تفصيل

  • الصفحات : 88 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2024،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى ،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-751-9.

تمهيد:

يعتبر الجاحظ واحداً من الذين أسهموا في بلورة الأدب العربي حيث جعل منه مادة دسمة للباحثين من بعده، حيث نجده قد طار بالقارئ بعيدا من كتاب إلى كتاب، ومن محطة سردية من نصوصه التي عكست عبقريته الفذة التي أتعبت من جاء بعده، هو فعلا معلم الفكر والأدب كما يقال، ومن هنا نستطيع القول أن مؤلفاته كانت ولا زالت صيدا ثمينا لكل مغرم بتقصي مناهل أبي عثمان الأدبية والبلاغية خصوصا.

نحاول في هذا الكتاب كشف تلك القراءات التي تعاملت مع المدونة الجاحظية خصوصا عند المحدثين، وقد سبق وأن أفردنا كتابا لقراءة القدماء لبلاغة الجاحظ، من نقاد ومفكرين قدماء كان لهم الصيت الكبير في محاورة المدونة الجاحظية، كابن قتيبة وابن معنز والتوحيدي والجرجاني وغيهم ممن حاول النبش في سرد أبي عثمان، وكما كان الجهد كبيرا عند القدماء فإن للمحدثين دور كبير في تحقيق المدونة الجاحظية وإخراجها تامة غير منقوصة للمتلقي، بل كان لبعض الأكاديميين والمحققين الفضل في الدفاع عن بلاغة الجاحظ وعن أدبه عموما، مثلما سنرى مع حمادي صمود ومحمد العمري ومصطفى ناصف، وكلٌ له قراءته ومنهجه في نقل السرد وأنماطه وكيفياته إلى القارئ العربي.

فقد كانت القراءات التي تبناها المحدثون بين نسقيّة وسياقية للمدوّنة الجاحظية، وهذا ما نلاحظه في مشروع محمد العمري حيث استعان بالمناهج الغربية النسقية كالبنيوية ونظريات القراءة  في كتابه البلاغة العربية أصولها وامتداداتها، وكان بحق مشروع ملفت للانتباه حيث ركّز على نظريات التعلم وطريقة الخطاطات لتسهيل وتقريب المشروع البلاغي والنقدي العربي للقارئ خصوصا، وكذلك نجد حمادي صمود في مؤلفه التفكير البلاغي عند العرب، وقد كان بحق مدافعا عن الجاحظ حيث جعل من بلاغته أشد البلاغة وأزكاها، وهذا ما سنتطرق له بالتفصيل في الجزء المخصص لحمادي صمود، دون إغفال شيء آخر وهو أنه جعل الجاحظ مركزا للبلاغة العربية في كتابه حيث ابتدأه بالبلاغة قبل الجاحظ وزمن الجاحظ، وبعد الجاحظ، وهذا التقسيم لم يسبقه إليه أحد.

كذلك نجد محمد مشبال في كتابه بلاغة النادرة، وإدريس بلمليح في مؤلفه الرؤية البيانية، وغيرهم من الذين سنتطرق إليهم بالتفصيل، وسنحاول تشريح هذه القراءات التي حاولت استنطاق نصوص الجاحظ.

أما القراءات السياقية هي التي اعتنت بالتأريخ التحقيبي للبلاغة العربية، ومن أبرزها قراءة شوقي ضيف في كتابه البلاغة تطور وتاريخ، وشارل بلاّ في كتابه الجاحظ في البصرة وبغداد وسامراء، هذه المؤلفات اهتمت بتدوين البيئات المتصلة بالجاحظ وبكتاباته، وهناك قراءات اتخذت المنهج الغربي سبيلا لذلك، فنجد مقاربة عبد العزيز حمودة في: المرايا المقعرة، نحو نظرية نقدية عربية، وكذلك مقاربات أخرى غلب عليها طابع الاستدراج وتوظيف لمقولات الجاحظ، مثل قراءة محمد كرد علي في كتابه أمراء البيان.

ومن أبرز القراءات التي نجحت في إبراز بلاغة أبي عثمان نجد قراءة شارل بلاّ[1] سابقة لكل الدراسات الموازية التي وصلت إليها أيدينا، للوصول إلى إجابات محتملة ومقاربات تلامس موضوع الدراسة، انطلقنا من هذه التساؤلات، بالإضافة إلى فرضية مفادها أن شارل بلاّ قرأ المدوّنة التراثية للجاحظ متخذاً منهجاً نقدياً شاملاً، وهذا العموم يجعلنا نغوص أكثر في تفاصيل هذه الرؤية.

 

 

 -[1]شارل بلاّ مستشرق فرنسي، اعتنى كثيرا بالجاحظ ولد في 28/10/1914م، بسوق أهراس، وتوفي في 28/10/1992م بباريس فرنسا.