تفصيل

  • الصفحات : 182 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2019،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الاولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-484-80-6.

يعتبر موضوع نشأة اللغة من أقدم القضايا الفكرية والعلمية التي جابهت الباحثين في علومها منذ أمد بعيد، فكثرت فيها البحوث وتعددت، باعتبارها أهم المؤسسات الاجتماعية في قيام الشعوب والحضارات.

ويدور موضوع علم اللغة حول الدراسات الشاملة للغة نفسها بوجه عام، وذلك لاستخراج القوانين الخاصة بها ومعرفة تطوراتها، سواء كان ذلك في أصواتها أم في ألفاظها أم مفرداتها ومعانيها وتراكيبها وأساليبها. وعلى هذا؛ فإن علم اللغة يبحث بشكل عام في اللغة، وهو في ذلك يختلف عن دراسة جزئيات اللغة، مثل علم الصوت وعلم النحو والصرف والمفردات والتراكيب، وما هذه المستويات إلا فروع لعلم اللغة.

ولما كان البناء اللغوي للعربية يتشكل من هذه الأنظمة والمستويات في التنوع والتوزيع البنائي للأفعال والأسماء والصفات؛ فقد ثابر علماء العربية وهم ينكبون على هذه اللغة الكريمة دراسة وتحصيلا، نظرا لذلك السلوك التناسقي لوحداتها، والإحكام التركيبي الدقيق في بنائها، تشده وحدة اللغة، لغة القرآن الكريم، مناط أحكام العربية ونسيجها، مقصد البلغاء ورغبة النحاة وهم يتطلعون إليها. وفي خواطرهم أن علم اللغة من الدين، وبه تعرف معاني القران والسنة، فراحوا يسبرون أغوارها، ويتلمسون أبعاد فنونها القولية، في ممارسات علمية تقوم على المنهج الاستقرائي الوصفي، والمنهج الاستنباطي، معتمدين الدقة في الأحكام ورسم الأبعاد لمجمل القضايا والتصورات المنطقية، فكانت بذلك دروس الصوت والنحو والصرف والبلاغة محاور مستفيضة، في ظل علوم هذه اللغة.

ومن أهم المجالات الدراسية في علم اللغة:

ـ دراسة الأصوات التي تتألف منها اللغة، والبحث عن قوانينها الصوتية، وخصائصها، كمخارج حروفها، وصفاتها، وهذا ما يعرف به علم الأصوات.

ـ دراسة البنية أو البحث في القواعد المتصلة بالصيغ، واشتقاق الكلمات وتصريفها، وتغيير أبنية الألفاظ للدلالة على معاني المختلفة، وهو ما يسمى به علم الصرف.

ـ دراسة نظام الجملة، ويشمل ترتيب أجزائها، وعلاقة هذه الأجزاء ببعضها، وكيفية الربط بينها وغير ذلك، وهو ما يسمى بعلم النحو.

ـ دراسة دلالة الألفاظ والمعاني المفردات القائمة بين هذه الدلالات والمعاني المختلفة، وكذا عوامل التطور الدلالي، وكل ما يشمل المساس ببنية اللفظ ودلالة المعنى، ومن هنا وجب ربط التواصل الفكري لضمان استمرارية العطاء العلمي في مسار المد اللغوي العربي الحضاري، خاصة في مشروعية النظريات اللسانية العربية المعاصرة، وما تكتسيه من اهتمام في مجال التأثير والتأثر.

ولما كان الموضوع يدور حول العلاقة بين مستويين لغويين هامين، هما المستوى الصوتي والمستوى النحوي، في معالجتهما قضية لغوية مهمة في بناء الكلام العربي، وهي ظاهرة الحركات؛ فقد حظي بالدراسة والتحليل في كليهما، وأُطلق عليه مصطلحات متقاربة، تكاد تؤدي نفس المعنى، فعلم التشكيل الصوتي(الصوتيات) يدرج موضوع الحركات ضمن محور الصوائت العربية، أما علم النحو فقد أجمله ضمن حركات الإعراب والبناء.

ودوري في هذا البحث “منهج علم التشكيل الصوتي في الدراسة النحوية لعلامات الإعراب الأصلية”، دراسة هذه القضية اللغوية، دراسة مقاربتية مقارنة، ضمن مناهج البحث لغوي، وكشف العلاقة القائمة بين هذين المستويين في هذه الظاهرة اللغوية، ومدى تداخلها وتباينهما في المفهوم والوظيفة والشمول والفروع والمعنى والمبنى…الخ.

و يرجع التركيز على هذه القضية اللغوية إلى مدى أهميتها في بناء الكلام اللغوي و أنها ذات ازدواجية في التركيب والتحليل.

وإذا عدنا إلى تمحيص هذه الظاهرة وجدنا الحركات لازمة في الاستعمال اللغوي؛ إذ تعتبر روحا لإفادة معنى الكلام، ومن هنا كان لعلم الصوت دخلا في جماليات الصوت اللغوي كما كان لعلم النحو دورا كبيرا في تحديد البنى الإفرادية وتصنيفها ضمن صيغهما التركيبية، وكل هذا استعان بعلم الصرف عند الاقتضاء للتمييز بين الخواص كالإعراب والبناء، بالإضافة إلى علم الدلالة الذي يضفي جانبا خاصا في إيحاءات هذه الحركات وفنياتها في سياق لغوي معين.

ويعود اختياري لهذا الموضوع، نظرا لإحاطته بجوانب علم اللغة ومستوياتها؛ فهو موضوع بقدر ما هو مفيد للتعرف على أهمية كل وحدة في منظومات اللغة العربية، فهو يجمع بين هذه المستويات اللسانية، انطلاقا من بداية التأصيل العربي إلى معاصرة اللسانيات الحديثة، ومدى أهمية هذه الآليات في كشف الفنيات العربية وجمالياتها اللغوية.

ولعل ظاهرة الحركات فد تناولتها دراسات مختلفة مستقلة عن نمط معالجتها، كالصوائت في الصوتيات العربية وعلامات الإعراب والبناء في علمي النحو والصرف، غير أننا في هذا المقام نحاول إجراء مقارنة ومقاربة بين هذه المجالات، وإبراز الفرق بينهما في نفس القضية، في خضم المناهج اللغوية والعلمية الممكنة لتحقيق الأهداف العلمية التطبيقي، وكذا تثمين الجهود العربية في مجال اللسانيات في إطار مناهج البحث اللغوي دائما.

ومن هنا يطرح البحث إشكالية هي: كيف نستفيد من هذه الآليات في دراسة هذه الظاهرة اللغوية؟ وكيف استمد الدرس النحوي تأصيله من الدرس الصوتي في مجال القواعد النحوية؟ وما المنهج الذي وفق في استعمال الأسس الصوتية والنحوية؟ وهل للمناهج اللغوية دور في تقويم البحث اللغوي العربي عامة ومجالات استخدامها في البناء اللساني بوجه خاص؟.

ومن أجل الوصول إلى حل هذه الإشكالية وتجلياتها اتبعت منهجية تكمن في مقدمة ومدخل وثلاثة فصول فخاتمة.

أما المقدمة فإنها تخص رسم خطة التصور وطرح الإشكالية، ومن ثم ذكر المدخل والفصول والخاتمة.

بينما المدخل فخصص لمستويات استخدام هذه اللغة، بالتركيز على المستوى الصوتي والمستوى النحوي في معالجتهما للصوائت العربية وعلامات الإعراب، فكان الفصل الأول مباشرا في التفصيل والتحليل، وتعرض إلى جزيئات هذه القضية من خلال الفصل بين الصوتيات وعلامات الإعراب والبناء، فكان عنوانه “بين الصوائت والحركات”.

أما الفصل الثاني؛ فقد تناولت فيه مبحثين يشملان علاقة الصوائت العربية بالبنية اللسانية، وكذا دور الحركات الإعرابية في تحديد المباني الإفرادية، فكان عنوانه متمثلا في “أثر التنوع الصوتي والتوجيه النحوي في السياق اللغوي”. وتكمن أهمية هذا الفصل في تأطير هاتين الآليتين في التعدد القرائي ودلالته اللغوية، واكتشاف أسراره البلاغية.

ولما تم التوصل إلى ضبط المفاهيم والمصطلحات وأسس استخداماتها بصورة نظرية، كان الفصل الثالث معنونا بالدرس البلاغي بين جماليات الصوت وفنيات النحو، وقد تناول الصور البلاغية التي تكمن في صناعة الكلام العربي، وذلك بشكل تطبيقي يمس الوجوه البلاغية، وذلك في مبحثين. أولهما عُني بمقاييس البلاغة الصوتية، أما الثاني بمقاييس البلاغة النحوية.

ثم أتت الخاتمة جامعة لأهم النتائج المتحصل عليها، مجيبة على التساؤلات العلمية المتعلقة بهذا البحث، وإبراز قيمته العلمية واللغوية، وخاصة في مجال اللسانيات، بمنظور منهجي بحت.

ونظرا لمساس هذا الموضوع بالمستويات اللسانية، من صوت وصرف ونحو وبلاغة؛ فقد عسر التعامل مع هذا الكم الضخم من المصادر والمراجع، خاصة أمهات الكتب، من خلال عدم التمكن التام من استخراج النصوص والشواهد المتعلقة بكل شكل من أشكال هذا البحث، وتوجيهها نحو خدمته بالشكل المطلوب.