تفصيل

  • الصفحات : 172 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2025،
  • الغلاف : مقوى،
  • الطباعة : الأولى،
  • لون الطباعة :أسود،
  • الأبعاد : 24*17،
  • ردمك : 978-9969-06-009-6.

تمهيد

في عالمنا المعاصر، أصبح الإعلام الساخر أحد الأدوات الأكثر تأثيرًا وانتشارًا في نقل الرسائل السياسية والاجتماعية. هذا الكتاب، “الإعلام السياسي الساخر بين فلسفة الهزل ومسألة التأثير”، يستعرض الأبعاد الفلسفية والتأثيرات العميقة لهذا النوع من الإعلام

الكتاب يقدم تحليل تاريخي لنشأة وتطور الإعلام الساخر، مسلطًا الضوء على أصوله الثقافية والاجتماعية وكيفية استخدامه كوسيلة لنقد الواقع  وكشف التناقضات في المجتمع. يوضح ، كيف يمكن للهزل أن يكون أداة فعالة للتعبير ، جامعًا بين المتعة والنقد الجاد .

يعرض الكتاب دراسة للأمثلة من البرامج التلفزيونية الساخرة والمقالات الصحفية والكاريكاتير ، موضحًا دورها في تشكيل الوعي السياسي للجمهور وتأثيرها على الرأي العام. كما يبرز كيف يمكن لهذا النوع من الإعلام تبسيط القضايا المعقدة وجعلها في متناول الجمهور العريض، مع التحذير من خطر استخدامه لنشر الأخبار الزائفة

يناقش الكتاب التحديات التي يواجهها الإعلام الساخر في العصر الرقمي وسبل تعزيز مصداقيته ودوره كأداة للتوعية والتغيير. يهدف إلى توفير فهم شامل للإعلام الساخر، ويقدم إطارًا نظريًا وعمليًا يمكن الباحثين والمهتمين بهذا المجال من الاستفادة منه في دراساتهم المستقبلية.

لم تكن فكرة تحرير هذا الكتاب الذي بين أيدينا بالأمر الهيّن والبسيط، بل كان ثمرة جهد دام خمس سنين من البحث والقراءة والتدوين، والنزول إلى الميدان والاحتكاك مع كُتَّاب ومهتمين بالشأن الساخر أو بالأحرى الكتابات الساخرة، سواء في ميدان الأدب أو الصحافة وعلوم الإعلام والاتصال، ففي حقيقة الأمر فكرة التأليف في حقل الإعلام الساخر عندما كنا طلابا بالجامعة ونحن نقلب أوراق الصحف والمجلات وكل ما كان يجذبنا تلك العبارات المفعمة بالرمز والسخرية المثيرة للضحك وروح الدعابة، عبارات قصيرة تحمل في طياتها مصطلحات عامية وشائعة، واستعارات بلاغية قوية المعنى، كنا دوما في حالة فضول ودهشة وتساؤل حول حقيقة هذا الأسلوب، وهل وقعه علي هو الوقع ذاته على القراء؟ هل الجميع يتعاطى مع هذه الكتابات والقطع الصحافية بالطريقة ذاتها؟ هل الجميع يملك القدرة نفسها في الاستيعاب والفهم والتفكيك؟

من هنا بدأ شغف البحث حول هذه الأنواع الصحافية ومختلف الكتابات الساخرة في شتى المجالات سواء في الأدب، الفلسفة، الإعلام، قررنا المغامرة في البحث في بنية الخطاب الساخر بصورته العامة والخطاب السياسي بصورة خاصة، سيما مع الرغبة الشديدة في دراسة السخرية والغوص في أعماقها واستجلاء بنيتها ومضامينها، خصوصا ما تعلق بالشق الإعلامي بحكم التخصص ومجال البحث الأكاديمي.

وعليه جاء هذا الكتاب كمحاولة لفهم بنية الخطاب الإعلامي الساخر Satirical media discourse والسعي إلى تفكيكه والوقوف عند فنيات التحرير المتعلقة به وتركيبة الأسلوب المميزة له، واستنطاق تمثلاته الدلالية والدور الذي يلعبه في حياتنا اليومية باعتباره ظاهرة اتصالية تفاعلية تعكس الواقع المعاش بكل جزئياته، على وجه التحديد تلك الفترات التي تجسد حالة من التوتر والأزمات بشتى أنواعها وتمظهراتها.

بعد موجة ما يعرف بـ “الربيع العربي  Arab Spring “وحالة الغليان السياسي والاجتماعي الذي شهدته المنطقة العربية أواخر سنة 2010 ومطلع 2011 علت العديد من الكتابات ومقاطع سمعية بصرية ساخرة سيما في الفضاءات الرقمية Digital Spaces ومنصات التواصل الاجتماعي  Social media platformsكقنوات اليوتيوب توجه انتقادات سياسية لاذعة تمتزج بروح الجد والهزل لمختلف الأنظمة السياسية العربية والمؤسسات الحكومية مطالبة بالتغيير الجذري لنمط الحياة المعيشية، وتبني نظام ديمقراطي يتسم بروح الشفافية والعدالة، من خلال أسلوب خطابي جريء، ولغة متسمة بالصلابة حينا والمرونة أحيانا أخرى، مما ساهم في انتشارها الواسع بين مختلف الشرائح الاجتماعية، وقد تعزز ذلك في ظل الخدمات التي توفرها الفضاءات الرقمية.

شكّلت عودة الخطاب السياسي الساخر كظاهرة اتصالية واجتماعية جديدة من حيث بيئة نشاطها وتركيبتها موضة أكاديمية وامبريقية حديثة تستوجب الكثير من التمحيص الدقيق والعميق للظاهرة، فلا أحد منا يشكك في مهدها التاريخي وارتباطها الشديد بالعصور القديمة باعتبارها واحدة من أقدم أنواع التعبير البشري المعروفة للإنسانية فالمتتبع لجذورها التاريخية حتما سيفضي إلى حقيقة شيوعها بين مختلف البيئات والمناطق الجغرافية والثقافية على مر العصور والحضارات القديمة في العالم وصولا إلى عصرنا الحالي.

ففي كل ثقافة ما أو ممارسات اجتماعية إلا وحضرت السخرية كشكل فني وتعبيري يتخللها نقدا أو تهكما، أو حتى إثارة الضحك وروح الفرجة والدعابة، فقد شاع بين عدة باحثين ودارسين أن الخطاب السياسي الساخر خطاب غير جدير بالبحث العلمي والدراسات الأكاديمية، كونه خطاب مفرغ من محتواه، يفتقد لروح المعنى والجدية، وهذا في الحقيقة ناتج عن نظرة سفسطائية سطحية وسوء الفهم لظاهرة الخطاب الساخر، دون إدراك لحقيقة الأثر الناجم عنها، بغض النظر عن أساليبها الفنية والتوليدية، من حيث بناء الرسالة وتحقيق المعنى، فالملاحظ أن العديد من المهتمين بالموضوع ينظر بنوع من الاستخفاف لفعالية الخطاب السياسي الساخر، سيما في البيئة العربية التي لا تزال هي الأخرى مترددة في التعاطي مع هذا النوع من الدراسات السيميائية، والبلاغية والاكتفاء  بتحليل بعض النصوص الأدبية أو تحليل الرسومات الكاريكاتيرية، في مقابل الدراسات الغربية التي أولت اهتماما كبيرا بما يسمى الخطابات الهامشية Marginalized Discourses بكل أبعادها وتجلياتها الفنية والتعبيرية والثقافية والوسائطية، فبرزت العديد من الدراسات حول السخرية وفنونها، على سبيل المثال (السخرية في وسائل الإعلام، السخرية في الفضاء الرقمي) وغيرها من البحوث التي تعني بالخطاب الساخر بصيغته العامة.