تفصيل

  • الصفحات : 190 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2024،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى ،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-777-9.

المقدمة

أدى تطور الحياة الاقتصادية وتشعبها، وظهور الآلة في الصناعات ذات التكنولوجية المتطورة، ونمو حجم التجارة وتبادلها، وتطور وسائل النقل في هذا العصر، بالإضافة إلى ظهور الشركات والمصانع الضخمة، إلى ازدياد تخوف أصحابها من خطر الحريق الذي قد يصيب ممتلكاتهم، ويلحق بها عند تحققه خسائر مالية ضخمة لا تصيب الشخص صاحب المصلحة وحده فقط، وإنما قد تؤثر على الاقتصاد الوطني للدولة أيضا. لذا قد سعى الإنسان إلى محاولة البحث عن طريقة فعّالة للمحافظة على مصلحته، وتعويضه عن الخسائر والأضرار التي قد تلحق به عند نشوب الحريق في ممتلكاته، مما أدى إلى ظهور التأمين من الحريق منذ زمن بعيد. وقد ترعرعت فكرة هذا التأمين وازدهرت حتى وصلت إلى أقصى درجات التنظيم، أين أصبح ينصب تأمين الحريق في قالب شكلي في صورة عقد يبرم بين المؤمن له وشركة التأمين، حيث يغطي من خلاله المؤمن له الأشياء المملوكة له من جراء نشوب حريق فيها.

ومن جهة، فتأمين الحريق بهذا المفهوم هو فرع من فروع تأمين الأشياء، الذي يهدف عادة إلى ضمان الأضرار المادية التي تلحق الذمة المالية للمؤمن له، نتيجة تلف أو هلاك الشيء المملوك له. وما دام أن تأمين الأشياء ينصب على أموال المؤمن له، فهو يندرج تحت تأمينات الأضرار التي تهدف هي الأخرى إلى تعويض المؤمن له عما يصيب ذمته المالية عند تحقق الخطر المؤمن منه. وبالتالي فتأمين الحريق هو من عقود تأمينات الأضرار التي نص عليها المشرع الجزائري في الفصل الثاني الموسوم بتأمين الأضرار، من الباب الأول الموسوم بالتأمينات البرية، من الكتاب الأول الموسوم بعقد التأمين، من الأمر رقم 95-07 المتعلق بالتأمينات. ومن جهة أخرى، فقعد تأمين الحريق يتوافر على أركان أساسية من حيث الابرام، تتمثل في التراضي والمحل والسبب، والى جانب هذه الأركان القانونية فان هذا العقد لا يكتمل الاّ بتوافر خطوات ومراحل عملية هي اقتراح التأمين ومذكرة التغطية ووثيقة التأمين والملحق الخاص بهذه الوثيقة. وخلال ابرام عقد تأمين الحريق أو أثناء تحقق الكارثة تترتب على طرفي العقد عدة آثار، تتمثل في التزامات كل طرف اتجاه الآخر، حيث يلتزم المؤمن له بالإفصاح عن بيانات خطر الحريق المراد التأمين عليه سواء أثناء اكتتاب العقد أو أثناء سريان العقد، ويلتزم أيضا بدفع قسط التأمين والافصاح عن حادث الحريق في غضون أجل معين، ويلتزم المؤمن بالتعويض في حالة تحقق الخطر المضمون، وزيادة على ذلك فهذه الآثار أو الالتزامات عادة ما تنقضي بانتهاء المدة الأصلية للعقد أو بالبطلان أو الفسخ لأسباب محددة قانونا.

ضف الى ذلك، يشتمل تأمين الحريق على ثلاثة عناصر أساسية هي الخطر والقسط ومبلغ التأمين، وهذه العناصر تشكل جوهر هذا التأمين، بحيث أن الخطر المؤمن عليه يترتب عليه أن يدفع المؤمن له قسط التأمين لصالح المؤمن على أن يدفع هذا الأخير مبلغ التأمين للمؤمن له أو المستفيد عند تحقق خطر الحريق، وذلك من أجل أن يحافظ المؤمن له على مصلحته من خطر الحريق الذي يهدده.

غير أنّ دراستنا تقتصر فقط على عنصر الخطر دون العناصر الأخرى، وعليه فان الخطر يأخذ معنيين، الأول هو ما يهدد الانسان في ذاته أو ماله أو ذويه من أحداث ضارة، وهذا ما يعكس المعنى العام للخطر. والثاني هو حادث مستقبلي محتمل الوقوع ينبغي ألاّ تكون لإرادة أطراف العقد دخل في وقوعه، والمعنى الثاني للخطر هو الذي يعنينا في بحثنا هذا لأنه ينطبق على تأمين الحريق محل الدراسة.

ولقد ذهب فقهاء القانون في تعريفهم للخطر الى القول بأنه ” حادث مشروع محتمل الوقوع لا يتوقف وقوعه على محض إرادة أحد العاقدين خصوصا المؤمن له “. ونفهم من خلال هذا التعريف أنّ الخطر يتميز بعدة شروط، تتمثل أولا في أنه حادث مستقبلي يكون وقوع الخطر مستقبلا أي خلال الفترة اللاحقة لإبرام العقد، وثاني الشروط هو أنّ الخطر لابد أن يكون احتمالي أي محتمل الوقوع (الشك) قد يقع وقد لا يقع فإذا كان مؤكد الوقوع فلا يصلح أن يكون محلا للتأمين، وثالث الشروط هو أن يكون الحادث مستقلا عن إرادة الطرفين خاصة المؤمن له، كما يجب أن يكون الخطر مشروع غير مخالف للنظام العام والآداب العامة.

ضف الى ذلك، فالخطر مقسم الى عدة أنواع، هناك الخطر الثابت والخطر المتغير، فالخطر الثابت هو الذي يبقى مستقرا دون تغير طيلة مدة العقد وهذا أمر نسبي من الناحية الواقعية، والخطر المتغير هو الذي تختلف فرص حدوثه من فترة لأخرى سواء بالزيادة أو النقصان، وهناك الخطر المعين والخطر الغير المعين، فالخطر المعين هو ذلك الذي يقع الاحتمال فيه على محل معين وقت ابرام العقد كالتأمين على محل تجاري من الحريق، أما الخطر الغير معين فالاحتمال فيه ينصب على محل غير معين وقت التعاقد كالتأمين على المسؤولية المدنية، وهناك الخطر القابل للتأمين والخطر الغير القابل للتأمين، فالخطر القابل للتأمين هو خطر مضمون ومشمول التغطية من طرف المؤمن ويكون على العموم مدّون في عقد التأمين، والخطر الغير قابل للتأمين هو خطر مستثنى من الضمان نظرا لدرجة جسامة أضراره أو أنه مخالف للنظام العام والآداب العامة، ولتطبيق ذلك على تأمين الحريق يكون تساؤلنا الرئيسي كالتالي: ما هو الخطر المضمون في التأمين من الحريق؟

وتنبثق من هذا التساؤل الرئيسي عدة تساؤلات فرعية تتمثل في:

  • ماهي الأخطار الأساسية المضمونة والممتدة في التأمين من الحريق؟
  • ماهي الأخطار الإضافية المضمونة في التأمين من الحريق؟
  • ماهي الأخطار المستثناة من الضمان في التأمين من الحريق؟

ونهدف من خلال هذه الدراسة، إلى معرفة الأخطار المضمونة الأساسية والاضافية والأخطار الغير مضمونة في التأمين من الحريق، كما نهدف من خلال هذه الدراسة إلى اقتراح تعديل لبعض المواد التي تتعلق بتأمين الحريق، وذلك لمسايرة ومواكبة التطورات والتغيرات الحديثة، والوصول إلى إعطاء مفاهيم وتعاريف جديدة لبعض المصطلحات التي تتعلق بتأمين الحريق، بالإضافة إلى إثراء المكتبة القانونية بأفكار جديدة وجزيئات علمية.

ولدراسة هذا الموضوع والغوص في جوانبه العلمية والعملية ارتأينا الاعتماد على عدة مناهج، وذلك للوصول إلى الحقيقة العلمية. حيث اعتمدنا على المنهج التاريخي عند دراستنا لنشأة وتطور تأمين الحريق عبر الأزمنة المختلفة، وعند دراسة بعض المفاهيم والتعاريف المتعلقة بهذا الموضوع وخاصة التي لها أثر تاريخي. كما اعتمدنا على المنهج الوصفي، وذلك لوصف ظاهرة الحريق وكيف حتى تتولد هذه الظاهرة والآثار المترتبة عليها، كما قمنا بوصف بعض الأخطار الأخرى كالانفجار والصاعقة والزلازل والأعاصير…الخ. واعتمدنا أيضا على منهج تحليل المضمون، وذلك لتحليل المواد الخاصة بتأمين الحريق مادة بمادة والوصول إلى حقيقتها، كما قمنا بتحليل بعض أراء الفقهاء والاجتهادات القضائية.

ورغم أن دراستنا هي دراسة وطنية فقد اعتمدنا على المنهج المقارن بصفة ثانوية وليس أساسية، حيث قارنا ما قضى به المشرع الجزائري مع كل من التشريعات الأجنبية كالتشريع الفرنسي والمصري والأردني والمغربي، وذلك للوقوف على بعض الاختلافات الجوهرية الموجودة في هذا الموضوع، وتعديل أو إلغاء ما يتم تعديله أو إلغاؤه. كما استعنت باجتهاد كل من الفقه والقضاء الأجنبيين، وذلك راجع إلى ندرة المراجع المتخصصة، كون هذا الموضوع لم يحظ الاّ بعدد قليل من الدراسات العلمية الأكاديمية المتخصصة هذا من جهة، ومن جهة أخرى لقلة وندرة الأحكام القضائية الوطنية في هذا الموضوع مقارنة بالاجتهادات الأجنبية.

 

وبناء على ذلك، فإننا سوف نقسم موضوعنا الى ثلاثة فصول:

الفصل الأول: مدخل الى تأمين الحريق

الفصل الثاني: الأخطار الأساسية المضمونة

الفصل الثالث: الأخطار الإضافية المضمونة والمستثناة من الضمان