لم يحدث في تاريخ البشرية من قبل أن برز على سطح المجتمع الدولي تيار فكري واقتصادي وسياسي واجتماعي وثقافي، أثار من الجدل والقلق والتوجس مثلما فعل التيار الذي أطلق عليه مصطلح “العولمة”، فهو تيار لم يُقنّنه فلاسفة أو مفكرون ثم قدموه للناس على أنه نظرية أو مذهب جديد يسعى إلى دمج العالم في منظومة متكاملة، بل هو تيار تدفق كنتيجة طبيعية لانهيار الاتحاد السوفياتي، وانتهاء عصر القطبية الثنائية، وثورة المعلومات..، وتضخم وتطور الشركات العملاقة المتعدّدة الجنسيات[1]، لقد برزت العولمة كظاهرة وارتبط اسمها بمجموعة هائلة من التحولات الكبرى تفوق كل التوقعات وفي مختلف المجلات، الاقتصادية، السياسية، الثقافية والإعلامية، هذه التحولات التي أفرزت نسقاً من التغيير استلزم إعادة النظر في الكثير من المفاهيم والقناعات والأفكار والمعاني والقيم التي كانت سائدة ومتعارف عليها من قبل، ولم تتحول العولمة إلى ظاهرة كونية عالمية بالصورة التي نشهدها اليوم إلاّ بفضل استغلال وتوظيف الثورة التكنولوجيا التي شهدها ميدان الإعلام والاتصال، وهذا ما اصطلح عليه بالعولمة الإعلامية.

ويهتم هذا الكتاب بتسليط الضوء على ظاهرة العولمة الإعلامية وإبراز أهم مظاهرها وسماتها، فقد بات الإعلام يشكل أحد أهم أبعاد العولمة، كما يعتبر أيضاً آلية من الآليات التي لا يمكن الاستغناء عنها في تحقيق وتجسيد الأبعاد الأخرى للعولمة، وقد تم تقسيم هذا المؤلف إلى فضلين رئيسيين، حيث جاء الفصل الأول بعنوان مدخل عام إلى العولمة، والذي تناولنا من خلاله مفاهيم عامة حول العولمة، بالإضافة إلى أهم مظاهر وتجليات العولمة وفقا لبعدها الاقتصادي، السياسي، والثقافي، أما الفصل الثاني فجاء بعنوان العولمة الإعلامية – المفهوم، الوسائل، المظاهر والسمات، حيث تطرقنا من خلال محوره الأول إلى مفهوم العولمة الإعلامية وأبرز وسائلها، أما المحور الثاني فقدمنا من خلاله قراءة لأهم مظاهر وسمات العولمة الإعلامية في ظل بيئة الاتصال المعاصرة، حيث تعرضنا في هذا السياق إلى كل من المظاهر والسمات التالية: التكامل والاندماج بين وسائل الإعلام الجماهيري وتكنولوجيا الاتصال الرقمي، إعادة تعريف الإعلام والاتصال الجماهيري، تزايد أهمية اقتصاديات الإعلام والاتصالات والمعلومات، تعاظم دور الشركات متعددة الجنسيات في قطاع الإعلام والاتصال، الهيمنة الأمريكية على قطاع الإعلام والاتصال، تراجع دور الدولة في النظام الإعلامي الدولي، كما عرجنا عن قضية اختلال التدفق الإعلامي في زمن العولمة، وإشكاليات تغير طبيعة الإعلام ومضمونه، لنختم هذا المحور بالحديث عن كل من ظاهرة الإغراق التلفزيوني الفضائي الأجنبي، والمحتوى الإعلامي المعولم وأزمة القيم في المنطقة العربية الإسلامية.

وتجدر الإشارة في الختام إلى أننا لا نستطيع الجزم في أي حال من الأحوال أن ما تضمنه هذا الكتاب بين دفتيه هو بمثابة احتواء كامل وشامل للظاهرة المدروسة، وإنما قد يمثل خطوة بحثية قدمت جزءاً يسيراً من ظاهرة جدّ معقّدة كظاهرة العولمة الإعلامية، آملين من الله سبحانه أن نكون قد وفقنا في أن ينال هذا الكتاب رضا القارئ، كما أننا نرحب بكل الملاحظات للتعديل والتصويب المستقبلي، فالكمال لله وحده.

المؤلف

د/ إسماعيل حماني

الجزائر-2022

([1]) نبيل راغب: أقنعة العولمة السبعة، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2001، ص5.