تفصيل

  • الصفحات : 261 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2024،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى ،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-896-7.

مقدّمة:

القانون الدولي العام نتاج مخاض عسير لجملة قوانين داخلية تطورت بالتدريج

و تلاقحت و تناغمت فيما بينها مرحليا، لتسفر عن مبادئ صالحة لحكم مجتمع أكبر من مجتمع الدولة هو المجتمع الدولي.

و القانون الدولي العام نتيجة ذلك مرتبط بظهور القانون الداخلي العام مع بداية استقرار فكرة الدولة بمفهومها السياسي و القانوني نهاية القرن السادس عشر للميلاد.

مع ذلك بدأت إرهاصات القانون الدولي العام مع انتشار إمبراطوريات عصر ما قبل الميلاد عبر علاقات محتشمة و محدودة لم تكن سلمية دوما بين الصين و الهند، ثم بين الرومان و الفرس، و بين الدول الأوربية والإمبراطورية العثمانية في العصر الوسيط، لتتوسع هذه العلاقات و تتخذ شكلا غير متكافئ بين الدول الكبرى و الدول في طور النمو (الآسيوية و الإفريقية و الأمريكية) هو الاستعمار التقليدي الذي لم يزل إلا بظهور عصر التنظيم الدولي بتأسيس الأمم المتحدة عام 1945 بعد حرب عالمية أدرك المجتمع الدولي بعدها أن إرساء السلام بين أعضائه هو جوهر العلاقات الدولية المعاصرة

و حجر الأساس لقانون دولي جديد.

هذا القانون نتج عن تطوره المتسارع منذ الحرب العالمية الثانية إلى اليوم قفزة عملاقة سواء من ناحية نوعية قواعد هذا القانون، أو من ناحية جانبها الكمّي.

فلا نكاد نجد مجالا من مجالات الحياة – ليس فيما بين الدول و حسب – بل داخلها إلاّ

و تدخّل القانون الدولي لتنظيمه و إن كان ذلك على حساب سيادة الدولة، فالديمقراطية و حقوق الإنسان هما النموذج الأمثل لهذا التدخّل.

و تبعا لذلك حدث تنوّع في مصادر القانون الدولي العام، ففضلا عن المصادر الكلاسيكية برزت قرارات المنظمات الدولية و أعيد الاعتبار لقواعد العدالة كمصادر إضافية، لما لها من دور في إدارة العلاقات الدولية   وترشيد الممارسات في إطارها.

كلّ هذه المعطيات نجم عنها تغيّر في محتوى و أساس القانون الدولي في حدّ ذاته، حيث تراجعت النظرة التقليدية لقواعد هذا الأخير كونها غير ملزمة و لا يتمّ إعمالها إلاّ في مجال التعاون و التنسيق بين الدّول ليتأتّى لهذه القواعد من الإلزام ما تأتّى لقواعد القانون الداخلي، بل كرّست فكرة القواعد الدولية الآمرة  نصّا  وسلوكا على المستوى الدولي.

و لشمول هذه الفكرة لمعظم قواعد القانون الدولي تدريجيا، فإنّ المجتمع الدولي يتّجه بخطوات حثيثة نحو المركزية كما قدّر ذلك جانب من فقهاء القانون الدولي من خلال تدويل أو عولمة القانون، ممّا يتهدّد القوانين الداخلية و يجرّد مجتمعاتها من هوّيتها

و خصوصياتها.

من جهة أخرى يرى جانب من العارفين بالقانون الدولي بأنّ هذا الأخير لا يفرض إلاّ على الدول الضعيفة، لأنّ انهيار المعسكر الاشتراكي في بداية التسعينات أدّى إلى اختلال التوازن الدولي و التفرّد بصنع السياسة الدولية وفق ما يخدم مصالح الدول الكبرى، و السيطرة على المؤسسات الدولية الحسّاسة التّي تهيكل المجتمع الدولي وترسم له قواعد القانون الدولي، فاختلطت بذلك السياسة بالقانون، و سادت مجدّدا شريعة الغاب.

غير أن الهيمنة الأمريكية التي أدت إلى عولمة الكرة الأرضية لم تقابل بالصمت أو القبول في كل الأحوال، حيث تصدت لها قوى مناهضة تمثلت في حركات جهادية من دول العالم الثالث، فضلا عن أدوار موازية اقتصادية وعسكرية ضخمة لدول مثل الصين و اليابان و ألمانيا و أخيرا روسيا التي طالما نادت بعدالة دولية لا تقوم إلا في عالم متعدد الأقطاب، انطلقت بالتأسيس له بحربها على أوكرانيا بداية العام 2022 و إعادة تموقعها في الشرق الأوسط و امتدادها في العمق الإفريقي.

لكلّ هذا تكتسي دراسة القانون الدولي العام أهمّية بالغة تفضي بنا إلى طرح الإشكالية الرّئيسية التالية:

ما هو القانون الدولي العام و ما هي مصادره؟

و سنحاول الإجابة عن هذه الإشكالية من خلال فصول ثلاثة:

نخصّص الأوّل للإطار المفاهيمي للقانون الدّولي العام، فيما نخصّص الثاني للمصادر الرسمية للقانون الدّولي العام، على أن نعرض في الفصل الثالث إلى المصادر غير الرّسمية لهذا القانون.