تفصيل

  • الصفحات : 247 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2022،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،

الحمد لله وحده والصّلاة والسّلام على من لا نبيّ بعده  أمّا بعد:

فإنّ العالم الإسلامي يعيش اليّوم تحوّلات كبيرة في مختلف مظاهر الحياة، وفي كثير من المجالات والقطاعات الحيوية، وما ذلك إلاّ بسبب تأثّر المجتمعات الإسلامية بمظاهر الحياة الغربية الفكرية منها والسّلوكية، فضلا عن تخلّيهم عن هويتهم الإسلامية بسبب الضّعف الكبير الذي حلّ بالأمة الإسلامية في مختلف الميادين، في الوّقت الذي شهدت فيه الدول الغربية تطوّرا كبيرا وملحوظا في جميع الميادين ( التّعليمية، والصّحية، والصّناعية، والتّقنية، والعسكرية، والاقتصادية) وهذا ما جعل المجتمعات العربية والإسلامية تحاول بلا كلل ولا ملل  تقليد الأنظمة والمناهج الغربية بغية الوصول إلى ما حققه الغرب من إنجازات مادية وحضارية، لكن للأسف حدث عكس ذلك تماما حيث لم يستطع العرب والمسلمين بلوغ درجات الرّقي والتّطور الذي وصل إليه الغرب، كما لا يتمكّنوا من الحفاظ على هويتهم أمام موجات التغريب التي اجتاحت العالم الإسلامي وبخاصة في العقود الأخيرة التي شهدت تطوّرا ملحوظا في الاّتصالات الحديثة والتي مكّنت الشّعوب الإسلامية من الاطّلاع على منجزات الحضارة الغربية فضلا عن معاينة مختلف أساليب الحياة الغربية، وهذا ما فتح باب التقليد واسعا على تلك المنجزات والأساليب التي هي من أخص خصائص بالمجتمعات الغربية .

 

وما زاد من خطورة الغزو الثقافي على المجتمعات الإسلامية هو التّطور الرّقمي العجيب الذي يشهده العالم في السّنوات الأخيرة أين أصبح العالم قرية صغيرة ممّا جعل من السّهل جدا التّواصل بين مختلف المجتمعات والثقافات كما أصبح من اليسير جدا مشاهدة مختلف الثقافات السّائدة في الدول الغربية بدون أدنى مشقّة، وهذا الذي جعل كثير من المثقفين المسلمين ينبهروا بتلك الثقافات محاولين بذلك محاكاة ذلك النّمط من الثقافة بحجّة مواكبة العصر والموضة، وقد نتج عن ذلك تداعيات خطيرة على الهويّة الإسلامية حيث تعرّضت هذه الأخيرة لعدّة هزاّت خطيرة ولمحاولات متكرّرة من الطمس من قبل الغرب ومن قبل كذلك الحاقدين على هذا الدين سواء من الدّاخل أو الخارج.

وبالجملة فإنّ اختيارنا لدراسة هذا الموضوع بالذّات لم يكن عبثا بل كان مدروس بدقّة، إذ حاولنا من خلاله كشف اللثام عن العديد من القضايا المتصلة بهذا الموضوع، كما توصلنا إلى نتيجة مفادها أنه في ظل الغزو الثقافي الذي يجتاح العالم العربي والإسلامي فإنّه من غير الممكن أن نبقى مكتوفي الأيدي إزاء ما يحدث في عالمنا العربي والإسلامي من حروب ثقافية شرسة والتي تستهدف بالدرجة الأولى عزل المجتمع الإسلامي عن دينه وقيمه وعاداته وتقاليده التي نشأ عليها وهذا حتّى يصبح المجتمع الإسلامي جسدا لا روح ومجرّد دمية في أيدي الغرب، ومن ثمّ يصبح تابعا لغيره يسير على ما ساروا عليه بدون تعقل وبدون إجراء موازنات بين ما ينفعه وما يضرّه .

 

 

الهدف من تأليف هذا الكتاب :

باختصار شديد فإنّ الهدف من تأليف هذا الكتاب هو تحذير جموع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من العدو الذي لا يتوانى ولا يفتر لحظة من الزّمن بغية إفساد مجتمعاتنا وتخريب بيوتنا، وأقصد بالعدو هاهنا كل الدول الغربية ومن شايعها والتي لم تدّخر وسعا في إلحاق الضّرر بنا سواء كان ضررا ماديا أو ضررا معنويا، وليس ذلك بغريب عن تلك المجتمعات فهي منذ فترة الحروب الصّليبية وهي تبدل قصارى جهدها لإبعادنا عن ديننا وصرفنا عن الثوابت والمقدّسات الدينية وهذا حتّى نضعف ونستكين أمامهم، وهيهات هيهات فما دام لنا دين نأوي إليه ونأرز إليه في السّراء والضّراء فلن يفلح الغرب في أن يُبعدوا كل المجتمعات الإسلامية عن دينهم فصحيح قد يفلحوا في صرف فئام من الناس عن دينهم وعن هويتهم الإسلامية لكن لا يمكنهم بأي حال من الأحوال أن يصرفوا أمّة بأكملها عن دينها الّذي استقر في قلوبهم وعقولهم برغم كثرة العوادي والصّوارف، وبرغم اجتماع أهل الكفر علينا .

كما رُمنا ( أردنا) من خلال هذا الكتاب أن نلفت نظر المجتمعات الإسلامية سواء كانوا حكاما أو محكومين  إلى أبرز القضايا التي لها عدّة انعكاسات وتداعيات خطيرة على الوحدة العربية والإسلامية، لأنّه كما هو معلوم فإنّ الدول الغربية هدفها الرئيس في هذا الوقت هو تمزيق وحدة المسلمين وجعلهم أحزابا قددا ودويلات داخل دولة واحدة وهذا حتّى تضعف هيبتهم ويصبحون بحاجة إلى مساعدة الغرب في حل مشاكلهم، وهذه خطط شيطانية مدبّرة مسبقا الهدف منها الاستيلاء على ما بقي من مقدّرات وخيرات الأمة الإسلامية والسّطو عليها تحت مظلة حماية حقوق الإنسان التي هي من أقذر أكاذيب تلك الدول والتي ما زالوا يصدّعوا بها رؤوسنا منذ سنوات .

الخطّة المعتمدة في هذا الكتاب :

من أجل معالجة هذا الموضوع معالجة علمية ودقيقة قمنا بتقسيم الكتاب إلى ثلاثة فصول رئيسة، حيث استهللنا الكتاب بالحديث عن المفاهيم الرئيسة الواردة في هذا الكتاب، إلى جانب تطرّقنا إلى أبعاد الغزو الثقافي وأهم الأساليب المستخدمة في الغزو الثقافي،وكذلك الآثار المترتبة عن ظاهرة الغزو الثقافي، أمّا في الفصل الثاني فقد تطرّقنا فيه إلى أهم المدلولات والمصطلحات التي تلتقي مع مفهوم الغزو الثقافي والعلاقة التي تربط تلك المفاهيم بمفهوم الغزو الثقافي، وفي الفصل الأخير قدّمنا مجموعة من الحلول والمقترحات من أجل تحصين المجتمع الإسلامي من مخاطر ومضار الغزو الثقافي ولتأمين شبابنا من جميع الانحرافات السّلوكية والعقدية .

هذا والله أسأل أن يوفقّني وجميع إخواني المسلمين – في كل مكان وفي كل شبر من البلاد الإسلامية – إلى ما فيه خير ونفع لنا في الدّنيا والآخرة فإنّه لا يعجزه ذلك وهو الهادي إلى سواء السبيل والحمد لله أوّلا وآخرا .

كتبه  الدكتور : أبو أنس رضا كشان