تفصيل

  • الصفحات : 402 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2024،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى ،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-819-6.

مقدمة :

إن ما يميز المجتمع الدولي حاليا هو ما يشهده من تصاعد حجم الاعتماد المتبادل والتعاون بين الفواعل الحكومية وغير الحكومية لتحقيق حالة من الأمن بمختلف مستوياته، إذ من المستبعد لأي دولة في النظام الدولي الراهن أن تعيش بمعزل عن باقي التفاعلات الدولية الحاصلة به، خاصة بظهور بعض التهديدات الأمنية في النظام الدولي الجديد على غرار الإرهاب الدولي وتجارة المخدرات وانتشار الأسلحة النووية بالإضافة إلى المشاكل البيئية التي باتت تهدد الأمن البشري، بالإضافة لتزايد وتيرة النزاعات والحروب في العلاقات الدولية والتي تهدد حقوق الإنسان بشكل أكبر.

تعتبر فكرة الإيذاء الجماعي والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من الاهتمامات المتزايدة في المجتمع الدولي بوصفها شأنا دوليا يتجاوز التنظيم القانوني الوطني دون أن يلغيه بطبيعة الحال، فإن قانون حقوق الإنسان المتطور يسعى إلى ضرورة تطوير أو إعادة مراجعة  في طبيعة بعض الأطر القانونية فيما يتعلق بالحماية الدولية لحقوق الإنسان خاصة فيما يتعلق بمبدأ التدخل الدولي الإنساني في ظل فترة ما بعد الحرب الباردة.

إن مبدأ التدخل الإنساني والذي ليس بفكرة جديدة في العلاقات الدولية  أصبح طرحا متداولا بشكل رئيس في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، فقد عملت التحولات التي شهدها النظام الدولي أثر انهيار منظومة الدول الاشتراكية، وتفكك الاتحاد السوفيتي، وفي مستوى آخر انتشار الصراعات الداخلية في كثير من الدول، على إبراز شكل جديد من التدخل، يتم تحت مسوغ الدفاع عن حقوق الإنسان، وحماية الأقليات، وتقديم المساعدات الإنسانية، لذلك ازدادت حالات التدخل الدولي تحت ما يعرف بمبدأ التدخل الدولي الإنساني كمدخل لتغيير (أو تعديل)  القواعد القانونية الدولية التي أفرزها نظام القطبية الثنائية وفي مقدمتها مفهوم السيدة الوطنية وذلك في سعيها لإيجاد السوابق التي تمهد لتغيير تلك القواعد القانونية، بما يتماشى والقدرات المادية والمصالح الوطنية للدول العالمية.

التدخل الدولي الإنساني الذي يعتبر من قبل بعض الدول خاصة  الدول النامية انحرافا في تسيير الشؤون الدولية، يشكل الآن مسألة سياسية ملحة، ومحل للمناقشات الأكاديمية والعملية حول متى تستخدم القوة العسكرية، لاسيما  في ظل وجود مبدأ السيادة، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، هذا الطرح  يعني أن قبول التدخل الإنساني على أساس أنه قاعدة قانونية دولية، يجب أن يتم بعد ضبطه قانونيا وسياسيا، حتى يحد جزئيا من الاستعمال الذرائعي له، في ظل معايير محددة، تلقى إجماعا دوليا، وعلى هذا الأساس عمل الفقه الدولي على خلق آلية دولية متطورة لحماية حقوق الإنسان تلقى قبولا دوليا في ظل ما يعرف بمبدأ مسؤولية الحماية الدولية.

طرح مفهوم مسؤولية الحماية من قبل اللجنة الدولية للتدخل وسيادة الدول للتأكيد على أن ما من مبدأ قانوني حتى مبدأ السيادة  يمكن أن يحمي الفرد من الجرائم ضد الإنسانية وانه ينبغي أن يظل التدخل الإنساني  بمثابة ملجأ أخير، ولكنه خيار لا  ينبغي التخلي في مواجهة القتل الجماعي، على اعتبار أنه في ظل نظام دولي، لا توجد فيه سلطة مركزية تقدِر سلوك الدول بصورة مجردة وبمعيار واحد، ومع وجود تفاوت في القدرات المادية، واختلاف في المصالح الوطنية، فإن ذلك يتيح استعمال هذه القاعدة بنحو انتقائي ومزدوج المعايير على وفق عوامل سياسية واقتصادية واستراتيجية من دون النظر إلى الظروف الإنسانية.

تذهب العديد من الدول للتشكيك في دوافع التدخل الدولي الإنساني وفي مقدمتها الدول العربية التي لازالت تؤكد على مبدأ السيادة المطلقة، واذا كانت الأنظمة العربية بدساتيرها تؤكد على احترام حقوق الإنسان  من حيث المبدأ، فإنها تضع من القيود ما يكفي لتقويض هذه الحقوق وانتهاكها وذلك ما تجلى في ظل الاوضاع التي تشهدها المنطقة من تحولات أمنية انعكست على الوضع الإنساني وفي مقدمة هذه الدول الحالة الليبية، التي سرعان ما تم تدويلها لتأخذ بعدا دوليا فكانت أزمة سياسية وإنسانية تصاعدت مستويات العنف المسلح فيها ما يستدعي سياسات أمنية جماعية وفردية على مستوى مجلس الامن الدولي من خلال اللجوء للفصل السابع من الميثاق الأممي لحماية حقوق الإنسان وتفعيل مبدأ مسؤولية الحماية الدولية وفقا للقرارين 1970 و1973، على الرغم ما طرحه المبدأ من تجاوزات إنسانية وقانونية أعادت طرح فكرة فعالية المبدأ من عدمه في حماية حقوق الإنسان خلال الممارسة الدولية الراهنة.

يبدي التعامل الدولي مع قضايا حقوق الإنسان على المستوى الفكري أو التطبيقي في الظرفية الدولية الراهنة اختلافا جوهريا حول الآلية الأمثل لحماية هذه الحقوق خاصة في ظل النتائج التي تترتب عن تفعيل مبدأ التدخل الدولي الإنساني في الممارسة الدولية الراهنة، فإذا كان  تعرض مواطني دولة ما لانتهاكات من قبل النظام الحاكم أو للحرب الأهلية أو التطهير العرقي في الازمات الدولية الراهنة  يطرح تساؤلا حول سياسات المجتمع الدولي إزاء ما يحدث من انتهاكات لحقوق الإنسان في دول لم تعد قادرة في حماية شعوبها أو تكون سببا في انتهاك هذه الحقوق، فإن عدم الاتفاق على قدرة مبدأ التدخل الدولي الإنساني  لحماية حقوق الإنسان يطرح هو الآخر إشكالا جوهريا:

ما مدى فعالية مبدأ التدخل الدولي الإنساني كآلية دولية لحماية حقوق الإنسان في الحد من انتهاكات حقوق الإنسان في ظل الأزمات الدولية الراهنة؟ وبعبارة أدق هل حقق التدخل الدولي الإنساني كآلية لحماية حقوق الإنسان أهدفه الإنسانية ؟ أم أن التدخل الإنساني ومعه مبدأ مسؤولية الحماية الدولية جاءت نتيجة لمصالح استراتيجية في طابع إنساني؟

تتضح أهمية دراسة مبدأ التدخل الدولي الإنسان ومفهوم حقوق الإنسان بالذات من منظور أن الدراسة تدخل ضمن نطاق الدراسات الأمنية والاستراتيجية حيث تناقش أحدى القضايا والموضوعات الراهنة في العلاقات الدولية، خاصة وأن التدخل الدولي الإنساني (من حيث المفهوم أو الممارسة) كآلية لحماية حقوق الإنسان  يرتبط عادة بمفهوم السيادة الوطنية، كما يعتبر موضوع حقوق الإنسان  سواء على المستوى العالمي أو بالمنطقة العربية بالغ الأهمية ذلك لما تعرفه المنطقة العربية من انتهاكات لحقوق الإنسان من جهة ومن تدخلات خارجية تدعي أغلبها أنها تسعى لحماية هذه الحقوق بعيدا عن الأهداف الاستراتيجية لها وترجع أهمية الدراسة لعدة اعتبارات أهمها :

التصاعد الحاد لوتيرة الانتهاكات حقوق الإنسان وما نتج عنه من تهديد للاستقرار الدولي والإقليمي والمحلي وما يترتب عنه من المسؤولية الإنسانية والقانونية الملاقاة على عاتق النظام الدولي إزاءه.

تعتبر دراسة حقوق الإنسان وربطها بالتدخل الدولي الإنساني في ظل الأزمة الليبية 2011-2018 محاولة بحث جديدة ورغبتنا في البحث نابعة من ضرورة الفهم الجيد للتداعيات الأمنية والاستراتيجية للتدخل الدولي الإنساني كآلية لحماية حقوق الإنسان على الأزمة الليبية وفي مستوى آخر على دول الجوار الإقليمي بما في ذلك الأمن الوطني الجزائري.

طبيعة دراسة حقوق الإنسان والجدل القائم حول حقيقة مبدأ التدخل الدولي الإنساني وما يطرحه من إشكالية النظرية والتطبيق لاسيما وأن من تطبيقاته ما كان ازدواجي المعايير مما أثر في مصداقية توجهات الدول في حماية حقوق الإنسان في نزاعات معينة مقارنة بأخرى.

الرغبة في فهم والتعمق في السلوك المحرك للأطراف الدولية والإقليمية من أجل حماية حقوق الإنسان خاصة في ليبيا وإن كان فعلا بعيدا عن اعتبارات المصلحة والانتقائية في حماية حقوق الإنسان والتدخل الدولي الإنسان وذلك للوصول لآلية حقيقة تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الفرد على حساب الأمن القومي والمصلحة القومية.

وما يميز هذه الدراسة عن سابقاتها الجمع بين ثنائية تصاعد الاهتمام الدولي بمفهوم حقوق الإنسان وضرورة التأكيد على آلية التدخل الدولي الإنساني لحماية هذه الحقوق، سواءا من خلال تحديد الضوابط القانونية والسياسية لمبدأ التدخل الدولي الإنساني في الممارسة الدولية أو من خلال طرح مفهوم جديد نسبيا مقارنة بمفهوم التدخل الدولي الإنساني والمتمثل في عقيدة مسؤولية الحماية الدولية كآلية دولية لحماية حقوق الإنسان من خلال تطبيقها على الازمة الليبية (2011)، وهي الدراسة التي تسعى لإخراج مفهوم التدخل الدولي الإنساني من حيز النقاش والجدل القانوني الذي عادة ما يرتبط بالمفهوم  إلى التحليل السياسي والاستراتيجي للمبدأ وفقا للممارسة الدولية الراهنة للمبدأ.

تقسيم الدراسة :

تتناول الدراسة أربعة فصول رئيسية مقسمة بين جزئيين نظري وتطبيقي بالإضافة إلى النتائج والتوصيات، يحتوي الفصل الأول على الإطار المفاهيمي والنظري لدراسة مبدأ التدخل الدولي الإنساني، من خلال ثلاث مباحث، تتبع المبحث الأول مبدأ التدخل الدولي الإنساني كمقاربة مفاهيمية، ويقدم المبحث الثاني أسباب ودوافع التدخل الدولي الإنساني في الممارسة الدولية الراهنة وعلاقتها بحقوق الإنسان هذه المصوغات عرفت تطورا تزامن وتحول بيئة النظام الدولي لفترة ما بعد الحرب الباردة،

أما الفصل الثاني فيتناول تطور مبدأ التدخل الدولي الإنساني في الممارسة الدولية وانتقال العمل إلى ما يعرف بمبدأ مسؤولية الحماية الدولية، حيث أفرد المبحث الأول ضوابط مبدأ التدخل الدولي الإنساني في ظل متغيرات النظام الدولي الجديد مدى مشروعية عمليات التدخل الدولي الإنساني من منظور استخدام القوة العسكرية في العلاقات الدولية، أما المبحث الثاني فيقدم عقيدة مسؤولية الحماية الدولية كآلية دولية جديدة نسبيا لحماية حقوق الإنسان وهو المفهوم الذي قدم كمرحلة متقدمة لمبدأ التدخل الدولي الإنساني الذي أثار العديد من الشكوك في الممارسة الدولية.

الفصل الثالث عبارة عن دراسة تطبيقية لمفهوم التدخل الدولي الإنساني من خلال تفعيل مبدأ المسؤولية عن الحماية كآلية لحماية حقوق الإنسان في الأزمة الليبية (2011)،  وقد تضمن الفصل ثلاث مباحث، يتطرق الأول لخلفيات الازمة الليبية من خلال تحليل دوافع وأسباب الازمة وتداعياتها الأمنية، ويتطرق المبحث الثاني لأسس وأسباب تفعيل مبدأ التدخل الدولي الإنساني من قرارات أممية وإقليمية وسياسات بعض الدول التي سرعت تطبيق مبدأ مسؤولية الحماية الدولية، بينما طرح المبحث الثالث محددات التدخل الدولي الإنساني تحت مسمى مسوؤلية الحماية الدولية  لحلف شمال الأطلسي في الأزمة الليبية لتحليل الدوافع والأسباب المحركة للسلوك الإقليمي والدولي لاستخدام القوة العسكرية في ليبيا.

الفصل الرابع يدرس جدوى ومآلات تطبيق مسؤولية الحماية الدولية كألية لحماية حقوق الإنسان في ظل الأزمة الليبية من خلال دراسة ثلاث مباحث رئيسية، اهتم المبحث الأول بتبيان تداعيات التدخل الدولي الإنساني على الأزمة الليبية من خلال تحليل مؤشرات فشل الدولة الليبية بالإضافة إلى دراسة فرص نجاح العملية الانتقالية الليبية، بينما قدم المبحث الثاني دراسة تحليلية لمآلات  حقوق الإنسان في ظل انتقائية تطبيق مبدأ مسؤولية الحماية الدولية كآلية جديدة في النظام الدولي الجديد، لتنتهي الدراسة بمحاولة استشراف مستقبل التدخل الدولي الإنساني كآلية لحماية حقوق الإنسان من خلال ثلاث سيناريوهات مستقبلية يدرس كل سيناريو فرضيات بقاء أو تراجع بالإضافة لاحتمالية نجاح مبدأ التدخل الدولي الإنساني في حماية حقوق الإنسان.