تمثل هذه المطبوعة البيداغوجية مجموعة محاضرات عددها أربع عشرة محاضرة، قُدّمت لطلبة السنة الثالثة ليسانس (ل م د) تخصص دراسات نقدية، التزمنا فيها بمفردات المادة، بتبسيط مناهج النقد لطلبة هذه المرحلة التعليمية، نظرا لصعوبة استيعابهم لها، وهذا ما فرضَ طريقةً خاصةً في تقديم المادة العلمية، وذلك من خلالِ تبسيط المصطلحاتِ والمفاهيم الرئيسية المرتبطة بهذا المنهج النقدي، بالوقوف على المرجعيات المعرفية والفكرية التي شكّلت هذا الصَرح المنهجي.

هذا الجهدُ العلمي لم ينشأ من فراغ، بل اعتمد  في تحريره على مجموعة معتبرة من الكتب والمؤلفات المعتبرة، التي اشتغلت في الموضوع نفسه، وكانت السباقة لطرحِ قضاياه، سواء عربية أو مترجمة.

تأسيسا على ما سبق تشكلت محاور هذه المحاضرات في مادة “النقد البنيوي”، التي قدّمت لطلبة السنة الثالثة ليسانس (ل م د) – السداسي الخامس-، خلال الموسم الجامعي: 2018/2019.

لقد كانَ للمنهج البنيويّ في النقد الأدبي المعاصر إرهاصاتٌ مختلفة، بدأت من حقلِ الدراسات اللغويّة وأفكار السويسري دي سوسير عن اللغة وثنائيّاتها كثنائية اللغة والكلام وما تتضمّنه اللغة من أبنية لُغويّة، وثنائيّة المحورين التاريخي التطوري للغة والتزامني الوصفي، وثنائيّة عِلْمَيْ اللغة الداخلي والخارجي، ثمّ جاءت دراسات الشكلانيّين الروس عن الشكل الأدبي ودلالاته بمفهوم قريب جدًا من البنية، وما أسهم به رومان جاكبسون في حلقات براغ اللغوية، وتلتها دراسات مدرسة النقد الجديد في أمريكا وتركيزها على المفاهيم الوظائفية للغة، وأفكار ليفي شتراوس عن أثر النموذج اللغوي في التحليل التاريخي، وتحليله لسونيت القطط لبودلير مع جاكبسون، وما وازاها من دراسات التحليل النفسي البنيوي عند جاك لاكان ومزجه بين عمليات التّداعي في الوعي والبنية اللغويّة.

تسعى هذه المحاضرات إلى الكشف عن المنهج البنيوي، على اختلاف أسسه الفلسفية والمعرفية، وعن أهم مقولاته واتجاهاته وأعلامه، ليكون الهدف الأسمى من وراء هذا الكشفِ معرفةُ الطالبِ للمنعرج الفكري والمعرفي للنقد البنيوي، كما تكشف هذه المحاضرات عن توسع مجال الدراسات النقدية المعاصرة، وثرائها معرفيا ومصطلحيا، بالوقوف عند أهم إيجابيات هذا المنهج في مقاربة وتحليل النصوص، دون إغفال مآخذه وعيوبه.

وفي الأخير نرجو أن تُيسر هذه المحاضرات على الطلبة فهم النقد البنيوي، وطرائق مقاربتهِ للنصوصِ.