تفصيل

  • الصفحات : 210 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2021،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،

يُعتبرُ الأدب الشَّعبي من أهم روافد الثَّقافة وعصبها الحي لأيّ أُمَّة، وفي الجزائر يمكنُ اعتبارُ الثَّقافة الشَّعبية، والأدب الشَّعبي جزءٌ منها، هي الثَّقافة الحيَّة التي يحيا بها المجتمع الجزائري، ولهذا كان الاستدمار الفرنسي قد تفطَّن لحيوية هذا النَّوع من الثَّقافة والأدب فأولاهما اهتماما خاصا من خلال المدرسة الأنثروبولوجية الاستدمارية -المنظرةُ الأولى لسياساته تجاه الشُّعوب المستعمرة-.ويمكنُ اعتبار الثَّقافة الشَّعبية من جهة أخرى -المحضن الأول الذي تمت وترعرعت فيه أهمُّ نظريات العلوم الإنسانية في العصر الحديث، حيث نضجت مبادئها ومفاهيمها وساهمت في بلورة فلسفة ومنهج نقدي هيمن على مُنجزات الحداثة الفكرية والنَّقدية في الثَّقافة والفلسفة الغربيتين؛ هذه الفلسفة وهذا المنهج هما اللَّذان أسَّسا لأدبيات الشَّكلانية والبنيوية بعد ذلك، حيث وُسم عصرهما بعصر البنيوية؛ ألم يكن “فلاديمير بروب” الشَّكلاني الملهم الأول للمنهج البنيوي في تحليل النُّصوص حيث أبرز مبادئ شكلانية من خلال تحليله لنصوص الحكايات الشَّعبية الرُّوسية؟ ألم يستلهم “غريماس” مبادئ بنيويته وسيميائيته من إنجازات “بروب” الشَّكلانية وخاصة فيما يتعلَّقُ بالسيميائيات؟.

ثمَّ إنَّنا نستقرئُ من خلال شبكة العلاقات المعقَّدة بين عناصر الثَّقافة، وبينها وبين تشعُبات المجتمع وعلاقاته بالتَّاريخ والسياسة والآداب والفنون… أنَّ الثَّقافة الشَّعبية -والأدب الشَّعبي عصبها وعنصرها الأصيل- هي ميدان السجال السياسي والاجتماعي واللُّغوي… أي ميدان السجال الكبير حول موضوع (الهوية) حيث رصدت الأمم الحديثة ملامح هوية كُل أُمَّة من خلال تُراثها الشَّفهي والمادي واللامادي وحيث مُرتكزات الشَّخصية الوطنية لهذه الأمم، والجزائر ليست استثناءً من ذلك كُله، وبالتَّالي حُقَّ لنُخبها أن تلتفت إلى تُراثها الشَّعبي وأن تستلهم منه مُكونات شخصيتها وملامح هويتها التي صقلتها أحداث التَّاريخ وتقلُّباته واحتكاكها بمختلف الحضارات العالمية عبر تاريخها الطَّويل حيث أغنتها وأثرتها… ليكون لنا بذلك إطارا مرجعيا نرصدُ من خلاله عناصر هوية ثقافتنا الأدبية ورُؤانا المنهجية وتصوُراتنا تجاه فنوننا وجمالياتها، وأذواقنا وإنجازاتها.

في إطار هذه الرُّؤى والتَّصورات والأفكار كُلها نضعُعمل الدكتور طيبي بوعزة هذا، حيث ساهم مُساهمة معرفية ومنهجية بدراسة تُراثنا الشَّفهي الذي يمثلُ أدبا جزائريا خالصا عكَسَ أذواق الطَّبقات الشَّعبية في المجتمع الجزائري كما أخضعُه تجريبيا لإجراءات منهجية مُقترحة رأى أنَّها ذات إفادة في فهم هذا النَّوع من الأدب ومجال اختبار لأطروحات تلك المناهج، حيث أثبت كفاءته في قُدرته على التَّطبيق الاجرائي للمناهج التي اختارها إذ تُزيل الكثير من السَّتائر التي تحجبُ جواهره ومكنوناته التي نحن بأمس الحاجة إليها لإبراز قيمة هذا التُّراث أمام الإهمال والتَّهميش الذي يتعرَّضُ له، حيث أعطاه هنا الدكتور طيبي بوعزة جُهده مشكورا مُتوجا بالتَّوفيق في نظرنا، حيث نتمنى له مزيدا من الإنجازات.

لقد عرفتُه طالبا مجتهدا ومُثابرا وباحثا نشطا سبق زملاءه في إنجاز أطروحته في الدكتوراه حول مناهج النَّقد المعاصر في الجزائر، كما بَزَّ أقرانه في عدد منشوراته في مختلف المجلات الوطنية والأجنبية، حتى أنَّني عرفت عنه بأنَّ مقالاته لا تُردُّ عند مختلف رؤساء التَّحرير لتلك المجلات، فهنيئا لأخي طيبي بوعزة على نجاحاته ومزيدا من الاجتهادات والإنجازات.

أ. د كبريت علي