تفصيل
- الصفحات : 430 صفحة،
- سنة الطباعة : 2021،
- الغلاف : غلاف مقوى ،
- الطباعة : الأولى،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-08-116-6.
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وآله الطيبين الطاهرين،وصحبه الغر الميامين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد :
فقد أبدع الله جلَّ جلاله بخلق نظاماً كونياً متقناً ينبضُ بالحياة على وفق قانون إلهي خصّ به نفسه سبحانه وتعالى،وربط موجُوداته التي تتميز بالتنوّع والتعدد والإختلاف بعلاقات أزلية يتحكم بها فهي بلا ريب سنّة إلهية كونية مُطردة في مخلوقاته. وأن هذه التعددية هي في إطار وحدة الأصل الذي خلقه الله سبحانه وتعالى. فالإنسانية التي خلقها الله من نفس واحدة تتنوع إلى شعوب وقبائل وأمم وأجناس وألوان، وكذلك إلى شرائع في إطار الدين الواحد، وإلى ثقافات وحضارات في إطار المشترك الإنساني الواحد، الذي لا تختلف فيه الثقافات. كما تتنوع إلى عادات وتقاليد وأعراف متمايزة حتى داخل الحضارة الواحدة، بل والثقافة الواحدة وقد تأكد ذلك في قوله تعالى:﴿يَاأَيُّهَاالنَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾([1]).
إنّ لهذه الفروقات والتمايز بين المخلوقات مقاصد عدة منها :
وفقاً لذلك كله وختاماً لرسالاته بعث الله تعالى نبيه محمدا(صلى الله عليه وسلم) للناس هدايةً ورحمةً، المأموافقين والمخالفين، حتى جعلت البشار قبل النذارة في دعوته،قال تعالى:﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾([4]).
وجعل مبعثه في مكَّة المكرَّمة في جزيرة العرب ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾([5])وسط العالم الذي أهلكته ظلمات الجهالة، وجف ينبوعه الإنساني بقوى الأنانية، والفردية، والذاتية الذي ينقصه العطاء بما يحمله من معانٍ وفَهْمٍ. فوضع الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) القواعد الشرعية التي تكفل التعايش البشري الراقي، وينهى عن كل ما يدعو إلى الأحقاد والضغائن، واحتقار الخلق،كما قال 🙁 إن الله قد أذهب عنكم عُبِّيَّةَ([6])الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بالآباء مُؤْمِنٌ تَقِىٌّ وَفَاجِرٌ شَقِىٌّ أنتم بنو آدم وآدم من تراب لَيَدَعَنَّ رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو لَيَكُونُنَّ أهون على الله من الْجِعْلاَنِ التى تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتْنَ ) ([7])، فبين (صلى الله عليه وآله وسلم) أصل الخليقة، ونهى عن التفاخر الممقوت، ووضح أسس التفاضل المحمود الذي يحقق للبشرية السعادة والرقي المنشود عن طريق التعايش السلمي الذي سنه النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وأبهر المستشرقين، فقد عظّم شأنه ( آتيين دينيه ) قائلاً :”لقد دعا عيسى (عليه السلام)، إلى المساواة والأخوة، أما محمد صلى الله عليه وسلم فوفق إلى تحقيق المساواة والأخوة بين المؤمنين أثناء حياته “.إن الحياة المشتركة بين أفراد المجتمع تحتاج من جميع أفرادها القبول بتعايش قائم على العدل والمساواة، والاحترام المتبادل من كل أطرافه، الإبن مع أبيه، أو الزوجة مع زوجها،أو الصديق مع صديقه، أو الجار مع جاره إلى غيرهم من أفراد المجتمع، ولذلك عندما أقام النبي × العلاقات بين أفراد مجتمعه الجديد، أقامها على أسس إنسانية تجاوز بها كل الاختلافات والفوارق بين أفراد المجتمع.
ويهدف هذا التعايش إلى تحسين مستوى العلاقة بين شعوب أو طوائف، وربما تكون أقليات دينيّة، ويُعنى بالقضايا المجتمعيّة كالإنماء، والاقتصاد، والسلام، ويُسمى عند البعض بالتسامح . والتعايش بين أتباع الشرائع المختلفة لا يرفضه الإسلام، ويدل عليه معنى البر والإحسان والقسط الوارد في مثل قوله تعالى : ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾([8]).
فالإسلام دين السلام ويدعو إلى السلام، والمسلم يعيش في جو السلام، ويشيع السلام فيما حواليه في محيطه الخاص والعام، وفي بيئته وفي مجتمعه.وحتى في دعوته للمخالفينأمر بدعوتهم إلى الله -سبحانه- بالوسائل المشروعة، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وإنقاذهم من شقاء الدنيا وعذاب الآخرة قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)” فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم”([9])، وقال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾([10])،فيجب على المسلم أن يدعوا الناس إلى الخير، وأن يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويحرص على هدايتهم , وهل هناك خير أحسن وأعظم للمخالف من هدايتهللإسلام؟ وعليه فمن أعظم أنواع البر والإحسان إليه، دعوتهم إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة, ومن الموعظة الحسنة ما قاله تعالى للأسرى المشركين : ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾([11]).
وفي هذا غاية الملاينة والملاطفة في دعوتهم إلى الإسلام، وأنّ الله سيعوضهم عن الفدية التي أخذت منهم إن هم أذعنوا للإسلام وآبوا إلى الله ورسوله (صلّى الله عليه وسلّم).وحذر الإسلام كل الحذر من ظلمهم، لأن الظلم حرام مُطلقاً، فلا يجوز أن يُظلم أحد منهم في نفس أو مال أو عرض، فالذمي والمستأمن والمعاهد في دولة الإسلام وظل شريعة الرحمن يُؤدى إليه حقه، فلا يُظلم مثلاً في عرضه بغيبة أو نميمة، ولا في ماله بسرقة أو غش أو خيانة، ولا في بدنه بضرب أو قتل، لأن كونه معاهداً أو ذمياً في البلد أو مستأمناً يعصمه , قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾([12]). قال ابن جرير في تفسيرها:”لا يحملنكم عداوة قوم على أن لا تعدلوا في حكمكم فيهم، وسيرتكم بينهم؛ فتجوروا عليهم من أجل ما بينكم وبينهم من العداوة…”([13]).
والآيات التي فيها الأمر بوجوب العدل مع الناس جميعهم كثيرة،وأول من نادى بحقوق الإنسان وشدد على ضرورة حمايتها،وكل دارس للشريعة الإسلامية يعلم أن لها مقاصد تتمثل في حماية حياة الإنسان ودينه وعقله وماله وأسرته، والتاريخ الإسلامي سجل مقولة الإسلام الخالدة في مواجهته الحاسمة لانتهاك حقوق الإنسان : ” متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا “. فلم يُعرف في التاريخ البشري فاتحاً أعدل ولا أرحم من العرب على حد رأي (غوستاف لوبون)، كما إن لمثل هذه المواقف الرائعة دفع بطريك بيت المقدس في القرن التاسع للقول عن العرب في كتابه إلى بطريرك القسطنطينية:” إنهم يمتازون بالعدل، ولا يظلموننا البتة، وهم لا يستخدمون معنا أي عنف ” . ومن ألطف الأمثلة الرائعة على ذلك أن مفاتيح كنيسة يوم القيامة في القدس لاتزال بيد عائلة مسلمة الى وقتنا الحاضر .. كما أن الكنيسة لاتزال تحتفظ بكناب الصلح والتعايش الذي أمضاه الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى الآن .
فالحضارة في عمقها وجوهرها، هي القدرة العالية على المشاركة في صنع الحاضر وصياغة المستقبل، والتعايشالثقافي والتساكن الحضاري،هما اللذان يمهدان للحوار الذي هو ضرورة من ضرورات العيش، فالحوار بين الثقافات والحضارات، وبين الأفراد والجماعات،وبين الشعوب والحكومات، وبين المؤسسات والمنظمات،هو الوسيلة المثلى لتحقيق التوازن في الحياة الإنسانية، فالعالم في هذا الطور من التأريخ، محتاج إلى الحوار الحضاري منهجاً ووسيلة لتفادي الصدام ومنع نشوب الحرب بين الناس .
وبهذا يكون التعايش من قيم الانسانيةومبدأ من مبادئ الحفاظ على حقوق الإنسان، وينتج عن طريق اللقاءات التحاورية والتواصلية بين ممثلي مختلف الديانات السماوية للعمل على سيادة الأمن والسلام في العالم، لذلكلا يقتصر حوار الديانات على التعريف بمبادئ كل ديانة والدفاع عنها فحسب بل أصبح يشمل قضايا السلام العالمي، ونبذ الحروب والعنف ومكافحة الفوارق الاجتماعية وصيانة كرامة وحقوق الإنسان والمحافظة على البيئة،ويقوم حوار الأديان على مجموعة من الشروط الإنسانية التي جسدها الرسول الكريم(صلى الله عليه وسلم) واتباعه،من خلال التعاليم الكونية الربانية المتمثلة بالقرآن الكريم. فالرسول الأمين (صلى الله عليه وسلم)بلا ريب يتحلى بكل سمات القيادة لكل القوميات والأجناس. وتميزت سيرته (صلى الله عليه وسلم) بوضوحها وإنسانيتها وبساطتها وشموليتها، فهي مدرسة رصينة للبشر جميعا في كل زمان ومكان، ومن أمثلة ذلك: انه صلى الله عليه وسلم استطاع أن يشكل مجتمعاً موحداً رصيناً في المدينة المنورة بالرغم من اختلاف جذري بين شرائح المجتمع فيها من حيث الأديان والعقائد والأمزجة المتباينة.
مما تقدم فإن المشكلة التي يعالجها هذا الكتاب تكمن في ضعف دور الفرد والمجتمع بكل أطيافه ومشاربه والمؤسسات التربوية والإعلامية في المحافظة على النسيج المجتمعي، وتحقيق الأمن المجتمعي، وصيانة التعايش السلمي، لذا جاء الكتاب لإظهار دورنا وما يجب علينا تجاه هذه المهمة الجسيمة والأمر الجلل، وأيضا لتحقيق عدة أهداف منها:
ويأتي الكتاب ايضاً ليجيب على عدة أسئلة منها:
واعتمد الكتاب على المنهج الاستقرائي وواقع الحال في أكثر البلدان العربية والإسلامية وغير الإسلامية، وما كتبه الباحثون والمفكرون في هذا المجال، واقتضت منهجية الكتاب تقسيمه الى مقدمة وتمهيد وعشرة فصول وخاتمة وقائمة بأهم المصادر والمراجع، وعلى النحو الآتي :
الفصل الاول : مفهوم آداب التعايش السلمي.
الفصل الثاني: من صور التعايش في القران الكريم.
الفصل الثالث: من صور التعايش في السنة المطهرة.
الفصل الرابع : وثيقة المدينة ميثاق الأمن والسلام .
الفصل الخامس : من صور التعايش في الفقه الإسلامي.
الفصل السادس :من صور التعايش في التاريخ الإسلامي.
الفصل السابع : شهادات غير المسلمين على تعايش المسلمين .
الفصل الثامن : ضوابط التعايش مع غير المسلمين .
الفصل التاسع: مسؤولية الدولة والفرد والمجتمع والمسجد في ترسيخ قيم التعايش السلمي.
وفيه ثلاثة مباحث :
المبحث الاول : مسؤولية الدولة في ترسيخ قيم التعايش السلمي.
المبحث الثاني : دور الفرد والمجتمع في تحقيق التعايش السلمي.
المبحث الثالث : دور المسجد في تحقيق التعايش السلمي والامن الاجتماعي.
الفصل العاشر: مسؤولية الاعلام والمؤسسات التربوية في ترسيخ قيم التعايش السلمي في المجتمع.
وفيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : تعريف الإعلام وبيان نشأته وتطوره ووسائله، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الاول : تعريف الإعلام لغة واصطلاحاً.
المطلب الثاني : نشأة الإعلام وتطوره.
المطلب الثالث: وسائل الإعلام.
المبحث الثاني : الإعلام الرشيد صناعة حضارية وسبيل للسلام والوئام، وفيه مطلبان:
المطلب الاول : التوجهات الحاكمة للإعلام المعاصر.
المطلب الثاني : تأصيل وتفعيل دور وسائل الإعلام الرشيدة.
المبحث الثالث: دور المؤسسات التربوية والإعلامية في ترسيخ قيم التعايش السلمي والأمن المجتمعي .
والحمد لله في البدء والختام
المؤلفون
([5]) سورة البقرة، الاية 143 .
([7])سنن ابي داؤو والترمذي وقال صحيح حسن .
([9])رواه البخاري، ومسلم من حديث سهل بن سعد – رضي الله عنه-.
([13])جامع البيان في تأويل القرآن: محمد بن جرير الطبري،مؤسسة الرسالة،الطبعةالأولى، 1420 هـ – 2000 م، (10/95) .