تفصيل

  • الصفحات : 452 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2019،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الاولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-691-08-2.

عرفت الجزائر منذ فجر الاستقلال سلطة الحزب الواحد الذي لعب دور الشريك مع المؤسسة العسكرية في حكم البلاد .

وهذا النموذج من ممارسة السلطة كان سائدا في أغلب الدول التي استقلت عن الاستعمار ، واختارت تجنب المرور عبر الطريق الرأسمالي في التنمية ، واتخذت من دول أوروبا الشرقية خلال مرحلة الحرب الباردة  نموذجا لها  ؛ حيث كان نموذج ممارسة السلطة في هذه الدول يقوم على وجود حزب يهيمن على الحياة السياسية ، بالإضافة إلى مؤسسة عسكرية قوية تتدخل في السياسة . بالإضافة  الى وقوع  المنظمات المهنية و الثقافية و الفنية ، أي المجتمع المدني   تحت السيطرة الحزبية بحيث تلعب دورا مكملا  للحزب المهيمن  .

و قد ازداد الانتباه  الى المجتمع المدني  منذ انهيار المعسكر الشرقي  ؛ حيث تهاوى مفهوم الدولة الشمولية التي لا تعترف بوجود المجتمع المدني خارج الدولة . وقد طال هذا التحول الجزائر  التي تداعت  فيها هي الأخرى الدولة الشمولية .

بعد 1989 اتسع المجتمع المدني في الجزائر ، و هي السنة التي أقرت فيها الجزائر دستورا جديدا يعترف بحرية تشكيل التنظيمات سواء ذات طابع سياسي أو مهني أو اجتماعي .

كما أن فك الارتباط الذي حصل بفضل تعدد الاصلاحات ، بين حزب جبهة التحرير الوطني و مختلف التنظيمات المهنية و الحركات الجمعوية كان بارزا منذ العام 1990.

غير أن ما  يؤخذ على المجتمع المدني في الجزائر أن السلطة  هي التي تقف وراء إنشائه و وراء تمويله ليلعب دور الداعم و المساند لها و ليس لمراقبتها . وبحسب هذا التحليل   ، فإن أغلب الجمعيات التي ظهرت في الجزائر في عهد التعددية لم تكن تلقائية ‘ وإنما كانت بإيعاز من السلطة لتوظيفها و فق الحاجة وهذا ما كان بالفعل  بعد توقيف المسار الانتخابي مطلع العام 1992؛ حيث حلت محل الأحزاب السياسية التي رفضت المشاركة في سلطة لا تتمتع بالشرعية الشعبية .

إن المواعيد الانتخابية  تضع المجتمع المدني على المحك و لاسيما الرئاسية و هو ما  دفعنا الى طرح  التساؤل الآتي  : ما هي الأنشطة التي قام بها المجتمع المدني بحسب ما نقله الإعلام الجزائري المكتوب  خلال رئاسيات  2014 و في أي خانة يمكن أن تصنف و هل هو مستقل عن السلطة  أم هو مجرد  منفذ  لأجندة ؟

المعروف اليوم أن الإعلام الجزائري المكتوب المستقل عن السلطة ، بات يشكل أكثر من 90% من الحيز الإعلامي ، و أنه الفضاء الذي يتمتع بهامش كبير من الحرية في ممارسة  الرقابة ، و لذلك ، فإنه يمكن الاعتماد عليه في رسم صورة للمجتمع المدني الذي تشكل في الجزائر في العشرين سنة الأخيرة  أي بالتزامن  مع  ظهور هذه الصحافة .

إن عدد الجمعيات المدنية التي تنشط في الساحة في الجزائر تعد اليوم بعشرات الآلاف  في مختلف المجالات المهنية و الثقافية و الاجتماعية ، و الفنية ؛ ما يدل على أن هذه الظاهرة تتطور و تتوسع في بلادنا ، كما هي في الدول الأخرى . و هناك رهانات كبرى على هذه التنظيمات أكثر من الرهانات على الأحزاب السياسية في ممارسة الرقابة على الحكومات .

و قد أصبح المجتمع المدني اليوم  مؤثرا  في كل الدول التي تسلك الطريق نحو الديمقراطية ،  ومن هذه الدول الجزائر ؛ حيث برز بشكل واضح في دول الربيع العربي .

والمجتمع المدني في الجزائر ،إذا قيس بمعيار كمي، فإن عدد الجمعيات التي نشأت  فيما يعرف بالحركة الجمعوية في بلادنا معتبر جدا ؛ حيث أن هذه الجمعيات تقدر بما يقرب من   100 ألف جمعية. من حيث القدرة على التأثير و الفعالية  ، فإن ذلك لا يبدو واضحا ، ما يجعل صورة المجتمع المدني غير مرئية .

و تهدف هذه الدراسة إلى تقصي موضوع المجتمع المدني في الإعلام الجزائري المكتوب خلال  رئاسيات  2014  . و ذلك لكون الانتخابات الرئاسية في الجزائر أهم موعد سياسي   ونعتمد في ذلك   على مسلمتين:

الأولى-  أن النظام السياسي الذي يحكم الجزائر منذ الاستقلال ليس ديمقراطيا .

الثانية – أن المجتمع الجزائري لا يتسم بالروح الفردية و هو لا يزال تقليديا ، أي أن الأسرة  و العشيرة  و القبيلة هي البنيات الأساسية التي تشكل الجماعات المرجعية للفرد .

و يمكن ادراج هذه الدراسة تحت سقف “براديغم الاعتراف ” الذي يقوم على  ربط التفاعلات الاجتماعية  بالصراعات الاجتماعية  و على جعل أخلاق الاعتراف التي قدمها “أكسيل هونيث” كبديل  لأخلاق المناقشة.

و يعتبر الاعتراف عند هونيث أساس ضمان حقوق الانسان و حفظ كرامته وهويته .و على هذا ، فإن المجتمع المتسامح في رأيه هو المجتمع الذي يسمح لكل فرد بتحقيق ذاته وكرامته بعيدا عن تجربة الاحتقار أو الازدراء.

ومن خلال هذه الفكرة التي طورها ” أكسيل هونيث ” في مطلع الألفية الثالثة  في مقاربته لقضايا ومشاكل المجتمع المعاصر- الاجتماعية و السياسية و الاخلاقية تبلور في ما أصبح يسمى بنظرية الاعتراف التي تلعب دورا مركزيا يتجسد  في إعادة بناء شبكة العلاقات الاجتماعية و الانسانية قصد التخفيف من معاناة الظلم الاجتماعي و السياسي وكل أشكال الاحتقار أو الازدراء ” الأمراض الاجتماعية ” .

وقد أصبح مفهوم الاعتراف من أكثر وأهم المفاهيم تداولا في فكر الفلسفي الغربي في نهاية القرن العشرين و خاصة في المجالات السياسية و الاجتماعية و الأخلاقية.

و ييركز  هذا الكتاب  على تفكيك  مفهوم  محوري و هو “المجتمع المدني”. و الذي انتشر توظيفه في الأدبيات السياسية و الإعلامية العربية في السنوات الأخيرة. و هو يستخدم للتعبير عن القوى الاجتماعية  المختلفة و المتعددة التي تنشط في المجتمع في اطار منظم بهدف تحقيق مطالب و احتياجات الجماعات التي تمثلها  .

و سأعمل على إبراز العلاقة الوثيقة بهذا المفهوم بوسائل الاتصال الجماهيري و لاسيما ” الإعلام المكتوب” في الجزائر .  إذ أن كل منهما يساهم في نشر ثقافة المواطنة و الحركات الاجتماعية و ديمقراطية المشاركة و الهيمنة. و تشكل هذه الكلمات –المفاتيح حقل المفاهيم الذي يستخدم في هذه الدراسة.

و اخترت عن قصد ثلاث يوميات جزائرية وهي : ” الخبر ” و  ” الشروق  ” و   ” AL-Watan    ”  لتشكل  مجالا  لجمع الحقائق  ؛ حيث أنها الأهم  من  حيث طاقة السحب و الاستقطاب  .

أما عن  طريقة معالجة البيانات ، فقد تم استخدام  التحليل الموسع  الذي يجمع  بين التحليل الكمي للبيانات  و التحليل  الكيفي  و الذي  يقترب من تحليل الخطاب الاعلامي .