تفصيل

  • الصفحات : 80 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2024،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى ،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-862-2.

مقدّمة

اللغة بنية ذات نظام علائقي متكامل، الذي يمتدّ من الوحدة الأصغر إلى غاية التركيب .ومن ثمّ العرف في دراستها كما يقول اللغوي ماريو باي: سواء كان المنهج وصفيا أو تاريخيا يندرج في أربعة مستويات، وإن كانت الحدود بينها غير واضحة على وجه التمام مثلما نحب أن يكون (1).

ولا يقصد من هذا التقسيم “أنّ كل قسم مستقل بذاته عن المستويات الأخرى،وإنما المقصود تسهيل عملية الدراسة والتخصص في مستوى (…) للتعمّق في تناول جزئياته واختلاف أبعاده “(2).

ولعلّ أبرز هذه المستويات المنفصلة انفصالا قسريا بغرض التصوّر التعليمي،هو المستوى الأوّل، الذي “يحلل الأصوات الكلامية ويصنفها مهتما بكيفية إنتاجها، وانتقالها، واستقبالها”(3).

و ما يزيد أكثر من قيمته العلمية هو الوجه الآخر منه، الكامن في رصد الدلالات التي ترتسم بناء على فعالية الشق الفونولوجي الوظائفي المعوّل عليه في فك شفرة الخطاب بشتى أنواعه.

وهو ما تنساق إليه هذه الدراسة ؛ في محاولة تأسيسية جادة لنموذج معرفي يراود تفكيرنا منذ أكثر من سنتين؛ عن طريق رصد الملامح الصوتية، التي ترسم معالم البناء اللساني للخطاب القرآني المقدّس رسما فونولوجيا دقيقا ؛وفق منهجية رياضية،تكشف التوافق الدلالي بين معطيات المعرفة الصوتية،والسياق العام الذي سيقت لأجله السور.

وعليه ما قد يحقق المبتغى الذي نروم تحقيقه كلبنة من لبنات البحث اللساني الرياضي،ذلك أنّ الدراسة التي نضعها بين أيدي الباحثين بمثابة تلاقح علمي بين أحد مجالات اللسانيات؛ الممثّل بعلم الأصوات والمجال الرياضي؛من خلال معطى الاحتمال probabilité، الذي يعدّ من أشهر النظريات القائمة على التجربة والافتراض.

ومن ثم نقف إزاء حدود التساؤل المؤسس:ما وجه المقاربة بين الدرس اللساني الصوتي ونظيره الاحتمالي الرياضي؟ .وإذ نحوض في حيثيات هذا الموضوع، الذي قد يُحمَل على ضرب من المجازفة العلمية،وذلك باعتبار دقة نتائجه؛ فذلك سعيا منا نحو تحقيق عدة أهداف؛ أوّلها: برهنة الانفتاح والتوافق، وثانيها: تأكيد عدم التعارض بين المعرفة الدقيقة ونظيرتها الإنسانية.

وعن المنهج المتبع فيه وهو الغالب للعيان،فإنه المنهج الرياضي؛بإسقاط المعطيات الرياضية على الدرس اللساني، من خلال الفرع الأنموذج، ويتم هذا ؛بناء على نموذج تقريبي، يتيح لنا مقابلة التجربةأو بالأحرى المجرَّب بالفونيم الصوتي، سواء الصوامت أو الصوائت، أو المقطع الذي سنشتغل عليه من بين الظواهر الصوتية أيضا.

و لهندسة الموضوع رياضيا، فإننا نمثل له بمثال قطعة النقود، فأثناء رمي هذه القطعة في الهواء،نحصل على ناتج التجربة ؛ إما ظهور الصورة H أو الكتابةT،لنعبر عن فضاء التجربة بالشكل التالي:

S={T, H}

فالرمز المعبر عنه بـ” s “،يمثل space of experiment الذي يضم الاحتمالات الممكنة للتجربة، التي تتجاوز الشكل في المثال إلى المعطيات الصوتية في الوضع اللساني .

ومن ثم،يحوي فضاء التجربة اللسانية،ناتج الخصائص والصفات الصوتية المحددة سلفا بحثا عن دلالاتها الوظيفية داخل السياق،أو بتعبير أدق ننطلق من معطيات صوتية تتحدد على مستوى التنظير،فتخضع هذه المعطيات لمنطق التجربة؛في انتقاء بعض المواصفات عشوائيا،سواء المخرجية أو الصفات أو دلالات المقطع،ثم لمنطق الاحتمال في رسم معالم الدلالة التي تحيط بالأنموذج القرآني المتغاير من مبحث صوتي إلى آخر .

وبذلك تتخطى قيمة الاحتمال وفائدته حقول المعرفة الدقيقة، وتلقي بظلالها على الدرس اللساني ؛ فإن كانت أهمية هذا المفهوم في الرياضيات تكمن في توقع النتائج الممكنة من التجربة العشوائية، فإنه بهذا الشكل من الانفتاح العلمي،يسلك مسلك التسهيل في التعامل مع دلالات الخطاب المقدس.

وهذا باعتباره الدينامو الذي يحرّك الدلالة النصّية لكل سورة في عمومها،و في أجزائها الصوتية التي تمثّل عناصر التحريك،مما يضفي صفة التجديد والتفاعل بين العلوم.

وختاما،أسأل الله تعالى مولانا العليّ القدير أن يتقبل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم،فإن أصبت فمن الله،وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان،والله نسأل النفع لقارئيه.

د/ أسماء بن عيسى

بني صاف/الموافق: 4 رمضان 1444هـ