تفصيل

  • الصفحات : 131 صفحة،
  • سنة الطباعة : 2024،
  • الغلاف : غلاف مقوى،
  • الطباعة : الأولى ،
  • لون الطباعة :أسود،
  • ردمك : 978-9931-08-856-1.

مثّل الشّعر العبّاسِي مدوّنةً مهّمةً للنّقد العربي، حيث استطاع تصوير درجة الازدهار الفكري والحضاري، فشعر هذه المرحلة وصل إلى مستوى عالٍ من التّطور والنّضج، فاكتسبَ صورةً جديدةً معتمداً على ما سَبقهُ من شعر عصورٍ سابقةٍ من جانب، ومتأثّراً بالازدهار الفكري والحضاري والمعرفي في العصرِ العبّاسِي من جانبِ آخر، استطاع الشّعر العباسي منذ عقودٍ طويلة طرح العديد من القضايا التي ساعدت على تحديد قواعد النّظرية الشّعرية عند العرب قديمًا وحديثاً، بدأت بمسألةِ الجودةِ الشّعرية وامتّدت إلى الاتجاهات النقّدية العربية الحديثة.

وقد اهتمّ النّقد العربي جملة بالتّجربة الشّعرية العربية، فعالجَ قضاياَ ومباحث مهمّةَ كمفهوم الشّعر، ومقوّمات اللّغة الشّعرية في القصيدة العربية، خاصّة ما كانَ من خصوماتٍ ومفاضلاَتٍ حول الشّعراء، والتّي كان من أبرزها ما أُثيرَ حول أبي الطيّب المتنبيّ وشعره، حيث خلقت جدلاً واسعاً بين النّقاد من عصرهِ إلى اليوم، ولعلّ أهمّ قضيةٍ اشتغل بها الّدارسون لشعرِ “المتنبي” هي مدى مطابقة شعره ومقايسته بالشعّر الأصلي والنّموذجي (الجاهلي)، بناءً على ما سبق جاءت هذه الدّراسة التّي سنحاول من خلالها الاهتمام بجوانب من النّظرية النّقدية العربية، ألا وهي الشّعرية ومفاهيمها وعلاقاتها بالنّقد الأدبي عند العرب، وهذا من خلال دراسة “شعرية” أبي الطّيب المتنبّي”.

فالشّعرية باعتبارها باحثَةً عن الجمالية بين عناصر الخطاب اللّغوي في مختلف المستويات الصّوتية والتّركيبية والدّلالية وغيرها، تعتبر شاملة في مباحثها، ما صعّب من مفهومها، “الشعّرية Poétique” كمصطلح استخدم كثيراً خاصّةً وأنّهُ مترجم عن الغرب حتّى أصبحَ مصطلح يُعتمد لترويج الكتب والمقالات، فلا تكادُ تجد دراسةٍ نقدية أو أدبية إلاً وتحمل مصطلحاً “الشعرية”، في حين أنّ المفهوم العام للشّعرية هو أنّها نظرية الأدب الحديثة التّي تُعنىَ بدراسةِ الأجناسِ والأشكالِ والصّيغ والأساليب، كما تدرسُ فروع هذه المصطلحات من محاكاةٍ وتخييل وعلاقة الأدب بالواقع الاجتماعي والتّاريخي والنّفسي في إطار اللغة وظروف إنتاجها.

تهدف هذه الدّراسة إلى مناقشةِ عدّة تساؤلات وإشكاليات يتَّصل بعضها بمفهوم نظرية الشِّعر ومجالاتها، ويتَّصل البعض الآخر بالنّقد العربي ومشروعه، وأيضاً بالمقوِّمات الشّعرية لقصيدة المتنبّي، وكذا تجلّياتها في شعره، وللإجابة عن هذه الإشكاليات ومناقشتها، جاءت الخطّة كالآتي:

جاء الفصل الأول بعنوان مفاهيم الشِّعرية قديماً وحديثاً، ضمَّ أوَّلا مفهوم الشِّعرية عند الغرب: بدايةً بالمصطلح Poétique وترجماته ومفاهيمه عند الغَرب، انطلاقاً من الشعرية القديمة عند كل من (أرسطو – أفلاطون) ومفاهيم المحاكاة والتَّطهير، وأيضاً أصول النّظرية الشّعرية الغربية، ثم ناقشتُ موضوع الشِّعرية العربية الحديث عند كل من “رومان جاكبسون  وتودوروف todorove” وغيرهم إضافةً إلى مجالات النّظرية الشعّرية عند الغرب وعلاقاتها بالمناهج اللّغوية المختلفة كالأسلوبيات واللّسانيات…

ثانيا: عرضت وناقشت إسهامات النَّقد العربي في تحديد النّظرية الشّعرية العربية، فقسَّمتُ مراحل النقّد العربي القديم إلى مرحلتين: النّقد النّظري والنقّد التَّطبيقي، فناقشت قضايا مهمّة ميّزت الشعّر العربي القديم عامّةً (اللّفظ والمعنى/ القديم والجديد/ البديع – التّخييل/ عمود الشّعر/ الموازنة/ الوساطة)، كما وقفتُ أيضاً عند أبرز النَّقاد المؤسّسين لنظرية الشِّعر عند العرب أمثال “ابن سلام الجمّحي/ ابن طباطبا/ قدامة بن جعفر/ الجرجاني(الوساطة) الآمدي القرطاجني….).

أمّا الفصل الثّاني فقد ضمّ دراسةً تطبيقيةً حول شعر المتنبي” حولت من خلالها العمل على إبراز مقوّمات اللّغة الشعّرية عند هذا الشَّاعر، فاخترت مقوّماً مهّماً من مقوِّمات “الشعّرية Poétique” وهو التَّوازي parallélisme فدرستُ به القصيدة الميميةَ المشهورة “على قدر أهل العزم” عبر ثلاث مُستويات (الصَّوتي/ التَّركيبي/ الدّلالي).

بدأت أوَّلاً بالحديث عن مفهوم التّوازي وأشكاله في النَّقدين الغربي والعربي، ثمَّ مفهوم التّوازي وأشكاله في النَّقدين الغربي والعربي، ثمّ انتقلت إلى تطبيق آلياته في القصيدة المختارة، لإبراز أهمِّ مواطن “التَّوازي” في القصيدة عبر مستويات اللّغة الشِّعرية عند أبي الطَّيب المتنبِّي”.

اعتمدت هذه الدّراسة على المنهج الوصفي وفق مقاربة شكلية جمالية لشعر “المتنبي”، وهذا من خلال عرض مفاهيم الشعرية في شقَّيها الغربي والعربي، وبسط مقولاتها ومن ثمّ البحث عن مواطن الجمالية والشِّعرية.

تُوِجّ هذا البحث في الأخير بخاتمةٍ ضمّت أهمّ النَّتائج المتوصّل إليها، من خلال هذه المحاولة المتواضعة لدراسة شعرية “أبي الطّيب” وكشفت أسرارها ومميِّزاتها وجمالياتها، وأيضاً تفرّدها بين الشّعراء.