تفصيل
- الصفحات : 166 صفحة،
- سنة الطباعة : 2020،
- الغلاف : مقوى،
- الطباعة : الأولى،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 9789931728696.
عُرِفَت المدينة منذ الأزل البعيد، واقترن شكلها ومضمونها بالتحضر والنمو الدائمين وشكلتً عبر مختلف مراحل تطورها نمطا مميزاً من النسق الاجتماعي و التنظيم الذي اعتمد على تطوير وسائل الاتصال والميكانيزمات الاجتماعية والسياسية التي ساهمت في تحول المجتمع من الشكل البسيط إلى صورة أكثر تعقيداً.
فمنذ فجر قيامها، تميزت المدينة بانضمام القرى بعضها إلى بعض واستقرار الحياة الاجتماعية إلى حد ما بعد اكتشاف الزراعة، وقيام الصناعات اليدوية والحرفية، لترتقي إلى مرحلة أكثر تنظيما و على مستويات عدة، اجتماعيا، إداريا، اقتصاديا و سياسيا، و تنوع الأعمال و الوظائف و الاختصاصات.
وتزامنا مع الانفجار السكاني الهائل الذي شهده العالم منذ مطلع القرن الـ 19، تميزت المدينة بظهور ميكانزمات جديدة حددت معالمها الثورة التكنولوجية و الصناعية العظمى، و كنتيجة حتمية للإفرازات العديدة الناتجة عنها، شهدت مختلف المدن حركة واسعة النطاق تميزت باتساع مجالات المراكز الحضرية و تلاحمها و امتدادها، وارتباطها بالنمو الصناعي المكثف الذي مهد الطريق لتمركز الأشخاص والتفافهم حول المدن وفي مناطق جد محدودة، حيث سعى سكان المناطق المجاورة للمدينة إلى الهجرة إليها والاستقرار بها سعياً وراء فرصة عمل متاحة ومن أجل تحقيق مستوى معيشياً أفضل في ذات الوقت، و بالتالي أضحت المدينة مرتع و مقصد لكل من يطمح أو يتطلع لأسلوب حياة راقي سمته التكنولوجيا و الرفاهية، و عبر مر العصور و يوما عن يوما تفننت المدن و المراكز الحضرية الكبرى في ابتكار أساليب حياة جد متطورة ساهمت بشكل أوفر في جعل حياة المقيمين بها أكثر طواعية و ليونة و تقدم، وحظيت المدن بأهم المشاريع الصناعية والتنموية ما ساهم أكثر فأكثر في زيادة عوامل الجذب و الاستقطاب السكاني وارتفاع وتيرة نمو السكان الأمر الذي أدى إلى زيادة الضغط على الخدمات والمرافق، ليتحوّل هذا الضغط إلى عدم كفاية، وعجز في تلبية الاحتياجات علاوة على مشكلة الأداء وضعف التسيير أمام حالة التراكم السكاني، ولم تتمكّن إستراتيجية التنمية العمرانية، ولا التنظيم الإداري للمدينة من استيعاب هذا التدفق البشري، لتجد المدينة نفسها في مواجـهة أهم تحدي لها و هوٍ الاستيعاب الأمثل لساكنيها و التسيير الحضري الفعّال للخدمات والمرافق العمومية ورفع طاقتها وحسن أدائها ومردوديتها من أجل تنمية حضرية مستدامة.
وفي خضم هذا النشاط الارتقائي لتطور المدينة و تحولها، و بدخول النمو الحضري مراحل نمو متقدمة وبالموازاة مع المعطيات الجديدة للتكيف مع الوضع، شهدت المدينة تغيرات ايكولوجية واسعة النطاق من خلال عدد من العمليات الايكولوجية التي كانت بمثابة الاستجابة الحتمية لمقتضيات العصر و متطلباته، والذي أفرز بذاته بناءا ايكولوجيا جديدا على مختلف المدن من ضمنه الامتدادات الحضرية، فبالموازاة مع التكدس البشري والاندفاع نحو التركز في محيط المراكز الحضرية للاستفادة من مميزات كل الأنشطة والمؤسسات الخدماتية و المرافق العامة في المدن التي طالما أثرت و تأثرت بالاتجاهات الجديدة للنمو الحضري، بالأخص من جانب كم السكن حيث لم يتناسب من حيث الكفاية مع الكم الهائل للقادمين الجدد، وبالتزامن مع ارتفاع أسعار السكن و حتى الإيجار ـ علما أن السواد الأعظم للوافدين يعاني من الفقرـ و الحاجة الماسة للعمل و السكن و بالتالي فكلفة ثلاثية السكن، العمل و المواصلات كانت من الأساسيات ضمن حسابات الوافدين التي ينبغي التعامل معها بكياسة بالغة، و مع مرور الزمن تشكلت تجمعات سكنية بصورة عشوائية حيث اكتسح العمران العفوي غير المنظّم معظم المراكز الحضرية وأخذ في التنامي خاصة على أطراف المدن التي لا تنفك عن التواصل في الامتداد و التوسع عبر كامل الاتجاهات.
كما و تستمر المدينة في التمدد كلما تعددت وظائفها، و كلما زحف عليها سكان إقليمها والأقاليم المجاورة والأرياف البعيدة، واتجاهات ومحاور هذا التمدد تحدده وتتحكم فيه طبيعة الموقع، الموضع، والعوائق الطبيعية، وتنشأ الضواحي والمدن التوابع، و تتكون نتيجة لهذا التمدد والبعد عن قلب المدينة، مشكلة الاتصال بين الأطراف ومنطقة الأعمال المركزية في القلب، فيلزم ذلك توفير السبل المثلى لتسيير هذا المجال و التحكم فيه، و يتمثل السبيل الأمثل و الأنجع لذلك في عامل التخطيط الذي يعد أحد المناهج العلمية المتطورة، حتى لا نقول الحديثة، فقد عرف التخطيط منذ الأزل البعيد و مارسه الإنسان منذ العصور الأولى للحياة، و يعد التخطيط إحدى ميكانزمات الحياة الحضرية التي تتطلبها عملية التنمية الحضرية المستدامة التي تطمح كل مدينة إلى الارتقاء.
إذن، لمواجهة هاته الوضعية المعقدة الناجمة عن الضغط البشري و العمراني و نقص الخدمات الحضرية و التجهيزات كان لابد من إيجاد صيغة لتجاوز هذا الوضع الصعب و المعقد لمجموع الاختلالات التي شوهت مورفولوجية المدن و نمط الحياة الحضرية فيها، نظير عجز المؤسسات التخطيطية عن وضع خطط محكمة للقضاء على المشكلات حين ظهورها و اكتفائها في كل مرة إلى تبني سياسة الحلول الترقيعية لا تتعدى كونها مهدئات أو مسكنات و لكنها لا تعالج الضرر، عدا عن غياب النظرة الاستشرافية لشكل المدينة و تطورها وقدرة استيعابها و متطلبات أفرادها، و بالتالي فالضرورة تستدعي التوجه نحو التخطيط المحكم و رسم سياسة حضرية واضحة المعالم باعتبارها الحل الأمثل و ربما الأوحد للقضاء على تلك المشكلات الحضرية و ترقية المدينة في إطار تنمية حضرية مستدامة.