تفصيل

  • الصفحات : 96 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2024،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى ،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-836-3.

مقدمة

خضع النقد الأدبي لتحولات كثيرة في تأسيساته الفكرية ومنهجياته التحليلية،فقد بدأت مسيرته مع الاحتفاء بكل ما يتعلق بالكاتب وظروف الكتابة وغير ذلك من سياقات اجتماعية وسياسية، دون أن تقدم هذه المناهج الكلاسيكية أدوات عملية تسمح باختراق بنية النص وإدراك أنساقه الداخلية، وكان لمشروع الحداثة في أوربا أثره الحاسم في خلق مناخ فكري جديد يتجاوز الإطار الماضوي، بل ويثور عليه، كما أحدثت الثورة العلمية انقلابا رهيبا في التصورات والخلفيات الثقافية، الأمر الذي سمح بظهور علوم جديدة متشبعة بالروح العلمية ومن بينها اللسانيات التي تأسست على يد العالم السويسري فرديناند دوسوسير،الذي أحدث انقلابا جذريا في الدراسات اللغوية، بحيث وجّه بوصلتها نحو البنية والنسق التزامني بعد أن كانت تتحرك في النطاق التاريخي والمقارن،وأثمرت هذه الرؤية الجديدة في الوصول إلى نتائج قيمة فيما يخص بنية اللغة ومستوياتها المختلفة وطريقة اشتغالها لتؤدي وظيفتها، وكان لمنهج دوسوسير أثر السحر على ميادين معرفية أخرى اقتفته وسارت على منواله في الاشتغال على البنية وعناصرها الداخلية، وعلى هذا تأسس نقد جديد نسقي، موضوعه النص ومنهجيته مستقاة من المشروع اللساني لدوسوسير، وبما أنه حدد موضوعه في النص فقط،فقد همش كل ما من شأنه التشويش على عملية استكناه البنية الداخلية لهذا النص،فهو الموضوع، وبنيته هي المستهدفة من الدراسة ولاشيء غيرها، وكل السياقات النفسية والثقافية لا شأن للنقد البنيوي بها،ومن ثم اعتبر النص عالما مغلقا مكتفيا بذاته، ولكن هذه الرؤية خضعت هي الأخرى لمراجعات من البنيويين أنفسهم أمثال جوليا كريستيفا ورولان بارت، فقد أدركوا أن النص له بعد انفتاحي على نصوص أخرى،وكان لمشروع المفكر الروسي ميخائيل باختين بصمته الجلية في هذه المراجعات، حيث أكدت الفلسفة الحوارية التي أسس لها باختين على الطابع التواصلي للنصوص، ومن هنا بدأت ترتسم ملامح نظرية جديدة تهتم بتواصلية النصوص وتداخلها، اصطلح عليها باسم ” Intertextuality”، أو التناص  بالعربية كما اصطلح عليه عدد من نقادنا المعاصرين.

في هذا الكتاب سأتعرض إلى نظرية التناص وسيرورتها التاريخية وتأسيساتها النظرية وهذا من خلال أربعة فصول: الفصل الأول أتطرق فيه إلى السياق التاريخي والفكري للنظرية،يعقبه فصل أعرض فيه للجهاز النظري للتناص عند رولان بارت وجوليا كريستيفا وجيرار جينيت،أما الفصل الثالث فأستعرض فيه تجليات نظرية التناص في كتابات نقادنا العرب المعاصرين، من أمثال صبري حافظ ومحمد مفتاح ومحمد بنيس، وارتأيت أن أخصص فصلا أخيرا أثير فيه الانتباه إلى علاقة التناص بعملية القراءة وتفاعلية القارئ، والإشارة إلى الشكل الجديد للتناص في البيئة الرقمية، مع بروز ظاهرة النص الإلكتروني وما طرحته من تحديات على الساحة النقدية.