تفصيل

  • الصفحات : 151 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2024،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى ،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-782-3.

مقدمة

لقد حضي موضوع الملكية العقارية الخاصة باهتمام كبير منذ القدم على اعتبار أن محلها عقارا، وهذا نظرا لأهميته البالغة في حياة الشعوب والأمم، إذ يعتبر عصب الحياة ومصدرا هاما من مصادر الثروة المتجددة ومقوما فعالا في مجال الاستثمار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول، كما أنه يجسد النزعة الفردية للإنسان ورغبته الطبيعية لحب التملك.

على غرار دول العالم سعت الجزائر جاهدة لتنظيم حق الملكية على العموم والملكية العقارية الخاصة بالخصوص بما يضمن استقرار الملاك والحائزين للأملاك والحقوق العينية العقارية، وبالمقابل ضمان حقوق المتعاملين العقاريين، وتوفير الأمن والاستقرار القانوني، وهذا عن طريق إنشاء نظم قانونية وسن قوانين وضوابط مختلفة تنظم عملية التملك، الاستغلال والتداول، وقد كانت هذه القوانين تخضع للتحيين والتطوير باستمرار تماشيا مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها البلاد، الشيء الذي أثر سلبا على الملكية العقارية الخاصة والتي عرفت تدهورا كبيرا خاصة في ظل التوجه الاشتراكي الذي تبناه دستور 1976 حيث قُيّدت الملكية بقيود محكمة وعلى إثرها تم توسيع الملكية العامة على حساب الملكية الخاصة الشيء الذي أثر سلبا على جميع القطاعات وبالخصوص القطاع العقاري، وعلى إثر التحولات السياسية، الاقتصادية والاجتماعية مطلع التسعينيات وانفتاح الجزائر على اقتصاد السوق وانضمامها للمنظمة العالمية للتجارة، وبصدور دستور 1989 تم انتهاج النظام الرأسمالي الذي فك القيود عن الملكية الخاصة، برفع احتكار الدولة للسوق العقارية وتحرير المعاملات العقارية بتشجيع الاستثمار في العقارات بما يتلاءم مع سياستها، وهذه المبادئ كرسها أيضا دستور 1996 والذي نص صراحة في المادة 64 على أن الملكية الخاصة مضمونة، وهو ما أقرته كذلك المادة 674 من الأمر 75/58 المؤرخ في 26 سبتمبر 1975 المتضمن القانون المدني المعدل والمتمم، والتي اعترفت بالملكية وأعطت الحق لصاحبها بالتمتع والتصرف فيها، شرط عدم استعمالها استعمالا تحرمه القوانين والأنظمة.

إلا أن الأمر لم يكن بهذه البساطة فقد اصطدمت بواقع وإشكالات عويصة تعود أساسا لمختلف المراحل التاريخية التي مرت بها الملكية العقارية، وخاصة ما خلفته فترة الاحتلال الفرنسي والتي شهدت غموض وانعدام السندات القانونية التي تثبت ملكية أو حيازة الشخص للعقار أو الحقوق العينية العقارية، نتيجة الطابع الاختياري للشهر العقاري آنذاك.

وكخطوة من المشرع لإعادة تنظيم هذه الملكية، وما يرد عليها من حقوق عينية والحفاظ على استقرارها والعمل على تطويرها وفق ما تقتضيه التنظيمات الحديثة فقد تبنى سياسة عقارية جديدة تتمثل في تطهير وتسوية الملكية العقارية، فعمد إلى استحداث عملية مسح الأراضي بموجب الأمر رقم 75/74 المؤرخ في 12 نوفمبر 1975 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري المعدل والمتمم، فهذه العملية التي تهدف إلى تحديد النطاق الطبيعي للعقارات والتي تكون هي الأساس المادي للسجل العقاري الممسوك على مستوى المحافظة العقارية المختصة إقليميا من أجل عملية الشهر العقاري المنصوص عليها في المواد 14-15-16 من الأمر 75/74 وفي المادة 793 من الأمر 75/58 المتضمن القانون المدني، وهذا لنفاذ التصرف وترتيب أثره العيني، بغية ضبط الملكية العقارية والملاك وإقرار حق الملكية بصفة نهائية، وإعداد وتسليم الدفاتر العقارية للمالكين والتي تعتبر السند الوحيد لإثبات الملكية العقارية في المناطق التي شملتها عملية مسح الأراضي العام.

كما أصدر المرسوم التنفيذي رقم 76/62 المؤرخ في 25 مارس 1976 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام المعدل والمتمم والمرسوم التنفيذي رقم 76/63 المؤرخ في 15 مارس 1976 المتضمن تأسيس السجل العقاري المعدل والمتمم كذلك، من أجل تفعيل نظام الشهر العيني الذي يتخذ العقار أساسا للشهر بغض النظر عن مالكه، إذ يعتمد في شهر التصرفات العقارية بناء على طبيعة العقار وموقعه وحالته، مما يجعل هذا النظام أكثر فعالية وضمانا للمتعاملين في ظله.

مما لاشك فيه أن الآليات القانونية لإثبات الملكية العقارية الخاصة الخاضعة لنظام الشهر العقاري الشخصي، تميزت بعيوب وانتقادات ونزاعات جمة، وأثبتت عدم نجاعتها كآليات قانونية لإثبات الملكية العقارية الخاصة، وبالتالي كان من الضروري القيام بعملية تطهير الملكية العقارية الخاصة من خلال القيام بعملية مسح الأراضي العام، واستحداث آليات بديلة لإثبات الملكية العقارية الخاصة وتبني نظام شهر بديل، بغرض تحقيق الهدف المتوخى من عملية الشهر العقاري، كما أنه ومن الواضح جليا أن السياسة العقارية الجزائرية متجهة نحو تعميم نظام الشهر العقاري العيني، الذي يرتكز بالأساس على عملية مسح الأراضي العام التي تعتبر ذات أهمية بالغة في مجال تطهير الملكية العقارية باختلاف أنواعها، ووضع حد للمشاكل التي تعتريها، مما يسهل عملية استثمارها واستغلالها بشتى أنواع الطرق القانونية، وهو الأمر الذي دفع بالمشرع لإصدار القانون المنظم لعملية المسح العقاري بموجب الأمر رقم 75/74 المؤرخ في 12 نوفمبر 1975 المتضمن مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري، وكذا المرسومين التنفيذيين رقم 76/62 و76/63 المؤرخين في 25 مارس 1976 المتعلقان بمسح الأراضي العامة وتأسيس السجل العقاري، ونظرا للتأخر الكبير الذي عرفته هذه العملية فقد قام كخطوة ثانية بإصدار المرسوم التنفيذي رقم 89/234 المؤرخ في 19 ديسمبر 1989 المتضمن إنشاء وكالة وطنية لمسح الأراضي وتزويدها بكافة الوسائل الضرورية لإتمام وإنجاح عملية المسح العقاري.

على حسب التسلسل الزمني للوقائع، سأقوم بدراسة مسح الأراضي العام ودوره في إثبات الملكية العقارية الخاصة (مبحث أول)، ثم دراسة الدفتر العقاري المسلم في نهاية هذه العملية وإبراز دوره في إثبات الملكية العقارية الخاصة(مبحث ثاني).