تفصيل

  • الصفحات : 442 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2024،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى ،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-864-6.

   تصدير:

الأستاذ الدكتور : غربي الغالي

لما طلب مني اخي وصديقي الأستاذ الدكتور عطاء لله فشار ان أضع تصديرا لمذكرات الوالد اطال الله في عمره  والتي عنونها ب:” من جبال جرجرة الى جبل بوكحيل ”

وجدت نفسي مترددا وخائفا، فقد وضعني الأستاذ امام تحدي من الصعب تجاوزه. كيف لا والمهمة في حد ذاتها تتطلب من صاحبها التجرد من الذاتية والتحيز والعاطفة وبخاصة وان   التعاطي مع احداث التاريخ الوطني عامة وتاريخ الثورة الجزائرية على الخصوص يتطلب الالتزام بقواعد المنهجية العلمية والموضوعية التي وضعها العلامة عبد الرحمان ابن خلدون.

ومما يشار إليه في هذا السياق ان الكثير من الأحداث التاريخية الواردة في هذه المذكرات كانت بالنسبة لي مألوفة ومعروفة وكانت في العديد من المرات محور نقاشات بيننا وبين الوالد. لكن إصرار الوالد على تدوين مساره الجهادي ونظرته للأحداث والتطورات والتحولات الجسام التي واكبها وعايشها في الولاية السادسة، بمثابة رسالة مقدسة وشهادة للتاريخ عليه ايصالها وتبليغها للأجيال وللباحثين والمؤرخين لتكون لهم زادا معرفيا ومصدرا تاريخيا يثري به المكتبة التاريخية الجزائرية.

تندرج هذه الشهادة ضمن ما يسمى بالمذكرات او السرديات الشخصية، ولا يخفى على أحد أهمية المذكرات كمصدر مهم في كتابة تاريخ الثورة التحريرية في ظل نقص الوثائق الأرشيفية، بالإضافة الى قيمة المعطيات التاريخية والاجتماعية والنفسية لصاحب المذكرات، والتي لا نجدها في الوثائق الأرشيفية. هذه المعطيات التي أضحت توجها ومنهجا تعتمده مدارس التاريخ العالمي ومنها مدرسة الحوليات.

حاول الوالد أي يسرد للقارئ، اهم المحطات التي عاشها من مرحلة التحاقه بالثورة تحت امرة القائد زيان عاشور وانتقاله الى منطقة القبائل الى غاية الهجوم على مركز المعمرة بجبل الصحاري. محاولا ان لا يستثني في سرده للأحداث على ما هو معروف عند عموم الناس ولكن أورد لنا في شهادته الكثير من الأحداث والقضايا التي عرفتها الولاية السادسة والتي تفادى الكثير من المجاهدين الإشارة إليها فيما ما كتبوه في مذكراتهم او صرحوا به في تدخلاتهم في الملتقيات التاريخية والمناسبات الوطنية متجاهلين الآثار والتداعيات الناتجة عن سكوتهم. وتحاشيهم قول الحقيقة التي هم مسؤولون عننها امام التاريخ.

ان ما يميز مذكرات الوالد الجرأة والصراحة التي بواسطتها استعرض بها احداث ويوميات الكفاح المسلح في ربوع الولاية السادسة والتأرجح السياسي لهذه الأخيرة بين تيار الحركة الوطنية الميصالية وجبهة التحرير الوطني وما تولد عنه من صراعات وتصفيات دموية راح ضحيتها المئات من المناضلين والمجاهدين الأبرياء.

تؤكد المذكرات على ان مختلف فئات الشعب لم تميز بين التيارين المتصارعين على اكتساب تعاطف أكبر قدر من المؤيدين والمناصرين وان كانت الحركة الوطنية المصالية اسبق في الترسخ والتجذر، وهذا ما يفسر نجاح حركة محمد بلونيس من التغلغل في المنطقة واحكام سيطرته عليها. وكذلك قد يفسر هذا النجاح بأن قيادة الثورة والحكومة المؤقتة لم تولي اهتماما بالولاية السادسة لاعتبارات سياسية واستراتيجية مما جعلها. بعيدة عن أولوياتها.  تقف المذكرات على ظاهرة التنافس والصراع الذي احتدم بين مختلف قادة الولاية من الميصاليين والجبهويين مدفوعا بخلفيات ذاتية شخصية ومناطقية، مما أثر على تطور النشاط العسكري وانحصاره ولهذا لم تشهد الولاية معارك عسكرية كبيرة ذات صدى ضد الجيش الفرنسي، فقد انغمس هؤلاء القادة بتصفية حساباتهم البينية، ورغم الخطورة المترتبة عن هذا الوضع، فلم يسارع أي أحد من هؤلاء الى تقريب وجهات النظر بين المتصارعين. وهكذا لم يستقر حال الولاية السادسة  وبقيت تتجاذبها الصراعات والتصفيات .وفي هذا السياق فقدت الولاية خيرة قادتها وكان الشهيد زيان عاشور ضحية لهذه الفتنة التي انتشر لهيبها رغم ما تميز به من حكمة ووقار ونظرة ثاقبة ،الا انه لم يتلق الدعم والمساندة المرجوة من قيادة الثورة ، باستثناء ما كان يتلقاه من قيادة المنطقة الأولى التي كان يقودها الشهيد مصطفى بن بولعيد من دعم مكنه من وضع أسس التنظيم الإداري والثوري في المنطقة ، ورغم النتائج الجيدة التي حققتها هذه الجهود ، الا أن وضعية الثورة لم يستقر حالها ،فعرفت المنطقة  حالة فراغ سياسي وازدادت وتيرة حالة لا استقرار وفشل القادة الذين استلموا مقاليد الأمور من بعد استشهاده في صراعاتهم . وكانت النتيجة الحتمية أن تحولت ربوع الولاية السادسة الى ساحة حرب ضروس بين الإخوة الأعداء.

وجاء في المذكرات الكثير من الصور القاتمة والأحداث المؤسفة المترتبة عن الوضع الذي كانت عليه وضعية الثورة التحريرية في الولاية السادسة. ورغم ان صاحب المذكرات أشار الى هذه الأحداث وخلفياتها ومسبباتها من وجهة نظره، الا انه للآسف تعتبر من الموضوعات المسكوت عنها والتي تثير الإحراج لمن بقي حيا من قادة الولاية، الذين من وجهة نظرهم هي من الطابوهات والممنوعات التي يحرم الاقتراب منها. ومنه نعتبر ان المذكرات فتحت الباب على مصراعيه امام الباحثين من المؤرخين الشباب، لتكسير تلك القيود على فرضت على كل راغب في إعادة كتابة تاريخ الولاية السادسة عن أسس علمية صحيحة بعيدا عن المزايدات والشعبوية والأحكام المسبقة التي يفرضها التاريخ الرسمي. وبهذا نمهد لبداية مرحلة جديدة في كتابة هذا التاريخ ونعيد بذلك، الاعتبار للكثير من الذين ظلموا من المناضلين والمجاهدين والوطنية من أبناء هذه الولاية، واضعين صوب؛ اعيننا الوصول الى الحقيقة التاريخية وان كان هذه الأخيرة نسبية في غالب الأحيان.

وانطلاقا من هذا كله، فهذه المذكرات رسالة لاستنهاض الهمم، وفتح افاق جديدة لطلبة اقسام التاريخ والباحثين لأهمية الاهتمام بالتاريخ المحلي والخروج من الشمولية والاجترار والإطناب والحشو والتكرار الذي اساء كثيرا للكتابة التاريخية الى درجة القرف وجعل من التاريخ الوطني مادة منفرة في وجدان الشباب الجزائري، وانحرفت. مادة التاريخ في مناهجنا التعليمية من مادة أساسية واستراتيجية في تكوين وبلورة الشخصية الوطنية الى مادة ثانوية تعرف باسم الاجتماعيات.

اما عن الرمزية التي تحملها هذه المذكرات فهي ان صاحبها لم يهنأ له بال دون ان يكمل واجبه تجاه وطنه كاملا ويذكر أبناء هذا الوطن المفدى بجسامة التضحيات والمعاناة التي عاشها الأسلاف من جراء القمع والقهر الاستعماري، الا ان ذلك لم يمنعهم من النهوض من العدم ورفع راية التحدي ومجابهة الاستعمار الفرنسي رغم عدم تكافؤ الفرص بين الطرفين الفرنسي والجزائري.

وفي خاتمة تصديرنا لهذه المذكرات، يجدر بي الإشادة بالمجهودات الجبارة والمخلصة التي بذلها صديقنا الأستاذ الفاضل عطاء لله فشار، لكي تظهر هذه المذكرات للوجود، بعد. أن كانت ذات يوم حلما يصعب تحقيقه، فكان هو المشرف العام على مختلف المراحل التي مرت بها المذكرات من مرحلة التسجيل والكتابة والصياغة والتدقيق اللغوي والنحوي والأسلوبي. فله مني كل الشكر بإسمي الخاص وباسم عائلة الحاج غربي عطا الله وأولاده واحفاده وجموع عرش الصحاري عامة. ومهما قلنا في مدح شخص الأستاذ عطالله فشار فإننا نكون مجحفين لما يتميز به من خصال حميدة ورقي حضاري وصفات علمية فريدة وتميز منقطع النظير على جميع الأصعدة إذا ما. قورن بإقرانه، وفي نفس الوقت هو إضافة كبيرة لهذه الولاية ونخبتها المثقفة ولجامعة زيان عاشور وللجزائر كلها.

الأستاذ الدكتور الغالي غربي

أستاذ التاريخ الحديث والمعاصرو مدير مخبر الدراسات التاريخية المتوسطية بجامعة الدكتور  يحي فارس بالمدية