تفصيل
- الصفحات : 260 صفحة،
- سنة الطباعة : 2022،
- الغلاف : غلاف مقوى،
- الطباعة : الأولى،
- لون الطباعة :أسود،
- ردمك : 978-9931-08-268-2.
يعتبر تطور المنظومة القانونية من أهم الاسباب التي أدت إلى ظهور السلطات الإدارية المستقلة، كفئة قانونية تقوم بمهمة الضبط في القطاعات المختلفة بدلا من الدولة، لكن هذه السلطات كانت محل العديد من النقاشات وطرحت العديد من التساؤولات، خاصة فيما يتعلق برقابة القضاء بصفة عامة عليها، ورقابة القاضي الاداري بصفة خاصة، نظرا لطبيعة هذه الأخيرة خاصة وأنها قد واكبت الأزمات الإقتصادية المختلفة، ففي الجزائر كان ظهورها نتيجة للأزمات الاقتصادية، فكانت بمثابة المفتاح للخروج منها.
والسلطات الإدارية المستقلة ترتبط في وجودها بالقيام بمهمة ضبط القطاعات المختلفة، خصوصا القطاعات الإقتصادية، لكن وفقا لما يتناسب مع تمكين الحقوق وحماية الحريات، وكذلك ضرورة تمتعها بالمشروعية في غياب النصوص الدستورية وتمتعها بالاستقلالية المالية والمعنوية، كنتيجة حتمية لدورها المحوري وسلطاتها المتعددة، وأوجب المشرع إخضاعها للرقابة القضائية سواء على أعمالها التنظيمية أو سلطاتها العقابية، فكرس بذلك قواعد الرقابة القضائية الإدارية على أعمالها، خصوصا وأنها تستعمل إمتيازات السلطة العامة لممارسة مهامها الضبطية، فبعد ظهور المرافق الصناعية والتجارية وتغير موقف القضاء الإداري خاصة إزاء نظرية المرافق، عاد معيار السلطة العامة ليؤكد أن الفصل بين قواعد القانون الإداري والقانون الخاص، يكمن في فكرة السلطة العامة، فالقانون الإداري يكون هو الواجب التطبيق إذ لجأت الإدارة إلى استخدام بعض إمتيازات السلطة العامة وهو ذات الحال بالنسبة للسلطات الإدارية المستقلة، وهذا يعني أن تحديد ولاية القانون الإداري تبنى بالأساس على الوسيلة التي تستعملها تلك الجهة.
كما أن لمهمة الضبط التي تمارسها تلك السلطات، أهمية بالغة بما تحتويه من رقابة وتوجيه وإشراف على القطاعات المختلفة، وتستعمل في سبيل ذلك العديد من الصلاحيات البالغة الخطورة في أثارها، وكما نعلم فإن مقياس الحقوق والحريات في الدولة يقاس بمدى فعالية الحماية القضائية الإدارية التي تمارسها الدولة وهو ما يبرز ويبرر أهمية الرقابة القضائية الإدارية كضمان لحل إشكالية غياب النصوص الدستورية المقومة لأعمال السلطات الإدارية المستقلة، فتخضع السلطات الإدارية المستقلة لرقابة القضاء الإداري بالرغم من كونها هيئات غير تقليدية وخارجة عن السلطات الثلاثة في الدولة، كما أن النصوص المنشئة لها أخضعتها لرقابته، كما أن الفقه الإداري هو الآخر أخضع أعمالها لرقابة الشرعية من طرف القاضي الإداري مبررا هذا الطرح بحجة حماية الحقوق والحريات.
فالسلطات الإدارية المستقلة تتمتع بسلطة تنظيمية تتمثل أساسا في تحديد القواعد المطبقة على المجالات والقطاعات المعنية برقابتها عن طريق إصدار الأنظمة وكذلك السلطة العقابية التي تمنحها صلاحية توقيع جزاءات ضد المخالفين للقواعد والأنظمة الصادرة عنها، فهذه السلطات تمارس وظيفة رقابية ومقابل ذلك هذه الوظيفة تخضع للرقابة القضائية الإدارية، حيث يمارس القضاء الإداري الرقابة على أعمالها كقاعدة عامة ويقع الإختصاص بالرقابة إستثناءا للقاضي العادي.
وقد خول المشرع الجزائري لمجلس الدولة، من خلال القوانين الخاصة المنشئة للهيئات الإدارية المستقلة سلطة الفصل في الطعون المرفوعة ضد قراراتها ويتحدد إختصاصه بإلغاء هذه القرارات، فإذا كان القرار الصادر عنها معيبا في أركانه أو شروط صحته يكون هذا القرار باطلا ولا يملك القاضي إلا الحكم بإلغائه أما فيما يخص القرار الصادر بتوقيع عقوبة، فالقاضي يكون ملزم بالحكم بإلغاء الجزاء فقط دون إصلاح الضرر.
أما فيما يخص دعوى التعويض فالقاضي الإداري لا يكتفي بإلغاء القرار عندما يتحقق من عدم مشروعيته وإنما يستطيع تعديله أو إصلاحه، فإذا بحثنا في أساس دعوى التعويض فإننا نجدها نابعة أصلا من مسؤولية الدولة، فالسلطات الإدارية المستقلة تمارس مهامها، لكن الدولة هي التي تتحمل مسؤولية الأخطاء التي ترتكبها في ممارسة هذه المهام، ففي هذه الدعوى تتسع سلطة القاضي وتشمل الحكم بالتعويض وتقدير التعويض وأحيانا إتخاذ قرار هو أصلا من إختصاص الجهة الادارة وبذلك فهي تؤمن الحماية الكاملة للمضرورين، فإذا تضرر شخص ما جراء تصرف من السلطة الادارية المستقلة المختصة الغير مشروع، اللجوء للطريق القضائي المتمثل في دعوى التعويض وهو ما يعبر عنه المشرع بالمسؤولية الادارية للسلطات الادارية المستقلة.
وبما أن المشرع الجزائري كرس رقابة القضاء الإداري على القرارات التنظيمية والقرارات الفردية بما فيها تلك المتضمنة لجزاءات إدارية وكذلك على التصرفات الاتفاقية التي تصدرها السلطات الادارية المستقلة، وإذا كانت النصوص التأسيسية والأراء الفقهية والإجتهادات القضائية وكذلك الدراسات المقارنة كلها تجمع على خضوع القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية المستقلة لرقابة القضاء الإداري، فما هي الوسائل القانونية لإعمال هذه الرقابة؟