تفصيل

  • الصفحات : 133 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2024،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى ،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-886-8.

مقدمة :

تعتبر الانتخابات آلية للتدبير السلمي للمنافسة على الاحتفاظ بالسلطة والنفوذ، أو السعي لامتلاكهما، وحينما تجرى بمصداقية فإنها تمنح الحكومة شرعية مستمدة من مواقف الشعب، وهو ما يعين الدولة على ضمان أمن المجتمع من خلال سلطة شرعية تعمل في ظل ثقة متبادلة بين الحكام و المحكومين.

إن لمسالة انتقاء النظام الانتخابي أهمية بالغة لأي نظام ديمقراطي وهو ما يفسر التركيز المتزايد على دراسة الأنظمة الانتخابية بغرض اختيار أفضلها و أكثرها تمثيلا و عدالة ، باعتبار أن عملية اختيار النظام الانتخابي عملية سياسية بحتة، فهي ليست فنية خاصة بمتخصصين محايدين، بل في الواقع تلعب المصالح السياسية  دورا هاما إن لم نقل الدور الرئيسي و الوحيد أحيانا،

وعلى الرغم من الأهمية البالغة التي تتمتع بها عملية انتقاء النظام الانتخابي في الآثار السياسية المترتبة عنه و التي تمس العديد من الجوانب كالحياة الحزبية و معدلات المشاركة، وتشكيلة المجالس….، إلاّ أن إجراء أي موعد انتخابي يجب أن يصاحب بآليات فعاّلة لضمان حسن سيره و الحصول على أقصى درجة من الحرية والعدالة والنزاهة ، وذلك بتقنين قواعد قانونية ملزمة لجميع الأطراف تحدّد المبادئ المحورية و الآليات الإجرائية الصحيحة التي تصاحب كافة مراحل العملية الانتخابية، و تضمن  الترجمة الحقيقية لإرادة للناخبين وتطلعاتهم او عكس ذلك تماما .

وعليه  تشكِّل الانتخابات لحظة فارقة في حياة الأنظمة السياسية الديمقراطية للوقوف على منجزات صنَّاع القرار ، إما لتجديد الشرعية للحكم القائم، أو لولادة شرعية جديدة لحكام جدد، لهذا لا يُنْظَر للعملية الانتخابية في الأنظمة الديمقراطية باعتبارها عملية إجرائية وآلية لتداول الحكم، بقدر ما هي عملية معيارية للفرز والتقييم من أجل تأكيد ممارسة الشعب لسيادته عبر اختيار صناع القرار في الشأن العام، وهو الحق الذي يمارَس عن طريق الاقتراع العام الحر والنزيه

بالموازاة، ففي الأنظمة السلطوية تعتبر مسالة مصداقية الانتخابات المرحلة المنشودة بصفة أولية حيث عادة ما  يكون موعد الانتخاب فيها فرصة لتجديد شرعية النظام القائم و تكريس ديمقراطية الواجهة عبر تنظيم انتخابات شكلية تكون نتائجها محسومة مسبقا كونها ستجرى وفق نظام انتخابي مصمم للحفاظ على مصالح تيار سياسي معين ، او مصمم للحيلولة دون تمكين تيار سياسي اخر من الوصول الى السلطة.

ومن أجل الوصول إلى التعبير الحقيقي عن إرادة المواطنين عرفت الانتخابات عدة أشكال وأنظمة لتحقيق هذا الهدف، ويعرف كل نظام انتخابي مجموعة من الإيجابيات والسلبيات تختلف باختلاف الظروف السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ،ويختلف تصميم النظم الإنتخابية في الدول الديمقراطية سواء الراسخة أم الناشئة، بحسب ظروفها، تاريخها، الثقافة السائدة فيها، تقاليدها السياسية، تركيبة شعبها و انتماءاتها، كما لا يوجد نظام سياسي وحيد لا توجد طريقة انتخابية واحدة تلائم على قدم المساواة كل الدول وشعوبها، فقط يجب أن تعزز هاته النظم الانتخابية تنفيذ مبدأ الانتخابات الدورية والصادقة وفقا لإرادة شعبها في أن تختار بحرية، وأن تطور أنظمتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بما يتماشى مع ذلك.

لم يواجه التطبيق العملي للدراسات السياسية المقارنة للفكر الديمقراطي تحديا أكبر من إشكالية كيفية ضمان حرية ونزاهة الانتخابات ، فمنذ أن عرف العالم الانتخاب كأساس لإسناد السـلطة السياسية بدأت تثار مسالة البحث عن الضمانات و الاليات الواجب توفرها حتى تأتي نتائجه معبرة حقيقةً عن نبض وإرادة الشارع السياسي، سواء كانت تلك الضمانات تتعلق بالمراحل التمهيدية للعملية الانتخابية أو تعاصر إجرائها أو تصاحب إعلان نتائجها، بغية إصلاح ما قد تتمخض عنه هذه النتائج من عواقب( كانعدام المشروعية السياسية في مؤسسات الحكم ، العزوف الانتخابي ، عدم الثقة بين الشعب و الدولة )،

في الحالة الجزائرية،  شهد النظام الانتخابي في الجزائر العديد من التغييرات و التعديلات كانت مرتبطة بالظروف السياسية وطبيعة نظام الحكم وشكله ، بدءا من فترة الحزب الواحد ووحدة القيادة السياسية للحزب والدولة مرورا بفترة  الانتقال إلى التعددية الحزبية بموجب دستور1989 و ما رافقها من توقيف للمسار الانتخابي واعلان حالة الطوارئ وتوقيف العمل بالدستور ،مرورا بأحداث ما يسمى ب”الربيع العربي” سنة 2011 و احداث المظاهرات التي اطلق عليها “احداث السكر و الزيت” و التي ادت الى صدور ما يسمى “بقوانين الاصلاح السياسي” سنة 2012،  وصولا الى احداث “الحراك الشعبي” في فيفري 2019 ، و ما نتج عنها  من استقالة رئيس الجمهورية و الاعلان عن انتخابات مسبقة مختلفة عن سابقاتها من خلال محاولة اضفاء صفة المصداقية عليها باستحداث سلطة وطنية مستقلة للانتخابات سنة 2019 ، تتشكل من كفاءات وطنية مستقلة تكلف بمهمة الاشراف و الرقابة على كافة مراحل العملية الانتخابية باستقلالية وحياد ، حيث تم تعديل الدستور سنة 2020 و تبعه تعديل القانون المنظم للانتخابات  سنة 2021  .

لهذا من الأهمية بمكان معرفة تعديلات النظام الانتخابي من خلال قوانين الانتخاب في الجزائر التي تحدد فيها قواعد و أسس اللعبة الانتخابية، وكذا الاحاطة بمختلف المتغيرات البيئية المؤدية الى اصدار هاته التعديلات و التغييرات و في الاخير استنباط نية مهندسيها ومن ورائهم السلطة السياسية القائمة، إما التفتح على المجتمع و الاستعداد لقبول نتائج الصندوق الحقيقية بتقديم ضمانات حقيقية واليات تضمن تنظيم انتخابات ديمقراطية تحول دون تزوير ارادة الشعب، ومنه منح المشروعية للمؤسسات المنبثقة عنه و عودة الثقة بين الشعب و السلطة. واما تعديل النظام القانوني للانتخابات لاتخاذه كاستراتيجية للبقاء في السلطة بنية اعادة انتاج نفس النخب السياسية واتخاذ الانتخاب فقط كآلية ديمقراطية شكلية لتجديد مشروعية النظام سواء الداخلية او الدولية.

يتضمن كل من قانوني الانتخابات محل الدراسة المقارنة  مجموعة من الأحكام العامة والخاصة تختلف باختلاف الاستشارات الانتخابية بالإضافة الى ادارة العملية الانتخابية بدءا من المرحلة التمهيدية مرورا بإجراءات الحملة و عملية التصويت ثم الفرز و اعلان النتائج، وانتهاء بمرحلة الطعون و الاحكام الجزائية المرتبطة بالمخالفات. وذلك ضمن ثمانية ابواب ، مما يتعين علينا القيام بضبط بعض المصطلحات وتحديد متغيرات دراستنا  وفق اشكالية اساسية مفادها : ما هي ابرز التعديلات التي جاء بها الامر 21/01  مقارنة بالقانون العضوي 12/01  المتعلقين بنظام الانتخابات  في الجزائر؟