تفصيل

  • الصفحات : 170 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2024،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى ،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-718-2.

مقدمة

شكل موضوع المثقف وعلاقته بالسلطة حيزا غير يسير من اهتمامات الفكر الإنساني عموما، والعربي على وجه الخصوص لما له من أهمية بالغة في الكشف عن الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي لأية أمة من الأمم،ولما له من دور في الإحاطة بهذا الواقع،بل وإبراز محاسن ومساوئ تلك العلاقة، وممكن القوة والضعف فيها، ولقد كانت هذه المشكلة محل جدل وخلاف بين دعاة الفكر الحر المستقل الداعي التضحية في سبيل الكلمة وإن جلبت سخط السلطان،فقد طفت قضية سقراط على السطح في الفكر اليوناني بوصفها قضية تمس وتهدد حياة فيلسوف استعد للموت،  بدل خضوعه لأوامر السلطة الحاكمة [1]، وبين دعاة التماهي بين الثقافة والسياسة وتسخير العقل الفلسفي لخدمة السلطة بدعاوي متعددة كنصره الأمير،وعدم الخروج على الجماعة أحيانا، والحفاظ على الصالح العام أحيانا أخرى .

ولم يكن الفكر العربي أقل إسهاما في هذا البحث،سواء في العصور الذهبية الإسلامية أوفي الفلسفة المعاصرة، التي حلل روادها الواقع العربي الراهن،واتضح لهم أنه في تراجع مستمر بعد أن كانت الإمبراطورية العربية في عصر الخلافة الأموية ممتدة من إسبانيا إلى القوقاز، هذا الانحطاط الذي جسدته جوانب مختلفة لم يسلم منها الجانب الثقافي، أين أصبح العقل العربي الإسلامي عاجزا عن الإنتاج والإبداع،بل غدا عقلا مقلدا وتابعا لتاريخ الفلسفة،غير قادر على إخراج الإنسان العربي من التشتت الاجتماعي والضعف الاقتصادي والعلمي والثقافي رغم إدراكهم لتلك المشكلات[2].

كما لم يكن هذا الوضع،وما تعانيه الأمة العربية من أزمات متعددة خفيا على رواد النهضة العربية، خصوصا المعاصرين منهم من أمثال زكي نجيب محمود،حسن حنفي،محمد عابد الجابري،برهان غليون وغيرهم،هؤلاء الذي أخذوا على عاتقهم محاولة  فهم مشكلات العالم العربي،باحثين عن أسباب الضعف وعوامل التقليد،وغياب الإبداع ودواعي الوهن الذي أصاب الأمة العربية بعد أن سادت الأرض شرقا وغربا ولم تجد اليوم لها مكانا بين الأمم،بالسعي إلى إحداث نقله في الفكر العربي والبحث عن دور أهم وأكثر فاعلية للمثقف العربي داخل محيطه،وفي علاقته مع فاعل لا يقل أهمية وهو السياسي .

إن الفلاسفة العرب المعاصرين، وإن اختلفوا في تشخيص داء الأمة العربية،وانقسموا إلى اتجاهات تتراوح بين الدعوة إلى التشبع بقيم الحضارة الغربية كما هو حال زكي نجيب محمود، وبين التأكيد على ضرورة العودة إلى أصول الحضارة العربية الإسلامية كما هو الحال عند الفقهاء والمتكلمين،بين هؤلاء وأولئك نجد المفكر اللبناني ناصيف نصار ينظر إلى المشكلة ذاتها نظرة مغايرة،من حيث أنه يدعو إلى إعادة النظر في جوهر العلاقة بين المثقف والسلطة،وما يتبع ذلك من حلول جزئية متكاملة لمشكلة الإنسان العربي،التي تبدو أكثر وضوحا من أي وقت مضى وهي مشكلة ثقافية سياسية.

لقد سعى” ناصيف”إلى إعادة قراءة الواقع العربي قراءة نقدية عقلانية منفتحة على كل المراحل التي مرت بها الفلسفة:في إطار حضارات ثلاث هي الحضارة اليونانية والحضارة العربية الإسلاميةوالحضارة الأوروبية الحديثة والمعاصرة[3]، قراءة لا تكتفي بنقل ما أنتجته الحضارات السابقة على حاله،كما لا ينبغي أن تؤدي إلى التقوقع على الذات دون الاستفادة من تجارب الآخرين،بقدر ما هي قراءة تجمع بين الإنتاج الغربي والفكر العربي وتأخذ في الحساب تحديات الواقع للبحث عن غد أفضل .

وبما أن المثقف وعلاقته بالسلطة كانت محور هذا البحث، فإن الإشكالية التي يعالجها تتحدد كما يلي:ما هي  علاقة المثقف بالسلطة؟ وما الموقع الذي ينبغي عليه أن يتخذه تجاهها ؟ كيف ينظر “ناصيف” إلى السلطة السياسية في العالم العربي ؟ هل هي سلطة دولة أم سلطة حاكم ؟ وكيف ينظر إلى موقع المثقف العربي منها ؟ هل هو موقع موالاة أم موقع معارضة ؟.

للإجابة عن هذه التساؤلات،وجب تحليل مضمون فكر”ناصيف نصار”، لإبراز تصوره لواقع المثقف العربي وعلاقته بالسلطة،من خلال المقارنة بين ما ذهب إليه وبين ما يدافع عنه بعض المفكرين العرب المعاصرين،للوقوف أوجه الاتفاق ونقاط الاختلاف في المواقف،وسبيل الدفاع عنها،

ومجمل مؤلفات ناصيف نصار تعالج هذه الإشكالية، خصوصا كتاب منطق السلطة  إسهام في نقد النظام الكلي،وكذا مؤلفه في التربية والسياسة،وطريق الاستقلال الفلسفي وغيرها.

وعلى ضوء إشكالية البحث،فقد تضمن الكتاب مقدمة شملت التمهيد للموضوع،  والمشكلة التي يعالجها، وأسباب تطرق “ناصيف نصار”لها،الفصل الأول تناول مفهوم السلطة بشكل عام، وعند”ناصيف نصار”بوجه خاص،ومصادر السلطة التي تتراوح بين المصدر الطبيعي والتعاقدي والتفويضي، بالإضافة إلى أنواع السلطات التي ميز فيها بين سلطة الحاكم وسلطة الدولة،ثم خدمات السلطة السياسية التي يحصرها في ثلاث هي الخدمة الأمنية والخدمة التنظيمية وأخيرا الخدمة الإنمائية،لينتهي هذا الفصل بالإشارة إلى مشكلة حدود السلطة السياسية وعلاقتها بأنواع السلطات الأخرى كسلطة الدين وسلطة المعرفة.

الفصل الثاني عالج مشكلة المثقف في المجتمع العربي والسبيل إلى نهضة عربية ثانية،من خلال عرض مفهوم المثقف عموما وعند “ناصيف” خصوصا، وآليات تفعيل دور المثقف العربي وعلاقته بمفاهيم أساسية كالحرية والتربية والأيديولوجية،وكذا آليات النهضة العربية الثانية وأسباب فشل النهضة العربية الأولى.

أما الفصل الثالث فتناول المنهج الذي ينبغي على المثقف العربي تتبعه في سبيل تجاوز التقليد إلى الإبداع،وضرورة اتخاذ موقع المعارضة بدل الموالاة وذلك من خلال الموقف النقدي الذي تبناه “ناصيف”من الإتباع لتاريخ الفلسفة، ودعوته إلى تجاوز التصورات المحدودة لدور المثقف وعلاقته بالسلطة، كالتصور العصبي والأيديولوجي والديني،مع تحديد موقع المثقف العربي من السلطة، وهو الموقف الذي ألح عليه،مبرزا في الوقت ذاته خصائص النظرة الفلسفية للسياسية .

الخاتمـة: وتضمنت حصيلة التحليل والاستنتاجات التي انتهى إليها الكتاب.

 

[1] محمد الشيخ:المثقف والسلطة(دراسة في الفكر الفلسفي الفرنسي المعاصر)،دار الطليعة،بيروت، ط1،1991،ص11

[2] اسماعيل زروخي :الدولة في الفكر العربي الحديث،دار الفجر للنشر والتوزيع،مصر،ط1، ص558

[3] ناصيف نصار: طريق الاستقلال الفلسفي(سبيل الفكر العربي إلى الحرية والإبداع)،دار الطليعة،بيروت،ط2،1979، ص210