تفصيل

  • الصفحات : 104 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2024،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى ،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-817-2.

مقدمة

تسعى الدولة الجزائرية في الوقت الراهن إلى بناء إقتصادها الوطني والنهوض به على جميع الأصعدة، وقد إنتهجت الجزائر في إطار سياسة التنمية مساعي كثيرة لتحقيق الهدف المرجو، ومن بين هذه السبل الإستثمار في مجالات متعددة، ويعتبر العقار محددا أساسيا لإنجاح هذه العملية، لذا نجد المشرع الجزائري قد خصه بزخم من النصوص التشريعية والتنظيمية [1] . إن عبارة “عقار” من الناحية الاصطلاحية تتطلب بعض التوضيح من حيث استعمالها في اللغة العربية وفي اللغة الفرنسية، فعبارة عقار في اللغة الفرنسية يرمز لها بعبارتين: العبارة الأولى هي العقار immobilier، والعبارة الثانية هي العقارfoncier. أما في اللغة العربية فالإشكالية لا تطرح، بحيث تستعمل عبارة واحدة وهي كلمة ” عقار”.  أما  إصطلاحا وحسب قاموس arousseL، فعقار Foncier هو كل ما له علاقة بالأرض fonds de terreUn ، مثل ملكية عقارية  Propriété foncière، دخل عقاري Revenu foncier. ودائما حسب نفس القاموس، فعقار Immobilier هو الذي يتكون ويهتم أو له موضوع يتعلق بعقارUn Immeuble.

والعقار يعرفه نفس القاموس بأنه المال الذي لا يمكن نقله، وهو عقار بالطبيعة أو المال الذي يعتبر عقارا بموجب القانون هو عقار بالتخصيص [2]. أما من الناحية القانونية فقد تناول القانون المدني الجزائري تعريف العقار على أنه كل شيء مستقر بحيزه وثابت فيه ولا يمكن نقله منه دون تلف، وكل ما عدا ذلك من شيء فهو منقول غير أن المنقول الذي يضعه صاحبه في عقار يملكه رصدا على خدمة هذا العقار أو استغلاله يعتبر عقارا بالتخصيص، كما يعتبر مالا عقاريا كل حق عيني يقع على عقار بما في ذلك حق الملكية  وكذلك كل دعوى تتعلق بحق عيني على عقار . ففي نظر القانون المدني الجزائري إذن, العقارات ثلاثة أنواع وهي:

  1. العقارات بطبيعتها Immeuble par nature: وهي كل الأشياء المادية التي يكون لها بالنظر إلى كيانها، موقع ثابت غير متنقل، فتشمل بذلك الأرض، وما يتصل بها على الاستقرار من مباني ونباتات وأشجار.
  2. عقارات بحسب موضوعها Immeuble par objet: وهي تلك التي عرفتها المادة 684 من القانون المدني الجزائري [3]، والمتمثلة في الحقوق العينية الأصلية كحق الملكية وحق الانتفاع وحق الارتفاق وحق الاستعمال والسكنى، والحقوق العينية التبعية كالرهن الرسمي والرهن الحيازي وحق التخصيص وحقوق الامتياز، تعتبر عقارا إذا كان موضوعها عقارا، غير أنها تعتبر منقولا إذا كان موضوعها منقولا.
  3. العقارات بالتخصيص Immeuble par destination: إن العقارات بالتخصيص هي منقولات منحت على سبيل المجاز صفة العقار, لأنها معدة لخدمة العقار أو لاستغلاله [4].

كما تصنف العقارات في الجزائر إلى: عقارات سكنية كالشقق والمنازل، عقارات تجارية كمحلات البيع والمراكز التجارية،العقارات الصناعية، عقارات غابية، ولكل صنف نظامه القانوني بالإضافة إلى صنف العقار السياحي وهذا الأخير يلعب دورا هاما في تنمية الاقتصاد الوطني كون الاستثمار في المجال السياحي يعتبر من أهم القطاعات التي يمكن الاعتماد عليه لتحقيق التنمية الشاملة، فالجزائر تسعى إلى إيجاد آليات جديدة غير المحروقات لدعم الاقتصاد الوطني باعتبار أن هذه الأخيرة آيلة للزوال وهذا ما أدى بالجزائر إلى تشجيع الاستثمار في مجال العقار السياحي.

لقد أولت الجزائر اهتمامها بالقطاع السياحي ليصبح بذلك أحد العوامل الرئيسية الدافعة للطفرة في قطاع العقار في البلاد على اعتبار أن بلادنا تتوفر على الشروط الأساسية لقيام صناعة سياحية رائدة، منها: توفر مظاهر طبيعية متنوعة نادرا ما نجدها مجتمعة في دولة واحدة، تتمثل في الموقع الاستراتيجي على البحر الأبيض المتوسط بساحل يمتد على 1600 كلم، صحراء شاسعة، واحات، غابات، أنهار ومناخ معتدل ومقومات تاريخية وثقافية ومواقع أثرية مختلفة، حيث تحتضن أكبر متحف مفتوح على الهواء الطلق موجود في الصحراء الكبرى المتمثل في الهقار والتاسيلي، كما تعد موطنا لحضارات عديدة، كل هذه المقومات تمثل شروطا محفزة لتنمية سياحية تعود عليها بمردود اقتصادي معتبر [5].

إن التأسيس لبناء السياسة السياحية لدى السلطات الجزائرية وفق رؤية واضحة المعالم تبلورت فكرتها مباشرة بعد الاستقلال في سنة 1962، أين ظهرت أول وزارة للسياحة والشبيبة والرياضة مما يدل على العناية الخاصة للقطاع من طرف الدولة آنذاك، وقد عرفت هذه السياسة أوجها في سبعينات القرن الماضي، حيث كان المقصد السياحي الجزائري يعتبر بحق أحد أهم المقاصد الواعدة على مستوى البحر الأبيض المتوسط اعتبارا لوتيرة نموه في مجال التدفقات السياحية المتزايدة عليه، وأخذا في الحسبان كذلك جودة العروض السياحية المقترحة على الأسواق السياحية.

إن المردودية العالية للسياحة الجزائرية في تلك الفترة جاءت نتيجة لمخطط النهوض بالسياح الذي اعتمد سنة 1966، والذي أدى إلى انجاز أكبر المركبات السياحية والمؤسسات الفندقية على طول الشريط الساحلي ومناطق الهضاب والجنوب الكبير وفتح تمثيليات المقصد السياحي بالخارج إضافة إلى تأسيس بالموازاة منظومة تكوين شاملة من خلال فتح المدرسة الوطنية العليا للفندقة بالأوراسي ومركزي بوسعادة وتيزي وزو، ما سمح ببروز ثقافة سياحية حقيقية.

غير أن هذه الديناميكية لم يكتب لها الاستمرار بفعل الأزمة المالية التي عرفتها البلاد خلال منتصف الثمانينات جراء انخفاض أسعار البترول وتراجع الاستثمارات العمومية، ما أدى إلى تجميد وتيرة الاستثمارات في القطاع والتدهور التدريجي للحظيرة الفندقية العمومية.

إن الدرس الأساسي الذي يمكن أن نستخلصه من هذه التجربة، هو أن الجزائر كانت وجهة سياحية تملك الإمكانيات والثقافة اللازمين لذلك، وعليه فإن إعادة بناء هذه الوجهة وتعزيزها بالقدر الذي سيجعل منها مقصدا مرموقا على مستوى البحر الأبيض المتوسط، ليس بالشيء المستحيل، بل أصبح هدفا مقصودا في ظل توفر الإرادة السياسية للنهوض بهذا القطاع والرؤية الواضحة ومقاربة العمل التي تتسم بالطموح والواقعية في نفس الوقت في إطار وضع حيز التنفيذ المخطط التوجيهي للتهيئة السياحية[6].

تعددت تعاريف السياحة وفقا لآراء المهتمين بدراسة طبيعتها ومكوناتها وجوانبها، ووفقا لآراء المنظمات العالمية والدولية المهتمة بالسياحة، ولعل أهمها تعريف المنظمة العالمية للسياحة (OMT) الذي يرى بأن السياحة “اصطلاح يطلق على رحلات الترفيه، وكل ما يتعلق بها من أنشطة وإشباع لحاجات السائح” ومن خلال هذا التعريف يتضح بأن السياحة عملية تنشأ من الحاجة للحصول على الراحة، ولا يكون القصد من ورائها الحصول على عمل، ويجب أن لا تؤدي إلى إقامة دائمة.

تعتبر السياحة صناعة متميزة، فهي صادرات غير منظورة لا تتمثل في ناتج مادي يمكن نقله من مكان لآخر، بالإضافة إلى أن المنتج السياحي المتمثل في عوامل الجذب السياحي والموارد السياحية لا تباع إلا من خلال السياحة، وهو منتوج مركب ومزيج مشكل من مجموعة عناصر متكاملة، وتتأثر بالقطاعات الأخرى [7] . للسياحة عدة أنواع وهذا تبعا لأغراضها فنجد: السياحة الثقافية، سياحة العلاج، سياحة الرياضة، سياحة الأعمال، السياحة الدينية… وغيرها، إلا أن أسباب وأغراض السفر ليس المعيار الوحيد لتصنيف السياحة، حيث توجد معايير أخرى تتناسب ووسيلة السفر، المكان، الاتجاه، الوقت، الموسم، المدة، الفئة، العدد والأعمار. للسياحة آثار إيجابية تعود على المجتمع بفوائد عدة إذا ما اهتممنا بها ووفرنا لها كل المستلزمات التي تقوم عليها على غرار: الترويج الايجابي بصورة البلد وقيمته، توفير العملة الصعبة، إحداث مناصب شغل عديدة، المساهمة في الدخل الوطني…إلى غير ذلك، لكن رغم ذلك فككل نشاط اقتصادي فهي لا تخلوا من أثار سلبية كإتلاف الطبيعة والأراضي الفلاحية الخصبة، التقسيم الطبقي للمجتمع، زيادة الغزو الثقافي والانحلال الخلقي في المجتمع…الخ  [8] .

تشكل السياحة المحرك الجديد للتنمية المستدامة ودعم النمو، وتعتبر المحرك الرئيسي لقطاع الخدمات في الاقتصاد بسبب قدرتها على تكوين الثروة، ومنح فرص العمل وتوليد الدخل المستدام. تعتزم الجزائر إعطاء بعد جديد للسياحة في حدود ما تحويه من إمكانات ومواطن القوة وقد أولت في هذا الإطار أهمية خاصة إلى تجارب الدول المجاورة والدول التي حققت نجاحا في مجال السياحة، واستندت في تخطيطها إلى تقييم نجاحاتها وأيضا بعض عوامل فشلها   [9].

تحديد موضوع البحث: ترتبط السياحة ارتباطا وثيقا بالعقار، فهما صناعتان جديرتان بالاهتمام، حيث أصبحت كل الدول تسعى بكل جدية لتهيئة بنيتها التحتية التي تحفز السياحة وتجعل رواد السياحة يتوجهون صوبها، ومن هنا نجد بان الدول تعمل على ربط ما لديها من عقارات تراثية أو حديثة بتشجيع السياحة لديها، وعلى هذا نؤكد بأن السياحة والعقار يشكلان محورين حيويين في تفعيل العجلة الاقتصادية في أي بلد من بلدان العالم كونهما يدعمان الراحة والترفيه، إضافة إلى الاستثمار والعائد المرجو من وراءهم، وقد أثبتت التجارب على مدى التاريخ أن صناعتي العقار والسياحة يشكلان وحدة متكاملة ولا ينفصلان عن بعضهما البعض، فالمتتبع للسياحة يجد أنها تشكل المنبر الأول للرغبة في الشراء أو الاستثمار في عقار أو غيره في بلد ما من البلدان في العالم [10]، وبالتالي فإن صناعة العقار وصناعة السياحة شيء واحد لا ينفصلان، ويتجلى هذا التعاون بين القطاعين فيما يسمى بالعقار السياحي، وهو الوعاء الأرضي المحدد والمصنف على أنه سياحي لأجل استغلاله في مجال السياحة، والذي نظمه المشرع الجزائري من خلال عدة نصوص وقوانين، ولعل أهمها القانون رقم 03-03 المتعلق بمناطق التوسع والمواقع السياحية  [11]، وكذلك جملة من القوانين التي لها ارتباط وثيق بالموضوع لاسيما القانون رقم 03-01 المتعلق بالتنمية المستدامة للسياحة  [12]، وكذا القانون رقم 03-02 المتعلق بتحديد القواعد العامة للاستعمال والاستغلال السياحيين للشواطئ  [13].

أهمية موضوع البحث: إن موضوع بحثنا هذا يشد الانتباه كثيرا، حيث يتم تحليله في مقامات مختلفة وفي منظور قانوني متعدد الأبعاد ينصب على فحص وتحليل للنصوص القانونية المتعلقة بالعقار السياحي، ومن هنا تتجلى لنا أهمية الموضوع بحيث أن العقار يمثل عمود وأساس الاستثمار وما دمنا سنركز في دراستنا على العقار السياحي وهذا نظرا للدور الكبير الذي يلعبه في جلب عدد أكبر من المستثمرين، وبالتالي تحقيق العملة الصعبة، والجزائر تسعى إلى البحث عن قطاع آخر غير قطاع المحروقات لدعم الاقتصاد الوطني ومن جهة يعد هذا القطاع الأكثر أهمية وديناميكية عبر العالم فهو قادر على تحقيق أرباح فائضة وامتصاص البطالة وترقية مناطق بأكملها، ولهذا الكثير من الدول جعلت منه حجر أساس اقتصادها الوطني.

أما بالنسبة للدوافع التي قادتنا للبحث في هذا الموضوع فنذكر من بينها: الميزة السياحية للجزائر وشساعة مساحتها مما يجعلها بمثابة قبلة سياحية، بالإضافة إلى ضرورة الاهتمام بالقطاع السياحي الجزائري وإعادة بعثه عن طريق إعادة الاعتبار للعقار السياحي.

هذا فيما يخص الأسباب الموضوعية، أما السبب الذاتي فهو الميول الذاتي للسياحة بصفة عامة.

منهجية موضوع البحث: بالنظر إلى طبيعة الموضوع محل الدراسة وقلة المراجع في هذا المجال، فإنه سيتم التركيز والاهتمام في دراسة العقار السياحي حول تحليل النصوص التشريعية والتنظيمية معتمدين في ذلك على المنهج الوصفي والتحليلي.

إشكالية البحث والإعلان عن الخطة: على ضوء ما تقدم وللإلمام بجوانب الموضوع  نثير الإشكالية التالية:

ما هو النظام القانوني للعقار السياحي بالجزائر؟

وقد ارتأينا لمناقشة والإجابة على الإشكالية المطروحة التطرق إلى تنظيم العقار السياحي ( الفصل الأول)، بالإضافة إلى بحث نشاط العقار السياحي ( الفصل الثاني).

 

 

[1] –  محبوب بن حمودة، إسماعيل بن قانة ” أزمة العقار في الجزائر ودوره في تنمية الاستثمار الأجنبي”، مجلة  الباحث، عدد 05، 2007، ص 65 .

[2] – Voir Dictionnaire Petit Larousse illustré, Paris 1982, P.423 et P.512.

[3] – راجع المواد 683 و684 من الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975 والمتضمن القانون المدني الجزائري المعدل والمتمم، الجريدة الرسمية عدد 78 المؤرخ في 24 رمضان عام 1395ه الموافق 30 سبتمبر 1975م.

[4] – عمر حمدي باشا، نقل الملكية العقارية، دار هومة،الجزائر، 2000، ص8.

[5] – حيزية حاج الله، مباركة بلاطة، الاستثمارات السياحية، ( مذكرة ماجستير فرع نقود مالية وبنوك)، كلية الاقتصاد، جامعة سعد دحلب، البليدة، 2006,ص14.

[6] – مداخلة السيد وزير السياحة في إطار الجلسات الوطنية الثانية للسياحة، المنعقدة بتاريخ 15 أفريل 2013.

[7] محمد فرحي، صالح بزة، ” تنمية السوق السياحية بالجزائر”، مجلة علوم الاقتصاد والتسيير والتجارة، جامعة محمد بوضياف،المسيلة، عدد 13، 2005، ص 221 .

[8] –  محمد فرحي، صالح بزة، ” تنمية السوق السياحية بالجزائر”، مرجع نفسه، ص 223.

[9] –  سميرة عميش، ” تداعيات الأزمات في القطاع السياحي الجزائري وآثارها الاقتصادية، الاجتماعية والطبيعية”، مجلة العلوم الاقتصادية والتسيير والعلوم التجارية، جامعة المسيلة، عدد 06، سنة 2011، ص 83.

[10] – عبد القادر براينيس، ” صناعة السياحة ودورها في التنمية المستدامة للدول”، مجلة الإستراتيجية والتنمية، جامعة عبد الحميد بن باديس، مستغانم، عدد 01، 2011، ص 62 .

[11] – راجع في ذلك القانون رقم 03-03 مؤرخ في 16 ذي الحجة عام 1423 الموافق 17 فبراير سنة 2003، يتعلق بمناطق التوسع والمواقع السياحية، جريدة رسمية عدد 11 المؤرخ في 18 الحجة عام 1423ه الموافق 19 فبراير سنة 2003م.

[12] – راجع في ذلك القانون رقم 03-01 مؤرخ في 16 ذي الحجة عام 1423 الموافق 17 فبراير سنة 2003، يتعلق بالتنمية المستدامة للسياحة، جريدة رسمية عدد 11 المؤرخ في 18 الحجة عام 1423ه الموافق 19 فبراير سنة 2003م.

[13] – راجع في ذلك القانون رقم 03-02 مؤرخ في 16 ذي الحجة عام 1423 الموافق 17 فبراير سنة2003، يحدد القواعد العامة للاستعمال والاستغلال السياحيين للشواطئ، جريدة رسمية عدد 11 المؤرخ في 18 الحجة عام 1423ه الموافق 19 فبراير سنة 2003م.