تفصيل

  • الصفحات : 220 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2022،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-237-8.

أما بعد…

بحمد الله تعالى الذي بفضله تتم الصالحات، ها نحن نصدر الجزء الثاني من المؤلف الجماعي الدولي “اللسانيات المعرفية”، والذي يعدّ بادرة أولى في العالم العربي على مستوى البحث الأكاديمي، إذ يفتح آفاقا للباحث العربي في اللغة العربية من أجل الاستفادة من معطيات ما صار يعرف في الجامعات الغربية اصطلاحا “العلوم المعرفية”، والتي أضحت بفضل الدراسات البينية التي انطلقت أساسا من أجل فهم بنية اللغة والنشاط اللغوي لدى الإنسان باعتباره الكائن الوحيد الحي الناطق من دون غيره من الموجودات، بسبب ارتباط اللغة ولاديا بوجود الإنسان، متلازمة معه في الحضور والغياب، وسنقتصر في هذه المقدمة الحديث عن بعض التجارب العربية التي كانت علامة مميزة وفارقة في مجال اللسانيات من الجيل الرابع، وكذلك الالتفات إلى ما أنتجته المدرسة الروسية أيضا إذ قلما يلتفت الأكاديمي العربي إلى منتجات البحوث اللسانية الروسية أو الصادرة باللغة الروسية، مع أنه من المعروف أن حلقة موسكو وحلقة براغ، كانتا من المدارس الأولى التي كان لها الفضل في نشر لسانيات”دي سوسير” بل وتطويرها، وأنها من بين أولى من استثمر معطيات الدرس اللساني الحديث في مجال النقد الأدبي أيضا، لذا من وجهة نظر أخلاقية وعلمية رأينا أنه من الضروري الإشادة بما قدمه اللسانيون الروس في هذا المضمار.

بدءا من عالمنا العربي، نجد أن الباحث الباحث الجزائري”عبد الرحمن الحاج صالح”كان السباق في العالم العربي، الذي أراد الاستفادة من معطيات المدرسة اللسانية بمختلف توجهاتها من بنيوية وتوزيعية وتوليدية وسلوكية بل وحتى تطورية، من أجل تحديث البحث اللساني العربي في مجال دراسة اللغة العربية، وإبراز القيمة العلمية للمفاهيم الخليلية، مما جعله يدعو إلى تأسيس مدرسة خليلية عربية حديثة، وفي سبيل تحقيق ذلك عمل على الجمع بين علماء اللسان، وعلماء الحاسوب، وعلماء البيولوجيا البشرية، من أجل إنجاز ما أطلق عليه تسمية “مشروع الذخيرة اللغوية العربية” وهو ما يعرف اليوم في مجال الترجمة الإحصائية Big Data، هذا من جهة، كما عمل على حوسبة اللغة العربية من خلال وضع قاعدة بيانات للمعجم العربي من خلال مشروع الذخيرة اللغوية، بل ساهم حتى في مشاريع المعالجة الحاسوبية للنص القرآني، وكذلك كان له باع في مجال الأرطوفونيا والتعليمية، فهو بحق من أبرز الباحثين العرب الذين عملوا على صورنة الدراسات اللسانية العربية.

هذا من جهة، من جهة ثانية، نجد الأستاذ الباحث”مصطفى حركات”، وهو باحث جزائري متخصص في الرياضيات وفي دراسة العروض العربي، حيث قدّم أولى النماذج التطبيقية للمعالجة الآلية للعروض العربي، وذلك من خلال فهمه لطبيعة الشعر العربي الكلاسيكي ونظام بحوره وأوزانه، مما جعله رائدا في هذا المجال، وكل هذه التجارب الجزائرية الرائدة كانت في نهاية ستينيات القرن الماضي ومطلع السبعينيات.

في سنة 2013م، تصدر الباحثة”حمو الحاج ذهبية”مقالا في مجلة الخطاب العدد الرابع عشر(14) والتي يصدرها مخبر تحليل الخطاب بجامعة مولود معمري –تيزي وزو-الجزائر، دراسة معنونة بـ: “مقدّمة في اللسانيات المعرفية”، وهو ورقة بحثية في إطار أعمال الملتقى الدولي حول “واقع البحوث المعرفية وتحليل الخطاب (أيام 11-12-13 مارس 2013م)،  عملت الباحثة من خلالها الوقوف على الجانب التاريخي لما يطلق عليه باللسانيات المعرفية، إذ أكدت أن البدايات كانت من خلال التوظيف الأمريكي لهذا المصطلح في مجلة Cognitive Science، أو ما وظفه جاردنر Gardner  في 1985م The Mind’s New Science، وترجع ذلك إلى وجود تيارين أمريكيين كان لهما الفضل في ذلك وهما: التيار السلوكي في إطار النموذج الكلاسيكي للنزعة المعرفية Cognivitisme، ومن جانب آخر تيار النحو المعرفي الذي يستند على نموذج آخر يوصف بالبنائي أو النزعة البنائية Constructivisme. وهو مقال جيد يشرح لنا الكيفية التي تلقى بها الدرس اللساني العربي معطيات العلوم المعرفية عموما واللسانيات المعرفية خصوصا.

نجد كذلك من تونس الباحث”عبد السلام المسدي”، الذي حاول أيضا أن يقدم قراءة جديدة وفق المفاهيم المعرفية للغة العربية ولنظام اللسان العربي، وذلك سنة 1986م من خلال عمله المعروف اللسانيات وأسسها المعرفية، وكذلك التفكير اللساني في الحضارة العربية الإسلامية.

وفي السنوات القليلة الماضية من مطلع الألفية الثالثة نجد الباحث التونسي “الأزهر الزناد”، حيث صدر سنة 2010م كتابه الأول تحت مسمى “نظريات لسانية عرفنية” نشر مشتركا بين الدار العربية للعلوم ناشرون  ومنشورات الاختلاف ودار محمد علي للنشر، ومن أهم مباحثه التي جاءت متناولة موضوع اللسانيات العرفينة كما يطلق عليها صاحب الكتاب: القسم الأول “العرفنة وعلومها مدخل تاريخي مفهومي”، وفيه تناول موضوع السيبرنيتية، الحاسوبية والذكاء الاصطناعي، الأنثروبولوجيا العرفنية، علم النفس العرفني، اللسانيات العرفنية، علاقة اللسانيات بالعلوم العرفنية، العرفنة: ماهيتها، اشتغالها ووظيفتها ثم خاتمة.

لكن القسم الثاني من الكتاب والذي وضعه تحت مسمى”في بعض النظريات اللسانية العرفنية”، والذي قسمه إلى بابين، الباب الأول “في اللسانيات التوليدية”، توزعت مادته على ثلاثة فصول، الفصل الأول “برنامج البحث” والذي خاض فيه موضوع النحو الكوني، والنحو الذهني، والأدنوية والمعجم الأدنوي والنظام الحوسبي، أما الفصل الثاني “التوليفية”، تطرق فيه إلى مبحث لا مركزية الإعراب، لا اتجاهية الحوسبة، هندسة النحو، التصافحات (النطقية-الإدراكية، الصوتمية-الإعرابية، المفهومية-الإعرابية)، والهندسة الثلاثية المتوازية في المعالجة الذهنية، أما الفصل الثالث “معالجة الكلام: الاتجاهات الكبرى”؛ فقد خصصه للبحث في نظرية اللّمات، وبنية المعجم (المداخل المعجمية وانتظامها)، واستعمال الوحدة المعجمية، وتمثيل المدخل المعجمي، وجهاز المعالجة اللغوية ونظرية اللوغونات.

أما الباب الثاني “في النظريات اللسانية المفهومية”، فقد توزعت مادة البحث فيه على ستة فصول كاملة وهي: الفصل الأول “النظرية اللسانية: طبيعتها ووظيفتها” اهتم بالمباحث التالية: النحو التصويري، الدلالة في النحو العرفني، أبعاد التصوير، بعد ارتكاز المعروض على الأساس، بعد درجة التخصيص، بعد السلم والمدى، بعد البروز النسبي، وغيرها من المباحث الدقيقة المتعلقة بالمفاهيم الخاصة بخلفية اللسانيات المعرفية.

والفصل الثاني الذي كان بعنوان “الرؤية الموضوعية والرؤية الواقعية التجريبية”، تضمن مباحث نظرية الاستعارة المفهومية، الاسقاط الاستعاري، الاسقاط قوالب من التناسبات الأنطولوجية، مركزية الإسقاط الاستعاري، ثم خلاصة في الاستعارة المفهومية، طبيعتها وبنيتها وتجلياتها.

أما الفصل الثالث الذي أورده باسم “الخطاطة: معالم تاريخية مفهومية”، ناقش فيه مبحث الخطاطة العرفنية، نشوؤها واشتغالها، الخطاطات العرفنية: نماذج، ثم مبحث دور الخطاطات في تكوين المناويل العرفنية.

وجاء الفصل الرابع “الجسدنة: عودة الجسد الغائب” ليعرض فيه مبحث الجسدنة والاستعارة المفهومية، ومفهوم الجسدنة ومظاهرها.

كما خصص الفصل الخامس “الروابط العرفنية” للحديث عن العلاقات الرابطة بين العالم المتصور ونظيره الواقعي، والفضاء الذهني، وبناء الأفضية، والروابط بينها.

ثم يختم مؤلفه بالفصل السادس “المزج ملكة عرفنية”، إذ جعله مجالا للحديث عن قضايا المزج، والأركان والآليات المستعملة في ذلك، ودور المزج بصفته آلية في إنشاء المعاني الجديدة.

وفي سنة 2011م، يقدم الباحث”جعفر يايوش”أطروحته للدكتوراه والمعنونة تحت مسمى “اللغة العالمة في الحضارة العربية الإسلامية بالأندلس”، والتي طبعت سنة 2015م بدار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع بدمشق-سوريا، وهي دراسة لا تخرج عن مجال الدراسات المعرفية اللغوية، حيث تطرق فيها إلى اللغة كموضوع للدراسة من خلال اللغة ذاتها؛ فهي الموضوع والأداة في ذات الوقت، على اعتبار أن اللسانيات تعتبر ثالث الثورات العلمية المعاصرة بعد ثورة تكنولوجيا الطاقات المتجددة والاتصال البصري والاستشعار عن بعد، وثورة في مجال البيولوجيا الجزيئية وما نتج عنها من تطبيقات في فك الشيفرة الوراثية ADN، ومن هنا يرى الباحث خطوط التواصل والاشتراك والتقاطع بين الحاسوب والبيولوجيا واللسانيات، وما الموقع الذي تحتله اللغة العربية في هذا العالم الجديد أمام الزخم المعرفي الهائل ؟

لذا قسم دراسته إلى جزئين: الجزء الأول “من منظور اللسانيات المعرفية”، تناول في الفصل الأول: اللغة العالمة، الموضوع والمنهج، تطرق فيه إلى ماهية المصطلح من حيث التاريخ والمفهوم، ومبحث اللغة العالمة في الفكر اللساني الغربي المعاصر من خلال الاتجاه الفسيولوجي والاتجاه الطبيعي.

أما الفصل الثاني”اللسانيات الجديدة ونظرية المرآة الكونية”، تناول فيه ملامح بداية عصر جديد في البحث اللساني المعاصر بعد ظهور لسانيات دي سوسير، وبعده مبحث تشومسكي وحركة التصحيح (المرآة العاكسة)، ويليه مبحث التداعيات: مستوى البحث اللساني التداولي، ويتبعه مبحث روستسلاف ولسانيات اللغة العالمة، ويلحقه بمبحث المرحلة الأنثروبولوجية.

أما الفصل الثالث”مرحلة السبرنيتكا”، تناول فيه تحولات البحوث اللسانية الكلية من البحث عن نموذج اللغة الكلية إلى تأسيس اللغة الذكية، وذلك من خلال عنصر اللسانيات والذكاء الصناعي، وعنصر المرحلة المعجمية، وعنصر نظرية اللغة المرآة.

والفصل الرابع “من التماهي إلى التأصيل”، تطرق فيه إلى المحاولات العربية التي حاولت التخلص من عقدة التماهي في البحث اللساني الغربي والعمل على التأصيل للبحث اللساني العربي المعاصر بالاستفادة من النظريات والمفاهيم والمناج والإجراءات، أما الجزء الثاني فقد كان تطبيقا على واقع البحث اللساني العربي زمن الحضارة العربية الإسلامية بالأندلس تحت مسمى “من طور الرواية والسماع إلى طور الدراية والكتاب”، من خلال الفصل الخامس “رحلة البحث عن الأصول وتجذير الهوية” والذي خاض فيه موضوع الأصول المرجعية للغة العربية وأسسها المتمثلة في دور الخارطة اللسانية في بلاد الأندلس المتنوعة ومتعددة الألسن، ودور الحركة العلمية في وضع محددات النسيج اللغوي الجديد، من خلال عامل جمع الكتب وصناعة المعاجم التي عرفت الاتجاه العربي (مدرسة الخليل) والاتجاه الثاني(المعجم العلمي)والاتجاه الثالث(اللغوي العبراني-الترجمة)، مما أفرز حراكا لغويا أندلسيا يعد إشكالية منهاجية ومعرفية.

أما الفصل السادس المعنون بـ:”نظرية شجرة الأنساب والجينيالوجيا الضائعة”، تطرق فيه للمحاولات الأندلسية تأسيس مفاهيم تنظيرية للغة مفهوما ووظيفة من خلال آراء ابن حزم بخصوص القرابة السلالية اللغوية، وآراء صاعد الأندلسي المتمثلة في الطبقات الأمم اللغوية.

أما الفصل السابع “الاتجاه العلمي”، فقد أفرده للحديث عن ظاهرة الاستحواذ النمذجي (نسخذ دسقوريدس) وظاهرة الابطال النمذجي (المراجعة الّرجمية الأندلسية)، وظاهرة الاقتصاد النمذجي (بن جلجل وابن البيطار)، وختم بمبحث منظور التعقل ونظرية السلوك النمذجي.

وأخيرا الفصل الثامن “الحركة العلمية والتنامي للمعجم اللغوي”، وذلك من خلال تخصيصه لتناول مجال البحوث المعجمية متمثلة في الصناعة المعجمية عند ابن البيطار، ومبحث مجال العلوم التطبيقية متمثلا في التداخل اللغوي والقافي عند الطبيب ابن زهر، وختاما بمجال البحوث التقنية متمثلة في أبي القاسم الزهراوي وموسوعته التشريحية.

سنة 2013م يعاود الباحث”الأزهر الزناد”الظهور بمؤلف جديد في مجال العرفانيات، وهذه المرة بعنوان: “مدخل في نظرية المزج (محاضرات كلية الآداب بمنوبة 2010م) “، وهو عمل مترجم لأبحاث مارك تورنر، صادر عن المنشورات الجامعية بمنوبة.

يضم هذا الكتاب ترجمة لعدد من المداخلات قدمها الأستاذ مارك تورنر لطلبة اللسانيات في كلية الآداب والفنون والإنسانيات بجامعة منوبة خلال شهر نوفمبر 2010م. ومدار هذه المحاضرات “ملكة المزج الذهني” (التصوري) التي بها ينشئ الذهن البشري الجديد الحادث من الأشياء والمفاهيم والأبنية في جميع المجالات انطلاقا من المتوفر فيه منها من حيث الموارد البيولوجية واللغوية والثقافية على امتداد العصور. لذا قسّم مادة الكتاب إلى مقدمة (في أصول نظرية المزج) من حيث تبلورها فكرة، فمشروعا للبحث لا تنفك تفيد منه مجالات عديدة في دراسة الذهن والفكر واللغة والأدب والأنشطة الذهنية الواعية واللاواعية ونظام الرموز والإشارات الإحالية.

والمحاضرة الأولى”مدخل في نظرية المزج”، تمحورت عناصرها حول اللسانيات العرفنية والذهن البشري، والدمج المفهومي (المزج) وتطبيقات على مواضيع مثل: (لغز الراهب البوذي) و(السباق الأسطوري) و(محاورة كانط)، ومبحث نظرية في الذات، ونظرية الذهن.

أما المحاضرة الثانية”المزج واللغة”، تعرض فيها لموضوع الأبنية، والتّركب والتجذر والتنوع، والأسماء المركبة والأبنية، والدمج الصرفي، والإعراب المزجي والنحو الكلي، ثم ذيل ذلك بجدول للمصطلحات العربية بمقابلاتها الإنجليزية.

ونختم بكتاب للباحث تحسين رزاق عزيز “اللسانيات الإدراكية”، وهو كتاب في الأصل من تأليف الباحثين الروسيين:”زينايدا بوبوفا”و”يوسف ستيرنين”، صادر عن دار ومكتبة عدنان للطباعة والنشر ببغداد-العراق سنة 2018م.

تكمن أهمية هذا المؤلف في تسليط الضوء من طرف المؤلفين الروسيين على مختلف الاتجاهات المعاصرة للسانيات المعرفية وعلاقتها بالعلوم الأخرى، ويحددان الآلية الاصطلاحية القطعية للسانيات المعرفية على ضوء المفاهيم التي طوّراها ويبينان بعض نتائج دراسة هذه المفاهيم، ويصفان بالتفصيل الأساليب والتقنيات الخاصة بالدراسات المعرفية والدلالية. هذا الكتاب موجه للسانيين المختصين باللسانيات والعلوم المعرفية وعلم الثقافة واللغويين.

ولذا قسمت مادة الكتاب إلى أربعة فصول:

الفصل الأول “اللسانيات الإدراكية في علم اللغة المعاصر”، تطرقا فيها لمبحث العلم الإدراكي واللسانيات الإدراكية، ومبحث الاتجاهات الرئيسية في اللسانيات الإدراكية الحديثة، ومبحث الملامح الرئيسية للمنهج الإدراكي الدلالي لدراسة اللغة.

والفصل الثاني”المكونات الرئيسية للسانيات الإدراكية ومسلماتها”، تناول مبحث ماذا يعني المفهوم، وماهية المجال المفهومي، والمفهوم ومسألة التفكير غير اللفظي، والمجال المفهومي والوعي وأنواعه، ومبحث لوحة العالم، ومبحث المجال المفهومي والذهنية ولوحة العالم الإدراكية، ومجال المفهوم والفضاء الدلالي للغة ولوحة العالم اللغوية، ومبحث الحقل التسموي للمفهوم، ومبحث المفهوم والكلية، ومبحث المفهوم والمعنى، ومبحث تركيب المفهوم، ومبحث أنواع المفاهيم، وكذلك مباحث تكون المفاهيم وتشكلها، وتطورها الجيني والنوعي، والتبويب والسمات الإدراكية التصنيفية والتمييزية، والخصائص القومية للمفاهيم والكثافة التسموية للمفهوم وتكراره.

وخصص الفصل الثالث “طرائق وأساليب الوصف الإدراكي الدلالي للمفاهيم”، لمعالجة الموضوعات التالية: مبادئ التحليل الإدراكي-الدلالي للمفاهيم، طرائق وصف المعاني والمفاهيم: أوجه التشابه والاختلاف، بناء الحقل التسموي للمفهوم، الطرائق التجريبية لدراسة المفاهيم، التحقق من نتائج وصف المفاهيم، التفسير الإدراكي، وأخيرا موضوع تمثل المفهوم.

أما آخر فصل من الكتاب ألا وهو الفصل الرابع “تجربة التحليل الإدراكي والدلالي المتكامل (الشامل)”، فقد أفرد للبحث في مسألة الوصف اللساني النفسي لمعنى مفردة الاعتراف، ومسألة وصف لساني مفهومي لمفهوم اللغة الروسية، ومبحث حول تجارب الوصف الإدراكي والسيميائي للظواهر اللغوية.

وتكمن أهمية هذا الكتاب أنه يبين واحدا من الاتجاهات اللسانية الإدراكية المتمثل بالتحليل المعرفي والإدراكي الدلالي الذي وضعت أطره وفقا للمدرسة اللسانية-التنظيرية لجامعة فارونيش، والذي يستعمل حاليا في دراسات الكثير من الباحثين في فارونيش وخارجها من الجامعات الروسية، ويأتي هذا الكتاب بمثابة عصارة جهود مضنية في مجال اللسانيات المعرفية  (1991-2006م)، إذ يعد هذا المنجز الأكاديمي استمرارا وتطويرا لمعالجة قضايا اللسانيات الإدراكية التي تناولوها بالدراسة سابقا حول”حقيقة المفهوم”في الدراسات اللسانية، فارونيش الطبعة الأولى 1991م، والطبعة الثانية المنقحة 2002م، ودراسة “اللغة ولوحة العالم اللغوية الوطنية”، فارونيش 2002م، والطبعة الثانية-فارونيش 2002م، ودراسة “مقالات حول اللسانيات الإدراكية”، فارونيش الطبعة الأولى، 2001م، الطبعة الثانية، 2002م، الطبعة الثالثة، 2003م، ودراسة حول “التحليل الإدراكي الدلالي للغة”، فارونيش 2006م.

وأخيرا هذا الكتاب الذي يعد إسهاما بالغ الأهمية من حيث تطوير النظرية وتعديلها من خلال الدراسات الحثيثة والمكثفة والمثابرة في مجال اللسانيات الإدراكية تحت تأثير النتائج المتوصل إليها سلفا من خلال التعاون الحاصل بين الأساتذة الباحثين وتلامذتهم في “الورشة اللسانية الإدراكية”.

وتتميز أهمية التطور الحاصل في الدراسات الأخيرة بتبلور المنهج الإدراكي الدلالي لتحليل اللغة، وتعيين الحدود الفاصلة بين السيميائية الإدراكية وعلم المفهوم اللساني، ووضع وعرض خوارزميات مفصلة ودقيقة للتحليل الإدراكي اللساني، وأنجزت عروض تطبيقية للتحليل الشامل للمفاهيم على أساس طرائق المعالجة.

وقد وضع حجر الأساس لمثل هذه الدراسات علماء الأعصاب والأطباء النفسانيون من أمثال: (ب. بروكا، وك. فيرنيكي، وأ.م. سيتشينوف، وف.م. بختيريف، وي.ب. بافلوف، وغيرهم كثير) فقد كانت فيزيولوجيا الأعصاب أساسا لنشأة اللسانيات العصبية من طرف (ل.س. فيغونسكي وأ.ر. لوريا).

هذا من جهة ومن جهة ثانية نجد عديد العلماء الروس الذين وسعوا دراساتهم وأبحاثهم بخصوص مجال اللسانيات الإدراكية، من هؤلاء على سبيل الذكر لا الحصر: بلونغييان، ي.ف. راحلينا 1994م، ن.ن. بولدريف 1994-2001م، زوبكوفا، 2000م، ن.أن. كوبرينا 2000م، كوبرياكوفا 1994-1997-1999-2004م، وغيرهم كثير.

نتوقف عند هذا الحدّ، فقط هي إشارات خاطفة حتى يستزيد الباحث العربي من معين الدراسات الجادة في مجال اللسانيات المعرفية والتي نراها أفقا منفتحا ولسنوات قادمة قد تغطي منتصف الألفية الثالثة، إذ بدأت تزاحمها ما بدأ يعرف بلسانيات الكوانتم، والتي سنفرد لها اهتماما خاصا إن مدّ الله في العمر وكان هناك بقية.

إن أصبنا فمن الله سبحانه الذي بفضله تتم الصالحات، وإن أخطأنا فمن أنفسنا، وعلى الله التوكل وهو من وراء القصد والهادي إلى سواء السبيل، ونختم بالصلاة والسلام على من أوتي جوامع الكلم، صلىّ الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

د.جعفر يايوش

جامعة عبد الحميد بن باديس(مستغانم)الجزائر.