تفصيل

  • الصفحات : 97 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2024،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى ،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-832-5.

مقدمة:

إن السياسة العامة للدولة المعاصرة، قد أصبحت اليوم عملية معقدة وذات جوانب عديدة ومتداخلة، وأصبحت مسألة صنع سياسة عامة ناجحة، موضوعا ليس بالهين، يتخطى القدرة المنفردة المستقلة للعدد المحدود من المؤسسات الرسمية للدولة ذات الطبيعة البيروقراطية، وكذا يتجاوز القدرات والمواهب الفردية لمركز السلطة واتخاذ القرار، ولقد أضحت هذه القضية عملية مشتركة، وجهود منسقة للأكثر من جهة وطرف، تحظى فيها النخب المفكرة المؤطرة فيما أصطلح عليه بمراكز الأبحاث (Think Tanks)، بدور هام باعتبار أن هذه النخب تجمع بين ميزتين هامتين هما توافر العلم والخبرة العلمية المتراكمة من جهة ومن جهة أخرى توافر الإمكانيات والمستلزمات المادية والوقت للأعمال الفكر والتحليل والتركيب والاستنتاج لبناء النظرة الاستشرافية التي تعد أساسا ضروريا لصنع  السياسة العامة.

إن معرض حديثنا عن موضوع مراكز الأبحاث وصنع  السياسة العامة لا يمكن أن يمر دون التطرق لدور وأهمية هذه المراكز في الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، وذلك لما توليه هذه الأخيرة من رعاية بالغة الأهمية لمراكز الأبحاث، ألبستها خبرة واسعة ونجاحا باهرا في مجال دعم القرار السياسي وإعداد الدراسات وتحليل السياسات العامة والقضايا الهامة. فضلا عن تحديد أولويات القضايا الإستراتيجية التي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية، سواء كان الأمر يتعلق بالمستوى المحلي أو الدولي، وهو ما يظهر على سبيل المثال لا الحصر بصورة واضحة بالنسبة لسياستها الخارجية.(*)

أولا: إشكالية الدراسة:(**)

على ضوء الاهتمام المتنامي الملحوظ لعدد ودور مراكز الأبحاث في العالم على وجه العموم، وفي الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، في سبيل توجيه السياسات العامة الأمريكية بما يخدم مصالحها، يمكننا صياغة الإشكالية التالية: إلى أي مدى تساهم مراكز الأبحاث في صنع السياسات العامة في الولايات المتحدة الأمريكية ؟

ووفقا للإشكالية العامة أعلاه، يمكن طرح التساؤلات الفرعية التالية:

  • ما هي مبررات تنامي الحاجة لوجود مراكز الأبحاث خاصة فى مجال صنع السياسة العامة؟
  • فيما تتمثل المجالات التي يمكن من خلالها لمراكز الأبحاث أن تؤثر في صنع السياسة العامة ؟
  • ما هي أهم التحديات والمشاكل التي تواجه مراكز الأبحاث ؟
  • كيف تساهم مراكز الأبحاث الأمريكية في صنع السياسة العامة ؟ وما هي آليات نفاذ وتأثير هذه المراكز على صناع القرار الأمريكي؟

ثانيا:أهمية الدراسة وأهدافها

تكتسي هذه الدراسة أهميتها من أهمية الدور الريادي الذي أصبحت تلعبه مراكز الأبحاث في حد ذاتها في توجيه عالم اليوم، بحكم أنها أداة مهمة لإنتاج العديد من المشاريع الحيوية التي تتصل بالدولة والمجتمع، من المنظور الكلى، ولما تلعبه من دور بارز في توجيه السياسات العامة، وفقا لما يخدم الدولة ويحقق لها دفعا تنمويا حقيقيا.

ويهدف التطرق لنموذج الولايات المتحدة الأمريكية بالأساس لتوضيح الأهمية البالغة والدور البارز الذي تلعبه هذه المراكز، من خلال الخدمات المتنوعة التي يقدمها خبراء هذه المراكز، بما يخدم السياسات العامة الأمريكية ومصالحها على الصعيدين الداخلي والخارجي، باعتبارها دولة براغماتية بامتياز.

وعموما تسعى هذه الدراسة لتحقيق مجموعة من الأهداف:

  • الاقتراب من مفهوم مراكز الأبحاث باعتباره مفهوما حديثا نسبيا، يعرف اهتماما متزايدا، سواء لدى الباحثين الأكاديميين أو الممارسين للسياسة في الدول الديمقراطية، من أجل تقليص الفجوة القائمة بين العلم والممارسة السياسية.
  • التطرق للحالة الأمريكية يهدف بالأساس للاستفادة من الخبرات التي تقدمها مراكز الأبحاث والدراسات التي من شأنها تطوير وتقويم السياسات العامة، وإمكانية الاستفادة من هذه التجربة على الأخص لتوظيفها في الدول العربية.

وإنطلاقا مما تقدم أعلاه قسمنا كتابنا هذا إلى فصلين:

الفصل الأول: مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة الأمريكية: الفكر في توجيه السلطة.

الفصل الثاني: نماذج لتأثير مراكز الأبحاث في صنع السياسة العامة للولايات المتحدة الأمريكية.

 

(*)يعرّف فلاديمير سوجاك السياسة الخارجية بقوله: “… هي أساس نشاط  الدولة الموجه للدفاع عن مصالحها في الخارج من خلال العلاقات مع الدول الأخرى، أو عناصر الجماعات المحلية…”،  للمزيد حول موضوع السياسة الخارجية، أنظر:

Vladimir Sojak, International Relations in Our Times,) Praha: Statni Pedagojicke, 2000(.

(**) عادة ما يخلط بين الإشكالية والمشكلة، بحيث تختلف كلمة إشكالية Problématique)) مدلولها عن كلمة مشكلة (Probléme) إن إشكالية موضوع معين تعنى المشكلة القائمة في ذاتية الموضوع، بينما المشكلة التي تواجه ممارسة موضوع ما، تأتى من خلال التعارض بين طبيعة وخصوصية ذاتيتين، بمعنى أن الإشكالية تتعلق بذات الشيء الواحد، أما المشكلة فتتعلق بالتعارض بين ذاتيتي شيئين مختلفين .