تفصيل
- الصفحات : 503 صفحة،
- سنة الطباعة : 2021،
- الغلاف : غلاف مقوى،
- الطباعة : الأولى،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-08-080-0.
يعتبر السرد النسائي من أكثر الإنتاجات الأدبية التي عرفت احتفاء غير معهود في الساحة الأدبية والنقدية لا سيما في العقد الأخير، كونه يشكل علامة فارقة في حركية الإبداع الأدبي الذي شهد سيادة أدبية ظلت حكرا على الرجل زمنا طويلا، لكن سرعان ما تراجعت هذه السيادة بمطالبة المرأة بحقها في إسماع كلمتها، وقد استعملت لأجل ذلك استراتيجيات عدة من شأنها إخراج المرأة من حيز الهامش إلى المركز، وإيجاد مساحة للإبداع النسائي في المشهد الثقافي العام، كما حاولت إفهام الآخر بفاعلية حضورها ذاتا كاتبة ومنكتبة في الآن نفسه، ساعدها على ذلك وعيها بدورها في عالم الإبداع، فراحت تسخّر قلمها للكشف عن خيالها الخصب وامتلاكها ناصية اللغة وبراعتها في التعبير عن ذاتها.
وجدت المرأة العربية في السرد طاقة تعبيرية هائلة فتحت لها باب المغامرة من خلال كسر النمط التقليدي للسرد، وإثارة الأسئلة المتعلقة بالنسق الثقافي المضمر، ومساءلة البنية الثقافية السائدة، ومحاكمتها عبر تفنيد مقولاتها الذكورية، وصياغة وعي ثقافي جديد، ونسق رؤيوي مغاير لها، وعليه فإن للسرد النسائي وجها آخر، وملامح أكثر خصوصية حدّدها النقد النسوي الذي جاء ليؤكد خصوصية هذا الأدب الذي تبدعه المرأة بوصفه تمثيلا لعالمها، تلك الخصوصية التي استمدت شرعيتها من التنميط الثقافي للمرأة، وعلى هذا الأساس يطرح السرد النسائي نفسه رديفا كاشفا لكل ما جرى إهماله عن قصد أو غير قصد في الثقافة الأبوية.
استقطب السرد النسائي اهتمام النقاد الذكور بشكل لافت للنظر، ذلك لأن مصطلح نسائية/نسوية مصطلح جديد في الدراسات النقدية الثقافية، يكتسب طبيعة جمالية تنبثق من خصوصية حياة المرأة الذاتية وعلاقتها مع الآخر ومع المجتمع، بالإضافة إلى ما يمتلكه هذا المصطلح من إشكالية جدلية في الأوساط الثقافية والأدبية، ومهما يكن من أصل التسمية وفروعها إلا أن السرد النسائي ومن ثم الأدب النسائي عموما ظهر ليدعم وضع المرأة ويحسن صورتها داخل المجتمع.
ولأن المؤسسة النقدية يحكمها النقاد الذكور بالدرجة الأولى فإن هناك من الناقدات النسويات في العالمين العربي والغربي من يحذرن من الرجل الناقد ويستبعدن البراءة فيما يكتبه عن الإبداع النسائي، بل إن هناك دعوة واضحة في هذا السياق إلى التعامل بالريبة والشك معالنقاد الذكور من خلال اتهامهم بأنهم حددوا المسيرة الأدبية والنقدية التي تفسر الأدب للمجتمع، وكان طريقهم في ذلك إغفال الكتابة النسائية، لأجل هذا أردنا البحث في حقيقة هذا الأمر فوسمنا بحثنا بـ: “الخطاب السردي النسائي العربي المعاصر في المنظور النقدي الذكوري”، وذلك بالبحث في ثلاثة نماذج نقدية (الأخضر بن السائح، محمد معتصم، بوشوشة بن جمعة)، من خلال الوقوف على مضامين أعمالهم النقدية، وطبيعة ممارساتهم النقدية للنصوص السردية النسائية.
أما عن الأسباب التي قرّبتنا للاشتغال على هذا الموضوع دون غيره، نلخصها في الإثارة العلمية التي يحفل بها موضوع النقد الذكوري باعتباره خطابا مغايرا للخطاب النسوي، وغناه بالمواقف والتأويلات التي ترسم التاريخ الأدبي النسائي والنقدي عموما، ثم إنه على الرغم من أهمية هذا الموضوع إلا أن الدراسات التي تهيء الأرضية العلمية للتأسيس له وتهتم بتحليل الأعمال النقدية الذكورية التي تعالج الكتابة النسائية تكاد تنعدم، وعليه يمكن القول إن ميدان البحث فيه ما يزال بكرا يحتاج إلى من يخوض غماره، ويتولى رصد تطورات الرؤية الفكرية والجمالية للنقاد الذكور، الأمر الذي يكسب بحثنا هذا جانبا من الجدة.
ومما عمق لدينا فكرة الإقدام على خوض غمار هذه الدراسة هو كثرة الآراء التي تتهم النقد الذكوري بأنه خطاب مضاد للكتابة النسائية، فأردنا الكشف عن مدى صحة هذه الآراء، بالإضافة إلى أن الكتابة النسائية في العالم العربي تشكل ظاهرة لافتة للنظر ومغرية بالبحث خصوصا إذا تتبعناها وهي في ميزان النقد الذكوري.
انبثقت الإشكالية الخاصة بالبحث وبرزت بشكل أساسي من خلال مجموعة من الأسئلة التي فرضتها فكرة الموضوع من قبيل:
توزعت هذه الدراسة وفقا لما تنشده إلى أربعة فصول، اشتغلنا في الفصل الأول على “التأسيس النقدي للمصطلحات”، بداية مع مصطلح السرد النسائي(الأدب النسائي) وما يثيره من إشكالية في تعريفه وتحديد مفهومه وإشكالية تلقيه وموقف النقاد منه وحتى موقف الناقدات والكاتبات أنفسهن، إلى جانب التعريف بمصطلح النقد النسوي، وتتبعه في الساحة العربية والغربية واقفين عند جهاز المصطلحات لهذا النقد وتعيين أهم أهدافه، ولفهمه أكثر سعينا لبسط مفهوم الحركة النسوية ومدارسها التي أثّرت في هذا النوع من النقد، ولأن هذه الدراسة ترتكز في جانبها التطبيقي على النقد الذكوري ونظرته للسرد النسائي سعينا إلى ضبط مفهومه وتحديد طبيعته في معالجة السرد النسائي، إضافة إلى الكشف عن العلاقة التي تجمع بين النظريات النقدية الذكورية والنقد النسوي.
ناقشنا في الفصل الثاني: “السرد النسائي في المنظور النقدي الذكوري في الجزائر”، وقد قسمناه إلى جزءين، اهتم الأول منهما: بالبحث في المنظور النقدي للسرد النسائي من خلال رصد مختلف الآراء النقدية التي طرحها النقاد الذكور في الجزائر عموما، وقد صنفنا آراءهم في هذا المجال ضمن أربعة محاور هي: (التاريخالثوريفيالسردالنسائي، نقدالسلطةالأبويةفيالسردالنسائي، الجسدوأبعادهالإيروسيةفيالسردالنسائي،البناءالفنيفيالسردالنسائي). أما الجزء الثاني من هذا الفصل فقد كان محاولة للبحث في المنظور النقدي للسرد النسائي عند الأخضر بن السائح، من خلال التركيز على المسائل التالية: (بلاغةالجسدفيالسردالنسائي،الآلياتالفنيةفيالسردالنسائي،حركيةالمكانفيالسردالنسائي).
اختص الفصل الثالث الموسوم بـ: “السرد النسائي في المنظور النقدي الذكوري” في المغرب، هو الآخر بدراسة المنظور النقدي الذكوري للسرد النسائي بشكل عام من خلال رصد الآراء النقدية التي قال بها جملة من النقاد الذكور في المغرب، التي انصبت في مجملها ضمن النقاط التالية: (كتابةالجسد،وتفعيلالرغبةفيالسردالنسائي، خطابالذاتوالهويةفيالسردالنسائي، خصوصيةالكتابةفيالسردالنسائي). وإلى جانب هذا اهتم هذا الفصل بتتبع المنظور النقدي للسرد النسائي عند محمد معتصم، حيث تتبعنا طروحاته النقدية ولخصناها في العناوين التالية: (فنياتالكتابةفيالسردالنسائي، سؤالالذاتوالهويةفيالسردالنسائي، كسرالتابوالجنسيفيالسردالنسائي).
اعتنى الفصل الثالث بـ: “السرد النسائي في المنظور النقدي الذكوري في تونس”، وقد قسمناه هو الآخر إلى جزءين، ركزنا في الأول منه على مختلف الآراء النقدية التي أدلى بها النقاد التونسيون حول السرد النسائي، التي تندرج في معظمها تحت العناوين التالية:(التيماتالحكائيةفيالسردالنسائي، أشكالالحداثةفيالسردالنسائي، سؤالالخصوصيةفيالسردالنسائي). أما الجزء الآخر فقد اهتم بشكل مركز على المنظور النقدي للسرد النسائي عند بوشوشة بن جمعة، في محاولة لاستقراء آرائه النقديةالتي تتلخص في المسائل التالية:(أسئلةالكتابةفيالسردالنسائي، أشكالالحداثةفيالسردالنسائي، علاماتالخصوصيةفيالسردالنسائي).
اعتمدنا في سبيل الإجابة على هذه الإشكاليات وتحقيق أهداف هذه الدراسة على منهج يقوم على الدرس الدقيق للنصوص النقدية الذكورية درسا متأنيا يستفيد من نظريات ورؤى النقد الأدبي النسوي، هذا المنهج الذي يعنى بتحليل الخطابات الذكورية أدبية كانت أم نقدية، باعتباره يعيد قراءة التراث الثقافي الذي أنتجه الذكور، ولما كان الاهتمام بالأدب النسائي أحد منتجات النقد الثقافي فلقد ارتأينا أنه من الواجب الاستعانة ببعض أدوات هذا النقد إلى جانب توظيف آليات المنهج البنيوي، والمنهج السيميائي، ونظريات التفكيك، ونظريات القراءة، تماشيا مع متطلبات عناصر البحث وجزيئاته.
اعتمدنا في سبيل إنجاز هذا الموضوع على مدونة نقدية تعتبر بمثابة مصادر للبحث تمثلت في الأعمال النقدية للأخضر بن السائح التالية: سرد المرأة وفعل الكتابة(دراسة نقدية في السرد وآليات البناء)، وجماليات المكان القسنطيني(قراءة في رواية ذاكرة الجسد)، بالإضافة إلى أعمال محمد معتصم النقدية: المرأة والسرد، وبناء الحكاية والشخصية في الرواية النسائية العربية المعاصر، إلى جانب المؤلفات النقدية لبوشوشة بن جمعة المتمثلة في: الرواية النسائية المغاربية، والرواية النسائية التونسية، وقد وقع الاختيار على هذه النماذج النقدية لأنها على درجة من النضج والتنوع، بالإضافة إلى كونها تسعى في محصلتها إلى تنمية الذائقة الفنية والأدبية بعيدا عن أي مجاملة أو محاباة.
كما تمت الإفادة في هذه الدراسة من مجموعة من المراجع التي اهتمت بالكتابة النسائية نظريا وتطبيقيا، نذكر منها على سبيل المثال: “المرأة واللغة” لعبد الله محمد الغذامي، “النسوية في الثقافة والإبداع” لحسين المناصرة، النقد الجندري( تمثلات الجسد الأنثوي في الرواية النسائية) لعبد النور إدريس، السردالنسوي (الثقافةالأبوية،الهويةالأنثوية،والجسد)، لعبد الله إبراهيم، المرأة والكتابة( سؤال الخصوصية، بلاغة الاختلاف) لرشيدة بنمسعود، النص المؤنث لزهرة الجلاصي، السرد النسائي العربي(مقارنة في المفهوموالخطاب)لزهور كرام، الخطاب النسائي وعاطفة الاختلاف(مقاربة للأنساق الثقافية) لفاطمة كدو.
كما كان لابد لهذه الدراسة أن تتقصى أهم الدراسات السابقة في هذا الموضوع حتى لا تقع في فخ التكرار والاجترار النمطي، إلا أننا وجدنا أنفسنا قد اقتحمنا مجال بحث أكثر شحا من حيث الدراسات المنجزة، فلم أجد فيه إلا دراسة واحدة تعود إلى سوسن عصفور بعنوان: نقد الذكور وأدب النساء(نماذج من عبد الله إبراهيم، وإدوارد سعيد، وك.ك. رثفن)، وهي دراسة منشورة في العدد السابع والسبعين من مجلة نزوى.
وآخر ما نقوله إن بحثنا هذا ليس سوى خطوة مبدئية في طريق البحث الطويل في مجال الكتابة النسائية، لهذا لا ندّعي فيه الفضل والكمال، وما لوحظ على البحث من قصور أو نقص فلأنّه أول اللبنات في هذا الصرح الكبير الذي يتناول الخطاب السردي النسائي العربي المعاصر في المنظور النقدي الذكوري.