تفصيل

  • الصفحات : 136 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2022،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-325-2.

بسم الله الرحمان الرحيم الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..

يتطرق هذا البحث إلى قبسٍ من نماذج رحمة النبيّ الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم لأهله، وصحبه الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.

ومعلومٌ لدينا رفيع خلق النبي صلى الله عليه وسلم عند العام والخاص لتواتر النصوص والأدلة بذلك، قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيم[1].

ولكن يبقى الغرضُ مِن مِثل هذه الكتابات مُهماً بما كان، نظرا لما يُشَكّله من أهميّة سواء لدى المسلمين أو لدى مَن خالفهم الديانة؛ فإنَّ الانسان على اختلاف ديانته يعيش عُمراً قدَّره له ربُّ العِزّة والجلال؛ ويتقلَّبُ فيه بين مراحل عدة، وأعمار شتى بين ابن وأخ، وزوج وأب، وعم وخال، أو بنت وأخت، وزوجة وأم، وعمة وخالة… ناهيك عن تلكم العلاقات الاجتماعية التي يبنيها تحت مُسمَّى العمل، والزمالة، والصداقة، والتجارة…والدعوة إلى الله.

إنَّ النَّاس طُبوع مختلفة، لهم أحوالٌ متقلبة، فهم بين ظالم ومظلوم، وقاس ورحيم، وعنيف ولين؛ فكان ممّا يُريح الانسان– لاسيما المسلم – في حياته ومعاملاته؛ ويجعله ناجحاً أنْ يُقلِّد مثالاً بشرياً اتصف بكامل الأخلاق الراقية، وعاش وسط العدوّ قبل الحبيب، وتعرّض للأذى، والخطر المُحدق، وتحمّل مشاق عِظام، ولكنّ قلبه لم يخلْ من الرّحمة، والشفقة، والعطف على عِياله، وأهله، وكذا صحبه، ومُحيطه الذين عادوه في البداية، وكثيرٌ منهم أذاه وقاتله.

إنَّ مثل هذه الكتابات مهم؛ لكونه ممّا يُزيل اللُّبس عما تقرّر عند غير المسلم من اليهود والنصارى وغيرهم من مفاهيم خاطئة في حق هذا النبيّ الكريم ودينه، نظراً للتربية الدينية التي تلقوها في أُسرهم ومدارسهم، ودُور عبادتهم، ودون نسيان دور الإعلام الهدَّام الذي يسعى جاهداً رفقة ما تقدم إلى إقرار مجموعة مبادئ خاطئةٍ كاذبةٍ في حقِّ هذا النبيّ الخاتم عليه صلاة الله وسلامه؛ ومن جُملة ذلك مزاعمُ عداوة هذا النبيّ لعيسى عليهما صلاة الله وسلامه، بل وعداوة مكذوبة للبشرية، ومزاعمُ القسوة في تعامله مع محيطه المباشر، وتشجيعه على العنف، ومزاعم أخرى لم تزلْ تتناقلها أجيالُ النِّقاق والإلحاد. مزاعمٌ لم تزدْ هذا الدِّين إلاَّ توهجاً، ونبيَّهُ مَحبة في قلوب الخلق وثباتاً.

من هُنا تبرز أهمية البحث في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والوقوف على نَزرٍ من تلكم النماذج الرائعة من حياته كبشر رسولٍ يحيا ويموت، يأكلُ ويجوع، يعفو ويصفحْ، يمرض ويتعبْ، ليس له نَصيبٌ مِن الألوهية أو القداسة الأسطورية.

وإنَّ من آكد ما يحتاج أصدقاؤنا من غير المسلمين إبرازَه في حياة النبيّ الخاتم محمد عليه الصلاة والسلام…. رحمته….نعم رحمته، وهذا في زمنٍ كَثُر فيه العُنف والقتل، وإرهاب الآمنين منسوباً لنبينا عليه الصلاة والسلام وهو منه براء.

سنتطرق إن شاء الله تعالى لنماذج من رحمة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لمن حوله، وخاصة الأقربينَ منهم، وعلى رأسهم الزوجات والأولاد؛ أولئك الذين تسترُ أخبارَهم جُدران البيوت، وتنقطع دون الأبواب الأنباءُ. هذا دون نسيانِ صَحْبه، ومُجالسيه رضوان الله عليهم أجمعين بطبيعة الحال.

ومن المناسب قبل الخوض والتفصيل في تلكم النماذج أنْ نُعَرّف القارئ بسيّدنا رسولِ الله صلّى الله عليه وسلم.

1 – نسب المصطفى صلى الله عليه وسلم:

جرت سُنّة الله تعالى ألاّ يبعث نبياً إلاَّ كان ذا نسبٍ وحسبٍ في قومه، حتى لا يتوهم مُتوهم، ولا يتخرّص مُتخرص أنّ هذا النبي إنّما ادعى النُبّوة ليظهر شأنه ويعلو على من حوله[2].

سأل هرقلُ ملكُ الرُّوم أبا سُفيان – وكانَ أحدَ أبرزَ زُعماء قبيلة النبيّ الخاتم عليه الصلاة والسلام وساداتها، وكان عدواً لدُوداً له رغم القرابة التي تجمعهما قبل أنْ يمنَّ الله عليه لاحقاً فيُسلم – أسئلة كثيرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو يتقصّى بها خبره؛ فكان أولُّ ما سأل عنه قال: كيف حَسَبُه فيكم؟. قال: قُلت: هو فينا ذو حسب. قال هرقل: كذلك الرُّسلُ تُبْعثُ في أحساب قومها[3] يعني: في أكرمها أحساباً، وأكثرها قبيلةً، صلوات الله عليهم أجمعين[4].

فنبيّنا هو: مُحمد ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ بنُ كِلاب ابن مُرّة بن كعب بن لؤي بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وهو من ولد إسماعيل لا محالة؛ على اختلاف كم أب بينهما[5].

ويُخبر النبيُّ الكريم صلى الله عليه وسلم عن نفسه في الحديث المرفوع عن أبي هريرة رضي الله عنه: ( بُعثت من خير قرون بني آدم؛ قرناً فقرناً؛ حتى بُعثت من القرن الذي كنت فيه )[6]، وقال أيضاً عليه الصّلاة والسلام: ( إنَّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم )[7]، وقال أيضاً: ( أنا سيّدُ ولد آدم. وأول من ينشق عنه القبر. وأول شافع وأول مُشفع)[8].

2 – ميلاده ونشأته:

وُلد النبيُّ الكريم صلوات الله وسلامه عليه صبيحة يوم الاثنين التاسع من شهر ربيع الأول بعد 50 أو 55 يوماً من حادثة الفيل[9]، الموافق ل 20 أو 22 أبريل 571 م في مكة[10].

والده هو عبد الله بن عبد المطلب مات وابنه لم يزلْ حمْلاً جنينا، وأمُّه آمنة بنت وهب بن عبد مناف سيد بني زهرة[11]. أوّلُ من أرضعته بعد أمه هي ثويبة مولاة أبي لهب، ثُّم حليمة بنت أبي ذؤيب التي ستشتهرُ بالسعديّة، وقد مكثَّ عندها إلى سنِّ الثالثة أين حصلت له حادثة شقِّ الصدر[12]، فعادت به إلى أُمِّه خوفاً عليه[13]، بعد أنْ رأتْ عجائب بركات الله تعالى نابعة منه[14].

وظلَّ الصبيُّ محمد في رعاية أُمِّه إلى وفاتها في سنِّ السادسة، ثم كفله جدُّه عبد المطلب إلى سنِّ الثامنة، وقدْ أوصى به قُبيل وفاته إلى أحدِ أبنائه البررة – أبي طالب –[15].

استمرت عناية أبي طالب – العمِّ – إلى أنْ صار الصبيُّ محمد رسولاً صلى الله عليه وسلم في سنِّ الخمسين، وأبو طالبٍ فوق الثمانين. ثُمَّ مات هذا العمُّ الوفيُّ مُشْرِكًا، ورغم كل الحرص الذي أبداه النبيُّ الكريم بُغية انقاذ عمِّه في لحظات موته الأخيرة، وهو يُلحُّ عليه: ( يا عم قُل لا إله إلا الله . كلمة أشهد لك بها عند الله ). لكنّ الكتاب سبق على العمِّ؛ فكان آخر كلامه: هو على ملة عبد المطلب[16] – أي عبادة الأصنام والأوثان، وجعلِ لله تعالى الشُّركاء – نسأل الله العافية.

في سنِّ الشباب رعى محمدٌ الفتى الغنم؛ وكان رَعْيُ الغنم من نصيب كل نبيّ عليهم سلام الله وصلاته نظراً لما يحتاجه رعْيها مِن شِدَّة، وصبرٍ، وشجاعةٍ، وحِلمٍ على جمعها وإطعامها، ومُرافقة ضعيفتها، وكسيرتها، وحراستها من صُنوف الأخطار؛ فكانت تدريباً من الله لهم عليهم الصلاة والسلام لمستقبل قيادة أممهم[17]، ثُمَّ امتهن محمدٌ شاباً التِّجارة كقومه، وخرج في تجارة امرأة شريفة اسمها خديجة رضي الله عنها التي رغبت في الزواج به لِما سمعته عن صدقه، وأمانته، وهو ما تمَّ لها، وسنها يومئذ أربعون سنةً، وسِنُّه عليه الصلاة والسلام خمس وعشرون[18].

لمَّا بلغ محمدٌ السابعة والثلاثين حُبِّب إليه الخلاء في غار حراء بعيداً عن قومه الذين اجتمعت فيهم خِصال منفرة يمُجها العقل والفطرة. فمن جملة ذلك:

-تعظيمُ الأحجار التي يصنعونها بأيديهم على شكل تماثيل وأصنام حول الكعبة، يضعونها في جيوبهم، ورِحالهم ويبيعونها بينهم، ويعتقدون فيها النفع والضر والحماية والرزق…!!.

– شرب الخمور المغيبة للعقل والادراك والفطنة، فيقع الواحد منهم على أُمّه أو أخته وهو لا يدري.

– التشاؤم بالبنات فهنَّ عندهم رمز للعار والفضيحة، ولأجل ذلك يدفنونهن حال ولادتهن أو يمسكونهن على هُون…تتغيّرُ ملامِحُ أحدهم إنْ بُشر بمولودٍ أُنثى كما أخبر بذلك القرآن الكريم عنهم مُبينا سوء عملهم وصنيعهم[19].

– التَّساهل بالدماء المعصومة، والأعراض المصونة، والأموال المخزونة، واساءة الجوار، وقطع الأرحام[20].

كان الانقطاع إلى غار حراء – قبل نزول الوحي – فرصةً للتدبر، والتفكر مع رغبة كبيرة في اصلاح مجتمع مكة دون أنْ يكون بين يدي محمد خُطة واضحة، أو برنامجٌ محدد[21].

ولما أتمَّ محمد الأربعين منْ عُمره نزل الوحي ذات ليلةٍ في الغار المعزول، وجاء به مخلوق غير مألوف ومخيف. وألقى بصوته المرعب أولى الآيات من القرآن الكريم التي حفظها محمد المتلقي رغم كونه أمياً وسيظل كذلك، ليكون القرآن الكريم الذي أعجز فطاحلة الإنس والجنِّ معجزة هذا النبيِّ الأُميّ الذي ختم الله به الرسالات.

ثُمَّ فتر الوحي زمناً حتى يزول الرُّعب عن قلب محمد، وليحصُل له التشوّق إليه مرةً بعد مرة.

وبعدها نزل الأمر الإلهي إلى محمد النبيّ عليه الصلاة والسلام بالدعوة إلى الله، والتعريف بالدين الجديد القديم؛ دين الرُّسل أجمعين عليهم الصلاة والسلام، الذي أساسه عبادةُ الذي خلق كُلَّ شيء بقدرته، وقوَّته وحده فقط؛ لا يُشاركه أحد، ولا يمنعه مانع[22]. فقام النبيُّ الخاتم عليه الصلاة والسلام يدعو قومه وأهله، يُعرِّفهم أنَّ الذي خلق السّماء، ورفعها بغير عمدٍ، والذي مدَّ الأرض، وبسط الظِّل، والذي خلق الناس؛ فنوَّع جنسهم بين ذكرٍ وأنثى، بين الطويل والقصير، بين أبيض وأسود وأحمر؛ أنَّ الذي نظَّم اللَّيل والنَّهارْ، والشَّمس والقمر والبحارْ؛ هُو المستحقُّ للعبادة المطلقة المفردة دائما وأبداً؛ فإنَّ كُلَ مَنْ سِوى الله عاجزٌ؛ مخلوق مربوب؛ يموت ويمرض؛ يجوع وبيرد؛ يفنى ويزول؛ ويبقى الله الحيُّ القيوم الذي لا يفنى ولا يزول[23].

طبعاً لم تكن مهمة النبيّ عليه الصلاةُ والسَّلام سهلة – كما لم تكن مهمة إخوانه الأنبياء قبله أيضاً- إذْ تعرَّض – كما تعرَّضوا – للأذى الشَّديد، وللتكذيب والوعيد. اتَّبعه الضُّعفاء وعصاه السَّادة والعُظماء، وكانوا يستهزؤون به وبمن اتبعه؛ حتى أنَّهم كانوا يطلبون منه طرد الضعفاء ليتَّبعوه، وهكذا حصل مع إخوانه الأنبياء والمرسلين عليهم صلاة الله وسلامه جميعاً[24].

ولمْ يؤذَ أحدٌ كما أوذي النبيّ الخاتم عليه الصلاة والسلام في الله -عز وجل-[25]؛ فلقدْ اضطرته الظروف العصيبة إلى الخروج من بلده مكة بعد أحداثٍ طِوال وجِسام، وآلامٍ عِظام. واتَّجهت جُموع المؤمنين سِراً إلى مكان آمن هو يثرب أو المدينة المنورة، بينما كان هو عليه الصلاة والسلام آخر مَنْ خرج ليطمئن على أتباعه المهاجرين، ولا يتركهم هَملاً وعُرضة لأي خطر، ونجى من محاولة اغتيال أثيمة غادرةٍ لولا أمر الله.

وفي المدينة النبوية قام النبيُّ الكريم عليه الصلاة والسلام يدعو إلى الله، يُؤلِّفُ بين قُلوب النَّاس، ويُؤسس للدولة؛ يُتمُّ الله عليه وعلى المؤمنين المِنَّة. وهكذا انتقلت الدَّعوة من مرحلة الصَّبر والضعف إلى مرحلة القُوّة والمبادرة، وشُرِع الجهاد بالسَّيف واللسان لردِّ كل مُعتدي؛ فجاهد النبيّ عليه الصلاة والسلام بحُجته، وسِنانه، وسيفه مَنْ كفر بالله، وجعل له نِداً، وحارب واعتدى على الآمنين.

وظلّ النبيُّ الخاتم عليه الصلاة والسلام في المدينة نحواً مِنْ ثلاثة عشر عاماً، تتوّجت بفتح مكة، وإسلام النَّاس أفراداً وجماعات، ونزل الوحيُ يُخبره بتمام مهمته، ونعمة الله عليه، وقُرب لحاقه بربه تعالى: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اُللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ اَلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِے دِينِ اِللَّهِ أَفْوَاجا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابا (3)[26]. يقول أنس بن مالك –خادمُ النبي عليه الصلاة والسلام -: (قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين…)[27]. ويقول ابن عباس – ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم –: ( أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة يُوحى إليه. وبالمدينة عشرا. ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة )[28].

وحيث أنّنا عرّفنا القارئ بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتعالَوا نتصفح نماذج الرحمة في تعامله وحياته.

يقولُ الله تعالى في القرآن العظيم مخاطباً نبيّهُ الخاتم عليه الصلاة والسلام: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَة لِّلْعَالَمِينَ[29]؛ ويقول أيضاً: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم[30].

فرسولُ الله صلى الله عليه وسلم هو رحمةٌ الله المهداة لعباده، فالمؤمنون به قبلوا هذه الرحمة، وشكروها، وقاموا بها، وغيرهم جحدها، وبدّلوا نعمة الله كُفراً، وأبوا رحمة الله ونعمته[31].

لقد فطر الله نبيه الخاتم – كسائر إخوانه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام – على الأخلاق الراقية العظيمة. كانوا بشراً في أعلى درجات الكمال والرّقي والرحمة بالخلق عدوهم قبل حليفهم، يُعامِلون الخلق لله، وبالله، وفي الله، وها هو خاتمهم عليهم السَّلام والرضوان، ( كانَ صلى الله عليه وسلم سهلاً ليّنا، قريباً من النَّاس، مُجيباً لدعوة من دعاه، قاضياً لحاجة من استقضاه، جابراً لقلب من سأله، لا يَحرمه، ولا يرده خائباً، وإذا أراد أصحابه منه أمراً وافقهم عليه، وتابعهم فيه إذا لم يكن فيه محذور، وإنْ عزم على أمر لم يستبّد به دُونهم، بل يُشاورهم ويُؤامرهم، وكان يَقبل من مُحسنهم، ويعفو عن مُسيئهم، ولم يكن يُعاشر جليساً له إلاَّ أتمَّ عِشرةً وأحسنها، فكان لا يعبس في وجهه، ولا يغلظ عليه في مقاله، ولا يطوي عنه بِشْرَهُ، ولا يُمسك عليه فلتات لسانه، ولا يؤاخذه بما يصدر عنه من جفوة، بل يُحسن إلى عشيرته غاية الإحسان، ويحتمله غاية الاحتمال صلى الله عليه وسلم )[32]، وخيرٌ منْ كُلِّ ذلك قوله صلى الله عليه وسلم عن نفسه: ( يا أيها النّاس إنَّما أنا رحمةٌ مهداة )[33].

وفيما يلي أتشرَّف بأنْ أعرض – ناقلاً – بعض تِلكُم النَّماذج العظيمة لتعامل نبيّ الرحمة مع محيطه من الصَّحب، والآل رضوان الله عليهم أجمعين؛ حتى تحصل الفائدة، والعلم بعد الجهل، واليقينُ بعد الشكِّ، ولا يبقى لمرتاب حجة ولا شبهة.

أ – رحمته صلى الله عليه وسلم بأصحابه رضي الله عنهم:

من هم الصحابة؟:

الصَّحابة جمع صاحب وصحابيّ، والصحابيُّ: مَن لقي النبيّ صلى الله عليه وسلم مُؤمناً به، ومات على ذلك. قال الإمامُ البخاري رحمه الله: ( من صحب النبيَّ صلى الله عليه وسلم، أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه )[34].

والصَّحابة هُم خيرُ الخلق بعد الرُّسل عليهم الصلاة والسلام، لأنّهم أسلموا وُجوههم لله في ظُروف قَلَّ أنْ يثبت فيها إنسان، أين ينتشر العذاب بكل صُنوفه، والمعاداة الشديدة لكل مَنْ قام يعبد الله وحده لا شريك له. والصحابة الذين هاجروا بلدهم مكة أعلى مرتبةً مِن غيرهم، وخيرُ هذه الأمة بعد نبيّها أبو بكر، ثُمَّ عمر، ثمَّ عثمان رضي الله عنهم أجمعين. ثم أفضل النَّاس بعدهم: عليٌ، وطلحة والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمان بن عوف، وأبو عبيدة عامر بن الجراح رضوان الله عليهم أجمعين[35].

وقدْ تواترت، وتكاثرت الأدلَّة على فضائلهم، وعُلوِّ قدرهم رضي الله عنهم، ولولا خشية الإطالة لسردتها جميعاً، ولكن حسبنا ببعض الأحاديث النبوية المباركة؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم مجيبا لَمَّا سُئل: أيُّ الناس خير؟: ( قرني. ثم الذين يلونهم. ثم الذين يلونهم. ثم يجيئ قوم تبدر شهادة أحدهم يمينه، وتبدر يمينه  شهادته)[36]؛ كما ورد النهيّ أيضاً عن سبِّهم رضي الله عنهم، لأنَّهم حملة الدِّين لَمَن بعدهم؛ فسبُّهم ما يراد منه إلا الطَّعن في الاسلام عقيدة ومنهجاً. لأجل ذلك قال النبيّ عليه الصلاة والسلام:( لا تسبُّوا أصحابي، لا تسبُّوا أصحابي. فو الذي نفسي بيده لو أنَّ أحدكم أنفق مثل أُحدٍ ذهباً، ما أدرك مُدَّ أحدهم، ولا نصيفه )[37].

وخطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه النَّاس ذات يوم؛ فأخبرهم بوصيّة نبويّة جليلة تنسحب على النَّاس كُلِّهم. فقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا مقامي فيكم، فقال: (احفظوني في أصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب، حتى يشهد الرجل، وما يُستشهد، ويحلف وما يُستحلف)[38].

النموذج الأول:

جلس النبي صلى الله عليه وسلم يوما مع أبي ذرٍ الغفاري رضي الله عنه، وهو مِن كبار الأصحاب وسابقيهم للإسلام؛ وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُحبه كثيراً لخُلقه الرفيع، وعبادته، وزُهده، بلْ كان يقول عنه: ( من سرَّهُ أن ينظر إلى تواضع عيسى، فلينظر إلى أبي ذر)[39]؛ وقال عنه أيضاً: ( ما أظلَّت الخضراء، ولا أقلَّت الغبراء من ذي لهجةٍ أصدق، ولا أوفى من أبي ذر شبهُ عيسى ابن مريم )[40].

ومِنْ رحمة النبيّ الخاتم بهذا الصحابيّ الأجلّ أنْ نصحه ألاَّ يتولى الإمارة، خوفاً عليه مِن تَبعات المسؤولية التي يتهافتُ عليها الصَّعاليك الجهلة؛ فقال النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام له: ( يا أبا ذر إني أراك ضعيفا، وإني أُحبُّ لك ما أحب لنفسي، لا تأمرنَّ على اثنين، ولا تولينَّ مال يتيم )[41].

إنَّ الضعف سببٌ في تخفيف الأحكام، وليس للعقاب أو اللُّوم، فالله الذي خلق العبد، لهو أعلم بقدراته، ومدى استعداداته قُوةً وضَعفاً، وما يُتوقع منه؛ ولا يُكلفه أبداً فوق طاقته، وهذا من رحمته سبحانه وتعالى.. وهو القائل سبحانه: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اُللَّهُ نَفْساً اِلَّا وُسْعَهَا [42].

النموذج الثاني:

ويقف فيه الانسان المُنصف حقيقةً بإجلالٍ لهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فبعدَ أحداثٍ طوالٍ مؤلمة ومحزنة، شاء الله لنبيّه صلى الله عليه وسلم أنْ يعود فاتحاً مكة أُمّ القُرى، التي عادَتْه، ورمته عنْ قوسٍ واحدة. عاد إليها ودخلت جيوشه جوانبها الأربعة، وقد امتلأت الأرض بجنود الله، وفرَّ المشركون، واختبأوا ينتظرون العقاب العادل جزاءً وفاقاً؛ فلو أنّ مظلوماً مكلوماً أوذي أشدّ الأذى، وأخرجه ظالموه مِن بلده شريداً وحيداً طريداً، ثُّم عاد فتمكن وصارت له الصّولة والجولة، أليس طبيعياً أنْ ينتقم ؟.

لقد وقف النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة عند باب الكعبة – بيت الله الحرام –؛ والمُشركون ترتجف فرائصهم، وجنودُ الله في كُلّ مكان؛ وقف نبيّنا الخاتَم ليُعلّم الحاضرين والبشرية مِنْ ورائهم، والعالم مِن بعدهم أنّ دين الله رحمةٌ وعفو. توجّه النبيّ الخاتم لأعداء الأمس بكلام معدود مشهود، ونادى على ظالميه، وأمّنهم في أموالهم وأنفسهم وأعراضهم، وقال مقولة المنتصر الرحيم: ( اذهبوا فأنتم الطُّلقاء )[43].

النموذج الثالث:

في فتح مكة المُظفر جاء الصَديق الوفيّ أبو بكر المحبوب عند النبي صلى الله عليه وسلم بأبيه الشيخ، وقد اعوج منه الظّهر، وكبرت السِّن، وابيض الشَّعر، وارتجفت الأطراف، ووهنت العظام، وارتجّت المفاصل. جاء أبو بكر بأبيه المشرك بالله ليُسْلم على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما رآه النبيّ الرحيم صلى الله عليه وسلم، ورأى حاله رَحِمه مع تمكنه وانتصاره، ومع كون الموقف سليماً، فالرّجل ظلّ مشركا عدوا لله إلى آخر عُمره، ثُمَّ هداه ربُّ العالمين، فجاء به ابنه ليشهد الدّين الحق قبل نزول الوفاة، وحُصول الفوات.

مع كل ذلك تفجّرت الرحمة من قلب النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو يرى حال هذا الشيخ الذي يقوده ابنه لينجو من النّار إلى الجنّة؛ فالتفت للابن وخاطبه: ( لو أقررت الشيخ؛ لأتيناه مكرُمةً لأبي بكر. فأسلم ولحيته ورأسه كالثغامة البيضاء…)[44].

النموذج الرابع:

اتّخذ النبيّ الخاتم صلى الله عليه وسلم له ولأمته المسجد[45] مكاناً للصّلاة والعبادة، والتفكّر وذكر الله، وقراءة القرآن؛ فهو بيتُ الله ؛ مكانٌ تسكنه الملائكة، وتنّزل فيه الرحمات الربانية، والأنوار الإلهية لتُضيء ظُلمات القلب، وتطرد الشكوك والحيرة، ويحلّ بدلها اليقين. في المسجد تُضاعف صلاة الإنسان بسبع وعشرين درجة عن صلاته في بيته[46]، إنْ خرج من داره متوضئا يُريد الصّلاة في جماعة كانت رجله اليمنى تُكتب له بها حسنة، وتمحو الرجل اليسرى عنه سيئة[47].

وتبعاً لذلك كان واجباً على النَّاس أن يُجِلو المسجد بقلوبهم، ويُنزهوه عن كل فعل وسلوك منحط، ويُعظموه بأفعالهم، ويأتوه بخير هيئة وحسن ملبس، لأنهم سيقفون في صلاتهم يناجون الذين خلقهم وهداهم. ولنا أن نتصور ما جرى مرة بين يدي رسول الرحمة صلى الله عليه وعلى إخوانه الأنبياء وسلم؛ فلقد دخل رجلٌ من أعراب البادية ممّن يقلُّ العلم والفقه والتحضر عندهم لبعدهم في الغالب عن مركزه ومنبعه، وبحكم تتبعهم للكلأ والماء لدوابهم، فهم بين صحراء خالية، وقفار بالية، وجبال عالية.

دخل هذا الأعرابي إلى المسجد النبوي حيث الصلاة فيه تعدل ألف صلاة في غيره من مساجد الدنيا[48]، وقام في ناحية من نواحيه – وكان يومئذ بلا فرش ولا زرابي – وبدأ يبول!…نعم! يبول، يظنّ نفسه في قفار الصحراء، أو بين الكثبان، أو في مكان خال عن العيان، وكان من الطبيعي تعليمه وتوقيفه، لكن كيف؟. فأمّا الصّحابة العُدول فقاموا إليه لضربه، لسوء أدبه مع بيت الله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم…تُرى هل قلت الأماكن ليُقدم على فعله الدنيء هذا هنا؟.

أمّا النبيّ صلى الله عليه وسلم فلمْ ينحْ منحاهم رغم شرعيته؛ إذْ أنَّهم كانوا ينهون عن منكر حصل أمامهم، في ثاني أفضل بيوت الله، وأمام النبيّ الخاتم صلى الله عليه وسلم. لقد رحم النبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم هذا الأعرابي الجاهل، فذاك مبلغه من العلم، فعوضاً عنْ ضربه، رَّباه وعلَّمه النبي صلى الله عليه وسلم رحمةً به؛ فلمَّا قام النَّاسُ لِضرب الأعرابي نهاهُم النبيّ الخاتَم عليه الصلاة والسلام لحِكمٍ تَدُلُّ على رحمة واسعةٍ منها:

* لَو سمح لهم بضربه لكان ربما سبباً في عودة الأعرابي إلى الكُفر، وهذا لا شك مهلكةٌ ومفسدةٌ عظيمة.

* لَو رأى الأعرابي النَّاس قادمين لضربه لكان ارتعب منهم، ولربما انكشف ما يمنع ظهوره.

* ولربما قامت مطاردة في المسجد، وانتشر البول النجس هنا وهناك، مما يُكرِّه على النَّاس الصلاة، والتمتّع بلذة السجود على الأرض.

* ولو قطع الأعرابي بوله على ذلك النحو من الخوف والرُّعب، لربّما تضررت مثانته، ومسالكه البولية.

* ولو سمح النبي عليه الصلاة والسلام لهم بضربه، لكان ربما أكمل بقية بوله داخل ثيابه، فتبطل صلاته لتعذر تغييرها، ولربما عُذِّب في قبره على عدم التنزه من البول.

 

قال النبي صلى الله عليه وسلم للناس لما قاموا: ( دعوه ولا تُزرموه )[49]. فلمَّا فرغ دعا بدلو من ماء، فصبَّه عليه[50]، ثُمَّ دعاه فعلّمه أنَّ المسجد ليس لمثل هذه الأمور الدنيّة، وأنَّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر. إنَّما هي لذكر الله عز وجل، والصّلاة وقراءة القرآن…[51].

فاطمئن الأعرابي الجاهل من خوفه ووجله من العقوبة، وقال: ( اللّهم ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا )، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: ( لقد تحجرت[52] واسعا )[53].

ب – رحمته صلى الله عليه وسلم بآل بيته الطاهرين رضي الله عنهم:

من هم آل البيت؟:

يُقصد بأهل البيت في اللغة: ( سُكانه، وأهلُ الرّجل أخصُّ النَّاس به، وأهل بيت النبيّ صلى الله عليه وسلم: أزواجُه، وبناتُه، وصهره، أعني علياً عليه السلام. وقيل: نساءُ النبيّ صلى الله عليه وسلم، والرجال الذين هم آله….وآل الرجل: أهله…أصلها أهلٌ ثم أُبدلت الهاء همزة فصارت في التقدير أأل، فلما توالت الهمزتان أبدلوا الثانية ألفا كما قالوا آدم وآخر…)[54].

وأمَّا الآل في الشرع؛ فعلى أربعة أقوال مشهورة هي: الأزواجُ والذُريّة، أو هُم مَن حُرِّمتْ عليهم الزكاة، أو جميع أمة الاستجابة للنبيّ صلى الله عليه وسلم، أو عليّ وفاطمة، والحسن والحسين وذريتهما دون غيرهما.

والصحيح من هذه الأقوال: أنَّ آل النبيّ صلى الله عليه وسلم هم من حُرِموا الصدقة. وهمْ بنو هاشم فقط. وأمَّا نساءُ النبيّ صلى الله فهن من آل البيت بالتبعيّة لا بالأصالة، وذلك أنّهن قبل اقترانهن بالنبيّ صلى الله عليه وسلم لم يكنّ مِن آل البيت[55].

ولقدْ أوصى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مِراراً المسلمين قاطبة بأهل بيته خيراً، ومِن ذلك خطبةٌ أَلقاها بين مكة والمدينة فقال: (…وأهلّ بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي )؛ فسأل بعضُ الحاضرين زيدَ بن أرقم – أحد الصحابة -: ( ومَنْ أهلُ بيته؟ يا زيد !أليس نساؤه من أهل بيته؟. قال: نساؤه من أهل بيته. ولكنّ أهل بيته من حُرِم الصدقة بعده. قال: ومَنْ هم؟ قال: هم آل عليٍ، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس. قال: كل هؤلاء حُرِم الصدقة؟ قال: نعم )[56].

فَمِنْ عقيدة المسلمين الراسّخة أنّهم ( يحفظون وصيّة النبيّ صلى الله عليه وسلم في آله، ويعرفون فضلهم وكراماتهم، ولا يَذكرون أحداً مِنْ أمهات المؤمنين إلاَّ بخيرٍ رضوان الله عليهم أجمعين )[57].

وفيما يلي بعضُ نماذجٍ لرحمةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم لأهله وعياله مع تزكيته ووصيته بهم.

1 – رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأولاده:

قيل مرةً للنبي الخاتم صلى الله عليه وسلم: يارسول الله!  ادّع على المشركين. قال: ( إنِّي لم أُبعث لعاناً، وإنّما بُعثت رحمة ً)[58]. فإذا كان هذا خُلقَ النبيّ الكريم مع أعدائه ومناوئيه، فلنا أن نتخيل رحمته بأقرب الناس إلى قلبه من العيال والنِّساء.

النموذج الأول:

قبّل النبيّ صلى الله عليه وسلم الحسن بن عليّ، وكان عنده رجلٌ هو: الأقرع بن حابس. تعجَّب الرجل من إقبال النبيّ صلى الله عليه وسلم على الصبيّ يضمُّه ويُقبِّله، فقال مُعبراً يصف نفسه مع عياله: إنَّ لي عشرةً من الولد ما قبّلتُ منهم أحداً، ( يظنُّ الأقرع أنّه من الرجولة والفحولة أنْ يقسُو القلب ويتحجّر، حتى لا يرحم صغيراً، ولا يُقبِّل طفلاً، لكنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ردَّ عليه بالردِّ المُفْحم، ولم يكن رداً خاصاً بموقفه فقط، إنَّما ردَّ بقاعدة من القواعد الإسلامية الثابتة )[59].

نظر الرَّسول صلى الله عليه وسلم إلى الرّجل وقال له في إيجازٍ بليغ: ( إنَّه مَنْ لا يرحم لا يُرحم )[60]، وتكررت الحادثة مع مَقْدم أُناسٍ من الأعراب على النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أَتُقبِّلُون صِبيانكم؟ فقالوا: نعم. فقالوا: لكنَّا، والله ! ما نُقبّل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وما أملكُ إنْ كان الله نزع منكم الرحمة )[61].

وكان تقبيلُ الأحفاد وملاعبتهم دأباً للنبيّ الرحيم صلى الله عليه وسلم، حتَّى أنَّ أبا هُريرة – وهو أحد الصّحابة المُقربين – كانت تفيضُ عيناه ممّا يفعله النبي الكريم مع أحفاده؛ فلقدْ رآه مرة يبحثُ عن الحسن ويُناديه مع تدليلٍ: ( أين لُكاع؟ ادع لي لُكاع ). فجاء حسن يشتَّدُ فوقع في حِجره، ثُمَّ أدخل يده في لحيته، ثُمَّ جعل النبيّ صلى الله عليه وسلم يفتح فاه، فيُدخل فاه في فيه، ثُمَّ قال: ( اللَّهم إنِّي أُحبه، فأَحببه، وأحبَّ من يُحبه )[62]. وخرج النبيّ الخاتم صلى الله عليه وعلى إخوانه الأنبياء وسلم مرةً على أصحابه، ومعه حسن وحسين، هذا على عاتقه، وهذا على عاتقه، وهو يلثم[63] هذا مرةً، ويلثم هذا مرةً، حتى وصل إلى مجلس أصحابه، فقال له رجل: يا رسول الله! إنَّك تُحبّهما. فقال: ( مَنْ أحبّهما فقدْ أحبّني، ومَن أبغضهما فقدْ أبغضني )[64].

النموذج الثاني:

لمْ يخلُ قلب النبي صلى الله عليه وسلم من الرحمة اتجاه بنات بناته رضي الله عنهن، فكما أنَّه كان يرحم الذّكور، كان للإناث حقهنّ مِن الحُب والرحمة سواء المباشرات أو الحفيدات. فقد ثبت أنَّه كان يُصلي بالنَّاس، وهو يحمل حفيدته أمامة بنت بنته زينب رضي الله عنهم، فكان إذا سجد وضعها، وإذا قام حملها[65].

إنَّنا نعني أنَّه صلى عليه سلام الله وبركاته إماماً بجماعة المسلمين صلاةً مفروضة، ومع ذلك تصرّف تصرفاً لو فعله أحدنا اليوم لوُجِّهت إليه سُيول الانتقادات، وأنّ الصّلاة واجبة؛ واشتغِلْ بصلاتك أولى، دَع الولد لأمّه. وأمَّا إنْ كان الفاعل إماماً فلعمْري ما سينزل برأسه وظهره من اللوم والعتاب وربما التشهير به.

النموذج الثالث:

ومِنْ رحمة النبيّ صلى الله عليه وسلم بِصبيانه ما رواه شداد بن الهاد رضي الله عنه، يقول: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتيّ العشاء، وهو حاملٌ حسنا أو حُسينا، فتقدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه ثم كَبّر للصلاة، فصلّى فسجد بين ظهرانيّ صلاته سجدةً أطالها، قال أبي: فرفعت رأسي وإذا الصبيّ على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، فلمّا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، قال النَّاس: يارسول الله، إنك سجدت بين ظهرانيّ صلاتك سجدةً أطلتها حتى ظننا أنّه قدْ حدث أمرٌ، أو أنّه يُوحى إليك. قال: ( كُلُ ذلك لم يكن، ولكنَّ ابني ارتحلني؛ فكرهت أنْ أُعَجِله حتّى يقضي حاجته )[66]، فبينما كان النَّاس على خوف ووجل مِن أن يكون أحدٌ قدْ غدر بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، أو مات بقدر الله، أو أنَّ وحياً عظيما وأمراً الهياً خطيراً جاء حال السُّجود؛ هُمْ يترقبون متَّى يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: الله أكبر!، ويرفعُ من سجدته تلك، ليروا ويعوا ويفهموا؛ بينما القضيةُ كانت رحمةَ النبيّ صلى الله عليه وسلم لحفيده الصبيّ الذي ركب على ظهره كما تُركب المراكب، فأحبَّ ألاَّ يقطع على الصبيّ لذّته ونهمته منه -ولو أطال السّجود بالناس قليلا- فأيُكم ذاك الرجل مع أولاده؟. صلى الله على رسول الرحمة وسلم.

النموذج الرابع:

وأمَّا رحمةُ النبيّ صلى الله عليه وسلم لابنته المُباشرة فاطمة – أمُّ حسن وحسين رضي الله عنهم-، فأمرٌ يصعبُ تصوّره وتخيّله؛ فهي رحمةٌ ممزوجةٌ بحُبٍ عامر، وشوق غامر إلى أمّها التي أحبّها وأحبّته؛ إلى خديجة الوفيّة التي قاسمته أحزاناً طِوالاً، وهُموماً عِظاماً؛ فلمْ يكنْ بعجيب على قلب الخاتَم عليه الصلاة والسلام أنْ يحفظ حبها في بناتها فاطمة وزينب ورقية وأمّ كلثوم، وهو القائل عنها: ( خير نسائها خديجة بنت خويلد )[67]، وبشّرها ببيت في الجنة من قصب[68]، لا صخب[69] فيه ولا نَصب[70].

وأمَّا فاطمةُ بنتُ الحبيبة فإنَّها كانت أشبه النَّاس مِشيةً برسول الهدى صلى الله عليه وعلى إخوانه من الأنبياء وسلم، تقول عائشة واصفة مشهداً مؤثراً جداً…تصفُ يوم دخلت فاطمة على أبيها وهو على فراش المرض، قُبيل وفاته، وتلاقت نظراتهما، فلمَّا رآها رحبَّ بها؛ فقال: ( مرحباً بابنتي )، ثمّ أجلسها عن يمينه أو شماله. ثم سارَّها فبكت بُكاء شديداً، فلمَّا رأى جزعها سارَّها الثانية فضحكت….حاولت عائشة معرفة السِّر الذي جعل فاطمة تبكي ثم تضحك، ماذا قال لها أبوها النبيّ الخاتم صلى الله عليه وسلم؟..

ورفضت فاطمة افشاء سرِّ أبيها إلى وفاته، وبعدها أفصحت أنَّه عليه الصلاة والسلام أخبرها أول مرة، أنَّ جبريل مَلَكُ الوحيّ كان يُعارضه القرآن في كُل سنة مرة أو مرتين، وإنَّه عارضَه الآن مرتين، وأنَّ معنى ذلك اقتراب الأجل والوفاة؛ فبكت لذلك وحقَّ لها أنْ تبكي، فلمَّا رأى جزعها عليه رَحِمها وبَشَّرها بأمر الله تعالى بأنْ تكون أوّلَ من يلحقُ به مِنْ أهله، وأنَّها سيدة نِساء المؤمنين حين يلتقي الأحبة، وينعمون ببعضهم، وبربهم وينعمون بثوابه وجنَّته[71].

هكذا كانت آخر أيَّام النبيّ الكريم عليه الصلاة والسلام، وهو يُعاني المرض وشدّته، والموت وكُربته، لكنّ ذلك لم يزد رحمته بابنته إلاّ تدفقاً، وبمعاملتها ترفقا. إنَّه بحق نبيُّ الرحمة صلى الله عليه وسلم.

2– رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بنسائه:

لقدْ كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يعلم قدرَ المرأة ومكانتها وضَعْفها، فلا عجب أنْ تتوالى وصاياه النبوية الكريمة للرِّجال بهنّ خيراً، فكان يقول: (…استوصوا بالنساء خيرا )[72].

ويقول أيضاً: ( خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي…)[73]، ويقول أيضاً: ( لا يفرك[74] مؤمنٌ مؤمنة، إنْ كرِه منها خُلقا رضي منها آخر )[75].

وسُئل النبيُّ عليه الصلاة والسلام عن حقّ النّساء على الأزواج، فقال: (أطعموهنّ ممّا تأكلون، واكسوهنّ مما تكتسون، ولا تضربوهنّ، ولا تقبحوهنّ )[76].

واستمرَّ هذا هديَ النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى أنْ أوصى بهنّ في آخر حَجة حجها في حياته الشريفة؛ فقال يومها في خُطبة شهيرة: ( واستوصوا بالنساء خيرا؛ فإنما هن عوان عندكم )[77].

ووصفتْ عائشةُ أمُّ المؤمنين رضي الله عنها رفيعَ خُلق النبيّ الخاتَم عليه الصّلاة والسلام، فقالت: ( ما ضربَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم امرأةً قطْ، ولا ضرب خادماً قطْ. ولا ضرب بيده شيئاً قطْ، إلاَّ أنْ تُنتهك محارم الله )[78].

بلْ عدَّ النبيُّ الزوجة الصَّالحة مِنْ أسباب السَّعادة في الدنيا؛ فقال: ( أربعٌ من السَّعادة: المرأةُ الصالحة، والمسكنُ الواسع، والجارُ الصالح، والمركب الهنيء، وأربعٌ من الشَّقاء: الجارُ السُّوء، والمرأةُ السُّوء، والمركبُ السُّوء، والمسكن الضيّق)[79].

وحفلت كُتبُ السِّيرة النبويّة بأمثلة تطبيقية رائعة عن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بنسائه؛ اللواتي سترتْهُنَّ أبواب البيوت وجدرانها، ولكنْ شاء الله أنْ تخرج لنا تلكم الأخبارُ العطرة لنتعلمها، ونسيرَ بمثلها، أو قريباً منها مع نِسائنا.

النموذج الأول:

تزوَّج النبيّ صلى الله عليه وسلم عائشة بنت أبي بكر الصّديق رضي الله عنه، وعاش معها حياة مديدة، كان أبوها صاحبه وأحبّ النّاس إليه، يُجلُّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بما هو أهلٌ له. دخل هذا الوالد مرةً إلى بيت ابنته ليزور زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم. تفاجئ أبو بكر بسماع صوت ابنته يعلو على صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبمعني أوضح كانت تخاصمه وتصرخ في وجهه.

دخل الوالد يُسيطر عليه الغيظ والغضب، وتناول ابنته ليلطمها؛ لتجرئها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: ألا أراك ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟، فجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم يحجزه، وخرج أبو بكر مُغضباً، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم حين خرج أبو بكر الوالد: ( كيف رأيتني أنقذتك من الرجل ؟ )، قال: فمكث أبو بكر أياماً ثم استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدهما قد اصطلحا، فقال لهما: أدخلاني في سِلمكما كما أدخلتُماني في حربكما. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: ( قد فعلنا قد فعلنا)[80].

فغَضبُ أبي بكر مُبررٌ من وجهة نظره؛ إذْ كيف يُعقل أنَّ ابنتي ترفع صوتها على منْ كان سبباً في نجاتنا من النَّار؟.

لمْ تكن عائشةُ رضي الله عنها تُخاصم النبيّ صلى الله عليه وسلم، بلْ زوجها حبيبها صلى الله عليه وسلم.

وقد رحمها النبيُّ صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف؛ فلو غضِب عليها لغضِب الله عليها ولهلكت، ولو لمْ يرحمها لَلَطمها أبوها، ولاشتهر ذلك في المدينة، فبينَ إحراج وتشفٍ، وانتشار الخبر بين الناس، ولسجَّله التاريخ الذي لا يرحمْ.

لكنَّ رحمها النبي صلى الله عليه وسلم فلم يسمح بأيّ شيء من ذلك، وكيف يسمحُ به، وهي أحبُّ النَّاس إلى قلبه، وما أكثر تزكيته لها؛ وقد سُئل من أحبُّ الناس إليك، قال: ( عائشة…)[81].

وبشَّرها فقال: ( أمَا ترضين أنْ تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة ؟ قلتُ: بلى. قال: فأنت زوجتي في الدنيا والآخرة )[82].

 

 

وكان من عظيم شأن أُمِّنا عائشة رضي الله عنها، أنَّ جبريل أقرأها السلام مع زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم[83]، وشاء الله تعالى أنْ يتوفى نبيَّهُ الخاتم، وهو على صدر زوجته عائشة يُكابد المرض، وقدْ أشخص بصره إلى السماء، ثُمَّ قال: ( اللهم الرفيق الأعلى )، قالت عائشة: قلتُ: إذاً لا يختارنا[84]، بلْ كان عليه الصلاة والسلام أحرص على أن يلتحق بالملأ الأعلى، إلى ربِّ العِزّة والجلال.

النموذج الثاني:

إنَّ الرجل قدْ لا يفهمُ المرأة وتركيبها الفريد العجيب، لكنّه يظلُّ قادراً على الإحساس بها، فيرحمها إنْ علا خُلقه، وسما فكره، وهذا ما كان مِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

روى أنس حادثةً عجيبة، لو حصلتْ لأَحدِنا لانْهال ضرباً على زوجته أو لرُبّما طلّقها. لمْ تكن أيّ حادثة، بل كانت إحراجاً كبيراً للزوج أمام أصحابه، فكيف سيتصرف أحدنا لو حصل له ما سأنقله؟.

روى أنس رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند إحدى أُمّهات المُؤمنين، فأرسلت أُخرى بقصعة فيها طعام، فضربت يدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقطت القصعة، فانكسرت، فأخذ صلى الله عليه وسلم الكِسرتين فضمَّ إحداهما إلى الأخرى، فجعل يجمع فيها الطّعام، ويقول: ( غارت أمكم، كلوا ). فأكلوا، فأمسك حتى جاءت بقصعتها التي في بيتها، فدفع القصعة الصحيحة إلى الرسول وترك المكسورة في بيت التي كسرتها[85]، تعامل ُ النبيّ هاهنا كان بسيطاً مليئاً بالدروس للأزواج من الصبر والحِلم والرحمة بالزوجة، وأخذ الموقف ببساطة،( وجمع الطّعام مِنْ على الأرض، وقال لضيوفه: ( كُلوا )، وعلّل غضب زوجته بالغيرة، ولم ينْس أنْ يرفع قدرها، فقال: ( غارت أُمّكُم )، أيّ أم المؤمنين.  فأيُّ رحمة هذه التي كانت في قلبه صلى الله عليه وسلم)[86].

النموذج الثالث:

أخبرت عائشة رضي الله عنها أنَّ النبيّ الخاتم عليه الصلاة والسلام، كان يرحم نساءه، ولا يٌكلفهن فوق طاقتهن، بل ويُعينهن في الشؤون المنزلية رغم عِظم المسؤولية المُلقاة على عاتقه، لكنّه ظلَّ زوجاً رحيماً. وقد سُألت مرة عن تصرفاته في البيت بعيداً عن الأنظار والأخبار، قالت: ( كان بشراً من البشر، يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه )[87]، فأيُّنا هذا البشر وهذه الرحمة مع نسائنا؟.

بل إنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يفعل ما قد يستهجنه الكثير من الرجال ذوي القلوب الفظّة، فمنْ يتصور أنَّ النبيّ الخاتم كان يأخذ زوجته في فيافي الصحراء بعيداً عنْ أعين النَّاس ليتسابقا !. نعم ليجريا سويةً، والحبّ يظللهما، ورحمة الله ترعاهما، أرأيت رجلاً بهذه الرحمة والعطف على الزوجة ؟ رغم الأعباء والمسؤوليات، ولو كان أحدنا لتعلّل بمئة سبب وسبب، بين العمل أو البحث العلمي أو كذا أو كذا، ولربما لمْ يقتنع بفكرة المسابقة أصلاً، فأين نحن وأين رسول الرّحمة والهداية ؟.

ومِنْ طريف تتمّة الخبر أنَّ عائشة سبقت زوجها الرّحيم أول مرة، ولكنّه عاد فسبقها في مرة أخرى لما سَمِنَتْ، رغم الفقر الشديد، إنَّها راحة البال، ورحمةِ ذي العيال صلى الله عليه وسلم[88].

 

[1]  – سورة القلم: الآية: 4.

[2] – على خلاف ما أصاب اليهودية والنصرانية من التحريف الفاسد على أيدي علماء السوء، فانتشرت قصص مكذوبة عن زنا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وحاشاهم من ذلك، وما اختلاف الاناجيل المتناقضة في نسب السيد المسيح عليه السلام وتضمن سلسلة نسبه المحرفة زناة خونة الا شاهد على ذلك. أنظر: أحمد ديدات، عتاد الجهاد، نقلها الى العربية، علي الجوهري، دط، دت، ص 20 – 21، وص ص33 – 37.

[3] – أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، صحيح مسلم تحقيق، محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1375ه – 1955 م، ج 3، ص ص 1393 – 1397 رقم 1773، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام.

[4] – محمد ناصر الدين الألباني، صحيح السيرة النبوية ما صح من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر أيامه وغزواته وسراياه والوفود إليه للحافظ ابن كثير، المكتبة الإسلامية، عمان، الأردن، ط1، 1421 ه، ص 9.

[5] –  الألباني، صحيح السيرة النبوية، ص 9 – 10.

[6] – محمد ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، اعتنى به، أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، ط1، 1425 ه – 2004 م، ص 577، برقم 3142.

[7] – الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، ص 626، برقم 3404.

[8] – صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق، ج 4، ص 1782، برقم 2278.

[9] – حادثة الفيل بدأت عندما عزم أبرهة الحبشي على صرف الناس عن حج بيت الله الحرام فبنى كنيسة في صنعاء، فلوثها ودنسها عربي أنفة، فعزم أبرهة على هدم الكعبة فأهلكه الله شر مهلك، أنظر: صفي الرحمان المباركفوري، الرحيق المختوم، دار الفكر، بيروت، لبنان، ط1، 1421ه – 2003 م، ص ص 33 – 36.

[10] – محمد مصطفى عبد السلام، السيرة النبوية بين الآثار المروية والآيات القرآنية، إشراف، عفت الشرقاوي، كلية الآداب، قسم اللغة العربية، 1431 ه – 2010 م، ص 149 -150.

[11] –  المباركفوري، مرجع سابق، ص 34 – 35.

[12] – شقَّ المَلَكُ جبريل صدر الصبي – النبي المستقبلي – وطهره من درن الشيطان وغسل قلبه، ولَأَمَهُ ولم يزل أثر ذلك باديا على صدر النبي عليه الصلاة والسلام.

[13] – ابن هشام، السيرة النبوية، تحقيق وضبط، محمد محي الدين عبد الحميد، ج 1، مطبعة حجازي، القاهرة، ص 176 – 177.

[14] – الألباني، صحيح السيرة النبوية، ص ص 19 – 22، المباركفوري، مرجع سابق، ص 37 – 38.

[15] – ابن هشام، مصدر سابق، ج 1، ص 193 – 194.

[16] – صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت، مالم يشرع في النزع، وهو الغرغرة، ونسخ جواز الاستغفار للمشركين. والدليل على أن من مات على الشرك، فهو من أصحاب الجحيم. ولا يُنقذه من ذلك شيء من الوسائل، ج 1، ص 54 – 55، برقم 24 – 25.

[17] –  صحيح مسلم، كتاب الأشربة، باب فضيلة الأسود من الكباث، ج 3، ص 1621، برقم 2050.

[18] – الألباني، صحيح السيرة النبوية، ص 38، المباركفوري، مرجع سابق، ص 41.

[19] – سورة النحل: الآية: 58 – 59.

[20] –  الألباني، صحيح السيرة النبوية، ص ص 164- 175.

[21] – المباركفوري، مرجع سابق، ص 44.

[22] – الألباني، صحيح السيرة النبوية، ص ص 52- 99.

[23] – صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب بيان مثل ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم، ج 4، ص 1787 – 1788، برقم 2282، وباب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته، ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم، ص ص 1788 -1790، برقم 2283، 2284، 2285.

[24] – الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، ص 403، برقم 2197، وانظر مثلا عن قصة نوح عليه السلام: عماد الدين أبي الفداء اسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي، قصص الأنبياء، اعتنى به أبو عبد الله محمود بن الجميل، دار الامام مالك، الجزائر، ط1، 1426 ه – 2006 م، ص ص63 – 82.

[25] – الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، ص 403، برقم 2198.

[26] – سورة النصر.

[27] – مسلم، كتاب الفضائل، باب كم سن النبي صلى الله عليه وسلم يوم قبض، ج 4، ص 1825 برقم 2348.

[28] – المصدر السابق نفسه، باب كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة والمدينة، ج 4، ص 1826 برقم 2351.

[29] – سورة الأنبياء: الآية: 106.

[30]  سورة القلم: الآية: 4.

[31] – عبد الرحمان بن ناصر السعدي، تيسير الكريم الرحمان في تفسير كلام المنان، اعتنى به، عبد الرحمان بن معلا اللويحق، المكتبة الإسلامية بالقاهرة، ط1، 1421 ه – 2000 م، ص 532.

[32] –  السعدي، مرجع سابق، ص 879.

[33] – الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، ص 672، برقم 6336.

[34] – عبد الله بن صالح القصير، الاصابة في فضائل وحقوق الصحابة عنهم رضي الله، وزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد، الرياض، 1427 ه – 2006 م، ص 7.

[35] – أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري، شرح السنة، دراسة وتحقيق، أبو ياسر خالد بن قاسم الردادي، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة النبوية، ط1، 1414 ه – 1993 م، ص 75 – 76.

[36] – صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة، ثم الذين يلونهم، ثم الذي يلونهم، ج 4، ص 1962 – 1963 برقم 2533.

[37] – المصدر السابق، كتاب فضائل الصحابة، باب تحريم سب الصحابة، رضي الله عنهم، ج 4، ص 1967 برقم 2540، و(أحد) هو جبل عظيم بالمدينة النبوية، والمعنى: أن انفاق غير الصحابي ولو كان كجبل أحد ذهبا، لا يعدل انفاق الصحابي القليل ممثلا في كيلوغرامات معدودة، وهذا مما يبين عظيم قدرهم عند الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين.

[38] – الألباني، سلسلة الاحاديث الصحيحة، ص 615 برقم 3346.

[39] – الألباني، صحيح الجامع الصغير وزياداته، المكتب الاسلامي، ط3، 1408 ه – 1988م، ج 2، ص 1079 برقم 6292.

[40] – المرجع السابق نفسه، ج2، ص 971، برقم 5538.

[41] – صحيح مسلم، كتاب الامارة، باب كراهة الامارة بغير ضرورة، ج 3، ص 1457 – 1458 برقم  1826.

[42] – سورة البقرة، الآية: 285.

[43] – لمزيد الفائدة، انظر تعليق الشيخ الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة، مكتبة المعارف، الرياض، السعودية، ط2، 1408ه – 1988م، مج 3، ص 307 – 308، حديث رقم 1163.

[44] – الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، ص 659، برقم 3555.

[45] – ومع ذلك اختص الله نبيه الخاتم بخصائص لم يُعْطَها أحدا قبله من اخوانه الانبياء عليهم الصلاة والسلام جميعا، من بينها جعل الارض له ولأمته طهورا – أي استخدام التراب بدل الماء للدخول في عبادة الصلاة – ومسجدا متى حضرتهم الصلاة.

[46] – صحيح مسلم كتاب الصلاة، باب فضل الجماعة، وبيان التشديد في التخلف عنها، ج 1، ص 450 – 451 برقم 650.

[47] – الألباني، سلسلة الاحاديث الصحيحة، ص 432، برقم 2363، وص 96 برقم 503.

[48] – إلاَّ المسجد الحرام في مكة، حيث انطلقت الدعوة النبوية فإن صلاة فيه تعدل مئة ألف صلاة في غيره، لأن فيه الكعبة المشرفة أول بيت وضع للناس…

[49] – معناه: لا تقطعوا عليه بوله لبعض الحكم التي ذكرتها آنفا.

[50] – صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد، وأن الارض تطهر بالماء من غير حاجة إلى حفرها، ج 1، ص 236، برقم 284.

[51] – المصدر السابق نفسه، ج 1، ص 237، برقم 285.

[52] – تحجرت: أي ضيقت ومنعت، والمعنى أنك بدعائك تريد تضييق ومنع رحمة الله الواسعة.

[53] – أبو داود سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني، سنن أبي داود، تحقيق، شعيب الأرنؤوط، دار الرسالة العلمية، ط1، 2009 م – 1430 ه، باب الأرض يصيبها البول، ج 1، ص 282، برقم 380.

[54] – ابن منظور، لسان العرب، تحقيق، مجموعة أساتذة، دار المعارف، دت، دط، ص 164 – 165.

[55] – عثمان بن محمد الخميس، آل البيت، مكتبة الرضوان السلفية، ط1، 1425 ه – 2004 م، ص ص6 – 15.

[56] – صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، ج 4، ص 1873، برقم 2408.

[57] – البربهاري، مصدر سابق، ص 99، وص 117.

[58] – صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن لعن الدواب وغيرها، ج 4، ص 6، برقم 2599.

[59] – راغب الحنفي السرجاني، الرحمة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، رابطة العالم الاسلامي، ط1، 1430 ه – 2009 م، ص84.

[60] – مسلم، كتاب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، وتواضعه، وفضل ذلك، ج4، ص 1808 – 1809، برقم2318.

[61] – المصدر السابق نفسه، ص 1808، برقم 2317.

[62] – الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، ص 622، برقم3386، وص626 – 627، برقم 3411، وص 636، برقم 3457، وص 640 – 641، برقم 3475 – 3476، وص 655، برقم 3537.

[63] – يلثم: يُقبل.

[64] – الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، ص 663، برقم 3580.

[65] – صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز حمل الصبيان في الصلاة، ج 1، ص 385 – 386، برقم543.

[66] – أبو عبد الرحمان أحمد بن شعيب بن علي النسائي، سنن النسائي، تحقيق، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، دت، ص186، برقم 1141.

[67] – صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل خديجة أم المؤمنين، رضي الله تعالى عنها، ج 4، ص 1886، برقم 2430.

[68] – اللؤلؤ المجوف، وقيل قصر من ذهب منظوم بالجوهر، انظر مسلم، ص 1887، الهامش 6.

[69] –  الصوت المختلط المرتفع، انظر المصدر السابق نفسه.

[70] –  المشقة والتعب، والحديث عند مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل خديجة أم المؤمنين، رضي الله تعالى عنها، ج 4، ص 1887، برقم 2432.

[71] – صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة بنت النبي، عليها الصلاة والسلام، ج 4، ص ص 1904 – 1906، برقم 2450.

[72] – صحيح مسلم، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء، ج 2، ص 1090 – 1091، برقم 1468.

[73] – الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، ص 353، برقم 1955.

[74] – لا يكره ولا يبغض.

[75] – صحيح مسلم، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء، ج 2، ص1091، برقم 1469.

[76] –  سنن أبي داود، ج 3، ص 478، برقم 2144.

[77] – أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، الجامع الكبير، تحقيق، أحمد محمد شاكر،كتاب الرضاع، باب ما جاء في حق المرأة على زوجها، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط2، 1395ه – 1975 م، ج 3، ص، برقم 1163.

[78] – أبو محمد عبد الله بن محمد الأصبهاني، كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه، دار الكتاب العربي، بيروت، ط2، 1406 ه – 1986 م، ص 34.

[79] – الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، ص344، برقم 1903.

[80]– سنن أبي داود، باب في المُزاح، ج 7، ص 349، برقم 4999.

[81] – صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، ج 4، ص 1856، برقم 2384.

[82] – الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، ص346، برقم 1917.

[83] – صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب في فضل عائشة رضي الله عنها، ج 4، ص 1895، برقم 2447.

[84] – المصدر السابق نفسه، ج 4، ص 1893 – 1894، برقم، 2444.

[85] – سنن النسائي، ص 611، برقم، 3955 – 3955.

[86] – السرجاني، مرجع سابق، ص 93.

[87] – عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر، شرح شمائل النبي صلى الله عليه وسلم لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي، دار الفضيلة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1435 ه – 2014 م، ص 373.

[88]  – الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، ص352، برقم، 1959.