تفصيل

  • الصفحات : 172 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2023،
  • الغلاف : غلاف مقوى ،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-533-1.

يواجه العالم المعاصر العديد من القضايا البيئية ذات البعد العالمي، وهذا بالنظر لكون البيئة تواجه تحديات جادة خصوصا في ظل عبث الإنسان واستهتاره بمواردها، والسعي لبناء حضارته على حسابها، خصوصا في القرن العشرين أين تزايدت وتيرة استنزاف الموارد البيئية، وبلوغها الذروة ما جعل البيئة تعجز عن التجدد التلقائي وإعادة التوازن الطبيعي لشتى صور الحياة عليها.

ففكرة الاهتمام بالبيئة والسعي للمحافظة عليها كمطلب حقوقي وإنساني واعتبارها مشكلا من المشاكل الدولية يعتبر حديثا نسبيا في تاريخ المجتمعات البشرية، فجملة الأخطار التي أحاطت وألمت بالمكونات البيئية وما رافق ذلك من تهديدات للإنسان والكائنات الحية ككل لم يكن موضع اهتمام، إلا في الربع الأخير من القرن الماضي،وهذا بسبب إدراك الإنسان أن أي مساس بالبيئة أو أحد عناصرها سوف يؤثر على كل أنواع الحياة من جهة وعلى تواجد الإنسان بصفة أخص من جهة أخرى.

و يعتبر سوء استغلال الإنسان- بغض النظر عن أسباب هذا الاستغلال والاستعمال       وحتى الاستنزاف للمكونات والموروث البيئي عمدا أو بغير عمد-أهم المخاطر التي باتت تهدد مستقبل الكرة الأرضية بمن عليها، فأصبح التلوث أحد أخطر المشاكل البيئية التي وقف الإنسان عاجزا أمامها، فقد مس كل عناصر البيئة من ماء وهواء وغداء وتربة      وتعاظم خطره مع تقدم الصناعة واستخدام الآلات والأدوات المتطورة والأسلحة الحربية المدمرة خصوصا خلال الحربين العالميتين الأولى والثانيــــة وما تخلل مناطق متعددة من أزمات وثورات وحروب وانقلابات…

وقد كانت الدول الصناعية الكبرى السباقة إلى اكتشاف المشكلة ومخاطرها والبحث عن الحلول المناسبة لها وذلك بوضع قوانين تنظم علاقة الإنسان مع وسطـــه وتنظيم سلوكه.

وبهذا نجد أن مشكلة حماية البيئة قد جدبت عناية رجال العلوم الطبيعية أو البيولوجية منذ وقت بعيد.

و باستقراء النصوص القانونية المنظمة للبيئة يتبين جليا اهتمام الدولة منذ بداية الألفية على تطبيق إعلان الأمم المتحدة شهر سبتمبر 2000 للتنمية، والذي من بين أهدافه حماية البيئة في معظم الدول المصادقة عليه.

ولو أنه يلاحظ أن الفقه والتشريع الجزائري تأخر نسبيا في التنمية والتقنين لجملة المشاكل القانونية التي تثيرها هذه المخاطر التي تهدد البيئة وبالتالي السعي ومحاولة إيجاد الحلول الوقائية والجزاءات على مخالفتها، علما أن أول تشريع له علاقة غير مباشرة بحماية البيئة يتعلق بتنظيم الجماعات الإقليمية وصلاحيتها هو قانون البلدية الصادر سنة 1967 إلا أن ذلك القانون لم يوضح بصفة صريحة الحماية القانونية للبيئة واكتفى فقط بتبيان صلاحيات رئيس المجلس الشعبي البلدي باعتباره يسعى إلى حماية النظام العام عكس قانون الولاية الصادر سنة 1969 الذي نصت أحكامه على حماية البيئة وهذا من خلال نصه على التزام السلطات العمومية بالتدخل لمكافحة الأمراض المعدية والوبائية.

وفي مطلع السبعينات وغداة دخول الجزائر مرحلة التصنيع بدأت تظهر بوادر تشريعية تجسد اهتمام الدولة بحماية البيئة وهذا ما تبلور بإنشاء المجلس الوطني للبيئة كهيئة استشارية تقدم اقتراحاتها في مجال حماية البيئة ومن بعده قانون 83/03، المؤرخ في 05/02/1983المتعلق بقانون حماية البيئة.

كما صدر قانون حماية البيئة سنة 1987 وهو القانون المتعلق بالتهيئة العمرانية وهذا معناه اتجاه الدولة الجزائرية إلى انتهاج سياسة التوزيع المحكم والأمثل للأنشطة الاقتصادية والموارد البيئية، والطبيعية وأهم قانون في هذا الإطار هو القانون رقم 03/10 المؤرخ في 19/07/2003، المتضمن حماية البيئة في إطار التنمية المستدامة، الذي بموجبه حدد المشرع المبادئ الأساسية لتسيير البيئة والقواعد الكفيلة بضمان تحسين الإطار المعيشي للأفراد.

وبالإضافة إلى ما سبق نجد أنه وفي كل سنة مالية يصدر قانونا يتضمن بنودا تتعلق بالبيئة، وهو ما يدل على حرص المشرع عموما على مواكبة المستجدات والتطورات وما تفرزه من ضرورات تستحق الدراسة والتشريع من أجل فرض النص الواجب التطبيق لحماية البيئة بوجه أو بآخر.

وإن نظرنا إلى هذا الموضوع نجده ذو أهمية بالغة، نظرا لتشعبه وتعدد المجالات التي تهتم به هذا من جهة ولتعدد القوانين التي تحكمه من جهة أخرى، ولهذا يعد موضوع البيئة من المواضيع المهمة في الدراسات القانونية المتخصصة، فقد آن الأوان للقول بأنه على المشرعين على الصعيد الداخلي للدول والدولي أن يضعوا قواعد وإجراءات صارمة وملزمة وعقوبات رادعة وكفيلة بمنع جميع أشكال الاعتداء على المكونات البيئية.

وتعتبر الحماية الجنائية للمكونات البيئية دعامة قانونية هامة على الصعيد الداخلي للدول فهي تعتبر أعلى درجات الحماية للبيئة بكل مكوناتها، وإن كنا لا ننكر علاقة القانون الجنائي للبيئة بغيره من القوانين كالقانون الدولي للبيئة والقانوني الإداري للبيئة … فإننا لا ننكر بأن هذا القانون له خصوصية تجعله قانونا قائما بذاته يهتم بالمجال البيئي ويفرض عقوبات جزائية تستدعيها التعديات على البيئة ويستدعي من المشرع فرض وتحديد سياسة جنائية تراعي خصوصية البيئة ككل سواء في شقها التجريمي أو العقابي.

ونظرا لأهمية هذا الموضوع حاولنا طرح تساؤلا أساسيا مفاده: كيف تبرز الحماية الجنائية للبيئة في التشريع الجزائري كتشريع داخلي يعتم بالحفاظ على المنظومة البيئية ككل، وما مدى فعالية هذه الحماية في الحفاظ على البيئة وبالمقارنة مع غيرها من حماية إدارية أو مدنية أو دولية؟

و أيضا هناك جملة من التساؤلات الفرعية أهمها:

* هل من النجاعة والإنصاف إخضاع الجريمة البيئية بصفة عامة للقواعد العامة للجزاء؟

* هل الأولى بالمشرع إفراد تنظيم جزائي خاص بها تبعا لخصوصيته وتبعا لتفردها        واختلافها عن باقي جرائم القانون العام والقوانين الخاصة الأخرى؟

ومن أجل الإجابة عن هذه التساؤلات حاولنا إتباع المنهج التحليلي من أجل تحليل النصوص المتعلقة بالجرائم البيئية، وكذلك استعنا بالمنهج الوصفي للتعريف ووصف جملة المفاهيم التي تخدم الموضوع عموما، وكذلك استعنا بالأسلوب المقارن كلما استدعت إليه الضرورات البحثية.

وقد حاولنا تقسيم هذا البحث إلى قسمين يتناول الأول: الإطار العام للبيئة وما يتعلق بها من مفاهيم ومبادئ، ويتناول الثاني: الحماية الجزائية للمكونات البيئية.