كمنظمة التعاون الاقتصادي (OCDE)، مكتب العمل الدولي، البنك العالمي وغيرها من الدراسات الأدبية المهتمة بالاقتصاد غير الرسمي كتلك المتعلقة بتحاليل (هاريس وتوداروا، فيالدس)، أما بدول المغرب العربي فنجد دراسات: “شارم”، “بارنارد”، “موريسون”، “أدار وحامد”، أما عن الجزائر، فيوجد عدد لا بأس به من الدارسين أمثال “بني سعد”، “حمّودة”، “هني”، “بارنارد”، “طالاهيط Talahite”، “كلّول”، “ميزات Musette”، “بونوّة”…

هذا الاقتصاد غير الرسمي الذي لا يخلو منه أي اقتصاد فهو ظاهرة اقتصادية معقدة ويحمل الكثير من الجدل باعتبار أن دائرة أنشطته لا تنفصل عن أنشطة الاقتصاد الرسمي. ووفقا لمختلف الأبحاث والدراسات في موضوع الاقتصاد الموازي أو غير الرسمي يعتبر أحد أكبر المشاكل التي تؤثر على البيئة الاقتصادية للبلد ما يحول دون التنمية الاقتصادية، إذ يتسبب في عدم الكفاءة في أداء سوق العمل وسوق السلع والخدمات على حد سواء، ويقدم المنافسة غير المشروعة وغير العادلة بين الشركات والدول.

والجزائر تعد من بين أهم البلدان التي تعاني من وجود  ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي وانتشار الأنشطة غير الرسمية بحجم كبير، إذ تتراوح نسبته ما بين 30% إلى 40% من الناتج المحلي الإجمالي بناءا على دراسة Shenieder (2018)، ما يعكس وجود  بيئة مؤسسية ضعيفة، ويرجع ذلك إلى التغيرات التي عرفها الاقتصاد الجزائري، والتي تزامنت مع كل فترة تاريخية مر بها، ولعل أهم مرحلة ميزت هذا الأخير، هي فترة ما بعد منتصف الثمانينات التي شهدت فيها الجزائر أزمة اقتصادية حادة، انجر عنها بروز عدة سلبيات كان لها تأثيرا كبيرا على مردودية الاقتصاد الوطني، مما دفع بالجزائر للتوجه إلى إصلاحات حملت في طيتها تغيير النظام الاشتراكي المتبع، وتبني نظام اقتصاد السوق. هذه المرحلة الانتقالية كانت لها انعكاسا سلبيا على الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وقد تمخض عنها توسع في رقعة الاقتصاد غير الرسمي.

ومن هذا المنطلق حاولنا في كتابنا هذا دراسة موضوع الاقتصاد غير الرسمي من جوانبه المختلفة وعلى هذا الأساس ارتأينا تقسيم الكتاب إلى محورين بحيث تطرقنا في المحور الأول إلى الإطار النظري للاقتصاد غير الرسمي  بدءا  بإبراز الجذور التاريخية للاقتصاد غير الرسمي ومختلف التعاريف والتسميات المطلقة عليه، ثم انتقلنا إلى إظهار العوامل التي أدت إلى بروز الاقتصاد غير الرسمي واستفحاله، والمظاهر والأشكال التي يكون عليها الاقتصاد غير الرسمي، وطرق ونماذج قياس وتقدير حجم هذا الاقتصاد، وحجم الاقتصاد غير الرسمي في دول العالم، وختمنا المحور بالآثار الناجمة عن استفحال ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي، والحلول المقترحة للحد من هذه الظاهرة.

أما المحور الثاني فقد سلطنا الضوء على ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي في الجزائر  بدءا بإلقاء نبذة عن الاقتصاد الجزائري بمراحله، إذ عرضنا تطوراته منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، ثم عرجنا على مراحل  بروز وتطور الاقتصاد غير الرسمي مرورا بدراسة الظواهر المحيطة بالاقتصاد غير الرسمي في الجزائر وتأثيرات هذا الاقتصاد على الاقتصاد الرسمي في الأسواق الثلاثة  (سوق السلع والخدمات، سوق الصرف، سوق العمالة)، ثم أبرزنا حجم الاقتصاد غير الرسمي في الجزائر مبينين نظرة وموقف الدولة الجزائرية منه وختمنا المحور بالآثار المترتبة عن الاقتصاد غير الرسمي وكيفية التعامل معه في الجزائر.

 

 

[1] ملاحظة: تستخدم المفاهيم نفسها في هذا الكتاب للدلالة على المعنى نفسه: الاقتصاد غير الرسمي، الاقتصاد الموازي، الاقتصاد الخفي، القطاع غير الرسمي.