تفصيل

  • الصفحات : 338 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2024،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى ،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-717-5.

مقدمة:

تنبع أهمية السياسة الخارجية من كونها تحتل مركزا  مهما في السياسة العامة للوحدة الدولية، إضافة إلى طبيعة قرارات السياسة الخارجية كتلك المتعلقة بالأمن الوطني وسيادة الدول، لذا تعير معظم الوحدات الدولية السياسة الخارجية أولوية في تحقيق أهدافها العامة في العديد من المجالات، حيث تلعب السياسة الخارجية النشيطة دورا في تنمية الدولة من خلال دفع الوحدات الدولية لتقديم مساعدات أو دعم لهذه الدولة بهدف كسب موقفها – ومواقف الدول الأخرى التي يمكن أن تؤثر عليها –  في القضايا الدولية.

كذلك للسياسة الخارجية هدف الحفاظ على استقلال الدولة وسيادتها، وذلك باتباعها لسياسة خارجية محايدة في قضايا معينة لا تهمها، كما تؤدي السياسة الخارجية للوحدة الدولية دورا في تأمين مصالحها في الخارج  وتتنوع أساليب السياسة الخارجية باختلاف أهدافها المرسومة مثل تأمين المصالح الاقتصادية كالاستثمارات والتجارة، أو الترويج لفكر معين يخدم مصالح الوحدة الدولية.

تهدف السياسة الخارجية أيضا إلى للحفاظ على الوحدة الوطنية، وتحقيق الأمن والاستقرار الداخلي عن طريق افتعال عدو خارجي أو قضية دولية تستدعي التفاف الشعب حول السلطة السياسية لمواجهة هذا العدو زيادة على ذلك تمنح السياسة الخارجية المكثفة للدولة مكانة وهيبة، إذ أن الحضور الدائم والفعال للدولة في الملتقيات والمؤتمرات الدولية يمكنها من رفع مكانتها الدولية وفرض وجهة نظرها بخصوص القضايا الدولية.

كذلك تستعمل السياسة الخارجية قصد تحقيق أهداف السياسة الداخلية، حيث يمكن أن يستخدم القائد نشاطه على مستوي السياسة الخارجية بهدف إبراز حنكته السياسية، وبالتالي زيادة شعبيته في الداخل، وإسكات صوت المعارضين له، فيستغل القائد منابر الهيآت الدولية لاستعراض قدراته على إيجاد الحلول السريعة والمناسبة للقضايا الدولية، وذلك دون أن يكون ملزما بتجسيد تلك الحلول.

ويتضح مما سبق أن الأهمية العملية للسياسة الخارجية ذات علاقة وطيدة بعمل النظام السياسي للدولة بشكل عام، حيث أن الاهتمام بالسياسة الخارجية يكون وفقا للظروف التي يوجد فيها هذا النظام، أي أن القائم على السياسة الخارجية يسعى لإيجاد نوع من التوازن النسبي بين السياستين الخارجية والداخلية وفقا لما تتطلبه هذه الأخيرة والفرص التي يوفرها النظام الدولي، بحيث أن استقرار الوضع الداخلي يزيد من اهتمام صانع القرار بالسياسة الخارجية قصد دعم الوضع الداخلي وتحسينه، وذلك من خلال اغتنام الفرص التي تعود على السياسة الداخلية بالمنفعة، والعكس صحيح فوجود عدم استقرار داخلي يقلل من توجه صانع القرار نحو السياسة الخارجية، لذلك فهو ملزم بتحريك الاهتمام النسبي بين السياستين الداخلية والخارجية حسب ما تقتضيه المصلحة الوطنية، ولما كانت السياسة الخارجية بهذا الحجم من الأهمية والتأثير على مختلف شؤون الدولة، فإن تحديد مبادئ وأهداف السياسة الخارجية وقراراتها المصيرية يبقى من اختصاص القيادة العليا في الدولة.

وبناء على الدور الذي يلعبه القائد السياسي في صياغة السياسة الخارجية على المستوى المجتمعي بصفة عامة، فإن العديد من الدارسين في علم النفس الاجتماعي يؤكدون على أهمية القيادة بشكل عام في المجتمع نظرا لطبيعة التفاعلات الاجتماعية وما ينتج عنها من تصادم لمصالح الأفراد، لذا كان وجود سلطة عليا تحظى بالولاء الجماعي، وتعمل على تطبيق قوانين وأعراف المجتمع أمرا ضروريا لاستمرار حياة الجماعة.

إذن تعمل القيادة أو الشخصيات المسيطرة في المجتمع على تحقيق استقراره من خلال القضاء على عوامل الشقاق والصراع بين أعضاء الجماعة وإعادة التوازن إلى المجتمع، زيادة على ذلك يعتبر العديد من الأفراد وجود

سلطة عليا يخضعون لها إشباعا لحاجاتهم النفسية المتمثلة في الخضوع، هذا ما يعطي طبيعة العلاقة بين القائد والأتباع نوعا من الحركية والتفاعل، كما تلعب الظروف الاجتماعية دورا في إبراز أهمية القائد، حيث أن الأزمات والتوترات السياسية تجعل الناس في أمس الحاجة لمن يأخذ بأيديهم ويخلصهم مما هم فيه، ومنه فالقيادة تكون أكثر بروزا وطلبا في أوقات الأزمات، إذ يمثل حضور القائد باعثا على الأمن والاستقرار والتطور نظرا لما يقوم به القائد من تنسيق للجهود، ودون وجود قائد تسود حالة من الفوضى في تفاعلات أفراد الجماعة، والتي سوف تنقسم على ذاتها رغم النوايا الطيبة لعناصرها، بحيث يرى كل منهم طريقته بأنها المثلى لتحقيق المصالح العامة، وبالتالي فحضور القائد يعد بمثابة سند نفسي للأتباع.

وتكتسي القيادة أهمية بالغة في إطار الأنظمة الحديثة أو الأنظمة الديمقراطية والتعددية بصفة عامة، نظرا لما تعاني منه هذه الأنظمة من التشتت والتباين في آراء الجماعات المختلفة، وهو ما يصعب عملية اتخاذ القرارات، وهذا يفتح المجال لبروز أهمية القائد الذي يعمل على صهر الجماعات – ولو بصفة مؤقتة – ضمن توجه موحد يسمح باتخاذ المبادرات الهادفة، كذلك يسعى القائد لمعرفة وتحديد الهدف الرئيسي للجماعة، ثم البحث عن الطريقة المثلى لتجسيده، وكيفية استثمار الطاقات البشرية من حوله والتنسيق فيما بينها  من خلال قدراته الإقناعية  لأجل تحقيق الهدف المشترك.

أما على المستوى الدولي فقد ازدادت تعقيدات العلاقات الدولية بظهور فواعل جديدة كالشركات متعددة الجنسيات والوكالات والمنظمات والأفراد، وتسعى كل هذه الفواعل للمشاركة في صناعة السياسات العامة على المستويين الداخلي والخارجي، بحيث يواجه صناع السياسة الخارجية مشكلة في فهم وإدارة قضايا العلاقات الدولية، خاصة وأنها من صنع فاعلين آخرين في النظام الدولي، وفي هذا الخضم يمكن للسلوك القيادي للزعيم أن يكون حلا للتعامل مع هذا المأزق من خلال طبيعة عملية صناعة القرار.

وتزداد أهمية العامل الشخصي أو دور القائد في العمليات السياسية، وفي السياسة الخارجية أكثر في بلدان العالم النامي وفي النظم الأقل ديمقراطية والأكثر ميلا إلى التسلطية، حيث ضعف المعارضة ونقص آليات المساءلة السياسية، وهو ما يقوي دور الرئيس في بلد كالجزائر، ويفرض على الدارسين الاهتمام بدور المتغير القيادي في صناعة السياسة الخارجية.

يمثل المدخل القيادي أحد أهم المداخل النظرية لدراسة السياسة الخارجية، باعتباره يركز على دور عقائد وتصورات القائد السياسي، وكيفية تفاعلها مع مختلف قضايا وأحداث السياسة الخارجية، أي محاولة التنبؤ بسلوكات القائد وتفسيرها بناء على طريقة رؤيته للعالم، كذلك تعتبر المتغيرات الشخصية للقادة السياسيين محددا أساسيا في دراسة تطورات النزاعات والأزمات الدولية التي تعتبر مجالا موائما لبروز الخصائص الشخصية خاصة في ظل الاهتمام الذي أصبحت تحظى به مسائل الصراع في العالم، نظرا للتقدم الههائل في مجال التكنولوجيا العسكرية وحجم الدمار الذي يمكن أن يحدثه أي انفلات أمني.

زيادة على ذلك فإن من الصعوبات التي تواجه القرارات العقلانية في السياسة الخارجية، خاصة في دول العالم الثالث ومن بينها الجزائر هي صعوبة الحصول على المعلومات الكافية وتكلفتها الباهضة التي قد تتعدى الإمكانيات المادية للدولة، وفي إطار كل هذه الظروف فإن العامل الشخصي هو الذي يحسم الموقف في عملية صناعة القرار في السياسة الخارجية للدولة من خلال النسق العقيدي للقائد وتصوراته للقضايا والمشاكل العالقة.

واستنادا إلى كل ما سبق تحاول هذه الدراسة أن تحلل السياسة الخارجية الجزائرية خلال الفترة الممتدة من سنة 1999 وإلى غاية سنة 2019، وذلك من خلال محاولة إبراز دور المتغير القيادي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة في صياغة مخرجات السياسة الخارجية الجزائرية.

أ- المشكلة البحثية:

تستدعي دراسة قيادة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للسياسة الخارجية الجزائرية طرح الإشكالية التالية:

– ما مدى قدرة المتغير القيادي على تفسير السياسة الخارجية الجزائرية؟

و يندرج تحت هذه الاشكالية جملة من التساؤلات الفرعية أهمها:

– ماهي أهم العوامل والظروف التي تزيد من بروز المتغير القيادي في السياسة الخارجية الجزائرية؟

– هل هناك سمات تطبع السياسة الخارجية الجزائرية ؟ وما مكانة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في تحقيق ذلك ؟

– أين برزت بصمات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في السياسة الخارجية الجزائرية ؟

– كيف أثر النمط القيادي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة في بلورة السياسة الخارجية الجزائرية؟

– ماهي انعكاسات المتغير القيادي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة على فاعلية السياسة الخارجية الجزائرية ؟

ب- مجالات الدراسة:                 

1- المجال الزماني: يتحدد المجال الزماني للدراسة من سنة 1999 والتي تمثل سنة وصول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم في الجزائر، وتمتد فترة البحث إلى غاية سنة 2019 وهي السنة التي شهدت حراكا شعبيا في الجزائر طالب باسقاط النظام القائم، أي نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، مع العلم ان هذا الاخير كان يحظى بشعبية كبيرة في اوساط مختلف شرائح المجتمع الجزائري، ولا أدل على ذلك من انه في سنة 2009 تم تعديل الدستور الجزائري، لا لشيء سوى لتمكين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للترشح لعهدة رئاسية ثالثة حصل عليها – من خلال اقترع شعبي عام – بالأغلبية المطلقة من أصوات الناخبين المصوتين، غير ان مرض الرئيس بوتفليقة منذ سنة 2013 سمح لبعض مقربيه من ادارة البلاد بطرق غير شرعية، وحتى تقديم مقترح ترشحه لعهدة رئاسية خامسة رغم ظروفه الصحية المتدهورة، وكل هذه الظروف حفزت الحراك الشعبي في الجزائر الذي انهى عهد حكم الرئيس بوتفليقة، حيث قدم هذا الاخير استقالته في سنة 2019.

2- المجال المكاني والموضوعي: يتضمن المجال المكاني للدراسة الساحة الدولية، ويمكن تحديد المجال الجغرافي للسياسة الخارجية الجزائرية في إطار منطقة المغرب العربي، أو الوطن العربي، والأمة الإسلامية، والقارة الإفريقية     والفضاء المتوسطي، وبلدان العالم الثالث ودول الجنوب التي تسعى لتحقيق التقدم، وكذا جميع القوى العالمية المناهضة للعنف بكل أشكاله، والتي ترمي لتعميم السلم والعدل والتقدم في العالم.

و أما المجال الموضوعي فهو يتضمن سياسة الجزائر الخارجية في أبعادها السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ج- فرضيات الدراسة:

تقدم الدراسة جملة من الفرضيات التي تعتبر كإجابات اولية تحتمل الصحة والخطأ، على ان يتم تأكيدها او تفنيدها في مخرجات الدراسة، ومن بين فرضيات البحث ما يلي:

1- كلما زاد تجذر النسق العقدي لدى القائد السياسي، برز تأثيره في أنماط السلوك الخارجي لدولته.

2- إن لتصورات القائد السياسي دورا في تحديد مضامين السياسة الخارجية.

3- كلما زادت خبرة صانع السياسة الخارجية زاد مستوى تأثيره فيها.

4- كلما زاد اهتمام القائد بقضايا السياسة الخارجية، زاد تأثيره فيها.

5- كلما زادت صلاحيات القائد في السياسة الخارجية، زاد بروز خصائصه الشخصية في توجهات وخيارات السياسة الخارجية.

و- منهج الدراسة:

1- أسلوب تحليل المضمون:

اعتمدت هذه الدراسة على أسلوب تحليل المحتوى بهدف قراءة الأفكار والخصائص النفسية والدوافع والسمات القيادية في خطابات ورسائل وتصريحات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، إضافة إلى محاولة بحث شخصيته ومعرفة أهم أفكاره  وأهدافه السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إذن يهدف هذا المنهج للإحاطة بأبرز السمات الشخصية الرئيس من خلال بعض الخطابات أو النصوص محل التحليل، وذلك لإبراز الخصائص القيادية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، خاصة ما تعلق منها بمجال السياسة الخارجية الجزائرية طيلة فترة الدراسة.

2– التحليل اللغوي للشخصية:

يستخدم التحليل اللغوي لتحديد أهم السمات الشخصية للفرد بصفة عامة من خلال عدة جوانب، يؤكد هذا الفرع من العلم على العلاقة الوثيقة بين اللغة والبناء النفسي للفرد الذي يستعملها، ويعرف علماء النفس هذا التخصص باعتباره ” فرع من المعرفة يهتم بالعلاقة بين صور التواصل أو الرسائل، وبين خصال الأشخاص الذين يجري بينهم التواصل “، أو هو “العلم الذي يدرس العلاقة بين اللغة والعقل الإنساني مثل اكتساب اللغة باعتبارها عملية عقلية نفسية لإدراك الكلام وطبيعة العلاقة بين اللغة والتفكير وعلاقة اللغة بالشخصية”.[1]

ويعتمد التحليل اللغوي للشخصية بشكل اساسي على أسلوب التدخل أو الطريقة التي يعرض بها الفرد رسالته، ذلك ان اعتماد جانب النطق يحد نوعما من دقة نتائج البحث، باعتبار أن خاصية النطق لدى الفرد قد تكون ذات مصدر خلقي ( فطري) أو تشوهات مرضية، كما أن التركيز على معاني الألفاظ يسمح للباحث بإضفاء تخميناته الخاصة على المحتوى، وبالتالي قد يحيد الباحث عن الصواب، أما أسلوب التدخل فيغلب عليه – في معظم الأحيان- عامل العادة التي تقلل من الإرادة الواعية للفرد، لذا يعتمد أغلب الباحثين على الكلمات والعبارات والجمل وطريقة تركيبها وسردها من قبل القادة في مختلف خطاباتهم وتصريحاتهم ورسائلهم السياسية، مثل استخدام الأسلوب المباشر أو الأسلوب غير المباشر، وذلك بهدف التوصل إلى تحديد كمي ودقيق للمحتوى الخطابي، يمكن الباحث من استنتاج أهم الخصائص الشخصية والتوجهات السياسية للقائد السياسي محل البحث، وهذا هو الأسلوب الذي ستعتمد عليه الدراسة قصد معرفة أبرز السمات الفردية، وأهم التوجهات السياسية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة من خلال تحليل عينة من خطاباته ورسائله السياسية، وتصريحاته الصحفية.

يهدف التحليل اللغوي للقادة إلى تحصيل بعض المعلومات التي لا يمكن معرفتها بواسطة الملاحظة المباشرة أو مطالعة السيرة الذاتية للقائد، كذلك يستخدم هذا الأسلوب للإطلاع على خصائص الذاتية لشخصيات لم تعد على قيد الحياة، ويسعى التحليل اللغوي لتأكد من صحة المعلومات المتوفرة من خلال مقارنتها مع نتائج التحليل.[2]

– الدلالات اللغوية للعبارات والألفاظ:

1- عبارات الإمكان: وتدل على نقص الحزم لدى الفرد، وكذا نقص الثقة بالنفس لدى القائد السياسي الذي يستعمل بشكل كبير هذا النوع من العبارات في خطاباته أو رسائله وتصريحاته السياسية .

2- القائد المتردد : حيث يلجأ لاستخدام عبارات الاستثناء، وعبارات التناقض ( رغم أن، إلا أن، لكن …الخ)

3- استخدام عبارات ” أنا ونحن” بصيغة الفاعل : فالقائد الذي يستخدم في خطابه عبارات ” الأنا ” أكبر من عبارات “نحن” يعني أنه يريد أن يقدم نفسه ويفرض شخصيته وأرائه الشخصية كما هي . أما طغيان عبارة “نحن” على “الأنا” يعني أن القائد يريد أن يظهر كناطق باسم جماعة معينة أو انه يحاول أن يناضل في سبيل قضية ما لصالح الجماعة، ويطغى ضمير الجماعة نحن في خطابات الملوك والأباطرة، وكذلك في خطابات زعماء الاتحاد السوفييتي سابقا، وكذا في خطابات زعماء الدول الاشتراكية من العالم الثالث،و من هنا يمكن تفسير الاستعمال المتكرر لضمير الجماعة في خطابات ورسائل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.

4- استخدام ضمير المفعول به العائد على المتكلم : يكون استخدامه عادة من طرف المتكلم الذي تطغى عليه عواطفه، مثل الأطفال والنساء، وبعض القادة أحيانا عندما يشعرون أنهم في موقف الضحية أو عندما توجه إليهم اتهامات بخصوص قضايا معينة.

5- القائد المعارض: حيث يعبر القائد عن عدم رضاه بالوضع القائم، أو عن رفضه لسلوك ما عندما يلجا إلى الاستعانة بعبارات النفي مثل لا، وأبدا، ومطلقا، ولا شيء …الخ.

6- القائد المفسر: يستعين القائد في خطاباته بعبارات الشرح والتعليل والاستنتاج مثل لان، وإذن، ومنه قصد طرح الأفكار، وهذا الأسلوب اللغوي يبين الطابع الواقعي لشخصية القائد، في حين أن الاستخدام الضئيل لعبارات الشرح يعود للطابع الانغلاقي والمتعصب الذي تتسم به شخصية القائد.

7- عبارات الإحساس: إن الاستخدام المفرط لعبارات الحب والتفضيل والقلق والانزعاج من قبل القائد ينم عن طابعه العاطفي، في حين أن ندرة هذه العبارات في النص أو الخطاب السياسي يدل على اتزان ورزانة شخصية القائد.

8- عبارات الشدة (المبالغة): هي عبارات تستعمل من قبل القائد السياسي لتوضيح حدة موقف سياسي معين أو خطورة وضع ما، والتقليل من استعمال عبارات الشدة مثل جدا وكثيرا…الخ، في الخطاب السياسي يدل على تحكم القائد في عواطفه، وكذا اتزانه النفسي بصفة عامة، حيث أظهرت التجارب أن الأطفال مثلا يستخدمون هذه العبارات خلال أكثر مراحل حياتهم اضطرابا أو خلال مرحلة المراهقة المتأخرة (15 سنة – 17 سنة)، كما أن النساء أكثر استعمالا من الرجال لعبارات المبالغة.

9- ذكر المصدر مع المعلومة : ويعني أن يضمن المتكلم مصدر الحصول على المعلومات أثناء ذكرها، والالتزام بهذا الأسلوب في التعبير يدل على أن شخصية القائد مبادرة، وذات قدرات تحفيزية عالية للجماعة، كذلك توحي كثرة الاستعانة بهذا النوع من العبارات بالإمكانيات القيادية للشخص، وكذا فضوله المعرفي، أما عدم الإشارة لمصدر المعلومات من طرف المتكلم أو صاحب الخطاب يكزن غالبا ناتج عن طبعه الانطوائي والخجول.

10- المبني للمجهول: ويقصد به عدم ذكر الفاعل في الجملة، ومن مساوئ هذا الأسلوب انه يخلق نوعا   من اللامبالاة لدى المستمع، وعدم الاستعمال لعبارات المبني للمجهول يزيد من الأهمية التي يوليها صاحب الخاطب للمخاطبين،  إضافة إلى رزانة صاحب النص.

11- عبارات الألوان والخيال المبدع: وتوحي بالشخصية الفاكهية للمتكلم.[3]

3- منهج دراسة الحالة:

اعتمدت الدراسة كذلك على منهج دراسة الحالة باعتباره المنهج الملائم لدراسة أثر المتغير القيادي  في السياسة الخارجية الجزائرية، حيث يسعى هذا المنهج يسعى للتركيز على ظاهرة أو وحدة معينة سواء كانت فردا أو مجتمعا أو نظاما، من خلال الإحاطة بجميع جوانبها وجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات بشأنها. ويستخدم هذا المنهج في دراسة الحالات الفريدة أو التي يصعب قياسها على حالات أخرى، كما ينصب منهج دراسة الحالة على تتبع تطور الظاهرة محل الدراسة، إضافة إلى تحليل كل أشكال التفاعلات بين عناصرها خلال فترة محددة من الزمن، وبما أن الحالات المدروسة تتباين بين النجاح والفشل فمنهج دراسة الحالة يعتبر أداة فعالة لاستخلاص العبر والمبادئ الحسنة قصد تبنيها والعمل بها، أو الحذر من التجارب السيئة  وتجنبها في المستقبل.[4] كذلك يهدف منهج دراسة الحالة للتركيز على السيرة الذاتية لشخص معين قصد الإحاطة بحياته الداخلية، ومعرفة جملة احتياجاته وميولاته ودوافعه واهتماماته.[5]

وقصد الإحاطة بالموضوع قسمت الدراسة إلى أربعة فصول، حيث تناول الفصل الاول الاطار المفاهيمي للسياسة الخارجية بشكل عام، مع التركيز المدخل القيادي من اجل تفسير توجهات ومخرجات السياسة الخارجية الجزائرية على وجه التحديد، في حين ضمن الفصل الثاني البيئة العامة لشخصية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ذلك ان السياق العام الذي يوجد فيه الانسان يساهم بشكل مباشر في بلورة أهم ميزاته الشخصية، كما يؤثر في صياغة توجهاته الفكرية والايديولوجية والسياسية، أما الفصلين الثالث والرابع فخصصا لإبراز تأثير شخصية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في صياغة السياسة الخارجية الجزائرية خلال فترة ولايته لرئاسة البلد، حيث تجلى ذلك التأثير في مختلف الميادين السياسية والامنية، وكذا الاقتصادية والاجتماعية، وحتى الثقافية، وفي الأخير خلصت الدراسة إلى جملة من النتائج التي يمكن اعتبارها كتأكيد للفرضيات المطروحة.

 

[1] جمعة سيد يوسف، “سيكولوجية اللغة والمرض العقلي”، عالم المعرفة،ع. 145 (جانفي 1993)، ص. 17 .

[2] Walter Weintraub, “Verbal behavior and personality assessment”, in M. Jerrold (ed.) , Psychological assessment of political leaders ( U.S.A the University of Michigan press , 2003 ), p p. 137- 152.

[3] Loc. cit.

[4] عمار الطيب كشرود، البحث العلمي ومناهجه في العلوم الاجتماعية والسلوكية ( عمان : دار المناهج للنشر  والتوزيع، ط . 1، 2007)، ص ص. 279 ـ 281.

[5] محمد شلبي، المنهجية في التحليل السياسي ( الجزائر: دار هومة للنشر والتوزيع، 2008)، ص. 89.