تفصيل
- الصفحات : 210 صفحة،
- سنة الطباعة : 2022،
- الغلاف : غلاف مقوى،
- الطباعة : الأولى،
- لون الطباعة :أسود،
تحمل الصورة معان ودلالات مختلفة، كما أنها تظهر حقائق وتخفي أخرى. تدخلنا في عالم الاتصال بفعل العلاقة الناتجة عن وجودها، وعن العلاقة التي تقيمها بين المرسل والمتلقي.
وفي الواقع، الصورة ليست مبنية بشكل مهيكل. والمرسل هو الذي يقوم بهيكلتها وصناعتها وبنائها لتصل إلى المتلقي على الشكل الذي تعرض فيه. لذلك، فهي غير حيادية وتحمل بعدا إيديولوجيا. من خلالها، تُنقل الأفكار والقيم وتتشكل القناعات والاتجاهات لتؤثر في المتلقي.
والصورة موجودة في الحياة اليومية، بكل تجلياتها: في الشوارع والأسواق وفضاءات التعلم والعمل المتعددة وهي مسيرة عبر الشاشات الإلكترونية المختلفة، من تلفزيون وحاسوب وساعة ذكية ولوح إلكتروني وهاتف نقال ذكي، و… لسنا ندري الشكل الذي ستأخذه في الغد القريب…
كما نجدها على أغلفة المنتجات التي نستهلكها والأغراض المختلفة التي نقتنيها، لتجعلنا لا ننام ولا ننهض إلا عليها، ولا نتحرك إلا عبرها ومن خلالها، ولا نتنفس ولا نحيى إلا بها.
وتنتمي الصورة إلى مجال اللغة غير اللفظية، وهي وسيلة تواصلية فعالة يقوم مرسل بإرسالها ومتلق يستقبلها، عبر قناة اتصال، من خلال توظيف منظومة من الوسائل الإقناعية بغية التأثير في المتلقي.
لذلك، الصور التي نراها كل يوم والتي أضحت جزءا من الحياة الاجتماعية ليست حيادية؛ هي محملة بمنظومة من القيم الضمنية المراد تمريرها للمتلقي الذي يتفاعل معها بأشكال مختلفة؛ فهو يشاهدها ويعيد مشاهدتها، يقبلها أو يرفضها، يمنحها تأويلا ويعيد تأويله إياها. وبالتالي، يعيد إنتاج معانيها.
والمرسل حتى يؤثر في المتلقي، يقوم بتنظيمها وبنائها وفق معايير محددة مرتبطة بداية بفكرة تسيرها، وبطبيعة السيناريو والألوان المختارة التي لكل واحد منها دلالة معينة، ثم عن طريق اختيار معين لزوايا التصوير، وأيضا من خلال الموسيقى الموظفة فيها، والنص الذي يرافقها (مكتوب أو شفوي) …
هذه العناصر بامتزاجها ببعضها البعض ستكون بنية هي التي تشكل بنية الصورة كما نصفها وكما نؤولها.
لذلك، فتأثيرها قوي، تمارس علينا سلطة بدون أن نعيَ. لديها “هالة” لا يضاهيها فيها أحد.
وقدرتها على التأثير والإقناع قوية وسلطتها تمارس على الجميع، لأن “الصور عكس الكلمات، يمكن أن تصل إلى الجميع، في كل اللغات، بدون كفاءة أو تعلم مسبق.”[1]
وللصورة تأثير قوي في المتلقي. بيد أنه لا يدركها بشكل مباشر؛ فهي نتاج تمثلات ومعارف مسبقة عنها اكتسبها من ثقافته، بعد سيرورة من إنتاج الدلالات، عن طريق “خطاطة مجردة يطلق عليها البنية الإدراكية أو سنن التعرف أو النموذج الإدراكي”[2]، والتي هي سابقة للأيقونة كتماثل وتشابه مع محتوى الصورة. ونحن لا ندركها بدون وسائط؛ والدلالات الناتجة عنها هي نتيجة سياق ثقافي معرفي علائقي معين.
وعملية تأويل الصور المعروضة تكون فردية مرتبطة بالتجربة الجمالية وذوق كل متلق، والمرتبطة بالخبرات والمعرفة المسبقة والبيئة الثقافية والاجتماعية التي ترعرع فيها كل واحد منا. كل هذه العوامل هي معايير تحدد طبيعة ودرجة المتعة التي تنجر عن تلقي عمل فني أو ثقافي معين.
ومما زاد من قوة وسائل الإعلام والاتصال هو الثورة المعلوماتية التي شهدها العالم في مجال صناعة الصورة.
فبفعل الثورة التكنولوجية الهائلة التي عرفتها البشرية فقد زاد سيط الصورة وزادت قوتها التي لا تضاهيها أي وسيلة اتصال أخرى. وهي تخاطبنا بدون أن نسمع صوتها، منغرسة بلا وعي في ذواتنا ووجداننا؛ فتحرك أحاسيسنا وتقتحم بيوتنا وترافقنا حيثما وجدنا.
هذا من جهة. ومن جهة أخرى، أحدثت تكنولوجيا الاتصال الرقمية ثورة في سرعة وكثافة المعلومات، في عالم افتراضي فتح فرصا أمام الأفراد للتفاعل وبناء علاقات اجتماعية تبدأ وتنتهي عند حدود الشاشة، حيث فتحت آفاقا جديدة وأحدثت تغيرات عميقة في مختلف جوانب الحياة اليومية، واقع عززه الانتشار الموسع للإنترنت، حيث يعد هذا الأخير كنتاج للعولمة التي تمس جميع الأصعدة ومن أسبابها في ذات الوقت..
وقد عزز بروز السمعي-البصري علاقة الإنسان بالصورة، من حيث إن السمعي-البصري لا يتجسد إلا عبر الصورة التي تمنح له هويته وانتماءه ووجوده. وتطور هذا المجال كان مرهونا بتطور التكنولوجيا التي وظفت فيه، وملاحظة التأثيرات المباشرة وغير المباشرة في الأفراد الذين أصبحت الصورة ترافقهم حيثما وجدوا.
فنحن اليوم نتفاعل من خلال الصورة في زمن المرئي، مع كل العروض اللامتناهية التي تعرض علينا عرضا، وتفرض عليها فرضا!
وفي الواقع، العرض (show) يعبر عن تجليات لعلاقات اجتماعية بين الأفراد الذي توظف لأجله الصور، كحوصلة لرؤية شاملة عن العالم.
وقد يأخذ أشكالا مختلفة، عبر العروض الموسيقية والغنائية وعبر المعلومات التي تسير في وسائل الإعلام والاتصال والإشهار… فيتحول إلى نمط من الاستهلاك معبرا عن هيمنة النظام القائم، حيث يتم تحديد ما يجب استهلاكه بمنح ذلك الطابع الجذاب للأغراض المنتجة والخدمات المقدمة. ولا يتم ذلك إلا عبر الصور، كعالم يبدو واقعيا، بيد أنه عالم خرافي يندمج فيه المرئي مع اللامرئي بغية تمرير منظومة من الرسائل المشفرة.
فحتى حاجاتنا اليومية هي حاجات تتجدد بتجدد العروض في عوالم الاستهلاك بتنوعها، في عصر الاختيارات المفرطة.
ونرى أنفسنا في العروض التي تقدم لنا ونسقط ما نشاهده على حياتنا، ونتمثل بها شعوريا أو لاشعوريا، ونتصور بأننا نملك كل تلك الأغراض التي تقدم لنا عبر الصور.
فكيف تتجلى الصورة في مجتمعات الألفية الثالثة؟ وفيم تكمن وظيفتها ودلالاتها المختلفة؟
وكيف توظف في وسائل الإعلام والاتصال التقليدية؟ وفي مواقع التواصل الاجتماعي؟
وكيف توظف في الحياة اليومية؟
وكيف تؤثر في المتلقي؟
وكيف يتفاعل معها المتلقون المختلفو الانتماءات؟
وللإجابة عن هذه الأسئلة، كانت فكرة هذا الكتاب الجماعي الذي ارتأيت أن يتناول المسائل المرتبطة بتجليات الصورة في مجتمعات الألفية الثالثة، مع واقع الفضاء الرقمي، في “زمن المرئي“، مع كل الإشكاليات التي تدور حوله والتحديات والرهانات التي يتعين مواجهتها.
نحن اليوم في زمن “حضارة الصورة“ مع كل التغيرات التي أسفرت عنها في الحياة اليومية. فمع انفجار الثورة الرقمية –التي يعتبر سطو الصورة من تجلياتها- تفرز ظواهر اتصالية-ثقافية جديدة ومتجددة ومتسارعة، تغير ملامح الحياة اليومية، حيث أحدثت هذه الثورة أسئلة لها علاقة وطيدة بالمعيش اليومي للأفراد، بعلاقتهم بالمحيط التكنولوجي الذي هو في تجدد مستمر من خلال خلق نسيج علائقي جديد ومتجدد.
وسيتم البحث في هذا الكتاب عن العلاقة التي يقيمها الإنسان مع التكنولوجيا، وبالتالي مع الصورة، وما ينجر عنها من ممارسات يومية جديدة، أعادت قولبة نسيج الحياة الاجتماعية، وضع عززه الانتشار الموسع للحوامل الإلكترونية بين الأفراد، بحيث أضحى ممكنا لكل واحد منا امتلاك شاشة بل وشاشات خاصة به، يطلع عليها وينقر فيها لوضع تعليق أو إخراج محتوى معين. وبالتالي، فقد أسهمت الشاشات المتعددة التي يمكن أن يستخدمها الفرد لوحده في انتشار ثقافة الصورة في مجتمعاتنا.
ولا يفوتني أن أقدم شكري الخاص إلى الأساتذة المحكمين الذين أبوا إلا أن يلبوا الدعوة عندما طلبت منهم تحكيم المقالات الخاصة بهذا الكتاب، بتقديمهم ملاحظات شكلية ولغوية وعلمية أسهمت في تدارك بعض الهفوات الواردة فيها، وهم التالية أسماؤهم:
وهم أساتذة متوزعون على التراب الجزائري، يشهد لهم على كفاءتهم العلمية وصرامتهم المنهجية.
د. لمياء مرتاض/نفوسي
[1]Régis Debray, Vie et mort de l’image, France, Gallimard, 1992, p.386
[2] سعيد بن كراد، سيمياء الصورة الإشهارية، المغرب، أفريقيا الشرق، 2006، ص.87